الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم

اشارة

نام كتاب: الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي- كتاب الصوم

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان قراردادی : عروه الوثقی . شرح

عنوان و نام پديدآور : تنقیح مبانی العروة : الصوم / تالیف جواد التبریزی.

مشخصات نشر : قم: دارالصدیقه الشهیده، 1428ق.= 1386.

مشخصات ظاهری : 288ص.

شابک : 30000 ريال : 978-964-8438-46-8

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری

يادداشت : عربی

يادداشت : کتاب حاضر شرحی بر "عروة الوثقی" محمد کاظم بن عبدالعظیم یزدی است.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقی. برگزیده

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

موضوع : طهارت

شناسه افزوده : یزدی، محمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقی. شرح

رده بندی کنگره : BP183/5/ی4ع402321724 1386

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : 1079367

[مقدمة المؤلف]

______________________________

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علي محمّد و آله الطاهرين و اللعن الدائم علي أعدائهم الي يوم الدين.

أما بعد فهذا تعليق علي كتاب الصوم من كتاب العروة للمرجع الديني الكبير السيد اليزدي (قدّس سرّه) و سمّيته ب (الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي)، راجيا من المولي ان يجعله ذخرا ليوم فقري و فاقتي و يكون نافعا للأفاضل و الاعلام، و اهدي هذه البضاعة المزجاة الي امام الانس و الجان الحجّة الثامن عليّ بن موسي الرضا عليه آلاف التحية و الثناء و روحي و أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

السلام عليك يا سيدي و يا مولاي يوم ولدت و يوم متّ و يوم تبعث حيّا و رحمة اللّه و بركاته.

و أنا عبدك و ابن عبدك أحقر العباد تقيّ بن الحسين الطباطبائي القمي عفي عنهما.

حرّر في صبيحة يوم الأربعاء الواحد و العشرين من ربيع

الاول من سنة 1417 الهجرية علي مهاجرها آلاف التحية و السلام في بلدة قم المقدّسة.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 5

[تعريف الصوم و أقسامه]

كتاب الصوم بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و هو الامساك عما يأتي من المفطرات بقصد القربة (1) و ينقسم الي الواجب و المندوب و الحرام و المكروه (2) بمعني قلة

______________________________

(1) قال الراغب في مفرداته «الصوم في الأصل الامساك عن الفعل مطعما كان أو كلاما أو مشيا» الي آخر كلامه.

و قال الطريحي في مجمعه: «و عن أبي عبيدة كلّ ممسك عن طعام أو كلام فهو صائم» الخ.

فالامساك عبارة عن الصّوم بحسب اللّغة و عليه يكون الصوم في الشرع الاقدس من مصاديق الصوم اللغوي فما أفاده الماتن (قدّس سرّه) تام فتحصل انّ الصوم عبارة عن الامساك عن جملة من الأمور و حيث أنّ الصّوم من العبادات لا بد فيه من قصد القربة.

(2) فانّ الواجب منه كصوم شهر رمضان و المندوب منه كصوم

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 6

الثواب (1) و الواجب منه ثمانية: صوم شهر رمضان و صوم القضاء و صوم الكفّارة علي كثرتها و صوم بدل الهدي في الحج و صوم النذر و العهد و اليمين و صوم الاجارة و نحوها كالشروط في ضمن العقد و صوم الثالث من أيّام الاعتكاف و صوم الولد

______________________________

اوّل شهر رجب مثلا و الحرام منه صوم يومي العيدين و المكروه منه صوم يوم العاشوراء علي القول به.

(1) قد أشار (قدّس سرّه) الي دقيقة و هي أنّ الكراهة في العبادات لا تتصور الّا بكون المراد منها قلة الثواب و ربما يقال بامكان تصور الكراهة بمعناها الواقعي في مورد تكون الكراهة مختصة بفرد معين

كالصلاة في الحمام بتقريب: انّ الكراهة قائمة بتطبيق الطبيعة علي الفرد المخصوص فلا يكون مصداق الكراهة متّحدا مع الواجب كي يقال لا يمكن اجتماع حكمين لأوله الي اجتماع الضدين.

و يرد عليه اوّلا بالنقض بالاتيان بالواجب في ضمن الفرد الحرام كالصلاة في الدار المغصوبة فانّه يتحقق الامتثال بالتقريب المذكور لعدم اتحاد مركزي الأمر و النهي و هل يمكن الالتزام به؟

و ثانيا بالحلّ و هو انّ الكلي مع الفرد متحدان و بعبارة اخري:

يكون تركيبهما اتحاديا و بعبارة واضحة ليس في الخارج الّا وجود واحد ينتزع منه الكلي و الفرد مثلا وجود زيد ينتزع منه عنوان زيد و عنوان الانسان و الحيوان و الجسم النامي و الجسم المطلق و الجوهر فالنتيجة انّ الكراهة في العبادة عبارة عن أقلية الثواب.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 7

الأكبر عن أحد أبويه (1) و وجوبه في شهر رمضان من ضروريات الدّين (2) و منكره مرتدّ (3) يجب قتله (4) و من أفطر

______________________________

(1) يقع الكلام حول كل واحد منها عند تعرّض الماتن له بالتّفصيل إن شاء اللّه تعالي.

(2) الأمر كما أفاده فانّ وجوبه من الواضحات عند أهل الشرع و الدّيانة و نقل عن جماعة التصريح به بل في كلام بعض الأصحاب الظاهر أنّه اجماعي.

[منكر الصوم مرتد و حكم الإفطار العمدي]

(3) انكار الضروري بما هو لا يوجب الكفر و انما يوجبه اذا رجع الي تكذيب النبيّ صلي اللّه عليه و آله و بعبارة واضحة: الّذي يوجب الكفر تكذيب النبيّ صلي اللّه عليه و آله فالنتيجة ان انكار الضروري بما هو لا يوجب الكفر و الارتداد.

(4) التفصيل بين المرتد الفطري و الملي يتعرض له بالنّحو المبسوط في كتاب الحدود و في المقام نتعرض بما يناسب

كلام الماتن فنقول:

الظاهر انّه لا وجه لما أفاده من وجوب قتله علي نحو الاطلاق بل لا بد من التفصيل بأن نقول: المرتد إمّا فطري أو ملّي أمّا المرتدّ الفطري و هو الذي ولد علي فطرة الإسلام و يكون محكوما به يقتل بدون الاستتابة و يدل علي المدّعي جملة من النصوص.

منها ما رواه محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرتدّ فقال: من رغب عن الإسلام و كفر بما انزل علي محمّد صلي اللّه عليه و آله بعد اسلامه فلا توبة له و قد وجب قتله و بانت منه امرأته و يقسّم ما ترك علي ولده «1».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 1، من أبواب حدّ المرتد، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 8

______________________________

و منها ما رواه عمّار الساباطي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمّدا صلي اللّه عليه و آله نبوّته و كذّبه فانّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه و امرأته بائنة منه (يوم ارتدّ) و يقسّم ماله علي ورثته و تعتدّ امرأته عدّة المتوفّي عنها زوجها و علي الامام أن يقتله و لا يستتيبه «1».

و منها ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام قال:

سألته عن مسلم تنصر؟ قال: يقتل و لا يستتاب قلت: فنصرانيّ أسلم ثمّ ارتدّ قال: يستتاب فان رجع و الّا قتل «2».

و منها ما رواه الحسين بن سعيد قال: قرأت بخطّ رجل الي أبي الحسن الرضا عليه السّلام رجل ولد علي الإسلام ثم كفر و اشرك و خرج عن الإسلام هل يستتاب أو يقتل و لا يستتاب؟ فكتب عليه

السلام يقتل «3».

و أمّا المرتدّ الملّي فلا يقتل ابتداء بل يستتاب اوّلا فان لم يتب يقتل و يدلّ علي الحكم المذكور ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام في حديث قال: قلت: فنصرانيّ أسلم ثم ارتدّ؟ قال: يستتاب فان رجع و الا قتل «4».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 5.

(3) نفس المصدر، الحديث 6.

(4) الوسائل: الباب 3، من أبواب حد المرتد، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 9

فيه لا مستحلا عالما عامدا يعزّر بخمسة و عشرين سوطا (1).

______________________________

و يستفاد تفصيل آخر ممّا رواه مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: المرتدّ تعزل عنه امرأته و لا تؤكل ذبيحته و يستتاب ثلاثة أيام فان تاب و الّا قتل يوم الرابع «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا و قد عبّر عنها سيّدنا الاستاد بمعتبرة السكوني و الحال انّ إسناد الصدوق اليه ضعيف بالنوفلي.

(1) الظاهر انّ المدرك للحكم المذكور إمّا الاجماع و إمّا حديث مفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أتي امرأته و هو صائم و هي صائمة فقال: ان كان استكرهها فعليه كفّارتان و ان كانت طاوعته فعليه كفّارة و عليها كفّارة و ان كان اكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ و ان كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا و ضربت خمسة و عشرين سوطا «2».

أمّا الاجماع فقد ثبت في محلّه انّه لا اعتبار به خصوصا مع احتمال اعتماد المجمعين علي الحديث المشار اليه فان الاجماع المدركي غير كاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام.

و أمّا الحديث فغير معتبر سندا فان عليّ بن

محمّد المذكور فيه لم يوثّق و أيضا ابراهيم بن اسحاق محل الاشكال كما أنّ عبد اللّه بن حمّاد غير موثّق فالحديث غير قابل للاعتماد و عمل المشهور به علي فرض

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) الوسائل: الباب 12، من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 10

فان عاد عزّر ثانيا (1).

______________________________

تحقّقه لا أثر له لما ذكرنا مرارا أنّ عمل المشهور بحديث ضعيف لا يوجب اعتباره و طريق الصدوق الي المفضل ضعيف.

اضف الي ذلك انّ مورد الحديث خصوص الجماع فلا وجه للتعدي الي غيره من بقيّة المفطرات فلا دليل علي التّحديد المذكور و أمّا أصل التعزير فقد استدلّ سيّدنا الاستاد (قدّس سرّه) عليه بما رواه بريد العجلي قال: سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجل شهد عليه شهود أنّه افطر من شهر رمضان ثلاثة أيام قال: يسئل هل عليك في افطارك إثم فان قال: لا، فانّ علي الامام أن يقتله و ان قال: نعم فانّ علي الامام أن ينهكه ضربا «1».

و يستفاد من هذه الرواية كما قلنا أصل التعزير و قد عيّن في بعض النصوص مقداره لا حظ ما رواه إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن التّعزير كم هو؟ قال: بضعة عشر سوطا ما بين العشرة إلي العشرين «2» فانّه يستفاد من هذه الرواية مقداره و التفصيل موكول الي مجال آخر.

(1) يمكن أن يستدلّ عليه باطلاق حديث العجلي مضافا الي أنّه قد ثبت و استفيد من النص أنّ التعزير ثابت في الشرع الأقدس فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 10، من أبواب بقية أبواب الحدود و التعزيرات، الحديث

1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 11

فان عاد قتل علي الأقوي (1) و ان كان الأحوط قتله في

______________________________

(1) قد استدلّ سيّدنا الاستاد علي المدّعي بحديث سماعة قال:

سألته عن رجل وجد في شهر رمضان و قد أفطر ثلاث مرّات و قد رفع الي الامام ثلاث مرّات قال: يقتل في الثالثة «1».

و هذه الرواية مخدوشة سندا اذ سماعة أضمر حيث قال: سألته و سماعة من الواقفة فلا يمكن أن يقال انه اجلّ من أن يضمر عن غير المعصوم و للحديث سند آخر و ذلك السند أيضا مخدوش باليونسي فلا يتمّ الاستدلال.

لكنّ للرّواية سند ثالث رواها الصدوق باسناده عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «2» و اسناد الصدوق الي سماعة تامّ علي ما ذكره الحاجياني دام عمره.

و استدلّ (قدّس سرّه) أيضا بما رواه يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: أصحاب الكبائر كلّها اذا اقيم عليهم الحدّ مرتين قتلوا في الثالثة «3».

بتقريب انّ مورد الحديث و ان كان هو الحدّ لكن لا فرق بين الحدّ و التعزير فانّ العرف يفهم انّ الميزان اجراء الحكم الالهي.

و يرد عليه انّه بايّ ميزان نحكم بعدم الفرق بين الحدّ و التعزير مع انّ الأحكام الشرعية امور تعبّديّة لا تنالها عقولنا و السنّة اذا قيست محق

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.

(2) الفقيه: ج 2 ص 73 الحديث 8.

(3) الوسائل: الباب 5، من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 12

الرابعة (1) و انما يقتل في الثالثة أو الرابعة اذا عزّر في كلّ من المرّتين أو الثلاث (2)، و اذا ادّعي شبهة محتملة

في حقّه درئ

______________________________

الدّين و قال اللّه تعالي في كتابه الكريم قُلْ آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَي اللّٰهِ تَفْتَرُونَ «1».

(1) الظاهر انّ الوجه في الاحتياط المذكور انّه نقل عن الشيخ في المبسوط أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة و من الظاهر ان المرسل لا اعتبار به فما أفاده من الاحتياط غريب يقضي منه العجب فانّ الدليل علي وجوب القتل اذا كان تامّا في نظره كما قوّي الحكم بقوله الأقوي كيف يحتاط بالتأخير و كيف يجوز تعطيل الحدّ الالهي فانه ربما ينجرّ الي عدم الاقامة كما لو لم يعد و لم تتحقّق الرابعة فان المكلف بحسب الطبع الاوّلي اذا علم بالقتل في المرّة الاخري لا يرتكب و لا يوجد موجب قتل نفسه و هذا ظاهر واضح.

و قد دلّ بعض النصوص علي عدم جواز تأخير الحدّ منها ما رواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليه السّلام في حديث قال: ليس في الحدود نظر ساعة «2».

و منها ما رواه محمّد بن عليّ بن الحسين باسناده الي قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام قال: اذا كان في الحدّ لعلّ أو عسي فالحدّ معطل «3».

(2) و الوجه انّ المستفاد من حديث سماعة و حديث يونس انّ

______________________________

(1) يونس: 59.

(2) الوسائل: الباب 25، من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 13

عنه الحدّ (1).

______________________________

الموضوع لوجوب القتل رفع المكلّف الي الامام عليه السّلام كما انّ الأمر لو وصل الي الشكّ يكون مقتضي الأصل التّحفّظ علي الشرط المذكور فانّ مقتضي الاستصحاب عدم تحقّق موضوع جواز القتل الّا بعد حصول الشرط المذكور.

(1) لا يبعد أن يكون ناظرا الي ما هو المعروف بين الاصحاب

من أنّ الحدود تدرأ بالشبهات و لذا أفاد السيد الحكيم (قدّس سرّه) في شرح كلام الماتن «لإطلاق ما دلّ علي ان الحدود تدرأ بالشبهات».

و الظاهر أنّه لا دليل معتبر علي هذه الدعوي نعم قد نقل عن عليّ عليه السّلام علي نحو الارسال لا حظ ما رواه في المقنع قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

ادرءوا الحدود بالشبهات «1».

و لا حظ ما أرسله الصدوق قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: ادرءوا الحدود بالشّبهات و لا شفاعة و لا كفالة و لا يمين في حدّ «2».

و لكن المدّعي المذكور علي طبق القاعدة الاوّلية فانّ اجراء الحدود و التعزير علي شخص يتوقّف علي احراز موضوعهما بالوجدان أو بدليل علمي و لمّا انجرّ الكلام الي هنا نشير الي نكتة مهمّة و هي انّه هل يلزم و يشترط في ترتيب الاثر علي الحرام احراز كون المرتكب يأتي به عن غير عذر أو يكفي مجرد الشكّ و عدم العلم؟ الظاهر انه لا وجه للجزم بالجواز بلا قيام دليل علي كون المرتكب يأتي به من غير عذر فانّ

______________________________

(1) الوسائل: الباب 27، من أبواب حد الزنا، الحديث 11.

(2) الوسائل: الباب 24، من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 14

______________________________

الوظيفة الشرعية الاوّلية في كلّ مورد حمل فعل الغير علي الصحّة و عدم رميه بالفسق و ارتكاب الحرام و عليه فلا بد في ترتيب كلّ أثر أعمّ من الحدود و التعزير أو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من احراز الموضوع و لا يكفي مجرّد الاحتمال فدرء الحدود بالشبهة أمر علي طبق القاعدة الاوّلية فلا حظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب

الصوم، ص: 15

[فصل في النيّة]

اشارة

فصل في النيّة يجب في الصوم القصد اليه مع القربة و الاخلاص كسائر العبادات و لا يجب الاخطار بل يكفي الداعي و يعتبر فيما عدا شهر رمضان حتّي الواجب المعيّن أيضا القصد الي نوعه من الكفّارة أو القضاء أو النّذر مطلقا كان أو مقيدا بزمان معيّن من غير فرق بين الصوم الواجب و المندوب ففي المندوب أيضا يعتبر تعيين نوعه من كونه صوم أيّام البيض مثلا أو غيرها من الأيّام المخصوصة فلا يجزي القصد الي الصوم مع القربة من دون تعيين النوع من غير فرق بين ما اذا كان ما في ذمّته متّحدا أو متعددا ففي صورة الاتّحاد أيضا يعتبر تعيين النوع و يكفي التعيين الإجمالي كأن يكون ما في ذمّته واحدا فيقصد ما في ذمّته و ان لم يعلم انه من أيّ نوع و ان كان يمكنه الاستعلام أيضا بل فيما اذا كان ما في ذمّته متعدّدا أيضا يكفي التعيين الإجمالي كأن ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلا أو ثانيا أو نحو ذلك، و أمّا في

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 16

شهر رمضان فيكفي قصد الصوم و إن لم ينو كونه من رمضان بل لو نوي فيه غيره جاهلا أو ناسيا له اجزأ عنه.

نعم اذا كان عالما به و قصد غيره لم يجزه كما لا يجزي لما قصده أيضا بل اذا قصد غيره عالما به مع تخيل صحّة الغير فيه ثمّ علم بعدم الصحّة و جدّد نيّته قبل الزوال لم يجزه أيضا بل الاحوط عدم الاجزاء اذا كان جاهلا بعدم صحّة غيره فيه و ان لم يقصد الغير أيضا بل قصد الصوم في الغد مثلا فيعتبر

في مثله تعيين كونه من رمضان كما أنّ الأحوط في المتوخّي أي المحبوس الذي اشتبه عليه شهر رمضان و عمل بالظّن أيضا ذلك أي اعتبار قصد كونه من رمضان بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوّة (1).

تستفاد مما ذكر في اوّل الفصل المشار اليه فروع:

الفرع الأول: انه يشترط في تحقّق الصوم القصد اليه

______________________________

(1) و يكون الاتيان به قربيّا مع الاخلاص و خلوّ القصد عن الرياء و الظاهر ان المدّعي المذكور من الواضحات و لا يحتاج الي البحث و الاستدلال فانّ كون الصوم من العبادات أمر مركوز في أذهان اهل الإسلام و السيرة جارية علي هذا المنوال.

و من ناحية اخري لا اشكال في انّه يعتبر في العبادة خلوّها عن الرياء.

الفرع الثاني: انّه لا يجب في نيّة الصوم الاخطار

بل يكفي الداعي و الأمر كما افاده فانه لو كان الاخطار واجبا لشاع و ذاع و الحال انّ

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 17

______________________________

السيرة المتشرّعيّة جارية علي الاكتفاء بالداعوية و ربما يقال انّ الالزام بالاخطار يقرع الاسماع مضافا الي أنّه يكفي لعدم الوجوب اصالة البراءة فلا حظ.

الفرع الثالث: انّه يعتبر فيما عدا شهر رمضان القصد الي نوعه

و الذي يختلج ببالي القاصر أن يقال تارة يكون المطلوب من المكلّف ذات الفعل مع قصد القربة و اخري المطلوب منه الفعل الذي يكون معنونا بعنوان خاصّ.

و بعبارة واضحة: تارة يكون الواجب في وعاء الشرع معنونا بعنوان خاصّ بحيث لا يتحقق في الخارج الّا مع ذلك العنوان كما لو وجب القيام تعظيما و اخري يكون الواجب نفس الفعل بلا عنوان متقوّم بالقصد فان كان الواجب معنونا بالعنوان القصدي لا يتحقّق الامتثال الّا مع قصد الفعل الفلاني أي المعنون بالعنوان الكذائي و اذا لم يكن كذلك لا يحتاج امتثاله الي قصد شي ء آخر غير قصد ذلك الفعل.

و ان شئت فقل: انّ تحقّق العبادة يتوقف علي قصد الفعل مع الداعي القربي فان كان الفعل معنونا بعنوان قصدي لا بدّ من قصد العنوان و لذا نقول: الظاهر انّه لا يلزم قصد العنوان في مثل صوم أيّام البيض فانّ الصوم محبوب في هذه الايام و لا وجه للالتزام بكون امتثاله متقوّما بالقصد المذكور.

و بعبارة اخري: صوم ايّام البيض كصوم بقيّة الايام في كونه مندوبا فيه فاذا أتي المكلّف به مع قصد القربة تحقّق الامتثال بلا اشكال

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 18

______________________________

و هذا هو الميزان الكلّي في جميع الموارد.

ان قلت: اذا لم ينو المكلّف صوم أيّام البيض بهذا العنوان الخاصّ بل نوي

القربة بلا قصد العنوان الفلاني لم يتحقّق امتثال الأمر المتعلق بالخصوصيّة.

قلت: المفروض ان الأمر المتعلّق بصوم ذلك اليوم لم يتعلّق بالصوم الكذائي بل متعلقة مطلق الصوم.

و بعبارة واضحة: الصوم في تلك الأيام ليس متعلقا لأمرين بل لا يعقل تعدد الأمر اذ التعدّد في الأمر مع وحدة المتعلق أمر غير ممكن فالميزان الكلّي ما ذكرناه.

الفرع الرابع: انّ الصوم في شهر رمضان يكفي فيه قصد الصوم

و لا يشترط فيه أن يكون من رمضان.

لا اشكال في توقّف الامتثال علي قصد ما تعلّق به الأمر و عليه انّ المكلف إمّا يقصد في شهر رمضان الاتيان بالصوم الذي تعلق به الوجوب و إمّا لا يقصد أمّا علي الأول فطبعا قصد صوم شهر رمضان و أمّا علي الثاني فلا يتحقق الامتثال فكيف يمكن تصديق ما أفاده الماتن.

و بعبارة اخري: المكلّف اذا كان عالما بكون الشهر الذي فيه شهر رمضان أو لم يكن عالما و لكن كان متوجها و محتملا لكون الشهر شهر رمضان و صام و لم يقصد صوما آخر فهل يمكن أن لا يكون قاصدا للعنوان؟ نعم مع العلم بالخلاف أو الغفلة يتصور عدم قصد العنوان المذكور.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 19

______________________________

ان قلت: لو فرض أنّ الواجب علي المكلّف الصوم المعنون بهذا العنوان و من الظاهر انّ قصد العنوان اذا كان واجبا لا يحصل الامتثال الّا بالاتيان بالمعنون بالعنوان الخاصّ.

قلت: لا دليل علي وجوب قصد العنوان المذكور و لو وصلت النوبة الي الشكّ يكون مقتضي الأصل عدم وجوبه.

و أمّا قوله تعالي: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «1» فلا يدلّ الّا علي وجوب الصوم في الظرف المشار اليه نعم قصد الصوم الآخر ينافي قصد صوم رمضان.

الفرع الخامس: انّ المكلف اذا كان جاهلا بشهر رمضان أو ناسيا و نوي غيره أجزأ عنه

و أمّا مع العلم به فلا يجزي.

الظاهر انه لا فرق بين الصورتين فان مقتضي القاعدة عدم الاجزاء فانّ اجزاء غير المأمور به عنه يتوقف علي قيام دليل عليه و دعوي الاجماع علي الصحة في صورتي الجهل و النسيان كما تري اذ قد ثبت في محله انّه لا اعتبار بالإجماع المحصّل فكيف بالمنقول منه.

و ربما يستدلّ بجملة من النصوص علي اثبات الصحّة في

صورة الجهل منها ما رواه الكاهلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اليوم الذي يشكّ فيه من شعبان قال: لأن اصوم يوما من شعبان احبّ إليّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان «2».

______________________________

(1) البقرة: 184.

(2) الوسائل: الباب 5، من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 20

______________________________

و الرواية ضعيفة بالكاهلي مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي فلاحظ.

و منها ما رواه سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اني صمت اليوم الذي يشكّ فيه فكان من شهر رمضان أ فأقضيه؟ قال: لا هو يوم وفقت له «1» و الحديث مخدوش باشتراك ابن رباط بين الموثّق و غيره.

و منها ما رواه بشير النبال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن صوم يوم الشكّ فقال: صمه فان يك من شعبان كان تطوّعا و ان يك من شهر رمضان فيوم وفّقت له «2» و الحديث ضعيف بالنبّال فانه لم يوثّق و طريق الصدوق اليه ضعيف.

و منها ما رواه سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صام يوما و لا يدري أمن رمضان هو أو من غيره فجاء قوم فشهدوا انّه كان من رمضان فقال بعض الناس عندنا لا يعتدّ به فقال: بلي فقلت: انّهم قالوا صمت و أنت لا تدري أمن رمضان هذا أم من غيره؟ فقال: بلي فاعتدّ به فانما هو شي ء وفّقك اللّه له انّما يصام يوم الشكّ من شعبان و لا تصومه من شهر رمضان لأنّه قد نهي أن ينفرد الانسان بالصيام في يوم الشكّ و انّما ينوي من الليلة انّه يصوم من شعبان فان كان من

شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل اللّه عزّ و جلّ و بما قد وسّع علي عباده و لو لا

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 21

______________________________

ذلك لهلك الناس «1» و الظاهر انّ السند تامّ كما انّ الدلالة كذلك.

و منها ما رواه معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرّجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان فيكون كذلك فقال هو شي ء وفّق له «2» و السند تامّ.

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان لا يدري أ هو من شعبان أو من شهر رمضان فصامه فكان من شهر رمضان قال هو يوم وفّق له لا قضاء عليه «3» و الحديث ضعيف بالعبيدي و بالاضمار.

و منها ما رواه محمّد بن حكيم قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن اليوم الّذي يشكّ فيه فان الناس يزعمون أنّ من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان فقال: كذبوا ان كان من شهر رمضان فهو يوم وفّق له و ان كان من غيره فهو بمنزلة ما مضي من الأيّام «4» و الحديث ضعيف بمحمّد بن حكيم.

و منها ما رواه الزّهري، عن عليّ بن الحسين عليه السّلام في حديث طويل قال: و صوم يوم الشك امرنا به و نهينا عنه امرنا به أن نصومه مع صيام شعبان و نهينا عنه أن ينفرد الرّجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس فقلت له: جعلت فداك فان لم يكن صام من شعبان شيئا

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 4.

(2) نفس المصدر، الحديث 5.

(3) نفس المصدر، الحديث 6.

(4) نفس المصدر، الحديث 7.

الغاية القصوي في

التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 22

______________________________

كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشكّ انّه صائم من شعبان فان كان من شهر رمضان اجزأ عنه و ان كان من شعبان لم يضرّه فقلت: و كيف يجزي صوم تطوع عن فريضة؟ فقال: لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا و هو لا يعلم انّه من شهر رمضان ثم علم بذلك لا جزأ عنه لأنّ الفرض انّما وقع علي اليوم بعينه «1» و الحديث ضعيف بالزهري و غيره.

و منها مرسل الصدوق قال: و سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن اليوم المشكوك فيه فقال: لأن اصوم يوما من شعبان احبّ إليّ من أن افطر يوما من شهر رمضان «2» و المرسل لا اعتبار به.

و منها مرسل المقنع و فيه: عن عبد اللّه بن سنان انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام شعبان فلمّا كان شهر رمضان أضمر يوما من شهر رمضان فبان أنّه من شعبان لأنّه وقع فيه الشكّ فقال: يعيد ذلك اليوم و ان اضمر من شعبان فبان من رمضان فلا شي ء عليه «3» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام اوّل يوم من شهر رمضان و هو شاكّ لا يدري أمن شعبان أو من شهر رمضان، فقال: هو يوم وفّق له لا قضاء عليه «4» و الرواية تدلّ علي المدعي.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 8.

(2) نفس المصدر، الحديث 9.

(3) نفس المصدر، الحديث 10.

(4) نفس المصدر، الحديث 11.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 23

______________________________

و منها ما روا معمّر بن خلاد، عن أبي الحسن عليه السّلام قال:

كنت جالسا عنده آخر يوم من شعبان و لم يكن هو صائما فأتوه بمائدة فقال:

ادن و كان ذلك بعد العصر فقلت له: جعلت فداك صمت اليوم فقال لي: و لم؟ قلت: جاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في اليوم الذي يشك فيه انّه قال: يوم وفق له قال: أ ليس تدرون انّما ذلك اذا كان لا يعلم أ هو من شعبان أم من شهر رمضان فصام الرجل فكان من شهر رمضان كان يوما وفّق له فأمّا و ليس علة و لا شبهة فلا، فقلت: أفطر الآن؟ فقال:

لا … الحديث «1» و الحديث ضعيف لضعف اسناد الشيخ الي معمّر ابن خلّاد علي ما ذكره الحاجياني.

و منها ما أرسله المفيد في المقنعة، قال: ثبت عن الصادقين عليه السّلام أنّه لو أنّ رجلا تطوّع شهرا و هو لا يعلم أنّه شهر رمضان ثم تبيّن له بعد صيامه انّه كان شهر رمضان لا جزأه ذلك عن فرض الصيام «2».

و المرسل لا اعتبار به و جملة من هذه النصوص و ان كانت ضعيفة سندا لكن في المعتبر منها كفاية و أمّا من حيث الدلالة فتقريب الاستدلال بها علي المدّعي: انّ مورد الحكم و ان كان خاصا و هو يوم الشكّ لكن يستفاد الاطلاق من العلّة الواردة في كلام المعصوم عليه السّلام أي قوله «هو يوم وفّقت له».

و يرد علي القائلين بالاطلاق بأنّه مع التقريب المذكور بايّ ميزان

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 12.

(2) نفس المصدر، الحديث 13.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 24

______________________________

خصّصوا الحكم بخصوص الجهل بكون الشهر شهر رمضان بل لازم القول بالاطلاق عموم الحكم لصورة العلم بكونه شهر رمضان و الجهل بعدم جواز الاتيان

بصوم آخر و حتّي مع العلم بعدم الجواز لكن لو عصي و نوي غير شهر رمضان فايّ مانع في الالتزام بالصحة ببركة الترتّب و الالتزام باحتسابه من شهر رمضان اذ لو قلنا بكون المكلّف مأمورا بأن يقصد صوم شهر رمضان لا يكون معناه النهي عن غيره فان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه كما حقّق في محلّه من الاصول.

الفرع السادس: انّه لا يجزي عن صوم غير شهر رمضان و لا أثر لقصده العنوان الآخر

اشارة

و ما يمكن أن يقال في تقريب عدم الصحة و الاجزاء وجوه:

الوجه الأوّل: عدم الدليل علي الصحة و هو يكفي لعدمها.

و فيه انّه تكفي دليلا عليها ادلة تلك العناوين فان اطلاق تلك الادلة بالاضافة الي صحّة الترتّب يكفي مستندا للحكم بالصحّة بل مقتضي القاعدة الصحّة حتّي مع عدم القول بالترتب و الالتزام بفساده كما لو نذر أن يصوم الصوم الندبي في السفر و سافر في شهر رمضان فان وجوب الصوم الرمضاني لا يتوجه اليه كما هو ظاهر و أمّا الصوم النذري فلا مانع عن شمول دليله اياه.

الوجه الثاني: قوله تعالي: [فمن شهد منكم الشهر فليصمه]

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَليٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1».

______________________________

(1) البقرة: 184.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 25

______________________________

بتقريب انّ المستفاد من الآية الشريفة عدم كون شهر رمضان قابلا لصوم لا يكون صوما رمضانيا.

و فيه انّ المستفاد من الآية انّ عدم المشروعية المستفاد من الآية يختص بصوم شهر رمضان لا مطلق الصيام.

الوجه الثالث: الشهرة و الاجماع علي عدم الصحة

و فيه انّه لا اعتبار بالشهرة الفتوائية و لا بالإجماع المنقول بل و لا بالمحصّل منه فانّه علي تقدير حصوله يمكن استنادهم الي انّه لا يمكن الجمع من قبل المولي بين الأمرين المتوجهين الي الضدين حيث انّهم ذهبوا الي امتناع الترتب فالاجماع محتمل المدرك.

الوجه الرابع: جملة من النصوص

منها ما رواه اسماعيل بن سهل عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينة في ايّام بقين من شعبان فكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان و هو في السفر فافطر فقيل له تصوم شعبان و تفطر شهر رمضان؟ فقال:

نعم، شعبان إليّ ان شئت صمت و ان شئت لا، و شهر رمضان عزم من اللّه عزّ و جلّ عليّ الافطار «1».

و من الظاهر انّ المرسل لا اعتبار به مضافا الي أنّه لا يستفاد المدّعي من الرواية فان المستفاد من الحديث انّ الصوم في السفر في شهر رمضان ممنوع.

و منها ما رواه بسّام الجمّال عن رجل قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل: الباب 12، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 26

______________________________

فيما بين مكة و المدينة في شعبان و هو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر فقلت له: جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر فقال: انّ ذلك تطوّع و لنا أن نقول ما شئنا و هذا فرض فليس لنا أن نفعل الّا ما امرنا «1».

و الكلام فيه هو الكلام.

و منها النبوي: ليس من البر الصيام في السفر «2».

و من الظاهر عدم ارتباط الحديث بما نحن فيه مضافا

الي عدم اعتباره سندا.

الوجه الخامس: ما هو المغروس في اذهان المتشرعة من عدم الجواز.

و عن الجواهر انه المعروف في الشريعة بل كاد يكون من قطعيات أصحابها ان لم يكن من ضرورياتها فلاحظ.

الفرع السابع: انه لو كان عالما بشهر رمضان و كان جاهلا بعدم جواز صوم غير شهر رمضان

ثم علم بالحكم و جدّد النيّة قبل الزوال لا يجزي عن صوم شهر رمضان و الوجه فيه انّه لم يأت بالمأمور به و لم يدلّ دليل علي الاجزاء فلا مقتضي للاجزاء لا عقلا و لا شرعا فلا أثر لتجديد النية فانّ الدليل الوارد فيه يختصّ بمورد آخر.

الفرع الثامن: انّه اذا كان جاهلا بعدم صحّة غير صوم شهر رمضان

فاحتاط الماتن (قدّس سرّه) بأن يقصد عنوان صوم شهر رمضان.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) مستدرك الوسائل: الباب 9، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 27

______________________________

و يمكن أن يكون الوجه في الاحتياط انّه لو كان عالما بالبطلان و اختصاص الشهر بصوم ذلك الشهر و قصد صوم الغد يكون قاصدا للعنوان و أمّا مع الجهل بالبطلان فلا يتحقّق الامتثال الّا مع قصد العنوان الخاصّ.

و يرد عليه اوّلا انّ البطلان محل الكلام و الاشكال الّا أن يتمّ الامر بالارتكاز و تسالم الاصحاب عليه و كون الالتزام بصحّة صوم آخر في شهر رمضان مستنكرا.

و ثانيا: انّه لا فرق بين الصومين فان قصد عنوان شهر رمضان ان كان لازما فيلزم علي كلا التقديرين و ان لم يكن لازما فكذلك و التفريق بين الصورتين بأنّ قصد العنوان لازم في صورة العلم بالبطلان و أمّا مع الجهل فغير لازم تحكّم.

الفرع التاسع: أنّ الماتن حكم بأن المحبوس المتوخّي الذي يعمل بالظنّ الاحوط في حقّه

بل لا يخلو الحكم عن القوّة وجوب الاتيان بالصوم بقصد كونه من شهر رمضان.

أقول: المحبوس الذي يكون جاهلا بخصوصيات الشهور و الأيام يعلم اجمالا بوجوب صوم ايّام عليه كما يعلم كذلك بحرمة بعضه الآخر و أيضا يعلم باستحباب أيّام عليه و حيث ان الامتثال القطعي لا يمكن في حقّه لدوران الأمر بين المحذورين مضافا الي دعوي الاجماع علي عدم الوجوب بالاضافة الي أنّه حرجيّ بالنسبة الي كثير من الأفراد، تصل النوبة الي الامتثال الظنّي و الي الامتثال الاحتمالي علي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 28

______________________________

فرض عدم الظنّ فلا بد من أن يقصد صوم شهر رمضان و يقصد العنوان الخاصّ، اذ الامتثال يتوقف علي قصد المأتيّ

به و لا ميز بين الصوم الندبي و صوم شهر رمضان و قضائه الّا بقصد العنوان.

و أفاد سيّدنا الاستاد (قدّس سرّه) في تقريره الشريف بأنّه لو لم يقصد العنوان بل قصد مجرد الصوم و طبيعته، لم يقع بعنوان صوم شهر رمضان بل يقع نافلة.

و يختلج ببالي القاصر عدم تماميّة ما أفاده اذ لو كان اليوم الذي يصومه من شهر رمضان كيف يقع صومه تطوعا و يمكن أن يقال اذا قصد صوم الغد بلا عنوان فامّا يكون الغد من شهر رمضان و إمّا يكون من غير شهر رمضان و علي الثاني إمّا يكون الصوم محرّما فيه كالعيدين و إمّا لا يكون حراما.

أمّا علي الأوّل فيصح و يقع من شهر رمضان اذ قد مرّ انّ قصد صوم الغد في شهر رمضان يكفي في امتثال الأمر المتوجّه الي صوم الشهر. و أمّا علي الثاني فلا يصح اذ المفروض انّ الصوم حرام غاية الأمر يكون المكلف معذورا و أمّا علي الثالث فامّا لا يجب عليه القضاء و إمّا يجب عليه أمّا علي تقدير عدم الوجوب فيكون مصداقا للصوم المندوب فانّه قد مرّ منا انّ قصد صوم الغد يكفي في امتثال الصوم الندبي الذي لا يكون مقيّدا بقصد خاصّ.

و أمّا علي تقدير وجوب القضاء عليه فلا يصح لا ندبا و لا قضاء أمّا ندبا فلاشتراط مشروعيّته بعدم وجوب القضاء عليه و المفروض انّه

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 29

(مسألة 1) لا يشترط التعرض للأداء و القضاء و لا الوجوب و الندب و لا سائر الأوصاف الشخصية بل لو نوي شيئا منها في محل الآخر صحّ الّا اذا كان منافيا للتعيين مثلا اذا تعلّق به الأمر

الادائي فتخيّل كونه قضائيا فان قصد الأمر الفعلي المتعلق به و اشتبه في التطبيق فقصده قضاء صحّ و أمّا اذا لم يقصد الأمر الفعلي بل قصد الأمر القضائي بطل لأنّه مناف للتعيين حينئذ و كذا يبطل اذا كان مغيرا للنوع كما اذا قصد الأمر الفعلي لكن بقيد كونه قضائيا مثلا أو بقيد كونه وجوبيا مثلا فبان كونه أدائيا أو كونه ندبيا فانه حينئذ مغير للنوع و يرجع الي عدم قصد الأمر الخاص (1).

______________________________

يجب عليه القضاء و أمّا قضاء فلعدم قصده كما هو المفروض و الامتثال يتوقف علي قصد المأمور به.

[مسائل في نية الصوم]

[مسألة 1: لا يشترط التعرض للأداء و القضاء و لا الوجوب و الندب و لا سائر الأوصاف الشخصية]

(1) الانصاف انّ ما أفاده تامّ اذ قد صرّح في كلامه انّه يلزم تعيين المأمور به و هذا هو العمدة و ملخّص القول في المقام انّه يلزم تعلق القصد بالمأمور به فاذا كان الاشتباه في التطبيق و كان المأمور به متعلّقا للقصد لا وجه للفساد و عدم الاجزاء.

و أمّا اذا لم يكن الأمر كذلك و لم يتحقّق قصد المأمور به فيكون الاجزاء علي خلاف القاعدة بلا فرق بين أن يكون القيد و العنوان من خصوصيّات المأمور به كالقضاء و الاداء أو من خصوصيّات الأمر كالوجوب و الاستحباب و لذا لو كان الواجب عليه أدائيّا و المصلّي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 30

(مسألة 2) اذا قصد صوم اليوم الأوّل من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني مثلا أو العكس صح و كذا لو قصد اليوم الأول من صوم الكفارة أو غيرها فبان الثاني مثلا أو العكس و كذا اذا قصد قضاء رمضان السنة الحالية فبان انّه قضاء رمضان السنة السابقة و بالعكس (1).

______________________________

يتصوّر كونه قضائيا لكن قصد امتثال الأمر المتوجّه اليه

فعلا و قصد الاتيان بما امر به بالفعل تكون صلاته صحيحة و يكون المأتي به مجزيا عن امره.

و في قبال ذلك لو كان الأمر المتوجه اليه ندبيّا و قصد المكلّف امتثال الأمر الوجوبي المتعلّق بصلاة الليل لا يكون المأتي به مجزيا اذ المفروض انه لم يأت بالمأمور به فان صلاة الليل لا تكون مأمورا بها بالأمر الوجوبي فما قصده لا واقع له و لا يرتبط ذلك بتقييد الجزئي الخارجي كي يقال: انّ الجزئي غير قابل للتقييد- كما في عبارة سيّدنا الاستاد علي ما في تقرير مقرر بحثه الشريف- اذ يمكن أن يقصد المكلف امتثال الأمر الوجوبي لا انّه يقيد الموجود الخارجي و بعبارة اخري: يقصد الأمر المقيد الذي لا واقع له لا أنّه يقيد الموجود الخارجي و أيضا يمكن أن يقصد الامتثال الكذائي علي نحو التعليق بأن يقصد الايتمام ان كان الامام زيد بن بكر و هكذا فلا حظ.

[مسألة 2 اذا قصد صوم اليوم الأوّل من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني مثلا أو العكس صح]

(1) قد ظهر ما هو الحقّ و لا وجه للإعادة و علي الجملة إن كان الاتيان بالواجب بحيث يكون المأتي به مصداقا للمأمور به يكفي و يجزئ و الّا فلا.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 31

(مسألة 3) لا يجب العلم بالمفطرات علي التفصيل فلو نوي الامساك عن أمور يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفي (1).

(مسألة 4) لو نوي الامساك عن جميع المفطرات و لكن تخيّل انّ المفطر الفلاني ليس بمفطر فان ارتكبه في ذلك اليوم بطل صومه و كذا ان لم يرتكبه و لكنّه لا حظ في نيته الامساك عمّا عداه و أمّا إن لم يلاحظ ذلك صحّ صومه في الاقوي (2).

[مسألة 3 لا يجب العلم بالمفطرات علي التفصيل]

______________________________

(1) لعدم الدليل علي الاشتراط المذكور فلو نوي الامساك عن كلّ ما يكون مفطرا و الحال انّه جاهل بالخصوصيّات يصحّ صومه و لا وجه لعدم الصحّة.

[مسألة 4 لو نوي الإمساك عن جميع المفطرات و لكن تخيّل أنّ المفطر الفلاني ليس بمفطر]

اشارة

(2) إنّ الماتن صوّر صورا:

الصورة الأولي: أن يتخيل المكلف أنّ المفطر الفلاني لا يفطر و ارتكبه يكون صومه باطلا

و الوجه فيه ظاهر اذ المفروض انه أبطل صومه.

الصورة الثانية: انّه اذا قصد الامساك عمّا عداه و لم يقصد الامساك عنه يكون صومه باطلا أيضا

و إن لم يرتكبه و الوجه فيه انه لم يقصد المأمور به العبادي.

الصورة الثالثة: أن لا يختصّ الامساك بما سواه فيحكم بالصحة.

و أورد عليه سيدنا الاستاد (قدّس سرّه) بأنّه في هذه الصورة تارة ينوي الامساك عنه و لو اجمالا فيصح صومه كما مرّ و أمّا اذا كان مهملا من هذه الجهة بحيث لا ينوي الامساك عنه لا تفصيلا و لا اجمالا يكون صومه باطلا لعدم قصد الاتيان بالمأمور به.

و يرد عليه اولا: أنّ الظاهر من التقابل المذكور في كلامه انّه ناظر

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 32

(مسألة 5) النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نيّة النيابة و إن كان متحدا نعم لو علم باشتغال ذمته بصوم و لا يعلم انّه له أو نيابة عن الغير يكفيه أن يقصد ما في الذمة (1).

(مسألة 6) لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره واجبا كان ذلك الغير أو ندبا سواء كان مكلفا بصومه أو لا كالمسافر و نحوه فلو نوي صوم غيره لم يقع عن ذلك الغير سواء كان عالما بأنّه رمضان أو جاهلا و سواء كان عالما بعدم وقوع غيره فيه أو جاهلا و لا يجزئ عن رمضان أيضا اذا كان مكلفا به مع العلم و العمد، نعم يجزئ عنه مع الجهل أو النسيان كما مرّ و لو نوي في شهر رمضان قضاء رمضان الماضي أيضا لم يصحّ قضاء و لم يجز عن رمضان أيضا مع العلم و العمد (2).

(مسألة 7) اذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزيه نيّة الصوم بدون تعيين انّه للنذر و لو اجمالا كما مرّ و لو نوي غيره فان كان مع

______________________________

الي صورة قصد الامساك عن المفطر الفلاني فلا مجال للإشكال.

و ثانيا: انّ الاهمال في

الواقع غير معقول فما أورده عليه غير وارد فلاحظ.

[مسألة 5 النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نيّة النيابة]

(1) و الوجه فيه ظاهر فانّ النيابة متقوّمة بالقصد فمع عدم قصدها لا مقتضي لتحققها نعم يكفي القصد الإجمالي و الاشارة الاجمالية كما في المتن.

[مسألة 6 لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره واجبا كان ذلك الغير أو ندبا]

(2) قد تقدم الكلام حول المسألة مفصلا فراجع ما ذكرناه.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 33

الغفلة عن النذر صح و ان كان مع العلم و العمد ففي صحّته اشكال (1).

[مسألة 7) اذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزيه نيّة الصوم بدون تعيين أنّه للنذر و لو اجمالا]

اشارة

______________________________

(1) قد ذكر في هذه المسألة فرعين:

الفرع الأول: انّه لو نذر صوم يوم معيّن لا تجزئه نية الصوم بدون تعيين انّه للنذر

و قد مرّ منا ان الأمر المتعلق بالنذر توصّلي و لا يحتاج في سقوطه الي قصد عنوان النذر بل يسقط و لو مع عدم القصد فان الانطباق قهري و الاجزاء عقلي نعم لا يثاب بالمأتيّ به ثواب امتثال الأمر النذري.

ان قلت: المنذور دين له تعالي و يلزم في أداء الدّين أن يقصد ادائه فيلزم القصد.

قلت: كون المنذور دينا كالديون المالية التي يشترط فيها في مقام الاداء قصد أدائها دعوي بلا دليل و ان شئت قلت: لا يكون المنذور مملوكا له تعالي بالملكيّة الاعتبارية كي يترتب عليه آثار الملكيّة و كون المنذور مطلوبا من الناذر لا يكون دليلا علي المدّعي و الّا يلزم أن يكون جميع الواجبات ديونا و هو كما تري.

و لا فرق فيما ذكرنا بين أن يتعلّق النذر باليوم الشخصي كما هو المفروض في كلام الماتن و يكون متعلق النذر معينا و بين تعلّقه بالكلي كما لو نذر أن يصوم يوما من أيّام الشهر الفلاني فانّه لو نذر كذلك و صام يوما بلا قصد الوفاء بالنذر يسقط الأمر النذري اذ الانطباق قهريّ و الاجزاء عقليّ.

الفرع الثاني: أنّه لو قصد غير المنذور فإذا كان مع الغفلة عن النذر صحّ

و أمّا مع العلم فيشكل فلو نذر أن يصوم صوم الكفّارة فصام نيابة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 34

(مسألة 8) لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها و قضاء رمضان السنة الماضية لا يجب عليه تعيين انه من أيّ منهما بل يكفيه نية الصوم قضاء و كذا اذا كان عليه نذران كلّ واحد يوم أو ازيد و كذا اذا كان عليه كفّارتان غير مختلفتين في الآثار (1).

(مسألة 9) اذا نذر صوم يوم خميس معيّن و نذر صوم يوم معين من شهر معين

فاتّفق في ذلك الخميس المعين يكفيه صومه و يسقط النذران فان قصدهما اثيب عليهما و إن قصد أحدهما اثيب عليه و سقط عنه الآخر (2).

______________________________

عن الغير يصحّ علي تقدير و يشكل الحكم بالصحّة علي تقدير آخر.

و الحقّ عدم الفرق بين الغفلة و عدمها اذ قد ثبت في محلّه من الاصول ان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن الضد و أيضا ثبت أنّه يجوز تعلّق الأمر بالضدين علي نحو الترتّب.

[مسألة 8 لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها و قضاء رمضان السنة الماضية]

(1) يمكن أن يقال انّ في كلامه تناقضا اذ يقول (قدّس سرّه) انّه لا يلزم تعيين قضاء رمضان و في ذيل المسألة يقول يلزم التعيين اذا كانت الكفّارتان مختلفتين في الآثار فانّ قضاء رمضان السنة التي هو فيها له اثر خاصّ و هو انّه مع الاتيان بقضائه قبل هلال شهر رمضان الآتي لا تتعلّق به الفدية و الّا تتعلق و عليه لو نوي مطلق القضاء تثبت الفدية.

[مسألة 9 إذا نذر صوم يوم خميس معيّن و نذر صوم يوم معين من شهر معين فاتّفق في ذلك الخميس المعين]

(2) الأمر كما أفاده فان الأمر النذري توصّلي و المفروض انّ متعلّقه ينطبق علي المأتي به و لو مع عدم الالتفات و مع الانطباق يكون

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 35

(مسألة 10) اذا نذر صوم يوم معين فاتّفق ذلك اليوم في أيّام البيض مثلا فان قصد وفاء النذر و صوم أيّام البيض اثيب عليهما و ان قصد النذر فقط اثيب عليه فقط و سقط الآخر و لا يجوز أن يقصد أيّام البيض دون وفاء النذر (1).

(مسألة 11) اذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب أو جهات من الاستحباب أو من الأمرين فقصد الجميع اثيب علي الجميع و إن قصد البعض دون البعض اثيب علي المنوي و سقط الأمر بالنسبة الي البقية (2).

(مسألة 12) آخر وقت النية في الواجب المعين رمضانا كان أو غيره عند طلوع الفجر الصادق و يجوز التقديم في أيّ جزء

______________________________

الاجزاء عقليا.

[مسألة 10 اذا نذر صوم يوم معين فاتّفق ذلك اليوم في أيّام البيض مثلا]

(1) قد ظهر حكم المسألة مما تقدّم و قلنا ان الأمر النذري توصلي لا يتوقف علي القصد و عليه لو صام ذلك اليوم النذري مع الغفلة عن النذر، يتحقق متعلقه قهرا و يجزئ عقلا نعم اذا قصد المكلف صوم يوم من أيّام البيض بقيد أن لا ينطبق عليه النذر يكون المأتي به باطلا اذ لا واقع له و لكن الظاهر انّ الماتن غير ناظر الي هذا الفرض و ملخّص الكلام: أنّ ترتب الثواب في الأمر التوصلي متقوم بالقصد و أمّا الاجزاء فلا يتوقف عليه كما هو ظاهر.

[مسألة 11 اذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب أو جهات من الاستحباب أو من الأمرين فقصد الجميع]

(2) الأمر كما افاده و يظهر وجهه ممّا تقدّم و لا يحتاج الي الاعادة فلا نعيد.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 36

من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه و مع النسيان أو الجهل بكونه رمضان أو المعين الآخر يجوز متي تذكّر الي ما قبل الزوال اذا لم يأت بمفطّر و أجزأه عن ذلك اليوم و لا يجزيه اذا تذكر بعد الزوال و أمّا في الواجب غير المعين فيمتد وقتها اختيارا من أول اللّيل الي الزوال دون ما بعده علي الأصح و لا فرق في ذلك بين سبق التردد أو العزم علي العدم و أمّا في المندوب فيمتد الي أن يبقي من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه علي الأقوي (1).

[مسألة 12 آخر وقت النية في الواجب المعين رمضانا كان أو غيره عند طلوع الفجر الصادق]

اشارة

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: انّ آخر وقت النيّة في الواجب المعيّن رمضانا كان أو غيره عند طلوع الفجر الصادق

و لو تأخر عن هذا الجزء من الزّمان يكون الصوم باطلا.

و الوجه فيه انّ الصوم واجب عبادي و يحتاج في تحقّق امتثال أمره الي قصد القربة فلو وقع جزء منه بلا قصد التقرّب يكون باطلا.

و ربما يقال: انّ التعبديّة علي خلاف الأصل الأولي بل الأصل الأوّلي في كلّ واجب التوصليّة و انّما خرجنا من الأصل المذكور في باب الصوم من باب ارتكاز كونه تعبديا و قيام الاجماع عليها و القدر المتيقن منهما لزوم قصد القربة في الجملة فلو قصد المكلف القربة في جزء من الزّمان يكفي في مقام الامتثال و عليه يكون وقتها ممتدّا الي مقدار باق من اليوم.

و يرد عليه انّ الأمر ليس كذلك فانّ كون الصوم عباديّا بالجملة من الواضحات الأوليّة الفقهية و من الضروريّات فلا مجال للتوهّم المذكور.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 37

______________________________

و أفاد سيّدنا الاستاد (قدّس سرّه) علي ما في تقريره الشريف: انّ البحث المذكور أجنبيّ عن المقام اذ الكلام في النية لا في قصد القربة و قد ثبت في الاصول انّ الفرق بين العبادة و غيرها بلزوم قصد القربة في العبادة و عدم لزومه في غيرها و أمّا قصد عنوان الفعل فلزومه مشترك بين العبادي و التوصلي و بعبارة واضحة: لا يسقط الواجب عن ذمّة المكلف و لو كان توصليّا الّا اذا اتي به مع القصد.

و يرد عليه اولا: انّ الكلام في المقام في قصد التقرب فانّ الماتن (قدّس سرّه) في أول كتاب الصوم عرّف الصوم بالامساك القربي مع الاخلاص و في المقام يعيّن زمان نيّته من حيث الانتهاء.

و ثانيا: انّ ما أفاده يحتاج الي اقامة دليل و ان

شئت قلت: المولي يعتبر الفعل في ذمّة المكلّف فاذا صدر الفعل الثابت في الذمة يحصل الفراغ.

و بعبارة واضحة: يشغل المولي باعتباره ذمة المكلف بالفعل الفلاني بداعي بعثه نحو العمل و يترتّب عليه انه لو صدر منه الفعل الذي تعلق به الأمر يحصل المأمور به و يتحقّق الفراغ حتّي فيما يصدر عنه بلا اختيار نعم لا يمكن اشغال ذمته بخصوص الفعل غير الاختياري فانه لغو صرف و أمّا الجامع بين المقدور و غيره فلا مانع عن اعتباره و جعله في ذمة المكلف و الزائد عليه خلاف الأصل الاولي الّا أن يقوم دليل علي لزوم القصد الفلاني فما أفاده من لزوم قصد العنوان في كافة الواجبات الّا ما خرج بالدليل غير تامّ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 38

______________________________

و صفوة القول: انّه لو لم يكن الواجب تعبديّا لا يتوقف امتثاله علي القصد الّا أن يكون الاتيان به متقوّما به و يكون من العناوين القصديّة كالتعظيم و الاهانة و امثالهما و الّا يكفي الاتيان به فلو لم يكن الصوم عباديا يكفي الاتيان به بلا نيّة و الزائد علي الفعل المأمور به في مقام الاجزاء يحتاج الي الدليل.

فتحصّل انّه يكفي و يجزئ تحقّق النيّة عند طلوع الفجر بحيث يحدث الصوم حينئذ مقارنا للنية و العجب من سيّدنا الاستاد (قدّس سرّه) حيث صرّح في منهاجه بكفاية المقارنة بين الصوم و النيّة بأن يكون الصوم صادرا عن المكلف في اوّل جزء من النهار مع النيّة و صرّح أيضا في شرح قول الماتن في المقام بأنّ آخر وقت النيّة الجزء الأخير من الليل المتّصل بالنهار و هذا تهافت.

مضافا الي أنّه خلاف التحقيق فالمتحصّل مما ذكرنا انه يجوز النيّة

في الواجب المعين عند طلوع الفجر الصادق.

و ربما يقال- كما عن ابن أبي عقيل- لزوم تقديمها من الليل و يمكن الاستدلال علي المدّعي المذكور بما ارسل عن النبيّ صلي اللّه عليه و آله انّه قال:

لا تصام الفريضة الا باعتقاد (و) نيّة «1».

و من الظاهر أنّ المرسل لا اعتبار به و مثله المرسل الآخر في نفس الباب «2» و هو كسابقه في عدم الاعتبار هذا تمام الكلام في الفرع الاول.

______________________________

(1) المستدرك: الباب 2، من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 2.

(2) نفس الباب، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 39

الفرع الثاني: انّه يجوز تقديم النيّة من الليل

______________________________

فانّه لا مجال للإشكال في كفايتها و لذا لو نام أحد مع النيّة و كان عازما علي كونه باقيا علي النوم الي مقدار يسير قبل طلوع الشمس لصلاة الفجر يكون صومه صحيحا و لا يكون عاصيا.

و بعبارة واضحة: كفاية النية من الليل لا تكون قابلة للنقاش هذا بالنسبة الي تقديمها من الليلة السابقة و هل يجوز تقديمها علي الليل و من اليوم السابق أو الاسبق أم لا يجوز؟

لا يبعد أن يكون المقام مورد التفصيل بأن يقال تارة الأمر بالصوم متوجه الي المكلف و اخري لا فعلي تقدير توجّه التكليف تكون النية المتقدّمة صحيحة و الّا فلا و عليه اذا كانت النية بعد دخول شهر رمضان تضح و لو قبل أيّام اذ مقتضي الآية الشريفة و هي قوله تعالي: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَليٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1»، توجّه التكليف الي المكلّف بصوم كلّ يوم من أول شهر رمضان.

و أمّا اذا لم يكن كذلك كما لو نوي في اليوم الأخير من شهر شعبان

صوم أوّل شهر رمضان لا تكون تامّة لعدم توجه التكليف و هذا التفصيل بني عليه سيدنا الاستاد.

و لقائل أن يقول: انّه لا وجه للتفصيل المذكور اذ لا مدخلية للأمر و عدمه في هذه الجهة فانّ المطلوب صدور الواجب عن النيّة فلو قلنا

______________________________

(1) البقرة: 184.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 40

______________________________

بانّه يكفي في النيّة الداعي و لا يلزم الاخطار كما هو كذلك فلا فرق بين وجود الأمر و عدمه.

و بعبارة واضحة: يصدق أنّ المكلف أمسك عن نيّة و ان شئت قلت: اللازم في تحقّق الطاعة صدور الفعل عن المكلّف عن نيّة القربة و المفروض تحقّقه فلا وجه للبطلان.

الفرع الثالث: انّ المكلف اذا كان جاهلا بشهر رمضان و لم ينو الصوم و لم يفطر

هل يجوز له أن ينوي الصوم بعد التذكّر ما دام لم يتحقق الزوال أم لا؟

و هذا الحكم علي خلاف القاعدة الاوليّة و لا بدّ في اثباته من التماس دليل اذ المفروض ان الصوم واجب عبادي و لم يقع جزء منه عن نيّة و المركّب من الداخل و الخارج خارج.

و ما قيل في تقريبه أو يمكن أن يقال وجوه:

الوجه الاول: إنّه قد دلّ الدليل علي أنّ المسافر لو قدم من السفر و لم يتحقق الزوال و لم يفطر يجوز له أن ينوي الصوم.

و يرد عليه انّ الحكم هناك أيضا علي خلاف القاعدة و انّما نخرج عنها بواسطة قيام الدليل علي الجواز و القياس ليس من مذهبنا مع انّه لعلّه مع الفارق.

الوجه الثاني: انّ حديث الرفع و هو ما رواه حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: رفع عن أمّتي تسعة اشياء الخطأ و النسيان و ما اكرهوا عليه و ما لا يعلمون

الحديث «1»،

______________________________

(1) الوسائل: الباب 56، من أبواب جهاد النفس، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 41

______________________________

يقتضي ارتفاع الوجوب بمقدار زمان الجهل فلا تكون النيّة واجبة في تلك القطعة من الزمان و بعد ارتفاعه تتحقّق النية فيصح الصوم.

و هذا الوجه في غاية السقوط و الفساد اذ يرد عليه:

اولا: انّه لا تصل النوبة الي حديث الرفع فان الاستصحاب الجاري في الموضوع الدّال علي عدم تحقق شهر رمضان حاكم علي حديث الرفع فلا موقع للاستدلال.

و ثانيا: انّ الرفع ظاهري و الحكم ثابت في الواقع و الّا يلزم التصويب الباطل و الدور المحال.

و ثالثا: انّ شأن الحديث النفي لا الاثبات فان الصوم علي القاعدة باطل و حديث الرّفع ليس قابلا لإثبات الصحّة.

الوجه الثالث: ما أرسل عن النبيّ صلي اللّه عليه و آله من انّ ليلة الشكّ أصبح الناس فجاء اعرابي فشهد برؤية الهلال فأمر صلي اللّه عليه و آله مناديا ينادي: من لم يأكل فليصم و من اكل فليمسك «1».

و هذه الرواية لا اعتبار بها لإرسالها و لا جابر لها حتّي علي القول بكون عمل المشهور جابرا اذ المشهور لم يستندوا اليها مضافا الي بطلان أصل الكبري.

الوجه الرابع: جملة من النصوص منها ما رواه محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال عليّ عليه السّلام: اذا لم يفرض الرجل علي نفسه صياما، ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا و لم

______________________________

(1) هذه الرواية نقلت من المعتبر في مسئلة وقت النية من الصوم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 42

______________________________

يفطر فهو بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر «1». و هذه الرواية مخدوشة بأنّهم

لا يلتزمون بجواز الافطار في شهر رمضان و لو مع فساد الصوم.

و منها ما رواه ابن سنان يعني عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في حديث إن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم فانه يحسب له من الساعة التي نوي فيها «2».

و هذه الرواية كيف يمكن العمل بمفادها اذ المستفاد منها انه يحسب له من تلك الساعة و الحال انّ الصوم واجب علي المكلف من أوّل اليوم كما تقدّم.

و منها ما رواه هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: الرّجل يصبح لا ينوي الصوم فاذا تعالي النهار حدث له رأي في الصوم فقال إن هو نوي الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه و ان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوي «3».

و السند تام و الاشكال الوارد في الرواية السابقة غير جار فيها.

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: قلت له: انّ رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أ يصوم قال: نعم «4».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2، من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 8.

(4) نفس المصدر، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 43

______________________________

و ادّعي سيّدنا الاستاد ظهور الحديث في الصوم المندوب و للمناقشة في دعواه مجال اذ تعبير السائل بقوله أراد أن يصوم ليس دالا علي مدعاه فان المكلف اذا كان جاهلا بالشهر أو كان ناسيا أو كان غافلا ثم علم أو تذكّر قبل الزوال و أراد أن يصوم يصدق عليه العنوان المذكور في سؤال الراوي.

و الانصاف أنّ شمول

الحديث للمقام باطلاقه أمر قابل للقبول و يؤيّد المدّعي الاجماع المدعي علي الصحة بتجديد النية للصوم و طريق الاحتياط ظاهر هكذا قلنا في كتاب الصوم من مباني منهاج الصالحين خلافا لسيدنا الاستاد (قدّس سرّه).

و حيث انجرّ الكلام الي هنا هل يمكن القول بالجواز في صورة العمد أم لا؟ الظاهر انّه لا مجال له و إن كان دعوي شمول اطلاق حديث الحلبي أو هشام ايّاها غير جزافية فان الالتزام بالجواز فيه يقرع الاسماع و لعلّه يكون مستنكرا عند المتشرعة و خلاف مرتكزهم مضافا الي الاجماع و التسالم علي خلافه فلاحظ.

الفرع الرابع: انّه لو نسي أنّ الشهر شهر رمضان و تذكّر قبل الزوال و لم يفطر هل يجوز له أن ينوي الصوم؟

الكلام فيه هو الكلام.

و لقائل أن يقول اطلاق حديث الحلبي يشمل الناسي كشموله للجاهل و يلحق بشهر رمضان كل واجب معيّن لعدم خصوصيّة لشهر رمضان و حكم الامثال واحد.

و فصّل سيّدنا الاستاد (قدّس سرّه) بين شهر رمضان و المعيّن غيره

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 44

______________________________

و قال يجري الحكم المذكور في غير شهر رمضان مع كونه معيّنا.

بتقريب: انّ غير شهر رمضان ينقسم بالمعين و غير المعين فاذا جاز تجديد النيّة في غير المعين يجوز فيه بالاولويّة و أمّا صوم شهر رمضان فلا يكون الّا معيّنا فلا مجال لجريان تقريب الأولوية فيه.

أقول: قد ذكرنا ان مقتضي اطلاق حديث الحلبي شمول الحكم لكلّ واجب معينا كان أو غيره و أمّا الأولوية التي ادعاها فعهدة اثباتها عليه و اللّه العالم.

الفرع الخامس: أنّه لو علم الجاهل أو تذكّر الناسي بعد الزوال لا أثر لنيّته و لا يصح صومه

و هذا علي طبق القاعدة الاوّليّة كما تقدم و لا دليل يستدل به علي خلاف القاعدة و حديث الحلبي لا ينطبق عليه فانّ مورد السؤال زمان ارتفاع النهار و هذا العنوان يختصّ بما قبل الزوال.

الفرع السادس: انّ الواجب غير المعيّن يمتد وقته اختيارا من اوّل الليل الي الزوال دون ما بعده

و ما يمكن أن يستدل به علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه الحلبي «1» فان هذه الرواية باطلاقها تشمل المقام و بمقتضي قول السائل ارتفاع النهار نحكم بامتداد الوقت الي الزوال فان اطلاق عنوان ارتفاع النهار يشمل الي الزوال و أمّا ما بعد الزوال فالظاهر عدم صدق العنوان المذكور عليه.

و منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن عليه السّلام في

______________________________

(1) قد تقدم في ص 42.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 45

______________________________

الرّجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان و لم يكن نوي ذلك من الليل قال: نعم ليصمه و ليعتد به اذا لم يكن أحدث شيئا «1».

و هذه الرواية تامّة سندا و لكن تختصّ بقضاء شهر رمضان و لا تشمل غيره و من حيث المفاد من جهة اختصاص الحكم بما قبل الزوال كالرّواية الاولي.

و منها ما رواه ابن الحجّاج أيضا قال: سألت أبا الحسن موسي عليه السّلام عن الرّجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوما و كان عليه يوم من شهر رمضان أله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامّة النهار؟ فقال:

نعم له أن يصومه و يعتدّ به من شهر رمضان «2».

و يستفاد من هذه الرواية امتداد الحكم الي ما بعد الزوال اذ قد فرض الراوي ذهاب عامّة النهار و ذهاب عامّة النهار يستلزم تحقّق

الزوال.

و ما أفاده سيّدنا الاستاد (قدّس سرّه) من كون ما بين الطلوعين داخل في النهار الصومي فيصدق ذهاب عامة النهار علي قبيل الزوال غير تامّ فان عنوان ذهاب عامة النهار لا يصدق علي ما قبل الزوال و هل تكون هذه الرواية معارضة مع حديث الحلبي حيث استفيد منه ان الميزان عنوان ارتفاع النهار أم لا تكون معارضة؟

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2، من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 46

______________________________

الحقّ هو الثاني فانه قد ثبت في محله انّه لا تنافي بين الاثباتين مضافا الي انّ الحديث المذكور أخص من تلك الرواية و لا تنافي بين العامّ و الخاصّ و لكن يقع التعارض بين هذه الرواية و الحديث الذي رواه عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها متي يريد أن ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار الي أن تزول الشمس فاذا زالت الشمس فان كان نوي الصوم فليصم و إن كان ينوي الافطار فليفطر، سئل فان كان نوي الافطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال: لا، الحديث «1».

فانّ مقتضي هذه الرواية انّ انتهاء زمان تجديد النيّة الزوال لكن بعد الزوال لا يجوز و بعد التعارض تصل النوبة الي الأخذ بحديث الحلبي و مقتضاه انتهاء المدّة بالزوال.

و استشكل سيّدنا الاستاد في حديث عمّار بضعف طريق الشيخ الي عليّ بن حسن الفضال و الحق معه فالرواية ساقطة عن الاعتبار.

و عليه لا بدّ من التفصيل بين قضاء شهر رمضان و غيره بأن نقول يمتدّ الوقت الي الغروب بالنسبة الي قضاء شهر

رمضان و أمّا غيره فيمتد الي الزوال.

ثمّ انّه لا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون المكلف مرددا و بين كونه عازما علي العدم و ذلك لا طلاق النصوص.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 10.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 47

الفرع السابع: انّه أفاد (قدّس سرّه) انّ وقت تجديد النية في الصوم المندوب يمتدّ الي أن يبقي من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه علي الاقوي.

______________________________

و استدلّ سيّدنا الاستاد (قدّس سرّه) علي المدعي بما رواه هشام ابن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان امير المؤمنين عليه السّلام يدخل الي أهله فيقول: عندكم شي ء و الّا صمت فان كان عندهم شي ء أتوه به و الّا صام «1».

بتقريب انّ الغالب في الدخول الي الأهل ما بعد الزوال و من ناحية اخري جملة «كان يدخل الي اهله» دالّة علي الاستمرار فتدلّ الرواية علي انّ الوقت يمتد الي ما بعد الزوال.

و هذه الرواية ضعيفة سندا بالبرقي مضافا الي أنّه لا يمكن اثبات كون دخوله روحي فداه كان بعد الزوال و الغلبة الخارجية لا تكون دليلا علي المدّعي عند الشك و احتمال الخلاف اضف الي ذلك انّ الغلبة المذكورة لم تحرز في زمانه روحي فداه.

و استدلّ (قدّس سرّه) علي المدعي أيضا بما رواه أبو بصير قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة قال: هو بالخيار ما بينه و بين العصر و إن مكث حتّي العصر ثم بدا له أن يصوم و إن لم يكن نوي ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم ان شاء «2».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 7.

(2) نفس المصدر، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 48

(مسألة 13) لو نوي الصوم ليلا ثمّ نوي الافطار ثمّ بدا له الصوم قبل الزوال فنوي و صام قبل أن يأتي بمفطر

صح علي الأقوي الّا أن يفسد صومه برياء و نحوه فانّه لا يجزئه لو أراد التجديد قبل الزوال علي الأحوط (1).

______________________________

و الحديث تامّ سندا لتماميّة اسناد الصدوق الي سماعة علي ما ذكره الحاجياني زيد فضله و دلالته أيضا تامّة.

و يعارضها ما رواه ابن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتّي يصبح أ يصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال:

أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار … الحديث «1».

و حيث إنّ الاحدث غير معلوم لا يمكن الأخذ بحديث أبي بصير فلا دليل علي بقاء الوقت الي ما بعد الزوال لكن الدليل تامّ بالنسبة الي الزوال اذ لا اشكال انّ أحد الحديثين احدث و الاحدث حجة فعلي كلا التقديرين الدليل تامّ بالنسبة الي الزوال.

[مسألة 13 لو نوي الصوم ليلا ثمّ نوي الافطار ثمّ بدا له الصوم قبل الزوال فنوي و صام قبل أن يأتي بمفطر]

(1) الأمر كما أفاده فانّ الاطلاق المستفاد من حديث الحلبي و غيره يقتضي عدم الفرق و بعبارة اخري: مقتضي قوله روحي فداه «ان رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار» جواز التجديد حتي في مفروض كلامه و استثني من الحكم المذكور صورة إفساد الصوم بالرياء و نحوه.

و استدل سيّدنا الاستاد عليه بأن المستفاد من الدليل جواز تجديد النيّة ممّن لا يكون ناويا للصوم و أمّا من كان صائما صوما حراما

______________________________

(1) الوسائل: الباب 20، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 49

(مسألة (14) إذا نوي الصوم ليلا لا يضرّه الاتيان بالمفطر بعده قبل الفجر مع بقاء العزم علي الصوم (1).

(مسألة 15) يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكلّ يوم نيّة علي حدة، و الاولي أن ينوي صوم الشهر جملة و يجدّد النية لكل يوم و يقوي

الاجتزاء بنية واحدة للشهر كلّه لكن لا يترك الاحتياط بتجديدها لكلّ يوم، و أما في غير شهر رمضان من الصوم المعين فلا بدّ من نية لكلّ يوم اذا كان عليه ايّام كشهر أو أقلّ أو اكثر (2).

______________________________

فلا يشمله الدليل.

و ما أفاده لا يرجع الي محصّل فان مقتضي اطلاق النصوص انّ المريد للصوم الشرعي يجوز له أن ينوي الصوم برفض جميع القيود و منها المقام و صفوة القول: إنّا لا نري مانعا عن الأخذ بالاطلاق فلاحظ.

[مسألة 14 إذا نوي الصوم ليلا لا يضرّه الإتيان بالمفطر بعده قبل الفجر]

(1) هذا من الواضحات فانّه لا وجه للزوم الامساك بعد تحقّق النيّة و ملخّص الكلام: انّه لو قارن النية مع الفجر يكون الصوم صحيحا كما أنّه لو نوي ليلا و نام أو غفل تكفي للاجزاء تلك النيّة و الوجه فيه: انّ الواجب الامساك في اليوم فلا وجه و لا مقتضي لكون استعمال المفطر بالليل مضرّا بالصوم.

[مسألة 15 يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكلّ يوم نيّة علي حدة]

(2) بلا اشكال اذ المفروض انّ صوم كلّ يوم واجب في قبال بقيّة الايّام و لا يرتبط صوم يوم بيوم آخر فما أفاده تامّ لا غبار عليه و لا اشكال في أولويّة ما أفاده من الجمع بين المجموع و نيّة كلّ واحد في ليلته

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 50

(مسألة 16) يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان يبني علي أنّه من شعبان فلا يجب صومه و إن صام ينويه ندبا أو قضاء أو غيرهما و لو بان بعد ذلك انّه من رمضان أجزأ عنه و وجب عليه تجديد النيّة إن بان في أثناء النهار و لو كان بعد الزوال، و لو صامه بنيّة انّه من رمضان لم يصحّ و إن صادف الواقع (1).

______________________________

فان الاحتياط حسن بلا اشكال.

و ملخّص الكلام: انّه لا يلزم الاخطار و انّما اللازم صدور الفعل عن نيّة و هذه الجهة تتحقّق بالنسبة الي المتقدّمة كما تقدم سابقا.

و ان شئت قلت: لو كان قصد الفعل موجودا في خزانة النفس يكفي و لا يحتاج الي البحث و الاستدلال و الالتزام بخلافه يحتاج الي الدليل.

هذا بالنّسبة الي شهر رمضان و أمّا بالنّسبة الي غيره فحكم بلزوم النيّة لكلّ يوم علي حدة و ما أفاده ليس عليه دليل اذ لا فرق بين شهر

رمضان و غيره من الواجب المعيّن بل و الواجب غير المعين من هذه الجهة و الوجه فيه انّ هذا الذي نقول أمر علي القاعدة الاوّلية و ليس مدلول دليل خاصّ كي يقال: ذلك الدليل مخصوص بمورده و لا يشمل غيره.

[مسألة 16 يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان يبني علي أنّه من شعبان]

اشارة

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: انّ يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان يبني علي أنّه من شعبان

و لا اشكال في أنّ القاعدة تقتضي ما أفاده اذ مقتضي الاستصحاب بقاء شعبان و عليه لا يجب صومه كما هو ظاهر.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 51

الفرع الثاني: انّه لو صام يوم الشكّ يصوم بعنوان الندب أو القضاء أو غيرهما و إن بان بعد ذلك كونه من رمضان يجزي

______________________________

و يحسب من رمضان و قد عقد صاحب الوسائل بابا مستقلا للحكم المذكور و ذكر فيه جملة من النصوص:

منها ما رواه الكاهلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اليوم الذي يشكّ فيه من شعبان قال: لأن اصوم يوما من شعبان احبّ إليّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان «1» و هذه الرواية ضعيفة بالكاهلي.

و منها ما رواه سعيد الأعرج «2» و هذه الرواية ضعيفة بعليّ حيث لا يميز انّه ابن الحسن أو الحسين.

و منها ما رواه بشير النبّال «3» و الرواية ضعيفة به.

و منها ما رواه سماعة «4» و الرواية ضعيفة بالعبيدي و بالاضمار.

و منها ما رواه محمد بن حكيم «5» و الرواية ضعيفة به بل و بغيره.

و منها ما رواه الزهري «6» و الرواية ضعيفة به بل و بغيره.

و منها ما رواه معمّر بن خلّاد «7» و الرواية ضعيفة بضعف اسناد

______________________________

(1) الوسائل: الباب 5، من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 1.

(2) قد تقدم في ص 20.

(3) قد تقدم في ص 20.

(4) قد تقدم في ص 21.

(5) قد تقدم في ص 21.

(6) قد تقدّما في ص 21.

(7) قد تقدّما في ص 23.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 52

______________________________

الشيخ اليه و لكن اسناد الصدوق الي الرجل تامّ علي ما كتبه الحاجياني سلّمه اللّه فالحديث تام سندا.

و أمّا من حيث الدلالة فيمكن أن يقال: انّه لا قصور فيه من هذه الناحية أيضا اذ المفروض انّ

الراوي صام ندبا بحسب الظهور و الامام عليه السّلام قرّره علي ما في ذهنه غاية الأمر بيّن روحي فداه انّ الحكم المذكور يختصّ بيوم الشك و أمّا مع وضوح انّ اليوم من شعبان فلا، فتدل الرواية علي تمامية الحكم المذكور و مقتضي اطلاق قوله عليه السّلام «فصام» عدم الفرق بين أقسام الصيام فاذا صام المكلف يوم الشك قضاء أو كفارة أو نيابة أو ندبا و كان اليوم في الواقع من رمضان يحسب منه.

و منها ما رواه معاوية بن وهب «1» و هذه الرواية تامة سندا، و أمّا دلالة فالظاهر منها انّ المكلّف اذا صام برجاء كون الغد من شهر رمضان فصادف يكون موفّقا و بعبارة اخري: كأنّه قال اذا صام برجاء كونه من رمضان و العرف ببابك و عليه لا تدل الرواية علي المدّعي الّا أن يقال انّ الاطلاق في هذه أيضا يقتضي عموم الحكم و منها ما رواه سماعة «2».

و هذه الرواية تامة من حيث الدلالة علي المدعي و بمقتضي اطلاق

______________________________

(1) قد تقدم في ص 21.

(2) قد تقدم في ص 20.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 53

______________________________

قول السائل صام، نقول: لا فرق في الحكم المذكور في أقسام الصوم كما تقدّم و أمّا من حيث السند فربما يستشكل من جهة حسين بن حسن بن أبان حيث انّه لم يوثّق.

و قال الحرّ في رجاله ما مضمونه: انّ العلّامة وثّق الرجل و هل يكون توثيق العلامة و أضرابه من المتأخرين مؤثر أم لا؟ و حيث ان هذه الجهة لها أهمية كثيرة و تترتب عليها فوائد متعدّدة نتعرض لها فنقول:

قال سيّدنا الاستاد- في الأمر الثالث من الأمور التي تثبت به وثاقة شخص-: «و

مما تثبت به الوثاقة أو الحسن أن ينصّ علي ذلك أحد الاعلام المتأخرين» «1» الي آخر كلامه زيد في علوّ مقامه.

أقول: يختلج ببالي القاصر أنّ ما أفاده لا يكون قابلا لإثبات مراده فانّ تمام ما افيد في كلامه انّ السلسلة انقطعت و انتهت الي الشيخ و هو (قدّس سرّه) واسطة بين من تقدّم عليه و من تأخر عنه فالنتيجة انّ المتأخرين لا يكون لهم طريق حسّي فلا محالة يكون توثيقهم مبنيا علي الحدس و الاجتهاد و من ناحية اخري لا يكون اجتهاد احد حجة لغيره الّا لمقلّديه فيما يكون التقليد جائزا هذا غاية ما يستفاد من كلامه في المقام.

و يمكن الايراد عليه بأنّه ما المراد من انقطاع السلسلة؟ فانّ المستفاد ممّا أفاده انقطاع سلسلة الرواة أي لا طريق للمتأخرين الي روايات الرواة الّا بالواسطة كالشيخ الطوسي و أضرابه و نفرض انّ الأمر كذلك لكن الكلام ليس في الرواية بل الكلام في التوثيق فايّ دليل دلّ علي أنّ

______________________________

(1) معجم رجال الحديث: ج 1 ص 43.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 54

______________________________

العلّامة لم يصل اليه سبب التوثيق حسّا و كذا غيره.

مضافا الي أنّ دلالة ما أفاده علي انحصار طريق الرواية للعلّامة و أضرابه فيما ذكروا في اجازاتهم مورد الكلام و المناقشة فانّ اثبات شي ء لا ينفي ما عداه و أيّ تناف بين ما أفاده العلّامة و بين وجود طريق آخر الي الحديث الفلاني.

و بعبارة اخري: يمكن أن يكون طريق العلّامة الي الاصول و أرباب الجوامع الشيخ الطوسي مثلا و لكن ما المانع من أنّ العلامة سمع جملة من الأحاديث من غير هذه الوسائط. أضف الي ذلك أنّ سيّدنا الاستاد قال في جملة

من كلامه: «و لا طريق للمتأخرين الي توثيقات رواتها و تضعيفهم غالبا الّا الاستنباط و اعمال الرأي و النظر».

فتري انّ الاستاد ينكر الحسّ في الغالب و أمّا في النادر فلا فاذا أمكن في النادر يمكن في الغالب أيضا فانّ حكم الامثال واحد.

و صفوة القول: انّه اذا كانت الشهادة ظاهرة في الحسّ كما هو قائل به و من ناحية اخري احتمل الحسّ في هذه الاخبارات، لم يكن مانع عن الأخذ بها.

و ممّا يؤيد المدعي لو لم يكن دليلا: انّ العلامة و الشهيد و أضرابهما عارفون بالصناعة و يدرون انّ اجتهادهم لا يكون معتبرا لغيرهم من المجتهدين و مع ذلك يوثّقون و يضعّفون و لم يستدلّوا علي مدّعاهم فنفهم انّ أخبارهم شهادة حسّية و الّا فايّ اعتبار و ايّة قيمة لمقالتهم.

و ببيان واضح: نسأل انّ العلامة مثلا حين يوثّق احدا هل يكون

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 55

______________________________

ناظرا الي إفادة كلامه أم لا؟ لا طريق الي الثاني بعد تماميّة اصالة عدم الغفلة و علي الاوّل هل يري جواز التقليد للمجتهد؟ كلّا فلا محالة يكون اخباره حسّيا.

و علي الجملة: اذا احتمل انّ اخبار العلامة و كذا غيره من الثقات اذا اخبروا بوثاقة احد من الرواة حسّيا و احتمل انّ منشأ إخبارهم نقل كابر عن كابر لا نري مانعا من الأخذ بالخبر المذكور.

فتحصّل مما تقدّم انّه لا وجه للتفريق بين المتقدّمين و المتأخّرين من هذه الجهة و النتيجة تماميّة الحديث المشار اليه سندا فانقدح انّ الحكم المذكور يستفاد من أحاديث الباب.

و يستفاد من بعض النصوص عدم جواز الصوم يوم الشكّ لاحظ ما رواه قتيبة الأعشي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: نهي رسول

اللّه صلي اللّه عليه و آله عن صوم ستة أيّام: العيدين و أيّام التشريق و اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان «1» فانّ المستفاد من الحديث بنحو الوضوح عدم جواز صوم يوم الشكّ.

و لا حظ ما رواه عبد الكريم بن عمرو قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

انّي جعلت علي نفسي أن أصوم حتّي يقوم القائم، فقال: صم و لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيام التشريق و لا اليوم الذي يشكّ فيه «2».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 6، من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 56

______________________________

و المستفاد من هذه الرواية أيضا عدم جواز الصوم يوم الشكّ و لذا لا ينعقد نذر صوم يوم الشكّ و كذا بقيّة الايام المذكورة في الحديث فيقع التعارض بين الجانبين و حيث انّ حديث ابن خلّاد أحدث يكون الترجيح مع دليل الجواز فيؤخذ به.

مضافا الي السيرة الخارجيّة و التسالم و الاجماع و يمكن أن يقال:

انّه لا تعارض بين الجانبين اذ في المقام حديث رواه سماعة «1» به يتصالح بين المتعارضين و يجمع بين الطرفين فانّ المستفاد منه كما تري التفصيل بين صوم يوم الشكّ بعنوان شعبان و صومه بعنوان رمضان بالحكم بالجواز في الأوّل و الحرمة في الثاني فالنتيجة انّ الصوم بعنوان شهر رمضان حرام و ان كان بعنوان الرجاء و احتمال المطلوبيّة.

الفرع الثالث: أنّه لو بان أثناء النهار و لو بعد الزوال انّه من رمضان يجزئ

و لكن لا بدّ من تجديد النيّة.

بتقريب: انّ المستفاد من نصوص الباب انّه لو بان بعد انقضاء شهر رمضان انّه منه يصحّ و يحسب منه مع انّ الصوم بتمامه كان بغير نيّة شهر رمضان فبالأولويّة يصح فيما يقع بعض

اليوم مع النّية.

مضافا الي الاجماع المدّعي في المقام لكن لا بدّ من تجديد النيّة اذ لو بقي علي نيّته الاولي يكون صومه علي خلاف الواقع اذ يعلم المكلّف انّ الواجب عليه في شهر رمضان صوم رمضان فلا وجه لأن يبقي علي نيّته السابقة.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 20.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 57

______________________________

و فيه: انّ الأولوية ممنوعة فانّ الأحكام الشرعية أمور تعبّديّة لا تنالها أفهامنا و أمّا الاجماع فيمكن أن يكون مدركيّا.

و أمّا وجوب تجديد النيّة بالتقريب المذكور فيرد فيه بأنّه قد تقدّم انّه لا مانع عن الالتزام بصحّة الصوم بعنوان آخر علي نحو الترتّب فكيف بالمقام لكن الاشكال كلّ الاشكال في عدم دليل علي الصحّة في مفروض الكلام.

و أمّا الاستدلال علي جواز البقاء علي النيّة السّابقة استنادا الي اطلاق نصوص الباب فيرد عليه انّه قد تقدّم انّ النصوص ناظرة الي صورة انقضاء اليوم.

اللهمّ الّا أن يقال: لا مانع من الأخذ باطلاق ما دلّ علي جواز نيّة الصوم، ارتفاع النهار.

الفرع الرابع: انّه لو صام بنيّة، انّه من رمضان لم يصح

و ان صادف الواقع تارة يلتفت انّ يوم الشك لا يمكن صومه بقصد رمضان و أخري يكون غافلا أمّا علي الأول فلا اشكال في الفساد لأنّه مصداق للتشريع المحرّم فيكون صومه فاسدا بلا كلام اذ مقتضي الاستصحاب عدم مجي ء شهر رمضان بل مقتضي اطلاق حديث سماعة انّه لا يصح حتّي في صورة نيّة الرجاء.

و أمّا علي الثاني فأيضا يكون صومه فاسدا اذ المستفاد من حديث سماعة انّه ممنوع أن يصوم يوم الشكّ بعنوان شهر رمضان.

و حيث انجرّ الكلام الي هنا نري انّه هل يمكن في مقام الثبوت

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 58

(مسألة 17)

صوم يوم الشكّ يتصور علي وجوه:

الاول: أن يصوم علي أنّه من شعبان و هذا لا اشكال فيه، سواء نواه ندبا أو بنيّة ما عليه من القضاء أو الندر أو نحو ذلك و لو انكشف بعد ذلك أنّه كان من رمضان أجزأ عنه و حسب كذلك.

الثاني: أن يصومه بنيّة انّه من رمضان و الأقوي بطلانه و ان صادف الواقع.

الثالث: أن يصومه علي انّه ان كان من شعبان كان ندبا أو قضاء مثلا و ان كان من رمضان كان واجبا و الأقوي بطلانه أيضا.

الرابع: أن يصومه بنية القربة المطلقة بقصد ما في الذمّة و كان في ذهنه انّه إمّا من رمضان أو غيره بأن يكون الترديد في المنويّ لا في نيته فالأقوي صحّته و ان كان الأحوط خلافه (1).

______________________________

و الواقع عدم الجواز المشهور بين القوم و يعقل في حدّ نفسه أم لا؟

الظاهر عدم كونه معقولا اذ نسأل في حال كون المكلف جاهلا بكون الغد من شهر رمضان و في الواقع شهر رمضان هل يتعلق الأمر بالصوم بالعنوان المذكور و هل يخاطب المكلف بهذا الخطاب أم لا؟

لا سبيل الي الثاني اذ المفروض انّه شهر رمضان و صومه واجب علي كلّ مكلف واجد للشرائط و علي الأول لا بدّ أن يكون توجيه الخطاب الي المكلّف و بعثه الي جانب الفعل بداعي داعويّته و مع ذلك يكون الصوم بعنوان صوم شهر رمضان ممنوعا و حراما فانّ الجمع بين الأمرين يرجع الي التناقض فلا حظ.

[مسألة 17 صوم يوم الشكّ يتصور علي وجوه]

(1) ذكر في هذه المسألة أربع صور و قد تقدّم حكم الصورة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 59

______________________________

الاولي و الثانية و لا وجه للإعادة.

الصورة الثالثة: أن ينوي بأنّه ان كان من

رمضان كان واجبا و ان لم يكن كان ندبا أو قضاء و حكم ببطلانه.

و الوجه في البطلان انّ المستفاد من النصوص عدم جواز الاتيان بالصوم بعنوان رمضان و ان كان بعنوان الرجاء.

الصورة الرابعة: أن ينوي ما في ذمته و حكم بالصحّة في هذه الصورة.

و يرد عليه انّه إن كان الواجب في حقّه صوم رمضان يكون قصده مضرّا اذ قد فرض انّه ممنوع أن يأتي بالصوم بعنوان صوم شهر رمضان مضافا الي أن اللازم عليه أن يأتي بالصوم يوم الشك بعنوان آخر فكيف يصحّ بالنّحو المذكور مع انّه لم يقصد عنوانا آخر.

اضف الي ذلك انّه ربما لا يكون ما في الذمّة مشخصا كما لو كان علي الشخص قضاء من رمضان السابق و أيضا عليه الصوم النيابي و هكذا فلا مجال لقصد ما في الذمّة مع عدم تميّزه و تشخصه.

بقي شي ء و هو انّه علي المسلك المشهور في المقام و هو عدم جواز نية الصوم برجاء كونه من رمضان و عدم حرمة صوم يوم الشك هل يكون المكلّف بحسب الواقع مكلفا بالصوم الرمضاني أم لا؟

فان قلنا بكونه مكلّفا فكيف يجتمع مع عدم جواز قصد الصوم بعنوان رمضان و هل يمكن تصوّره؟

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال لا مانع عن مطلوبيّة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 60

(مسألة 18) لو أصبح يوم الشكّ بنيّة الافطار ثمّ بان له انّه من الشهر فان تناول المفطر وجب عليه القضاء و أمسك بقيّة النهار وجوبا تأدّبا و كذا لو لم يتناوله و لكن كان بعد الزوال و ان كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر جدّد النية و أجزأ عنه (1).

______________________________

الصوم و لكن الشارع

الأقدس يريد أن يأتي به المكلّف بعنوان آخر و هذا لا مانع منه ثبوتا فلا يشكل الأمر في مقام الاثبات و لكن الحقّ انّه لا يمكن اذ كيف يمكن أن يجب الصوم بعنوان رمضان و مع ذلك لا يجوز قصده؟ فلا يجب هذا العنوان.

[مسألة 18 لو أصبح يوم الشكّ بنيّة الافطار ثمّ بان له انّه من الشهر]

اشارة

(1) قد تعرّض (قدّس سرّه) في هذه المسألة لفروع:

الفرع الأول: انّه لو أصبح يوم الشكّ بنية الافطار و بعد ذلك بان انّه من الشّهر

فان تناول المفطر يجب عليه القضاء و هذا واضح ظاهر اذ المفروض انّه تناول المفطر و لم يتحقق منه الصوم فيجب القضاء علي القاعدة.

الفرع الثاني: انّه يجب علي مثله الامساك وجوبا تأدّبيا

و الدليل عليه الاجماع المدّعي في المقام و عن بعض الأصحاب انّه لا نعلم فيه خلافا الّا من شاذّ.

و بعبارة اخري: الحكم متسالم عليه بينهم و لعلّه يكفي للوجوب المذكور و يؤيد المدعي بما ارسل عن النبيّ صلي اللّه عليه و آله انّه قال: «من أكل فليمسك»

و تقدّم التعرض له في المسألة الثانية عشرة و أيضا يؤيّد المدّعي بحرمة استعمال المفطر بالنّسبة الي من يجب عليه الصوم بعد الافطار.

الفرع الثالث: انّه لو لم يفطر و بان قبل الزوال يجدّد النيّة و يجزئ

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 61

(مسألة 19) لو صام يوم الشكّ بنيّة أنّه من شعبان ندبا أو قضاء أو نحوهما ثمّ تناول المفطر نسيانا و تبيّن بعده انّه من رمضان أجزأ عنه أيضا و لا يضرّه تناول المفطر نسيانا كما لو لم يتبيّن و كما لو تناول المفطر نسيانا بعد التبيّن (1).

(مسألة 20) لو صام بنية شعبان ثمّ أفسد صومه برياء و نحوه لم يجزه عن رمضان و إن تبين له كونه منه قبل الزوال (2).

______________________________

و قد تقدّم التعرّض له في تلك المسألة فراجع.

الفرع الرابع: انّه لو بان بعد الظهر لا يكون مجال لتجديد النيّة

و الوجه فيه انّه لا دليل عليه فلا يكون مجال له و انما الواجب الامساك تأدّبا فقط.

[مسألة 19 لو صام يوم الشكّ بنيّة أنّه من شعبان ندبا أو قضاء أو نحوهما]

(1) ما أفاده (قدّس سرّه) في هذه المسألة مبنيّ علي عدم فساد الصوم اذا كان استعمال المفطر ناشيا عن النسيان و نتعرض لتفصيلها عند تعرضه إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

[مسألة 20 لو صام بنية شعبان ثمّ أفسد صومه برياء و نحوه لم يجزه عن رمضان]

(2) قد تقدّم الكلام حول هذه الجهة و قلنا لا نري مانعا عن الأخذ باطلاق الدّليل و الالتزام بالصحّة و ما أدّعاه سيدنا الاستاد (قدّس سرّه) من أنّ الدليل لا يشمل موردا يكون الصوم حراما و لا يمكن أن يكون الحرام مصداقا للواجب، يرد عليه انّ المحكم اطلاق الدليل فكما انه لو فسد الصوم بقصد الاتيان بالمفطر ثمّ عزم عليه يشمله الدليل كذلك في المقام و من الواضح انّ ابتداء الصوم من وقت تجديد النية و ما تقدم من الزمان يحسب بالحكومة من المأمور به فلا مجال لما أفاده فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 62

(مسألة 21) اذا صام يوم الشكّ بنية شعبان ثمّ نوي الافطار و تبين كونه من رمضان قبل الزوال قبل أن يفطر فنوي صحّ صومه و أمّا إن نوي الافطار في يوم من شهر رمضان عصيانا ثمّ تاب فجدّد النيّة قبل الزوال لم ينعقد صومه و كذا لو صام يوم الشك بقصد واجب معين ثمّ نوي الافطار عصيانا ثمّ تاب فجدّد النية بعد تبين كونه من رمضان قبل الزوال (1).

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1417 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم؛ ص: 62

(مسألة 22) لو نوي القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعين بطل صومه سواء نواهما من حينه أو فيما يأتي

و كذا لو

[مسألة 21 إذا صام يوم الشكّ بنية شعبان ثمّ نوي الإفطار و تبين كونه من رمضان قبل الزوال قبل أن يفطر فنوي]

اشارة

______________________________

(1) تعرض (قدّس سرّه) لفروع ثلاثة:

الفرع الأوّل: انّه لو صام بنية شعبان ثمّ نوي الافطار و تبين كونه من رمضان قبل الزوال

يجوز تجديد النية و يصحّ صومه كما تقدم في المسألة الثانية عشرة.

الفرع الثاني: انّه لو أفسد صومه في شهر رمضان بقصد الافطار عصيانا ثمّ تاب فجدد النيّة قبل الزوال لا يصحّ.

و للمناقشة فيما أفاده مجال لكن الظاهر انّ الحكم و هو الفساد متسالم عليه بين القوم و ان قلنا بأنّ الدليل باطلاقه يشمل العامد.

الفرع الثالث: انّه لو صام يوم الشك بقصد واجب معين ثمّ نوي الافطار عصيانا ثمّ تاب و جدّد النيّة قبل الزوال بكونه من رمضان لا يصح.

و الظاهر انّه لا وجه له الّا دعوي انصراف الدليل عن الصورة المذكورة و لا وجه له و علي فرض تماميّته يكون بدويّا يزول بالتأمل.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 63

تردّد نعم لو كان تردّده من جهة الشك في بطلان صومه و عدمه لعروض عارض لم يبطل و إن استمر ذلك الي أن يسأل و لا فرق في البطلان بنية القطع أو القاطع أو التردد بين أن يرجع الي نية الصوم قبل الزوال أم لا، و أمّا في غير الواجب المعين فيصح لو رجع قبل الزوال (1).

[مسألة 22 لو نوي القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعين بطل صومه]

اشارة

______________________________

(1) قد تعرض في هذه المسألة لفروع:

الفرع الأول: انّه لو نوي القطع أو القاطع أو تردد بطل صومه

بلا فرق بين تعلق النية بهما من حينه أو فيما يأتي.

و قبل التعرّض للدليل نشير الي الفرق بين القطع و القاطع فانّ القطع عبارة عن رفع اليد عن الصوم أي المكلف ينصرف عن بنائه الأوّلي و أمّا نية القاطع فهي عبارة عن قصد الاتيان بالمفطر و يفسد الصوم في كلا الفرضين اذ الصّوم عبارة عن الامساك من الفجر الي الغروب قربة الي اللّه فلو نوي القطع أو القاطع معناه رفع اليد عن عزمه علي الامساك القربي فيفسد الصّوم و لا فرق فيما ذكر بين رفع اليد من الحين أو فيما يأتي اذ في كلتا الصّورتين تختلّ النيّة و يترتب عليه الفساد.

و لكن الظّاهر انّ نية القاطع ترجع الي نيّة القطع اذ نية القاطع تستلزم رفع اليد عن العزم علي الامساك فبطلان الصّوم دائما يترتب علي نيّة القطع غاية الأمر نيّة القطع تتحقّق تارة بوجه و اخري بوجه آخر فلاحظ.

الفرع الثّاني: انّه لو تردّد و كان وجه تردده الشكّ في صحّة صومه و بقي تردّده الي أوان سؤاله لم يبطل

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 64

(مسألة 23) لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطرات مع النيّة أو كفّ النفس عنها معها (1).

(مسألة 24) لا يجوز العدول من صوم الي صوم واجبين كانا أو مستحبّين أو مختلفين (2) و تجديد نيّة رمضان اذا صام يوم

______________________________

و الوجه فيه انّه لم يرفع اليد عن عزمه و لم ينصرف بل يشك في صحة صومه و عدمها فالنيّة باقية و لو بعنوان الرجاء و هو يكفي.

الفرع الثالث: أنّه لو رجع بعد البطلان و جدّد النيّة لا يصحّ

و إن كان قبل الزوال أمّا بعد الزوال فتجديد النيّة لا أثر له لعدم الدليل عليه و أمّا قبل الزوال فقد تقدّم انّ اطلاق النص يقتضي الجواز الّا أن يتمّ المنع بالإجماع و التسالم.

الفرع الرابع: انّه لو رجع و نوي الصّوم في الواجب غير المعيّن يصحّ الصوم

اذا كان الرجوع قبل الزوال اذ النصّ قد دلّ علي الصحة فغاية ما يكون انّه غير صائم لكن حيث انّ المفروض عدم الاتيان بالمفطّر يصحّ صومه بالتجديد فلاحظ.

[مسألة 23 لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطرات مع النيّة أو كفّ النفس عنها معها]

(1) اذ لا دليل علي الوجوب المذكور فعلي تقدير الفرق بين الكفّ و الترك لا يلزم العرفان بل يكفي قصد الصّوم علي ما هو عليه و بعبارة اخري يكفي قصد ما وجب في الشرع الأقدس.

[مسألة 24 لا يجوز العدول من صوم إلي صوم واجبين كانا أو مستحبّين أو مختلفين]

(2) فانّ العدول علي خلاف القاعدة الأولية اذ كلّ أمر يقتضي أن يؤتي بمتعلقه بداعيه و أمّا الاتيان بالمركّب بعضه يكون بداعي أمر و بعضه الآخر بداعي أمر آخر فليس عليه دليل و ان شئت فقل: المركّب

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 65

الشكّ بنية شعبان ليس من باب العدول بل من جهة انّ وقتها موسّع لغير العالم به الي الزوال (1).

______________________________

من الداخل و الخارج خارج.

(1) بل من باب العدول لكن العدول قسمان عدول اختياري كالعدول من الفريضة المتأخّرة الي المتقدّمة و العدول في المقام بحكم الشارع لا باختيار المكلّف و التوسعة في الوقت تتصور فيما يرفع المكلف عمّا بيده فيصير ما صدر منه كالعدم و ينوي صوما آخر.

فتحصّل: أنّ العدول الاختياري لا يكون مجعولا في الصوم و أمّا العدول القهري و هو الاحتساب الشرعي فمتصوّر فيه و أما التوسعة في وقت النيّة فهي أيضا مجعولة في باب الصوم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 66

[فصل فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات]

اشارة

فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم من المفطرات و هي أمور:

الأوّل و الثاني: الأكل و الشرب من غير فرق في المأكول و المشروب بين المعتاد كالخبز و الماء و نحوهما و غيرها كالتراب و الحصي و عصارة الأشجار و نحوها و لا بين الكثير و القليل كعشر حبّة الحنطة أو عشر قطرة من الماء أو غيرها من المائعات حتّي انّه لو بلّ الخيّاط الخيط بريقه أو غيره ثمّ ردّه الي الفم و ابتلع ما عليه من الرّطوبة بطل صومه الّا اذا استهلك ما كان عليه من الرّطوبة بريقه علي وجه لا تصدق عليه الرطوبة الخارجيّة و كذا لو استاك و

أخرج المسواك من فمه و كان عليه رطوبة ثمّ ردّه الي الفم فانّه لو ابتلع ما عليه بطل صومه الّا مع الاستهلاك علي الوجه المذكور و كذا يبطل بابتلاع ما يخرج من بقايا الطعام

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 67

من بين أسنانه (1).

[الأوّل و الثاني: الأكل و الشرب]

اشارة

______________________________

(1) باجماع المسلمين و ان شئت فقل: أصل الحكم من الضروريّات و من الأحكام الواضحة و السيرة جارية علي ما ذكر و لا مجال للنقاش و يدل عليه من الكتاب قوله تعالي: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَي اللَّيْلِ «1».

و تدلّ عليه من السنة نصوص كثيرة منها ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضرّ الصائم ما صنع اذا أجتنب ثلاث خصال الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء «2» فأصل الحكم ممّا لا اشكال فيه.

ثمّ انّه (قدّس سرّه) تعرّض لأمرين:

الأمر الأول: انّه لا فرق في الحكم المذكور بين المأكول و المشروب المعتادين و غير المعتادين و الوجه فيه أنّ الميزان بصدق الموضوع الّذي اخذ في الدليل و هو عنوان الأكل و الشرب و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين المعتاد و غيره و الانصراف علي فرض تسلّمه بدويّ يزول بالتأمل.

و لنا أن نقول: فرق بين أن يتعلّق النهي عن المأكول فيقول المولي:

يحرم علي المكلف المأكول و المشروب و بين أن يتعلق النهي عن الأكل و الشرب فانّه علي الفرض الأول يمكن أن يقال: انّ المأكول أو المشروب منصرف عن غير المعتاد و أمّا علي الثاني فلا وجه للانصراف

______________________________

(1) البقرة: 187.

(2) الوسائل: الباب 1، من أبواب ما يمسك عنه

الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 68

______________________________

و لو بدوا فلا حظ.

و في المقام جملة من النصوص ربما يستفاد منها خلاف ما قلناه منها الحديث الذي اشير اليه أي حديث ابن مسلم «1» فانّ المذكور في الحديث عنوان الطعام و الشراب و لا اشكال في ظهور العنوانين فيما يكون معدّا و متعارفا للأكل و الشرب فلا بدّ من تخصيص الآية الشريفة اذ قد ثبت في محلّه من الأصول جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد و لكن لا يمكن الالتزام بما ذكر فان الارتكاز المتشرعي يضادّه و يستنكر جواز أكل الصائم التراب مثلا.

و ان شئت فقل: تسلّم الأمر بحدّ لا مجال للإشكال بالظاهر المشار اليه بل لا بدّ من رفع اليد عن مثله و الالتزام بالاطلاق.

و منها ما رواه محمّد بن مسلم أيضا، عن أبي جعفر عليه السّلام في الصائم يكتحل قال: لا بأس به ليس بطعام و لا شراب «2».

بتقريب انّ المستفاد من الحديث انّ الموضوع الطعام و الشراب و يرد عليه الاشكال المتقدّم منّا آنفا.

و منها ما رواه مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن آبائه انّ عليا عليه السّلام سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم قال: ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام «3».

______________________________

(1) قد تقدم في ص 67.

(2) الوسائل: الباب 25، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3) الوسائل: الباب 39، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 69

______________________________

و الحديث مخدوش بمسعدة فانّ مجرّد وقوع الراوي في اسناد كامل الزيارات أو تفسير القمّي لا أثر له.

مضافا الي أنّه لا يمكن رفع اليد عن

الواضحات فانّه لا اشكال و لا كلام في أنّ اكل الذباب يفسد الصوم.

الأمر الثاني: انّه لا فرق في ترتّب الحكم بين القليل و الكثير و ذلك لا طلاق الدليل كتابا و سنة و اجماعا و ارتكازا و سيرة مضافا الي أنّه لو قلنا بجواز أكل القليل و عدم البأس به يمكن أن يأكل المكلّف في شهر رمضان مقدارا معتدّا به من الطعام بالتدريج و هل يمكن الالتزام به؟ كلّا ثمّ كلّا.

نعم لو استهلك القليل في ماء الفم بحيث لا يصدق عليه العنوان كالمثالين اللّذين مثّل بهما في المتن لا يوجب البطلان اذ فرض انعدامه.

ان قلت: الاستهلاك لا يتحقق الّا مع امتزاج جنس مع شي ء يخالفه كما لو استهلك خرء الفارة في الحنطة المسحوقة و أمّا مع اتّحاد الجنس كما في امتزاج الماء مع الماء فلا يتصوّر الاستهلاك.

قلت: هذه الدعوي و التفريق غير مسموعة و لا فرق بين الموردين و الميزان الكلّي: انّه لو امتزج أحد شيئين معنونين بعنوانين مع الآخر يتصوّر الاستهلاك أعمّ من أن يكون كلا الأمرين من جنس واحد أو من جنسين و من الظاهر انّ الماء العارض للخيط أو السواك معنون بعنوان غير العنوان العارض علي ماء الفم فلا حظ.

و النتيجة انّ الصائم يفسد صومه بأكل شي ء قليل أو شرب

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 70

(مسألة 1) لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم و إن احتمل انّ تركه يؤدي الي دخول البقايا بين الأسنان في حلقه و لا يبطل صومه لو دخل بعد ذلك سهوا، نعم لو علم أن تركه يؤدّي الي ذلك وجب عليه و بطل صومه علي فرض الدخول (1).

______________________________

مشروب كذلك و يتفرّع

علي ما ذكر انّه لو بقي شي ء قليل بين أسنانه يفسد صومه بابتلاعه.

و ربما يتوهّم: انّه يمكن أن يستفاد عدم الفساد به من حديث ابن سنان قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي ء من الطعام أ يفطره ذلك؟ قال: لا، قلت: فان ازدرده بعد أن صار علي لسانه قال: لا يفطره ذلك «1».

و لكن الدعوي المذكورة باطلة فانّ الرواية مخدوشة بالعبيدي فانّه يحتمل كون المراد من الراوي عن ابن محبوب العبيدي اليونسي و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال مضافا الي أنّ القياس مع الفارق فانّ مورد الحديث يغاير مع مقامنا فلا وجه لتسرية الحكم من هناك الي المقام فلاحظ.

[مسألة 1 لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم]

اشارة

(1) تعرض (قدّس سرّه) في هذه المسألة لفرعين:

الفرع الأول: أنّه لا يجب تخليل الاسنان بعد الأكل

و لو مع احتمال دخول بقايا الطعام الي الجوف بلا اختيار أو سهوا و الظاهر أنّ ما أفاده تامّ اذ لا دليل علي وجوب التخليل بما هو و انما يجب مقدمة

______________________________

(1) الوسائل: الباب 29، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 9.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 71

______________________________

لعدم تحقّق الافطار و المفروض أنّه غير معلوم و لو دخل الجوف بعد ذلك نسيانا أو بغير اختيار لا يكون مفسدا لصومه اذ المفروض انّ الدليل دلّ عليه كما يتعرّض له الماتن إن شاء اللّه تعالي.

و أفاد سيّدنا الاستاد (قدّس سرّه) في المقام: انّه مع الشكّ يجري الاستصحاب. و الظاهر انه لا مجال للاستصحاب و لا مقتضي له أوّلا و لا يترتب عليه الأثر ثانيا اذ المكلف إمّا يقطع بعدم الدخول و إمّا يحتمل الدخول السهوي أو غير الاختياري و أمّا الاختياري فلا مجال له اذ المفروض انه عازم علي الصوم فلا يحتمل العمد و الّا يكون جمعا بين الضدّين.

و عليه نقول: أمّا مع القطع بعدم الدخول فلا تصل النوبة الي الاستصحاب و أمّا مع احتمال الدخول السهوي أو غير الاختياري فلا يضرّ الاحتمال اذ المفروض انّه معفوّ عنه في الشريعة فلا يحتاج الي الاستصحاب.

و مع الاغماض عمّا ذكرنا لا يفيد الاستصحاب المذكور المقصود اذ لا يترتّب علي الأصل المذكور عنوان عدم التعمّد الّا علي القول بالمثبت الذي لا نقول به.

و من الغريب صدور مثله عن مثله لكن الجواد قد يكبو و الصارم قد ينبو الّا أن يقال: انّ الاستصحاب بمنزلة القطع لأنّ المكلف بالأصل المذكور تكون الحجة قائمة عنده علي عدم تحقق الدخول الي

الجوف فلا يجب عليه التخليل اذ مع الأصل المشار اليه يحرز عدم تحقق

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 72

______________________________

موضوع الافساد فلا يتوجه علي الاستاد الاشكال الثاني فلا حظ.

و لمّا انجر الكلام الي هنا نشير الي نكتة مهمة و هي انّه ربما يقول أحد بأنّه ما المانع عن القول بعدم الفساد حتّي مع العلم بالدخول السهوي أو غير الاختياري؟

بتقريب: انّ المستفاد من الدليل عدم الفساد مع السهو أو غير الاختيار و المفروض انّه كذلك فالمقتضي للقول المزبور موجود و المانع مفقود.

أقول: يرد علي البيان المذكور أوّلا بالنقض و ثانيا بالحل أمّا الأوّل فبأنّه يلزم جواز ارتكاب جميع المحرّمات بترتيب الأسباب و ايجادها علي نحو يتحقّق العنوان المحلّل كالإكراه و الاضطرار و امثالهما مثلا اذا فرض انّ زيدا يعلم انّه لو ذهب الي المجلس الفلاني يكره علي شرب الخمر أو يضطرّ بلعب القمار الي غيرهما من الكبائر فهل يمكن الالتزام بالجواز؟ كلّا ثمّ كلّا.

و أمّا الثاني فبأنّ الادلة المشار اليها عموما أو خصوصا منصرفة عن الصورة المذكورة و هذا العرف ببابك و لذا لو صدر نظيره من المولي العرفي لا يكون العبد معذورا لو ارتكب المنهي عنه بهذا النحو فلا حظ و تأمّل كي لا تقع في الاشتباه و خلاف الواقع و الحقيقة.

الفرع الثاني: انّه مع العلم بالدخول يجب عليه التخليل

اذ المفروض انّه مع العلم بذلك لا يدخل تحت عنوان العذر و المفروض انّ الدليل دلّ علي وجوب الامساك و نيّته تضادّ العلم المذكور و لذا يفسد

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 73

(مسألة 2) لا بأس ببلع البصاق و ان كان كثيرا مجتمعا بل و ان كان اجتماعه بفعل ما يوجبه كتذكّر الحامض مثلا

لكن الاحوط الترك في صورة الاجتماع خصوصا مع تعمّد السبب (1).

(مسألة 3) لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط و ما ينزل من الرأس ما لم يصل الي فضاء الفم بل الأقوي جواز الجرّ من الرأس الي الحلق و ان كان الأحوط تركه، و أمّا ما وصل منهما الي فضاء الفم فلا يترك الاحتياط فيه بترك الابتلاع (2).

______________________________

الصوم و لو مع عدم الدخول و كون علمه جهلا مركبا اذ كما قلنا لا يتحقّق نية الامساك مع العلم المزبور فلاحظ.

[مسألة 2 لا بأس ببلع البصاق و ان كان كثيرا مجتمعا]

(1) يمكن الاستدلال علي المدعي بوجهين:

الوجه الأول: عدم المقتضي للمنع بدعوي انصراف الدليل عنه و هذه الدعوي لا تكون جزافيّة و العرف ببابك.

و ان أبيت عن الجزم بالانصراف فلا أقلّ من عدم الجزم بالظهور فيكون المرجع أصل البراءة.

الوجه الثاني: السيرة الجارية بين أهل الشرع و الدّين حيث لا يجتنبون عن شربه و هذه السيرة بنفسها تدلّ علي الجواز كما هو ظاهر و لا فرق فيما ذكر بين الكثير و القليل كما انّه لا فرق فيه بين كون سببه اختياريا أو بلا اختيار لوحدة الملاك و التقريب و لا اشكال في حسن الاحتياط عقلا في جميع الصور.

[مسألة 3 لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط و ما ينزل من الرأس ما لم يصل إلي فضاء الفم]

اشارة

(2) ذكر (قدّس سرّه) في هذه المسألة فرعين:

الفرع الأوّل: انّه يجوز بلع ما يخرج من الصدر

أو ما ينزل من

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 74

______________________________

الرأس ما دام لم يصل الي فضاء الفم.

و هذا ظاهر واضح اذ لا وجه لعدم الجواز فانّ الميزان بالأكل و الشرب و مع عدم صدق العنوان المذكور كما هو المفروض لا مقتضي للفساد و عدم الجواز.

الفرع الثاني: انّه لو وصل ما ذكر الي فضاء الفم يحرم بلعه

و يوجب فساد الصوم و هذا علي طبق القاعدة الاوّلية اذ مقتضي الدليل باطلاقه كذلك.

نعم في المقام حديث رواه غياث بن ابراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته «1».

و المستفاد من هذه الرواية جواز ازدراد ما يصل الي فضاء الفم اذا صدق عليه عنوان النخامة فيقع التعارض بين هذه الرواية و بين ما يدلّ علي مفطرية الأكل بالعموم من وجه فان ما به الافتراق من جانب دليل حرمة الافطار أكل غير النخامة و ما به الافتراق من ناحية حديث غياث ازدراد ما لم يصل الي فضاء الفم و يقع التعارض بين الجانبين في النخامة الواصلة الي فضاء الفم و بعد التعارض و التساقط يكون الحكم البراءة و عدم تحقق الافطار.

هذا علي تقدير كون الازدراد اعمّ من ابتلاع ما في الفم و أمّا اذا كان ظاهرا في خصوص ابتلاع ما في الفم يكون الأمر أوضح اذ تصير النسبة نسبة الخاص الي العام فيخصّص به.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 39، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 75

(مسألة 4) المدار صدق الأكل و الشرب و ان كان بالنحو غير المتعارف فلا يضرّ مجرد الوصول الي الجوف اذا لم يصدق الأكل أو الشرب كما اذا صبّ دواء في جرحه أو شيئا في

اذنه أو احليله فوصل الي جوفه، نعم اذا وصل من طريق أنفه فالظاهر انّه موجب للبطلان ان كان متعمدا لصدق الأكل و الشرب حينئذ (1).

(مسألة 5) لا يبطل الصوم بانفاذ الرمح أو السكين أو نحوهما بحيث يصل الي الجوف و ان كان متعمّدا (2).

الثالث: الجماع و ان لم ينزل للذكر و الانثي قبلا أو دبرا صغيرا كان أو كبيرا حيا أو ميتا واطئا كان أو موطوءا و كذا لو كان الموطوء بهيمة بل و كذا لو كانت هي الواطئة و يتحقق بادخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها فلا يبطل بأقلّ من ذلك

______________________________

و لكن كيف يمكن للفقيه الجرأة علي الفتوي بالجواز فلا مناص عن الاحتياط كما في المتن.

[مسألة 4 المدار صدق الأكل و الشرب و إن كان بالنحو غير المتعارف]

(1) الأمر كما أفاده فانّ ترتّب الحكم متوقف علي تحقّق الموضوع فلو علم بعدمه أو شكّ فيه لا مجال لترتب الحكم و عليه لا مانع عن الالتزام بالجواز بالنسبة الي كافّة التزريقات المتداولة حتّي التزريق الغذائي اذ لا يصدق عليه عنوان الأكل أو الشرب فالميزان كما في المتن صدق العنوانين.

[مسألة 5 لا يبطل الصوم بانفاذ الرمح أو السكين أو نحوهما بحيث يصل الي الجوف]

(2) قد ظهر وجهه فلا وجه للإعادة فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 76

[الثالث: الجماع]

اشارة

بل لو دخل بجملته ملتويا و لم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل و ان كان لو انتشر كان بمقدارها (1).

قد ذكر (قدّس سرّه) فروعا في المقام:

الفرع الأول: انّ الجماع و لو مع فرض عدم الانزال يوجب الافطار و فساد الصّوم.

______________________________

(1) و هذا الحكم في الجملة ممّا لا اشكال فيه و في بعض الكلمات «لعلّه من الضروريّات» و تدل علي المدعي جملة من النصوص: منها ما رواه محمّد بن مسلم «1».

و منها ما رواه عليّ بن الحسين المرتضي نقلا من تفسير النعماني، عن عليّ عليه السّلام قال: و أمّا حدود الصوم فأربعة حدود أوّلها اجتناب الأكل و الشرب و الثاني اجتناب النكاح و الثالث اجتناب القي ء متعمّدا و الرابع اجتناب الاغتماس في الماء و ما يتّصل بها و ما يجري مجراها و السنن كلها «2».

و منها ما رواه أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه رفعه الي أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل و الشرب و الجماع و الارتماس في الماء و الكذب علي اللّه و علي رسوله و علي الأئمة عليهم السّلام «3».

فالجماع بادخال الآلة في قبل المرأة يوجب الافطار بلا اشكال و لا كلام بالنسبة الي الفاعل انما الكلام في جملة من الخصوصيّات:

منها: انّه هل يكون موجبا لترتّب الحكم بالنسبة الي المرأة المطاوعة؟

______________________________

(1) قد تقدم في ص 67.

(2) الوسائل: الباب 1، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

(3) الوسائل: الباب 2، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 77

______________________________

الظاهر انّه مسلّم عندهم و لم اجد نصّا دالا عليه و عدم وجداني لا يدل علي عدم الوجود لكن الظاهر انّ الحكم مسلّم و السيرة الجارية بين اهل الشرع شاهدة كما انّ الارتكاز كذلك.

أضف الي ذلك انّه يمكن

الاستدلال علي المدّعي بما رواه القمّاط أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتّي أصبح؟ قال: لا شي ء عليه و ذلك انّ جنابته كانت في وقت حلال «1».

فانّه يستفاد من الحديث انّ المناط في فساد الصوم تحقّق الجنابة في وقت حرام.

و بعبارة اخري: المستفاد من الرواية انّ الميزان في الفساد و عدمه تحقّق الجنابة و عدمها و حيث انّه لا اشكال في جنابة المرأة بالدخول و من ناحية اخري الدخول الذي يفسد الصوم هو الدخول الّذي يوجب الجنابة يتحقق الافساد بالنسبة الي المرأة المطاوعة.

و هل يشمل الحكم الدّبر؟ و هل يكون الايلاج في الدبر كالإيلاج في القبل؟

قال في الحدائق: و أما الجماع في الدبر فان كان مع الانزال فظاهرهم الاتّفاق علي أنّه كالأوّل الي أن قال: «و أمّا مع عدم الانزال فالمعروف من مذهب الاصحاب انّه كذلك أيضا حتّي نقل الشيخ في الخلاف اجماع الفرقة عليه أيضا و قال في المبسوط بعد أن حكم

______________________________

(1) الوسائل: الباب 13، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 78

______________________________

بوجوب الكفارة في الجماع مطلقا: و قد روي ان الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم الّا اذا انزل معه و انّ المفعول به لا ينقض صومه بحال و الأحوط الاوّل و ربما أشعر كلامه هذا بنوع تردّد في الحكم» «1» انتهي موضع الحاجة من كلامه.

و الكلام يقع تارة في المقتضي و اخري في المانع فيقع الكلام في موضعين: أمّا الموضع الأوّل فاطلاق مفهوم الجماع و المباشرة و أمثالهما.

و يرد عليه انّ الانصراف مانع عن الاطلاق فانّه لا اشكال في الانصراف

المذكور و يمكن الاستدلال علي المدّعي بمرسلة حفص بن سوقة عمّن أخبره قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يأتي أهله من خلفها؟ قال: هو أحد المأتيّين فيه الغسل «2».

و المرسل لا اعتبار به مضافا الي النقاش في دلالته فانّ الظاهر منه انّه هل يجوز الوقاع من الخلف فأجاب عليه السّلام بالجواز و كأنّه عليه السّلام يقول للعمل المعهود المتعارف طريقان طريق من الأمام و طريق من الخلف و هذا العرف ببابك.

فتحصّل: انّ المقتضي قاصر و لو مع قطع النظر عن المانع هذا هو الموضع الاول، و أمّا الموضع الثاني فيستفاد من بعض النصوص انّه لا يترتّب الحكم المترتب علي الجماع بالايلاج في الدبر، لا حظ ما رفعه

______________________________

(1) الحدائق: ج 13 ص 108.

(2) الوسائل: الباب 12، من أبواب الجنابة، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 79

______________________________

البرقي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا أتي الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما و إن أنزل فعليه الغسل و لا غسل عليها «1».

و المرفوعة لا اعتبار بها و لا حظ ما رفعه بعض الكوفيّين الي أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يأتي المرأة في دبرها و هي صائمة قال: لا ينقض صومها و ليس عليها غسل «2».

و الكلام فيه هو الكلام فالعمدة عدم تماميّة المقتضي و قد ظهر مما تقدّم عدم تماميّة الاجماع و التسالم و لكن مع ذلك كلّه كيف يمكن الجزم و الفتوي بعدم سراية الحكم و اللّه العالم.

و من تلك الخصوصيّات انّه لا فرق في البطلان بالجماع بين الصغير و الكبير فتارة يكون الواطئ كبيرا و الموطوءة صغيرة و اخري يكون الأمر

علي العكس و ثالثة يكون كلاهما صغيرين.

أما الصورة الاولي فلإطلاق الادلة فانّه يصدق عنوان الجماع و الاتيان و امثالهما مضافا الي أنّه قد مرّ انّه يستفاد من حديث القمّاط انّ الميزان في الفساد و عدمه تحقّق الجنابة و عدمه و من ناحية اخري يستفاد من النّص انّ الجنابة تتحقّق بالتقاء الختانين.

لا حظ حديث ابن بزيع قال: سألت الرّضا عليه السّلام عن الرّجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متي يجب الغسل؟ فقال: اذا التقي الختانان فقد وجب الغسل، فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 80

______________________________

الحشفة؟ قال: نعم «1».

و لقائل أن يقول هذا الحديث لا يشمل ما لو كانت الموطوءة صغيرة فان عنوان المرأة لا يصدق علي الصغيرة.

و يمكن أن يجاب عن الاشكال بأنّ الميزان بجواب الامام عليه السّلام لا بسؤال الراوي و المفروض انّ جوابه روحي فداه باطلاقه يشمل الصغير واطيا كان أو موطوءا أو كليهما.

و أما الصورة الثانية و الثالثة فقد ظهر تقريب الاستدلال فيهما بما تقدّم.

و من تلك الخصوصيّات عموم الحكم للحيّ و الميّت فلو جامع مع المرأة الميّت يتحقّق الموضوع و يترتّب عليه الحكم لصدق الجماع و الاتيان و تحقّق الجنابة بالتقاء الختانين و هذا واضح و أما لو انعكس الأمر بأنّ كان الواطئ ميتا فهل يتحقق الموضوع و يفسد صوم المرأة الموطوءة و تجنب؟

الظاهر انّه يصدق عنوان الجماع و الايلاج و يصدق عنوان التقاء الختانين فتتحقّق الجنابة فيترتّب عليه الحكم.

و من تلك الخصوصيّات عموم الحكم للواطئ و الموطوء فالايلاج في دبر الغلام يوجب البطلان و الانصاف انّ الجزم بالحكم مشكل اذ لا دليل

عليه و أشكل منه الالتزام به فيما كانت البهيمة موطوئة أو واطئة فالحكم مبنيّ علي الاحتياط الذي هو طريق النجاة.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 6، من أبواب الجنابة، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 81

(مسألة 6) لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة قصد الانزال به و عدمه (1).

(مسألة 7) لا يبطل الصوم بالايلاج في غير احد الفرجين بلا انزال الّا اذا كان قاصدا له فانه يبطل و ان لم ينزل من حيث

الفرع الثاني: انّ الموضوع يتحقّق بادخال الحشفة أو بمقدارها من مقطوعها

______________________________

أمّا تحقّق الموضوع بادخال الحشفة فمن باب تحقّق الجنابة بادخالها و قد مرّ أنّ المستفاد من الدليل انّ المناط تحقّق الجنابة.

مضافا الي صدق عنوان الاتيان و الايلاج و الادخال علي ادخال الحشفة و أما كون مقدارها من مقطوعها فلا يمكن مساعدته لعدم الدليل عليه، اذ لو كان الميزان تحقّق الجنابة فشرط تحققها في مقطوع الحشفة مفقود فانّ الموضوع التقاء الختانين و المفروض عدم امكانه في مفروض الكلام و ان كان الموضوع مطلق الدخول و الايلاج فلا وجه للتّقدير فعلي كلا التقديرين لا وجه لما أفاده فلاحظ.

الفرع الثالث: انّه لو دخل بجملته ملتويا و لم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل

و ان كان لو انتشر كان بمقدارها لعدم تحقّق الموضوع و قد ظهر مما تقدم منّا الاشكال فيما أفاده و قلنا: انّ الميزان التقاء الختانين و عدمه الّا أن يقال: انّ الموضوع للإفساد في الصوم عنوان الجماع و الاتيان و الادخال.

[مسألة 6 لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة قصد الإنزال به و عدمه]

(1) فانّه لا ربط بين المقامين اذ الجماع بنفسه موضوع للحكم حسب الأدلّة و لذا يوجب الافطار حتي في صورة العزم علي عدم الانزال فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 82

انّه نوي المفطر (1).

(مسألة 8) لا يضرّ ادخال الاصبع و نحوه لا بقصد الانزال (2).

(مسألة 9) لا يبطل الصوم بالجماع اذا كان نائما أو كان مكرها بحيث خرج عن اختياره كما لا يضرّ اذا كان سهوا (3).

[مسألة 7 لا يبطل الصوم بالايلاج في غير احد الفرجين بلا انزال الّا اذا كان قاصدا له]

______________________________

(1) لعدم المقتضي نعم مع قصد الانزال يبطل الصوم و لو مع عدم الانزال لاختلال النيّة بالقصد المزبور.

[مسألة 8 لا يضرّ ادخال الاصبع و نحوه لا بقصد الانزال]

(2) كما هو واضح فانّه كبقيّة الأفعال الصادرة عن الصائم في عدم ايجابها بطلان الصوم.

[مسألة 9 لا يبطل الصوم بالجماع إذا كان نائما أو كان مكرها]

(3) فان المستفاد من الدليل اشتراط الابطال بالتعمّد فلا يترتّب الأثر علي الجماع في النوم و لا ما يقع عن الجاء و غير اختيار كما أنّه لا يوجب البطلان اذا كان ناشيا عن النسيان.

و هل يجوز أن ينام مع القطع به أو مع احتماله؟ الظاهر انّه لا بد من التفصيل بين القطع و الاحتمال أمّا مع القطع فيشكل الجزم بالجواز و عدم الابطال اذ مرّ منّا و تقدّم انّ ادلة الأحكام العذريّة منصرفة عن صورة ايجاد المقدمات فكيف يجوز النوم مع القطع بتحقق الجماع و أما مع الاحتمال فلا وجه لعدم الجواز و لا مقتضي للفساد فان المفروض صدور المبطل عن غير اختيار.

نعم لو أتي بالمفطر عن اكراه لا عن الجاء لا يكون افطاره حراما لأجل الاكراه و لكن يوجب البطلان لأنّ المفروض صدوره عن اختيار و هو يقتضي البطلان.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 83

(مسألة 10) لو قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين لم يبطل، و لو قصد الادخال في احدهما فلم يتحقق كان مبطلا من حيث أنه نوي المفطر (1).

(مسألة 11) اذا دخل الرجل بالخنثي قبلا لم يبطل صومه و لا صومها، و كذا لو دخل الخنثي بالانثي و لو دبرا أما لو وطئ الخنثي دبرا بطل صومهما، و لو دخل الرّجل بالخنثي و دخلت الخنثي بالانثي بطل صوم الخنثي دونهما، و لو وطأت كل من

______________________________

ان قلت: حديث الرفع يرفع الحكم الشرعي فيلزم أن يتبدّل الفساد بالصحة و بعبارة اخري: بالحديث يرتفع الفساد و لا واسطة بين الفاسد و الصحيح.

قلت: سلّمنا انّه

يرتفع الحكم الشرعي و لو كان وضعيا بالاكراه لكن الصحة و الفساد ليسا شرعيين بل بحكم العقل.

و ان شئت قلت: لا يمكن للشارع التصرف في الأمور الواقعية و لذا صار المشهور بينهم انّ الادلة الرافعة للوجوب أو الحرمة لا تقتضي تعلّق الأمر بالمركّب الناقص، نعم في باب الصلاة نلتزم به ببركة قاعدة لا تعاد و هذا مجمل من المفصّل.

[مسألة 10 لو قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين لم يبطل]

اشارة

(1) ذكر في هذه المسألة فرعين:

الفرع الأوّل: انه لو لم يقصد الجماع بل قصد التفخيذ فدخل في احدهما لا يبطل صومه

اذ لا وجه له أمّا من ناحية الجماع فلم يقصده فلا اخلال في النية و أما من ناحية الدخول فهو غير اختياري.

الفرع الثاني: انّه لو قصد الادخال في القبل أو الدبر يفسد صومه

و لو لم يتحقق الدخول و ذلك للإخلال بالنيّة.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 84

الخنثيين الاخري لم يبطل صومهما (1).

[مسألة 11 إذا دخل الرجل بالخنثي قبلا لم يبطل صومه و لا صومها]

اشارة

______________________________

(1) ذكر (قدّس سرّه) في هذه المسألة فروعا و قبل بيان تفصيل الفروع المذكورة ننبّه بنكتة و هي: أن بيان أحكام هذه الفروع مع قطع النظر عن العلم الإجمالي في بعض الفروض و أمّا معه فلا بدّ من رعاية ضوابطه فلا تغفل.

الفرع الأول: انّه لو دخل الرجل بالخنثي قبلا لم يبطل صومه و لا صومها

و الوجه فيه انّه يحتمل أن يكون قبلها عضوا زائدا فتحقق الجنابة التي هي المدار، مشكوك فيه و مقتضي الأصل عدم كونه عضوا اصليّا و قبلا فلا يبطل صومه و لا صومها.

الفرع الثاني: أنّه لو دخل الخنثي بالأنثي و لو دبرا لا يبطل صومهما

لاحتمال كون آلة الواطئ زائدة فلا أثر لايلاجها و تكون كإصبعه فيصحّ صومهما.

الفرع الثالث: أنّه لو دخل الرّجل بالخنثي دبرا يبطل صومهما

أمّا صوم الرّجل فلايلاجه في دبر غيره و أمّا صوم الخنثي فلأنه دخل بها دبرا لكن هذا الفرع انّما يكون كذلك علي تقدير الالتزام بأن الادخال في الدبر موضوع للحكم و قد مر الاشكال فيه.

الفرع الرابع: أنه لو دخل الرجل بالخنثي و الخنثي بالأنثي يبطل صوم الخنثي دونهما

و الوجه فيه انّ الخنثي في الفرض المذكور إمّا واطئة أو موطوئة فلا اشكال في فساد صومهما و أمّا الرّجل و المرأة فكل واحد منهما يشكّ في تحقق الموضوع و الأصل عدم تحققه.

و يختلج بالبال أن يقال انّه لا بد من التفصيل بالنسبة الي الخنثي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 85

(مسألة 12) اذا جامع نسيانا أو من غير اختيار ثمّ تذكّر أو ارتفع الجبر وجب الاخراج فورا فان تراخي بطل صومه (1).

(مسألة 13) اذا شكّ في الدخول أو شك في بلوغ مقدار الحشفة لم يبطل صومه (2).

______________________________

بأن نقول ان قصدت الخنثي كلا الامرين من الأول يبطل صومها للإخلال بالنية و أمّا لو صدر منها اوّلا أحد الأمرين مع العزم علي ترك الآخر يجوز لعدم تنجّز العلم الإجمالي أو نفرض عدم قدرته علي الفرد الآخر و خروجه عن محلّ ابتلائها و بعد ساعة صارت قادرة علي الفرد الآخر يجوز أيضا لجريان الأصل بلا معارض فيمكن تصوّر صدور كلا الفردين منه و مع ذلك لا يلزم الفساد فلا حظ و اغتنم.

الفرع الخامس: أنّه لو وطأت كل من الخنثيين الأخري لم يبطل صومهما

لاحتمال تساويهما في الانوثية و الذكورية فكلّ واحد منهما يشكّ في تحقق الموضوع و الأصل عدمه فلا حظ.

[مسألة 12 إذا جامع نسيانا أو من غير اختيار ثمّ تذكّر أو ارتفع الجبر وجب الإخراج فورا]

(1) حكم (قدّس سرّه) بأنّه لو فرض كون الاضطرار أو النسيان موجبا للإيلاج يجب فورا الاخراج بعد ارتفاع العذر و مع التراخي يبطل صومه و ما أفاده تامّ اذ لا فرق بين الحدوث و البقاء و العرف ببابك مثلا لو نهي المولي عبده عن دخول المكان الفلاني و اضطر العبد الي دخوله لا يشك في وجوب الخروج بعد رفع الاضطرار.

[مسألة 13 إذا شكّ في الدخول أو شك في بلوغ مقدار الحشفة لم يبطل صومه]

(2) بتقريب: انّه مع الشك يجري اصالة عدم تحقق الموضوع و أورد عليه سيدنا الاستاد (قدّس سرّه) بأنّ الصائم إن قصد الدخول يبطل صومه و ان لم يدخل لاختلال النية و مع عدم قصد الدخول لا يبطل و إن

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 86

الرابع: من المفطرات الاستمناء أي انزال المنيّ متعمّدا بملامسة أو قبلة أو تفخيذ أو نظر أو تصوير صورة الواقعة أو تخيّل صورة امرأة أو نحو ذلك من الافعال التي يقصد بها حصوله فانّه مبطل للصوم بجميع أفراده، و أمّا لو لم يكن قاصدا للإنزال و سبقه المنيّ من دون ايجاد شي ء مما يقتضيه لم يكن عليه شي ء (1).

______________________________

دخل بلا قصد فالميزان هو القصد لا الدخول الخارجي و عدمه.

و يمكن تصحيح ما أفاده في المتن بأنّ المكلف اذا أراد الدخول بمقدار لا يضرّ بالصوم أو أراد الملامسة بمقدار لا يحصل الدخول فتارة يقطع بأن هذا المقدار لا يضر و اخري يقطع بتحقق الموضوع و ثالثة يشك أمّا حكم الصورة الاولي و الثانية فظاهر و أمّا الصورة الثالثة فيصح التمسّك بالأصل و هو الاستصحاب الاستقبالي و يحكم بمقتضاه انّ الادخال بالمقدار الكذائي لا يضرّ و لا يتحقق به الموضوع فيجوز.

[الرابع: من المفطرات الاستمناء]

اشارة

(1) ادّعي تارة عدم الخلاف فيه و اخري الاتفاق عليه و ثالثة انّه ممّا أطبق عليه الاصحاب و رابعة انّه عليه اجماع العلماء كافّة بالاضافة الي السيرة و ارتكاز المتشرّعة.

و تدل علي المدّعي جملة من النصوص: منها ما رواه محمّد بن مسلم و زرارة جميعا، عن أبي جعفر عليه السّلام انّه سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: اني اخاف عليه فليتنزّه من ذلك إلّا

أن يثق أن لا يسبقه منيّه «1».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 33، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 13.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 87

______________________________

و منها ما رواه عليّ بن جعفر قال: و سألته عن الرجل هل يصلح له و هو صائم في رمضان أن يقلّب الجارية فيضرب علي بطنها و فخذها و عجزها؟ قال: إن لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس به و أمّا الشهوة فلا يصلح «1».

و منها ما رواه أيضا قال: و سألته عن الرجل أ يصلح أن يلمس و يقبل و هو يقضي شهر رمضان؟ قال: لا «2».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّي يمني؟ قال: عليه من الكفارة مثل ما علي الذي يجامع «3».

و منها ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل يعبث بامرأته حتّي يمني و هو محرم من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان؟ فقال عليه السّلام: عليهما جميعا الكفارة مثل ما علي الذي يجامع «4».

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فانزل؟

قال: عليه اطعام ستين مسكينا مدّ لكلّ مسكين «5».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 19.

(2) نفس المصدر، الحديث 20.

(3) الوسائل: الباب 4، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(4) نفس المصدر، الحديث 3.

(5) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 88

______________________________

فان هذه النصوص بالمطابقة أو بالملازمة تدلّ علي بطلان الصوم بالانزال أمّا بالمطابقة فظاهر و أمّا بالملازمة فانّ ما يدل علي الكفارة يدل علي البطلان اذ من الواضح

انّ الكفارة انما تثبت لأجل ابطال الصوم.

فالنتيجة ان الانزال يوجب بطلان الصوم لكن لا مطلقا بل في صورة التعمد و الاختيار فان الدليل قائم علي أنّ الابطال انّما يتحقق فيما يكون السبب صادرا عن المكلّف اختيارا بل يمكن أن يستفاد المدّعي من قوله عليه السّلام فيما رواه محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا يضرّ الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء «1».

فانّ المستفاد من الحديث انّ الواجب علي المكلّف الابتعاد من الامور المذكورة و من الظاهر ان الابتعاد أمر اختياري و من ناحية اخري معلوم انّه لا فرق بين الامور المذكورة و بقية المفطرات فلا حظ.

ثم إنّه هل يجوز الملاعبة مع الزوجة مع عدم الوثوق بسبق المنيّ أم لا؟ مقتضي الشرطيّة الواقعة في كلامه روحي فداه عدم الجواز مع عدم الوثوق.

و لكن الذي يختلج بالبال أن يقال: انّ الوثوق حيث انّه طريق الي الواقع يكفي للجواز قيام البيّنة عليه فلو أخبر ثقة خبير بعدم السبق يجوز حيث انّه لا اشكال في قيام الامارة مقام الوثوق بل لا نري مانعا من القول بالجواز ببركة الاستصحاب الاستقبالي فانّه قد حقّق في

______________________________

(1) الوسائل: الباب 1، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 89

(مسألة 14) اذا علم من نفسه انّه لو نام في نهار رمضان يحتلم فالأحوط تركه و ان كان الظاهر جوازه خصوصا اذا كان الترك موجبا للحرج (1).

______________________________

الاصول قيام الأصل المحرز مقام القطع الطريقي.

اللّهمّ الّا أن يقال: انّ المستفاد من الدليل مطلوبيّة الوثوق بما هو طريق.

و بعبارة اخري: المأخوذ في الدليل الوثوق

الموضوعي بما هو طريق و جواز قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي بما هو طريق أوّل الكلام و الاشكال لقصور المقتضي و التفصيل موكول الي مجال آخر.

[مسألة 14 إذا علم من نفسه أنّه لو نام في نهار رمضان يحتلم فالأحوط تركه]

(1) تارة نبحث من حيث القاعدة الاولية و اخري من حيث النص الخاص فيقع البحث في موضعين، أمّا الموضع الأول فحيث انّ المستفاد من الدليل الجنابة الاختيارية و المفروض انّ النوم مع العلم بها نحو من التعمد و الاختيار يلزم القول بالبطلان و عدم جواز النوم.

و أمّا المقام الثاني فيستفاد من النص الخاص جواز النوم و لو مع العلم بتحقق الاحتلام لا حظ ما رواه القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثلاثة لا يفطرن الصائم القي ء و الاحتلام و الحجامة الحديث «1».

فان مقتضي الصناعة تخصيص دليل المنع بحديث القدّاح فانّ الجنابة الاحتلامية جائزة بمقتضي الحديث و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين أقسامه.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 35، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 90

(مسألة 15) يجوز للمحتلم في النهار الاستبراء بالبول أو الخرطات و ان علم بخروج بقايا المني في المجري و لا يجب عليه التحفظ بعد الانزال من خروج المني ان استيقظ قبله خصوصا مع الاضرار و الحرج (1).

______________________________

و ببيان ظاهر: انّ اطلاق دليل المخصّص محكم الّا أن يقال: انّ النسبة بين دليل المنع و حديث القدّاح عموم من وجه فانهما يفترقان في الجنابة العمدية غير المسبب عن الاحتلام و الاحتلام غير العمدي و يجتمعان في الاحتلام الّذي هو محل البحث و بعد التساقط تصل النوبة الي البراءة و اللّه العالم بحقائق الامور هذا كلّه مع عدم الحرج و أمّا معه فلا اشكال في جواز النوم

اذ الحرج يرفع الحرمة لحكومة دليل رفعه علي جميع ادلة الأحكام.

[مسألة 15 يجوز للمحتلم في النهار الاستبراء بالبول أو الخرطات]

(1) قيل: انّه مقطوع به و القاعدة تقتضي الجواز اذ المفروض انّه جنب و تحصيل الحاصل محال و أما دليل حرمة الانزال فلا اشكال في انصرافه عنه مضافا الي السيرة القطعية و الارتكاز المتشرعي بحيث يعدّ ابداء الشبهة فيه من الغرائب و بعيدا عن الصواب فلا اشكال في جواز البول و الاستبراء بالخرطات كما انّه لو احتلم و استيقظ لا يجب التحفظ لعين ما تقدم من السيرة و الارتكاز و بعده عن الاذهان.

هذا مع عدم الحرج و الضرر و أمّا مع الحرج فتارة يبحث في لزوم التجنّب بعد الانزال و اخري قبله، أمّا في الصورة الاولي فكما تقدّم فانّه مع الحرج الأمر أوضح و أما في الصورة الثانية فايضا لا يجب الاجتناب و أما الصوم فالظاهر بطلانه اذ الدليل دلّ علي أنّه يبطل بالجنابة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 91

(مسألة 16) اذا احتلم في النهار و أراد الاغتسال فالأحوط تقديم الاستبراء اذا علم انّه لو تركه خرجت البقايا بعد الغسل فتحدث جنابة جديدة (1).

(مسألة 17) لو قصد الانزال باتيان شي ء ممّا ذكر و لكن لم ينزل بطل صومه من باب نيّة ايجاد المفطر (2).

(مسألة 18) اذا وجد بعض هذه الأفعال لا بنيّة الانزال

______________________________

و حديث رفع الحرج شأنه النفي لا الاثبات فيلزم الالتزام بالبطلان.

و أما الضرر فالظاهر انّه لا يرفع الحرمة اذ علي مسلكنا انّ قاعدة لا ضرر ناهية للإضرار لا انّها نافية للأحكام الضررية و أمّا الصوم فيبطل بلا اشكال لعين التقريب الذي تقدّم اذ المفروض انه يصدق الانزال الاختياري و كذلك الجنابة الاختياريّة.

[مسألة 16 اذا احتلم في النهار و أراد الاغتسال فالأحوط تقديم الاستبراء اذا علم انّه لو تركه خرجت البقايا بعد الغسل]

(1) الظاهر انّ الوجه في عدم الجزم بالحكم دعوي انصراف دليل مفطريّة الجنابة عن المقام و

لا وجه للدعوي المذكورة فانّ المستفاد من النص و هو ما رواه أبو سعيد القمّاط انه سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمّن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتّي أصبح قال: لا شي ء عليه و ذلك انّ جنابته كانت في وقت حلال «1»، أنّ الجنابة توجب فساد الصوم فالحقّ الجزم بالحرمة و ان الاحتياط في الفتوي نحو من الاحتياط.

[مسألة 17 لو قصد الانزال باتيان شي ء ممّا ذكر و لكن لم ينزل بطل صومه]

(2) الأمر كما أفاده و لا يحتاج اثبات المدّعي الي البحث فلا حظ.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 13، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 92

لكن كان كان من عادته الانزال بذلك الفعل بطل صومه أيضا اذا أنزل و أمّا اذ أوجد بعض هذه و لم يكن قاصدا للإنزال و لا كان من عادته فاتّفق انّه أنزل فالأقوي عدم البطلان و ان كان الأحوط القضاء خصوصا في مثل الملاعبة و الملامسة و التقبيل (1).

[مسألة 18 إذا وجد بعض هذه الأفعال لا بنيّة الانزال لكن كان كان من عادته الإنزال بذلك الفعل]

______________________________

(1) النصوص الواردة في المقام علي طوائف ثلاث:

الطائفة الاولي: ما يدل علي جواز القبلة علي نحو الاطلاق، لا حظ ما رواه سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القبلة في شهر رمضان للصائم أ تفطر؟ قال: لا «1».

الطائفة الثانية: ما يدل علي المنع كذلك اذا كان مع الشهوة لاحظ ما رواه علي بن جعفر «2».

الطائفة الثالثة: ما يفصل بين صورة الوثوق بعدم الانزال و عدمه لا حظ ما عن أبي جعفر عليه السّلام «3» فعلي فرض تمامية الاطلاق في الطائفتين الاوليين تكون الطائفة الثالثة مفصّلة و جامعة بين المتعارضتين فالنتيجة انّه مع الوثوق بعدم الانزال يجوز و لا يفسد الصوم و لو مع الانزال غير الاختياري و أما مع عدم الوثوق فيكون الانزال موجبا للفساد.

و يترتب علي ما ذكرنا انّه لو لم يثق من نفسه و مع ذلك أقدم علي العمل و لا عب و قبّل و لم ينزل فهل يفسد صومه أم لا؟ الظاهر انّه يفسد

______________________________

(1) الوسائل: الباب 33، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 14.

(2) قد تقدم في ص 87.

(3) قد تقدم في ص 86.

الغاية

القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 93

______________________________

اذ المفروض ان الشارع الأقدس لم يرخّصه في المقدّمات و حكم بكون الانزال مفسدا فلو لم يكن المكلف واثقا بنفسه و مع ذلك أقدم بالمقدمات تختلّ نيّته و يفسد صومه.

و لقائل أن يقول: ان النسبة بين الحديث المفصّل بين الوثوق و عدمه و الحديث المفصّل بين الشهوة و عدمها عموم من وجه فان ما به الافتراق من الأول ما لا شهوة له و ما به الافتراق من الثاني ما لا وثوق له و فيما يكون عن شهوة مع الوثوق يقع التعارض بين الجانبين و المرجّح مع الحديث الثاني للأحدثية.

لكن لا تصل النوبة الي المرجّح السندي مع وجود المرجّح الدلالي و المرجّح الدلالي مع الحديث الاول و ذلك لأنّه لو قدّم حديث ابن جعفر لا يبقي مورد للحديث الأول اذ إمّا يباشر مع الشهوة و إمّا يباشر بلا شهوة أمّا مع الشهوة فقد فرض تقديم المعارض و أمّا بلا شهوة فلا نحتاج اليه اذ لا يستفاد ذلك من حديث ابن جعفر أيضا فعنوان الوثوق يصير لغوا.

و أمّا إن عكس الأمر و قلنا بتقديم الحديث الأول لا يصير الثاني لغوا اذ مع الشهوة و عدم الوثوق يكون مؤثّرا فالنتيجة انّه لو كان مع الوثوق يجوز و لو مع الشهوة و أمّا مع عدم الوثوق ان كان مع الشهوة لا يجوز و ان كان بلا شهوة يجوز.

و لتوضيح المدعي نكرّر التقريب، و نقول: اذا فرضنا كون المباشرة مع الوثوق فان كان مع شهوة لا يجوز بمقتضي حديث ابن

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 94

الخامس: تعمّد الكذب علي اللّه تعالي أو رسوله أو الائمة

(صلوات اللّه عليهم) سواء كان متعلقا بامور الدين أو الدّنيا و سواء كان بنحو الاخبار أو بنحو الفتوي بالعربي أو بغيره من اللغات من غير فرق بين أن يكون بالقول أو الكتابة أو الاشارة أو الكناية أو غيرها ممّا يصدق عليه الكذب عليهم و من غير فرق علي أن يكون الكذب مجعولا له أو جعله غيره و هو أخبر به مسندا اليه لا علي وجه نقل القول و أمّا لو كان علي وجه الحكاية و نقل القول فلا يكون مبطلا (1).

______________________________

جعفر و ان لم يكن مع الشهوة فيجوز بمقتضي ذلك الحديث و أمّا مع عدم الوثوق، أمّا مع الشهوة فلا يجوز، و أمّا مع عدمها فيجوز فأين يظهر اثر الحديث الأول؟ هذا بحسب الصناعة و لكن الظاهر انّه لا اشكال في الجواز اذا كان واثقا و لو مع الشهوة فان عدم الجواز مع الوثوق بعدم الانزال يقرع الاسماع فلاحظ.

[الخامس: تعمّد الكذب علي اللّه تعالي أو رسوله أو الائمة صلوات اللّه عليهم]

اشارة

(1) ادعي عليه الاجماع و يدل علي المدعي ما رواه أبو بصير قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم قال: قلت: هلكنا قال: ليس حيث تذهب انّما ذلك الكذب علي اللّه و علي رسوله و علي الائمة عليه السّلام «1».

و الحديث تام سندا و يؤيد المدعي ما رفعه البرقي الي أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل و الشرب و الجماع و الارتماس

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 95

(مسألة 19) الأقوي الحاق باقي الأنبياء و الأوصياء بنبيّنا صلي اللّه عليه و آله فيكون الكذب عليهم أيضا موجبا للبطلان بل الأحوط

الحاق فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) بهم أيضا (1).

______________________________

في الماء و الكذب علي اللّه و علي رسوله و علي الائمة عليهم السّلام «1».

فلا اشكال في أصل الحكم انّما الكلام في جملة من الخصوصيّات التي تعرض لها الماتن.

الاولي: انه لا فرق في الحكم المذكور بين كون الكذب راجعا الي أمر الدنيا و بين أن يكون راجعا الي أمر الدّين و الأمر كذلك فان الاطلاق يقتضي العموم و لا وجه للاختصاص.

الثانية: انّه لا فرق بين الاخبار و الفتوي و الوجه فيه انّ الفتوي أيضا اسناد للحكم الي اللّه و لذا يشمله آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَي اللّٰهِ تَفْتَرُونَ.

الثالثة: انّه لا فرق بين كون الأخبار بالعربي أو بغيره من اللّغات كما هو واضح كما انّه لا فرق بين القول و الكتابة و الاشارة و الكناية كل ذلك للإطلاق كما انّه لا فرق بين كونه بنفسه جاعلا له أو يكون مجعولا لغيره فانّه مقتضي الاطلاق.

الرابعة: انّه لو كان بنحو الحكاية عن الغير لا علي نحو الاخبار لا يكون مبطلا و هذا واضح ظاهر.

[مسألة 19 الأقوي إلحاق باقي الأنبياء و الأوصياء بنبيّنا صلي اللّه عليه و آله]

(1) الانصاف انّ التعبير بقوله الأقوي علي خلاف ما ينبغي و المناسب أن يقال: الأحوط و الوجه فيما ذكرنا انّ الفتوي لا بد أن تكون مستندة الي مدرك معتبر هذا من ناحية و من ناحية اخري

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 96

(مسألة 20) اذا تكلّم بالخبر غير موجّه خطابه الي أحد أو موجّها الي من لا يفهم معناه فالظاهر عدم البطلان و ان كان الأحوط القضاء (1).

(مسألة 21) اذا سأله سائل هل قال النبي صلي اللّه عليه و آله كذا فأشار «نعم» في مقام «لا» أو «لا»

في مقام «نعم» بطل صومه (2).

(مسألة 22) اذا أخبر صادقا عن اللّه أو عن النبيّ صلي اللّه عليه و آله مثلا ثمّ قال: كذبت بطل صومه، و كذا اذا أخبر باللّيل كاذبا ثمّ قال في النهار ما أخبرت به البارحة صدق (3).

______________________________

النصوص قاصرة عن شمول بقية الأنبياء و الصديقة الكبري أرواح العالمين لهم الفداء.

[مسألة 20 إذا تكلّم بالخبر غير موجّه خطابه إلي أحد أو موجّها إلي من لا يفهم معناه]

(1) الحق أنّ ما أفاده غير تامّ فانّه لا اشكال في أن زيدا لو خاطب جبلا من الجبال و يقول: انت والدي يصدق علي كلامه انّه خبر كاذب.

و بعبارة اخري: نسأل انّه لو أخبر أحد بخبر بلا مخاطب شاعر انّه أخبر أو انّه انشأ او لا هذا و لا ذاك؟ لا سبيل الي الثاني و الثالث و علي الأول، إمّا صادق أو كاذب نعم غاية ما يمكن أن يقال: ان الدليل منصرف عن مثله و لا وجه لهذه الدعوي و علي فرض القول به بدويّ يزول بالتأمّل فالحكم مبنيّ علي الظهور لا الاحتياط.

[مسألة 21 إذا سأله سائل هل قال النبي صلي اللّه عليه و آله كذا فأشار «نعم» في مقام «لا» أو «لا» في مقام «نعم»]

(2) الأمر كما أفاده لأنّه مصداق للأخبار و قد فرض انّه نسب خلاف الواقع الي النبي صلي اللّه عليه و آله.

[مسألة 22 إذا أخبر صادقا عن اللّه أو عن النبيّ صلي اللّه عليه و آله مثلا ثمّ قال: كذبت بطل صومه]

(3) لكونه مصداقا للكذب المفطر و دعوي الانصراف عهدتها

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 97

(مسألة 23) اذا أخبر كاذبا ثمّ رجع عنه بلا فصل لم يرتفع عنه الأثر فيكون صومه باطلا، بل و كذا اذا تاب بعد ذلك فانّه لا تنفعه توبته في رفع البطلان (1).

______________________________

علي مدّعيها.

[مسألة 23 إذا أخبر كاذبا ثمّ رجع عنه بلا فصل لم يرتفع عنه الأثر فيكون صومه باطلا]

(1) فان الشي ء لا ينقلب عمّا هو عليه و المفروض انّ المفطّر قد تحقق في الخارج و بطل الصوم فلا يعقل الارتفاع، نعم لو دل دليل علي الكفاية نلتزم بها و لكن حيث ليس فليس، و أما التوبة فانّما تؤثّر في محو الذنب من استحقاقه العقوبة و لا دليل علي تأثيرها في العصيان كالعدم.

ان قلت: قد روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله التائب من الذنب كمن لا ذنب له» «1» و اطلاقه يقتضي ذلك.

قلت: يرد عليه أولا انّ السند ضعيف فإن الراوي دارم و هو يروي عن الرضا عليه السّلام عن آبائه، عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الرجل لم يوثق بل في رجال سيدنا الاستاد هكذا و قال: «ابن الغضائري دارم بن قبيصة بن نهشل أبو الحسن السائح يروي عن الرضا عليه السّلام لا يؤنس بحديثه و لا يوثق» فالحديث ساقط عن الاعتبار السندي.

و ثانيا: انّه كيف يمكن الالتزام بالتقريب المذكور و الحال انّه يلزم انّه لو ترك زيد صلاته و صيامه و حجّه في تمام عمره و في آخر العمر تاب لا يكون عليه شي ء و لا يجب عليه القضاء حال حياته و لا يجب قضاء ما تركه بعد وفاته، و لو أتلف أموال الناس لا يكون ضامنا لها

______________________________

(1) البحار: ج 6 ص 21، الحديث 13.

الغاية

القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 98

(مسألة 24) لا فرق في البطلان بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوبا في كتاب من كتب الأخبار أو لا، فمع العلم بكذبه لا يجوز الاخبار به و إن أسنده الي ذلك الكتاب الّا أن يكون ذكره له علي وجه الحكاية دون الأخبار (1) بل لا يجوز الاخبار به علي سبيل الجزم مع الظنّ بكذبه، بل و كذا مع احتمال كذبه الّا علي سبيل النقل و الحكاية (2).

______________________________

بعد التوبة و هذا يضحك الثّكلي و يستلزم تأسيس فقه جديد و لا يرضي به أدني السوقي فكيف بالأكابر و الأعاظم أعاذنا اللّه من الزلل و العثرة.

[مسألة 24 لا فرق في البطلان بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوبا في كتاب من كتب الأخبار أو لا]

(1) كلّ ذلك للإطلاق فانّ الميزان إسناد الكذب الي اللّه أو الي الرسول و الائمة عليهم السّلام بلا فرق في خصوصياته، نعم اذا نقل الكذب عن الكتاب لا يكون وجه للبطلان و قد اشتهر في الالسن أنّ نقل الكفر ليس كفرا.

(2) قبل الخوض في البحث ينبغي بيان مفهوم الكذب بحسب ما يستفاد من اللغة فنقول: الكذب عبارة عن الخبر المخالف للواقع بلا فرق بين كون المخبر عامدا أو خاطئا و ما ورد في قوله تعالي: وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ مع حقية الرسالة من باب مخالفة شهادتهم مع الواقع فانّ المنافق لا يشهد بالرسالة.

اذا عرفت ما قلنا فاعلم انّه لا فرق بين الظن و الشك اذ الظن اذا لم يكن حجة يكون في حكم الشك و عليه نقول: يقع الكلام تارة من حيث الحرمة و الجواز مع قطع النظر عن الصوم و اخري يقع الكلام من حيث افساد الاخبار مع عدم العلم للصوم فيقع الكلام في موضعين.

الغاية القصوي في التعليق علي

العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 99

______________________________

أمّا الموضع الاول فالّذي يختلج بالبال أن يقال: تارة يكون الاخبار مع عدم العلم اثباتا لأمر حادث و اخري يكون نفيا، أمّا علي الأول فالظاهر انّه لا يجوز في أيّ مورد فرض اذ مقتضي الاستصحاب عدم حدوث ذلك الحادث الفلاني فبالاستصحاب يحرز عدمه في الواقع و يترتب عليه حرمة الاخبار عن حدوثه فيكون حراما بلا فرق بين الموارد.

و أمّا علي الثاني فتارة يكون إسنادا الي اللّه و اخري يكون الاسناد الي غيره تعالي، أمّا إن كانت النسبة اليه تعالي فيكون حراما لقوله تعالي: آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَي اللّٰهِ تَفْتَرُونَ «1».

و لقوله تعالي أيضا: أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللّٰهِ مٰا لٰا تَعْلَمُونَ «2» و أمّا ان كانت النسبة الي غيره تعالي فلا مقتضي للحرمة اذ كون الخبر كاذبا غير معلوم فلا وجه للحرمة مع الشك بل يمكن احراز عدمه بالاستصحاب أي يحرز عدم كونه كذبا.

بل يمكن القول بالجواز حتي بالنسبة الي اللّه تعالي اذ كما قلنا بالاستصحاب يحرز عدم كونه كذبا فيحكم بالجواز بلا اشكال هذا تمام الكلام في الموضع الأول.

و أمّا الموضع الثاني: أي ابطال الاخبار الصوم فأفاد سيّد المستمسك (قدّس سرّه) «حيث كونه كذبا غير معلوم لا يكون مفسدا

______________________________

(1) يونس: 59.

(2) البقرة: 80.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 100

______________________________

للصوم بمقتضي أصل البراءة بل لا يحتاج الي الأصل لأنّ الابطال متوقّف علي العمد و لا عمد في المقام فيقطع بعدم الابطال».

و أورد عليه سيدنا الاستاد بأنّ المكلف يعلم اجمالا بحرمة احد الطرفين، مثلا اذا أراد أن يخبر عن حرمة شي ء أو عن حليته يعلم بحرمة احد الخبرين و بمقتضي العلم الإجمالي يتنجّز عليه كلا

طرفيه فيكون الاخبار مصداقا للتعمّد فيوجب بطلان الصوم اذ علي تقدير كونه كذبا فقد أوجد المفطر و علي تقدير صدقه تكون نيّة الصوم مختلّة اذ علي الفرض المكلف لا يكون قاصدا بعدم الاتيان بالمفطر و لا يبالي كما هو ظاهر.

أقول: الظاهر انّه لا تصل النوبة الي التقريب المذكور اذ لو دار الأمر بين حكمين يكون مقتضي الاستصحاب عدم تحقق المشكوك فيه فبالأصل المحرز يكشف كون الخبر خلاف الواقع و أمّا لو دار الأمر بين الاثبات و النفي ففي فرض الاثبات فبما أنّ الواقع منجّز و مخالف للأصل المحرز يكون صومه باطلا علي كل تقدير إمّا بلحاظ الافطار و إما بلحاظ اختلال النيّة.

و أمّا في فرض النفي فحيث انّ إخباره غير جائز و مع ذلك يقدم يكون مرجع اقدامه الي عدم قصد الصوم فيبطل من هذه الجهة فلا حظ.

اللّهمّ الّا أن يقال: انّه لو فرض احراز عدم الكذبيّة كما هو كذلك فلا يكون حراما بل يكون جائزا فلا يكون مصداقا لتعمّد الكذب.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 101

فالأحوط لناقل الأخبار في شهر رمضان مع عدم العلم بصدق الخبر أن يسنده الي الكتاب أو الي قول الراوي علي سبيل الحكاية (1).

(مسألة 25) الكذب علي الفقهاء و المجتهدين و الرواة و ان كان حراما لا يوجب بطلان الصوم الّا اذا رجع الي الكذب علي اللّه و رسوله صلي اللّه عليه و آله (2).

(مسألة 26) اذا اضطرّ الي الكذب علي اللّه و رسوله صلي اللّه عليه و آله في مقام التقية من ظالم لا يبطل صومه به كما انّه لا يبطل مع

______________________________

فانقدح بما ذكرنا انّه لا تصل النوبة الي تقريب العلم الإجمالي كما انّه

لا تصل النوبة الي البراءة بل الحق ما ذكرنا.

و يلزم الاشارة الي نكتة و هي انّه لو كانت الشبهة حكميّة لا مجال لأصالة عدم كون الخبر كاذبا اذ يلزم الفحص في الشبهة الحكمية و أمّا اذا لم يكن كذلك فلا نري مانعا من جريان اصالة عدم كونه كذبا.

و ان شئت قلت: يشك في أنه هل يكون الخبر مخالفا مع الواقع أم لا؟ و الأصل عدم كونه مخالفا مع الواقع فيجوز الاخبار به و لا يعارضه اصل عدم كونه موافقا فيكون حراما لأنّ الكذب عبارة عن الخبر المخالف مع الواقع مضافا الي أنّه لو اغمض عمّا ذكرنا يقع التعارض بين الأصلين فتصل النوبة الي البراءة.

(1) بل الأظهر ذلك في بعض الفروض و لا يجب الاحتياط في بعضها الآخر فلاحظ.

[مسألة 25 الكذب علي الفقهاء و المجتهدين و الرواة و إن كان حراما لا يوجب بطلان الصوم]

(2) لعدم المقتضي للبطلان و هذا ظاهر واضح.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 102

السهو أو الجهل المركّب (1).

[مسألة 26 إذا اضطرّ إلي الكذب علي اللّه و رسوله صلي اللّه عليه و آله في مقام التقية من ظالم لا يبطل صومه به]

______________________________

(1) المسألة محلّ الخلاف فذهب جماعة الي عدم فساد الصوم بالافطار تقية و منهم المحقّق الأردبيلي في شرح الارشاد و ذهب جماعة الي خلاف القول الأول و التزموا بالفساد منهم الشيخ و صاحب الحدائق و مال اليه الشهيد الثاني في المسالك.

و الحق هو القول الثاني، اذ المفروض انّه افطار اختياري فيفسد الصوم بمقتضي النصوص و لا تنافي بين ارتفاع الحرمة بالاضطرار و التقية كما انّ الأمر كذلك في الافطار الاكراهي.

و تؤيّد المدّعي جملة من النصوص منها ما رواه داود بن الحصين، عن رجل من أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: و هو بالحيرة في زمان أبي العباس، اني دخلت اليه و قد شكّ الناس في الصوم و هو و اللّه من شهر رمضان فسلّمت عليه فقال: يا أبا عبد اللّه أصمت اليوم؟

فقلت: لا. و المائدة بين يديه قال: فادن فكل، قال: فدنوت فأكلت قال: و قلت: الصوم معك و الفطر معك فقال الرجل لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال: إي و اللّه أفطر يوما من شهر رمضان احبّ إليّ من أن يضرب عنقي «1».

و منها ما رواه رفاعة عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: دخلت علي أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبد اللّه ما تقول في الصيام، اليوم؟ فقلت: ذاك الي الامام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام عليّ بالمائدة فأكلت معه و أنا أعلم و اللّه انّه يوم من شهر

______________________________

(1) الوسائل: الباب 57، من أبواب

ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 103

(مسألة 27) اذا قصد الكذب فبان صدقا دخل في عنوان قصد المفطر بشرط العلم بكونه مفطرا (1).

______________________________

رمضان فكان افطاري يوما و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه «1».

و منها ما رواه خلّاد بن عمارة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام دخلت علي أبي العباس في يوم شكّ و أنا أعلم انّه من شهر رمضان و هو يتغدّي فقال: يا أبا عبد اللّه ليس هذا من أيامك، قلت: لم يا أمير المؤمنين؟ ما صومي الا بصومك و لا افطاري الا بافطارك قال: فقال:

ادن قال: فدنوت فأكلت و أنا و اللّه أعلم انّه من شهر رمضان «2».

إن قلت: يستفاد من نصوص الباب بمناسبة الحكم و الموضوع انّ الوجه في الافساد كون الكذب في المقام لأجل شدّة المبغوضية و الحرمة و المفروض ارتفاع الحرمة بالاضطرار و التقيّة.

قلت: ما ذكر لا يقتضي رفع اليد عن ظهور الدليل و اطلاقه و لا يكون بحدّ يوجب جعله قرينة منفصلة لا سقاط حجية الظهور الاطلاقي.

ان قلت: لما ذا لا نلتزم بارتفاع جميع الآثار ببركة حديث رفع الاضطرار؟

قلت: البطلان غير قابل للرفع و لذا نقول: الادلة الرافعة للتكاليف لا تدلّ علي صحّة العمل الفاقد للجزء أو الشرط.

[مسألة 27 إذا قصد الكذب فبان صدقا دخل في عنوان قصد المفطر]

(1) الأمر كما أفاده و الوجه في الفساد اختلال النيّة.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 104

(مسألة 28) اذا قصد الصدق فبان كذبا لم يضرّ كما اشير اليه (1).

(مسألة 29) اذا اخبر بالكذب هزلا بأن لم يقصد المعني اصلا لم يبطل صومه

(2).

السادس: ايصال الغبار الغليظ الي حلقه بل و غير الغليظ علي الأحوط، سواء كان من الحلال كغبار الدقيق أو الحرام كغبار التراب و نحوه، و سواء كان باثارته بنفسه بكنس أو نحوه أو باثارة غيره بل أو باثارة الهواء مع التمكين منه و عدم تحفّظه (3).

[مسألة 28 إذا قصد الصدق فبان كذبا لم يضرّ]

______________________________

(1) فانّ البطلان يتوقف علي العمد و المفروض عدمه.

[مسألة 29 إذا اخبر بالكذب هزلا بأن لم يقصد المعني أصلا لم يبطل صومه]

(2) و الوجه فيه: انّه لم يقصد الاخبار فلم يتحقق الموضوع.

[السادس: إيصال الغبار الغليظ إلي حلقه]

(3) المسألة محلّ الخلاف و يدل علي المدعي ما رواه المروزي قال:

سمعته يقول: اذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فانّ ذلك له مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح «1».

و الحديث ضعيف بالاضمار و غيره فانّ سليمان بن جعفر لم يوثق و مجرّد كونه في اسناد كامل الزيارات لا أثر له.

مضافا الي أنّ الرجل مردّد بين ابن جعفر و ابن حفص و سليمان ابن جعفر مجهول فلا دليل معتبر علي المدعي و القاعدة الاولية تقتضي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 22، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 105

و الأقوي الحاق البخار الغليظ (1) و دخان التنباك و نحوه (2) و لا بأس بما يدخل في الحلق غفلة أو نسيانا

______________________________

عدم كونه مفطرا.

أضف الي ذلك انّه يعارضه ما روي عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه؟ فقال:

جائز لا بأس به، قال: و سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟

قال: لا بأس «1» فالحكم مبنيّ علي الاحتياط.

(1) قد ظهر ممّا تقدم انّه لا موضوع لما أفاده اذ قد مرّ ان الدليل قاصر بالنسبة الي الغبار فكيف بالبخار و مع الإغماض عمّا تقدم و تسلّم الحكم في المقيس عليه لا وجه للقياس لكونه باطلا، نعم لو كان الحكم بواسطة صدق الأكل فالالتزام علي طبق القاعدة هناك، كما انّه لو صدق عنوان الشرب يكون الحكم تاما في المقام من حيث

الدليل و لكن أنّي لنا بهذه الدعوي.

و يضاف الي ذلك كلّه انّ السيرة قائمة علي عدم الاجتناب عن البخار بل يعدّ الاحتراز عنه بعيدا عن الصواب فلا حظ.

(2) الظاهر انّه لا وجه له، نعم تدخين الدخانيّات بادخال الدخان في الجوف من طريق الحلق كما هو المتعارف خلاف أذهان المتشرعة فمقتضي التورّع الاجتناب عنه و ان كانت الفتوي بالحرمة و الفساد نحو من التّجري فلا تغفل.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 106

أو قهرا (1) أو مع ترك التحفّظ بظن عدم الوصول و نحو ذلك (2) السابع: الارتماس في الماء (3).

______________________________

(1) اذ يشترط في الحكم بالافساد صدق التعمّد فما يكون ناشيا عن الغفلة و النسيان لا يكون مفسدا.

(2) يكفي للجواز احتمال عدم الوصول فانّه يحرز عدمه بالاستصحاب الاستقبالي بل يكفي للجواز مجرد الشك و لو مع عدم الاستصحاب فان الشبهة موضوعية و تجري البراءة عن وجوب التحفظ.

[السابع: الارتماس في الماء]

اشارة

(3) ادّعي عليه الاجماع و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

منها ما رواه محمّد بن مسلم «1» و منها ما رواه عليّ بن الحسين المرتضي نقلا من تفسير النعماني «2» و منها رواه أحمد بن أبي عبد اللّه «3».

و منها ما رواه يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم «4».

و منها ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الصائم يستنقع في الماء و يصبّ علي رأسه و يتبرّد بالثوب و ينضح بالمروحة و ينضح البوريا تحته و لا يغمس رأسه في الماء «5».

______________________________

(1) قد تقدم في ص 67.

(2) قد تقدم في ص 76.

(3) قد تقدم في ص

76.

(4) الوسائل: الباب 3، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(5) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 107

______________________________

و منها ما رواه الحسن الصيقل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يرتمس في الماء؟ قال: لا، و لا المحرم، قال: و سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ قال: لا «1».

و منها ما رواه حنّان بن سدير أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال: لا بأس و لكن لا ينغمس و المرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمل الماء بقبلها «2».

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الصائم يستنقع في الماء و لا يرمس رأسه «3».

و منها ما رواه حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يرتمس الصائم و لا المحرم رأسه في الماء «4».

و لا اشكال في أنّ المستفاد من هذه النصوص مفطريّة الارتماس اذ لا يحتمل أن يكون الارتماس حراما تكليفيا فقط للصائم و الحال انّ الصائم بالصوم الندبي مثلا يكون ابطال الصوم جائزا له فكيف يكون الارتماس حراما عليه فالحرمة وضعيّة أي الارتماس يوجب فساد الصوم و هذا لا اشكال فيه.

و في المقام حديث و هو ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا عليه قضاء ذلك

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 4.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

(3) نفس المصدر، الحديث 7.

(4) نفس المصدر، الحديث 8.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 108

______________________________

اليوم؟ قال: ليس عليه قضاؤه و لا يعودنّ «1»، ربما يقال يعارض تلك النصوص الدالة علي فساد

الصوم بالارتماس فما الحيلة و ما الوسيلة؟

و قد بني سيدنا الاستاد علي تمامية الحديث سندا و دلالة و لذا جمع بين الطرفين تارة بأنّ تلك الروايات صادرة عن المعصوم قطعا فترجّح علي هذه الرواية و اخري بأنّ الحديث المعارض موافق مع العامّة فتقدّم الطائفة المعارضة الحديث بمخالفة القوم.

و صاحب الحدائق حمل الحديث علي التقيّة أيضا.

أقول: يرد علي ما أفاده انّ الدلالة مخدوشة اذ السائل يقول:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال: ليس عليه قضاء ذلك اليوم و لا يعودنّ.

فان فرضنا انّ الصائم باختياره و مع توجهه بكونه صائما ارتمس في الماء و لكن لا يتوجه الي أنّ الارتماس يبطل الصوم يصدق انه تعمّد في الارتماس و لا ينافي عدم علمه بالحكم و غفلته.

و يدلّ علي المدعي قوله عليه السّلام في ذيل الحديث «و لا يعودنّ» اذ المستفاد من النهي انّ الصائم ممنوع عن الارتماس فامّا يكون قوله عليه السّلام «لا يعودنّ» مناقضا مع نفيه للقضاء فالحديث غير قابل للاستدلال و إمّا يكون دالا علي الافساد مع العلم بكونه مفسدا و متوجها اليه فلا يكون الحديث معارضا فالدلالة غير تامّة علي كلا التقديرين.

فالنتيجة انّ الحديث المشار اليه غير معارض لتلك المطلقات

______________________________

(1) الوسائل: الباب 6، من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 109

و يكفي فيه رمس الرأس فيه و إن كان سائر البدن خارجا عنه من غير فرق بين أن يكون رمسه دفعة أو تدريجا علي وجه يكون تمامه تحت الماء زمانا و أما غمسه علي التعاقب لا علي هذا الوجه فلا بأس به و إن استغرقه و

المراد بالرأس ما فوق الرقبة بتمامه فلا يكفي غمس خصوص المنافذ في البطلان و ان كان

______________________________

و بعبارة واضحة: إما يكون الحديث مجملا فلا يعتدّ به و إمّا يكون السؤال عن صورة الالتفات الي الصوم و مع ذلك ارتمس فأجاب عليه السّلام بعدم وجوب القضاء لكن قد علم من ذيل الحديث و من بقية النصوص بطلان الصوم بالارتماس اذا كان مع الالتفات الي الافساد.

و ان شئت فقل: كيف يمكن أن يكون الارتماس مبطلا و المكلّف يعلم الحكم المذكور و مع ذلك يأتي به متعمّدا أي يبطل صومه متعمّدا و مع ذلك لا يكون عليه القضاء أ ليس هذا جمعا بين المتناقضين؟ فلا بد أن يكون المراد من التعمّد التعمّد من حيث كونه عالما بكونه صائما و لكن غافل عن ابطال الارتماس للصوم أو ناس للحكم المذكور و لكن ابطال الصوم لا يتوقف علي العلم بكون الأمر الفلاني مفطرا.

مضافا الي أنّ العلم بصدور أحد طرفي المعارضة لا يكون مرجّحا فانّ الميزان في المعارضة كون كلّ واحد من الطرفين حجّة بالعلم الوجداني أو التعبّدي و المفروض عنده حجّية الحديث المعارض.

و أما الترجيح بمخالفة القوم فقد قلنا في محلّه انّه لا دليل عليه و لكن هذا اشكال مبنائي و هو لا يسلّم ما نقول و ان كان المفروض عليه حتي علي مسلكه أن يقبل و التفصيل موكول الي مجال آخر، و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 110

هو الأحوط و خروج الشعر لا ينافي صدق الغمس (1).

(مسألة 30) لا بأس برمس الرأس أو تمام البدن في غير الماء من سائر المائعات بل و لا رمسه في الماء المضاف و ان كان

الأحوط الاجتناب خصوصا في الماء المضاف (2).

[مسألة 30 لا بأس برمس الرأس أو تمام البدن في غير الماء من سائر المائعات]

اشارة

______________________________

(1) بعد بيان أصل الحكم تعرض (قدّس سرّه) لجملة من الفروع:

الفرع الأول: انّه يكفي لترتب الحكم رمس الرأس فقط

و الوجه فيه: انّه قد ذكر في بعض النصوص خصوص الرأس لاحظ حديثي الحلبي و حريز «1»

فاذا خصّص الحكم برمس جميع البدن كما يستفاد من جملة من النصوص الاخر يلغو عنوان رمس خصوص الرأس فلا مجال لأن يقال لا تعارض بين الاثباتين و ايّ منافاة بين كل واحد من الأمرين موضوعا مستقلا للحكم؟ اذ عليه لا يبقي مورد لموضوعية رمس الرّأس فقط فانّ الميزان في ترتب الحكم رمس الرأس و مقتضي الاطلاق المستفاد من النّص عدم الفرق بين رمس الرّأس دفعة أو تدريجا.

نعم اذا لم يتحقق الموضوع و لو بخروج جزء يسير من الرّأس خارج الماء لا يترتب الحكم لعدم تحقق الموضوع و هذا ظاهر واضح.

الفرع الثاني: انّ المراد بالرأس فوق الرقبة بتمامه

فانّه المتبادر من اللّفظ و عليه لا أثر لرمس أكثره لعدم تحقّق الموضوع و ان كان الاحتياط بترتيب الأثر في غمس المنافذ.

الفرع الثالث: انّ خروج الشعر لا يضرّ بصدق الموضوع

فان شعر الرأس ليس جزءا منه بل عارض يعرضه.

(2) المذكور في نصوص الباب بالصراحة لفظ الماء و من الظاهر عدم

______________________________

(1) قد تقدم في ص 107.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 111

(مسألة 31) لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء اليه ثمّ رمسه في الماء فالأحوط بل الأقوي بطلان صومه، نعم لو أدخل رأسه في إناء كالشيشة و نحوها و رمس الاناء في الماء فالظاهر عدم البطلان (1).

______________________________

صدق عنوان الماء علي المضاف فكيف بسائر المائعات؟ و تسرية الحكم الي المضاف يحتاج الي الدليل و لا دليل عليها و اذا لم يسر الحكم الي المضاف فعدم سرايته الي مطلق المائع و الي الجوامد الناعمة كالدقيق أوضح و أظهر فما أفاده في المتن تامّ.

[مسألة 31 لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء 7 ليه ثمّ رمسه في الماء]

(1) الميزان في ترتّب الأحكام الشرعية صدق موضوعاتها عرفا و حيث انّه يصدق عنوان الرّمس في الماء حال كون الرأس ملطّخا بمانع عن وصول الماء يترتب الحكم.

و أما لو أدخل رأسه في إناء و رمس الاناء في الماء فان صدق رمس الرأس يترتّب الحكم و إن لم يصدق لا يترتب و كذا لو شك اذ مع الشبهة المصداقية لا مجال للأخذ بالدليل بل يمكن احراز عدم صدقه بالاستصحاب علي ما بنينا من الأخذ بالاستصحاب في الشبهة المفهومية.

و في جريان الاستصحاب في أمثال المقام شبهة و هي انّه لا حالة سابقة كي تستصحب اذ ربما لا يصدق عنوان علي ما في الخارج كعنوان المغرب علي ما قبل ذهاب الحمرة فيصح أن يقال: عنوان المغرب لم يكن صادقا و الآن كما كان.

و أما في المقام فمتي يفرض عدم الصدق و بعبارة واضحة: لا بدّ

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي

- كتاب الصوم، ص: 112

(مسألة 32) لو ارتمس في الماء بتمام بدنه الي منافذ رأسه و كان ما فوق المنافذ من رأسه خارجا عن الماء كلا أو بعضا لم يبطل صومه علي الأقوي و ان كان الأحوط البطلان برمس خصوص المنافذ كما مرّ (1).

(مسألة 33) لا بأس بافاضة الماء علي رأسه و ان اشتمل علي جميعه ما لم يصدق الرمس في الماء (2)، نعم لو أدخل رأسه أو تمام بدنه في النهر المنصبّ من عال الي السافل و لو علي وجه التسنيم فالظاهر البطلان لصدق الرمس، و كذا في الميزاب اذا كان كبيرا و كان الماء كثيرا كالنهر مثلا.

______________________________

للصائم أن يحرز عدم الصدق كي يجوز له الارتكاب فكيف يحرز العدم.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: يمكن احراز عدم الصدق باحد وجهين:

الوجه الأول: الاستصحاب الاستقبالي بأن يقال ما دام لا يتحقق الرمس علي النحو المذكور لا يصدق رمس الرأس فيكون المستقبل كالماضي فيجوز.

الوجه الثاني: أن يقال: قبل وضع اللغة لم يكن العنوان صادقا و الآن كما كان فلا حظ و اغتنم.

[مسألة 32) لو ارتمس في الماء بتمام بدنه 7 لي منافذ رأسه و كان ما فوق المنافذ من رأسه خارجا عن الماء كلا أو بعضا لم يبطل صومه]

(1) قد ظهر وجه ما أفاده و لا موجب للإعادة.

[مسألة 33 لا بأس بإفاضة الماء علي رأسه و إن اشتمل علي جميعه ما لم يصدق الرمس في الماء]

(2) لعدم صدق الموضوع بل السيرة جارية عليها من أهل الشرع و الورع العالمين بالحكم، نعم اذا صدق عنوان الموضوع بايّ نحو كان

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 113

(مسألة 34) في ذي الرأسين اذا تميّز الأصلي منهما فالمدار عليه و مع عدم التميّز يجب عليه الاجتناب عن رمس كلّ منهما لكن لا يحكم ببطلان الصوم الّا برمسهما و لو متعاقبا (1).

(مسألة 35) اذا كان مائعان يعلم بكون احدهما ماء يجب الاجتناب عنهما و لكن الحكم بالبطلان يتوقّف علي الرمس فيهما (2).

(مسألة 36) لا يبطل الصوم بالارتماس سهوا أو قهرا أو

______________________________

يترتّب عليه الحكم للإطلاق و لا وجه لانصراف الدليل عن الفرد غير المتعارف فان الاطلاق رفض القيود.

[مسألة 34 في ذي الرأسين إذا تميّز الأصلي منهما فالمدار عليه]

(1) أمّا مع تميّز الأصلي عن الزائد فلا كلام و الأمر ظاهر و أمّا مع الاجمال فتارة نقول: بعدم تنجّز العلم الإجمالي بالجملة بل نقول به في الجملة كما قلنا فالأمر أيضا ظاهر فانه يختار أحد الطرفين و يرتّب عليه الحكم.

و أمّا علي القول المشهور فالاجتناب واجب علي الاطلاق و أمّا من حيث فساد الصوم فالحقّ انّه يفسد الصوم بقصد ارتكاب الطرفين أو الشك و الترديد في الاجتناب للاختلال الحاصل في النيّة.

[مسألة 35 إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماء يجب الاجتناب عنهما]

(2) قد ظهر الحال في هذه المسألة من المسألة السابقة فلا وجه للإعادة، و صفوة القول: انّ المسألة من مصاديق العلم الإجمالي و قلنا: انّه فرق بين القول بتنجّز العلم الإجمالي في الجملة و القول بتنجزه بالجملة فلا حظ ما ذكرناه.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 114

السقوط في الماء من غير اختيار (1).

(مسألة 37) اذا ألقي نفسه من شاهق في الماء بتخيل عدم الرمس فحصل لم يبطل صومه (2).

(مسألة 38) اذا كان مائع لا يعلم انّه ماء أو غيره أو ماء مطلق أو مضاف لم يجب الاجتناب عنه (3).

(مسألة 39) اذا ارتمس نسيانا أو قهرا ثمّ تذكّر أو ارتفع القهر وجب عليه المبادرة الي الخروج و الّا بطل صومه (4).

(مسألة 40) اذا كان مكرها في الارتماس لم يصحّ صومه بخلاف ما اذا كان مقهورا (5).

[مسألة 36 لا يبطل الصوم بالارتماس سهوا أو قهرا]

______________________________

(1) و الوجه فيه: انّ البطلان يتوقف علي العمد.

[مسألة 37 إذا ألقي نفسه من شاهق في الماء بتخيل عدم الرمس فحصل لم يبطل صومه.]

(2) لاشتراط التعمّد في تحقق الافطار و المفروض عدمه.

[مسألة 38 إذا كان مائع لا يعلم انّه ماء أو غيره أو ماء مطلق أو مضاف لم يجب الاجتناب عنه]

(3) الأمر كما أفاده فانّه لو قلنا بتماميّة جريان الاستصحاب في الاعدام الازليّة فالأمر ظاهر فانّه ببركة الاستصحاب يحرز عدم كون المشار اليه ماء فيجوز الرمس فيه و أمّا إن قلنا بعدم تماميّته فيكفي اصل البراءة.

[مسألة 39 إذا ارتمس نسيانا أو قهرا ثمّ تذكّر أو ارتفع القهر وجب عليه المبادرة إلي الخروج و إلّا بطل صومه]

(4) و الوجه فيه انّه يفهم عرفا انّ المنع، عن الرّمس بلا فرق بين الاحداث و الابقاء.

[(مسألة 40 إذا كان مكرها في الارتماس لم يصحّ صومه]

(5) اذا الاكراه يرفع الحرمة و لا مقتضي لعدم مبطليّة الارتماس مع كونه اختياريا فيفسد باطلاق دليل مبطلية الارتماس، و أمّا الارتماس القهري فحيث انّه غير اختياري لا يكون مفسدا.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 115

(مسألة 41) اذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه و ان كان واجبا عليه (1).

(مسألة 42) اذا كان جنبا و توقّف غسله علي الارتماس انتقل الي التيمّم اذا كان الصوم واجبا معيّنا و ان كان مستحبا أو كان واجبا موسعا وجب عليه الغسل و بطل صومه (2).

[مسألة 41 إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه و ان كان واجبا عليه]

______________________________

(1) و الوجه فيه: انّ مقتضي أهمية حفظ النفس جواز الافطار و لا تنافي بين وجوب الارتماس و كونه مفطرا للصوم كما هو مقتضي اطلاق دليل الافطار.

[مسألة 42 إذا كان جنبا و توقّف غسله علي الارتماس انتقل إلي التيمّم إذا كان الصوم واجبا معيّنا]

(2) أفاد سيدنا الاستاد في تقريب المدعي: انّه لا تزاحم بين ما لا بدل له و ماله البدل و المفروض انّ الغسل له البدل و هو التيمّم، و أمّا الصوم فلا بدل له فيقدّم ما لا بدل له علي ماله البدل.

و يرد عليه انّ التيمّم ليس بدلا عرضيا للغسل كي يتمّ البيان المذكور بل بدل طولي للغسل و حكم اضطراري فلا يتمّ التقريب الّذي أفاده.

نعم يمكن الاستدلال بنحو آخر و هو انّه يستفاد من النصوص الواردة في باب التيمّم جوازه عند العذر و من الظاهر ان الارتماس محرّم في حد نفسه علي الصائم فيكون عذرا مانعا عن الاغتسال فينتقل الأمر الي التيمّم.

هذا فيما يكون الصوم واجبا معينا، و أمّا اذا كان واجبا موسّعا أو كان مستحبّا فيجب الغسل فاذا اغتسل يبطل صومه بل اذا قصد الاغتسال يبطل صومه لاختلال النيّة انّما الكلام في أن مجرّد ايجاب

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 116

(مسألة 43) اذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه و غسله اذا كان متعمدا و ان كان ناسيا لصومه صحّا معا، و أمّا اذا كان الصوم مستحبا أو واجبا موسّعا بطل صومه و صحّ غسله (1).

______________________________

الغسل هل يكون مستلزما لبطلان صومه أم يمكن الالتزام بالصحة علي نحو التّرتب؟

الظاهر هو الثاني، اذ يمكن للمكلف أن يبقي صومه علي تقدير ترك الغسل.

ان قلت: الترتب انّما يتصوّر في الضدّين اللذين لهما ثالث، و أمّا فيما لا يكون لهما الثالث كالحركة و السكون

فلا يجري الترتّب اذ مع انعدام احد الطرفين يكون الطرف الآخر واجبا و حاصلا و الأمر لا يتعلق بتحصيل الحاصل.

قلت: ليس الأمر في المقام كذلك فانّ المكلف تتصور له حالات ثلاث: الاولي: الغسل، الثانية: ترك الاغتسال مع قصد القربة في الامساك، الثالثة: ترك الاغتسال بلا قصد القربة فيكون قابلا لأن يخاطب بالخطاب الترتّبي فلاحظ.

[مسألة 43 إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه و غسله]

اشارة

(1) قد تعرض في هذه المسألة لفروع:

الفرع الأول: انّه لو ارتمس في الواجب المعيّن بقصد الاغتسال بطل صومه و غسله،

أمّا صومه فللاختلال في النية، و أمّا غسله فلأنّه يحرم عليه الاتيان بالمفطر في شهر رمضان تأدّبا فيكون الارتماس حراما و بعد فرض حرمته لا يكون قابلا لصيرورته مصداقا للمأمور به

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 117

(مسألة 44) اذا أبطل صومه بالارتماس العمدي فان لم يكن من شهر رمضان و لا من الواجب المعيّن غير رمضان يصحّ له الغسل حال المكث في الماء أو حال الخروج و ان كان من شهر رمضان يشكل صحّته حال المكث لوجوب الامساك عن المفطرات فيه بعد البطلان أيضا بل يشكل صحّته حال الخروج أيضا لمكان النهي السابق كالخروج من الدّار الغصبية اذا دخلها عامدا و من هنا يشكل صحة الغسل في الصوم الواجب المعين أيضا سواء كان في حال المكث أو حال الخروج (1).

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1417 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم؛ ص: 117

______________________________

لاستحالة اجتماع الضدين و لكن هذا يختصّ بصوم شهر رمضان، و أمّا في غيره فلا بدّ من التفصيل.

الفرع الثاني: انّه لو لم يكن متعمدا كما لو كان ناسيا للصوم يصح صومه و غسله،

أمّا صومه فلأنّ المفروض انّ الارتماس سهوي بخلاف الصورة الاولي التي يكون المفروض فيها كونه عامدا و أمّا غسله فلعدم موجب لبطلانه.

الفرع الثالث: انّه لو كان صومه مستحبا أو واجبا موسعا يصحّ غسله و يبطل صومه،

أمّا الأول فلعدم موجب لبطلانه، و أمّا الثاني فلأنه أبطله بالارتماس.

[مسألة 44 اذا أبطل صومه بالارتماس العمدي]

اشارة

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأول: انّه لو ابطل صومه بالارتماس في شهر رمضان أو في الواجب المعين

لا يصحّ غسله لا حين الارتماس و لا حال المكث تحت الماء و لا حين الخروج اذ المفروض انّ الارتماس حرام و كذلك المكث

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 118

______________________________

تحت الماء حرام.

حيث يستفاد من دليل المنع عدم الفرق بين الاحداث و الابقاء و أيضا يكون الخروج حراما كما أنّ الخروج من الأرض الغصبية حرام علي ما بيّن في محله اذ الخروج من الأرض هناك و من الماء هنا و ان كان لازما بحكم العقل لكونه أقلّ محذورا و لكن حيث انه ينتهي الي سوء الاختيار يكون مبغوضا للمولي و لا مجال للجواز بعد فرض كون التركيب اتحاديا بين الواجب و الحرام فيكون الغسل مصداقا للحرام فلا يكون صحيحا لكن يختص بصوم شهر رمضان حيث انّ المستفاد من الدليل حرمة استعمال المفطر حتّي بعد بطلان الصوم، و أمّا في غيره فلا دليل علي الحرمة فيمكن القول بالجواز في غير صوم شهر رمضان.

الّا أن يقال: الأمر بالاغتسال ظاهر في الاحداث و ما نحن فيه لا يكون احداثا بل ابقاء للغسل الحادث قبله فعلي مسلك من لا يري كون الأمر بالغسل ظاهرا في الاحداث لا بدّ من التفصيل.

و ربما يقال: انّ المكلف اذا ارتمس في شهر رمضان و بعد الارتماس تاب يصحّ غسله حين الخروج اذ التوبة تمحو الذنب الصادر عنه و مع فرض محوه لا يكون خروجه منهيا عنه.

ان قلت: الداخل في الأرض المغصوبة هل يكون منهيا عن الخروج أم لا؟ و علي فرض تعلق النهي عنه هل يكون الخروج مبغوضا للمولي أم لا؟ لا اشكال في كونه منهيا عنه و كونه مبغوضا و مع فرض كونه

مبغوضا كيف تكون التوبة ماحية؟

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 119

(مسألة 45) لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب فان كان ناسيا للصوم و للغصب صحّ صومه و غسله، و ان كان عالما بهما بطلا معا، و كذا ان كان متذكرا للصوم ناسيا للغصب، و ان كان عالما بالغصب ناسيا للصوم صحّ الصوم دون الغسل (1).

______________________________

قلت: المستفاد من بعض النصوص ان التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فيكون العصيان الصادر عن المكلف كالعدم.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام و لكن الظاهر انّه لا يمكن مساعدته، اذ من الظاهر انّ المبغوضية لا ترتفع بالتوبة فان التوبة لا تؤثر في التكوينيّات غاية ما في الباب انّ التوبة توجب العفو و عدم العقوبة و مع فرض كون التصرف كالخروج عن الدار الغصبية أو الخروج عن الماء مبغوضا كيف يمكن قصد التقرب به و كيف يمكن أن يصير محبوبا؟

نعم في باب الصلاة يمكن اثبات المحبوبية بقاعدة الصلاة لا تسقط بحال.

بقي في المقام شي ء و هو انّه لو كان المكلف حين الارتماس غافلا عن كون خروجه حراما أيضا لا يكون حراما بالنسبة اليه و مع عدم حرمته لا يكون مبغوضا فيجوز أن يقصد الاغتسال حين الخروج.

الفرع الثاني: انّه لو كان الصوم مستحبا أو اذا كان واجبا و لم يكن معينا يصحّ الغسل

و يبطل صومه بالارتماس و لكن يصحّ غسله بالمكث و بالخروج علي مسلك من لا يري الأمر ظاهرا في لزوم الاحداث

أقول: في مفروض الكلام يصحّ غسله بنفس الارتماس اذ المفروض انّ الارتماس لا يكون حراما.

[مسألة 45 لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب فإن كان ناسيا للصوم و للغصب صحّ صومه و غسله]

اشارة

(1) قد تعرض (قدّس سرّه) في هذه المسألة لعدّة فروع:

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 120

(مسألة 46) لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن

الفرع الأول: انّه لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب

______________________________

فان كان ناسيا للصوم و الغصب صحّ صومه و غسله و الوجه فيه ان الاتيان بالمفطر مع النسيان لا يوجب البطلان فلا يبطل صومه و من ناحية اخري المكلف لو نسي الغصب و كان نسيانه عن قصور لا يحرم عليه التصرّف فيكون غسله أيضا صحيحا.

هذا بالنسبة الي النسيان، و أمّا مع الجهل بالغصب و احتماله يكون الحكم الواقعي موجودا فصدور الغسل منه بالماء المغصوب مبغوض و المبغوض لا يمكن التقرب به.

الفرع الثاني: انّه لو كان عالما بالصوم و الغصب يبطل صومه

لاختلال النية و يفسد غسله لتوجه النهي اليه و عدم امكان التقرب بالحرام.

الفرع الثالث: انّه لو كان عالما بالصوم لكن ناسيا للغصب يبطل صومه و غسله،

أمّا صومه فلاختلال النية، و أمّا الغسل فلعدم جواز الاتيان بالمفطر حتّي بعد فساد الصوم لكن هذا مخصوص بصوم شهر رمضان.

الّا أن يقال: انّ الافطار حرام في الواجب المعين و الافطار يتوقف علي الاتيان بالمفطر و ان بطل الصوم بالاختلال بالنية.

الفرع الرابع: انّه لو كان الغاصب ناسيا للصوم يصحّ صومه

اذ فرض النسيان و يبطل غسله لكون الماء مغصوبا و لا يمكن التقرب بالحرام.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 121

يكون عالما بكونه مفطرا أو جاهلا (1).

(مسألة 47) لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل و لا بالارتماس في الثلج (2).

(مسألة 48) اذا شكّ في تحقق الارتماس بني علي عدمه (3).

الثامن: البقاء علي الجنابة عمدا الي الفجر الصادق في صوم شهر رمضان (4).

[مسألة 46 لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالما بكونه مفطرا أو جاهلا]

______________________________

(1) لإطلاق دليل المبطلية بل لا يمكن تخصيص الحكم بالعالم للزوم الدّور.

[مسألة 47 لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل و لا بالارتماس في الثلج]

(2) لعدم المقتضي للبطلان بعد فرض عدم صدق الموضوع الّذي جعل موضوعا له.

[مسألة 48 إذا شكّ في تحقق الارتماس بني علي عدمه]

(3) أفاد سيدنا الاستاد (قدّس سرّه): ان الأصل المذكور انّما يفيد لرفع وجوب الكفارة، و أمّا بطلان الصوم فانّما يدور مدار قصد الارتماس و عدمه لا الارتماس الخارجي فلا أثر للأصل المذكور بالنسبة اليه

أقول: يمكن اجراء الأصل و ترتيب الأثر عليه بنحوين:

الأول: جريان الاستصحاب و احراز انّ الدخول في الماء بهذا المقدار لا يتحقّق به الارتماس فيجوز.

الثاني: أن يجري الأصل في عدم صدق العنوان المذكور علي المقدار الكذائي قبل وضع اللغة و بحكم الاستصح اب يحكم بعدم صدق الارتماس فيجوز له أن يدخل في الماء بالمقدار الكذائي الذي يكون مورد الشكّ فلا حظ.

[الثامن: البقاء علي الجنابة عمدا الي الفجر الصادق في صوم شهر رمضان]

اشارة

(4) هذا هو المشهور بين القوم و ادعي عليه الاجماع و العمدة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 122

______________________________

النصوص الواردة في المقام، و من تلك النصوص ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمدا حتّي أصبح، قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا، قال: و قال: انّه حقيق أن لا أراه يدركه ابدا «1».

و هذه الرواية و ان كانت دالّة بالمطابقة علي وجوب الكفارة لكن يفهم منها انّ الوجه في وجوب الكفارة ابطال الصوم.

و منها ما رواه ابن أبي نصر، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثمّ ينام حتّي يصبح متعمدا؟ قال: يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه «2».

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمدا في شهر رمضان حتّي أصبح؟ قال: يتمّ

صومه ذلك ثمّ يقضيه اذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربه «3».

و في مقابل هذا القول، القول الشاذّ و هو عدم بطلان الصوم بذلك و يمكن الاستدلال علي القول المخالف بوجهين:

الوجه الأول: قوله تعالي: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِليٰ نِسٰائِكُمْ هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبٰاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللّٰهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتٰانُونَ

______________________________

(1) الوسائل: الباب 16، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(2) الوسائل: الباب 15، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(3) الوسائل: الباب 16، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 123

______________________________

أَنْفُسَكُمْ فَتٰابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفٰا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ «1».

بتقريب: انّ جواز المباشرة في كلّ جزء من الليل ينافي حرمة الاصباح جنبا.

و يرد عليه انّ اطلاق الآية يقيد بالنصوص الدالة علي المنع.

الوجه الثاني: جملة من النصوص منها ما أرسله في المقنع، عن حمّاد بن عثمان أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل و أخّر الغسل حتّي يطلع الفجر؟ فقال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يجامع نساءه من أول الليل ثمّ يؤخر الغسل حتي يطلع الفجر و لا أقول كما تقول هؤلاء الاقشاب يقضي يوما مكانه «2» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه اسماعيل بن عيسي قال: سألت الرضا عليه السّلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتي يصبح أيّ شي ء عليه؟

قال: لا يضره هذا «و لا يفطر و لا يبالي» فانّ أبي عليه السّلام قال: قالت عائشة: انّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أصبح جنبا من جماع غير احتلام قال:

لا يفطر

و لا يبالي، و رجل أصابته جنابة فبقي نائما حتي يصبح أيّ شي ء يجب عليه؟ قال: لا شي ء عليه يغتسل الحديث «3» و الحديث ضعيف باسماعيل.

______________________________

(1) البقرة: 187.

(2) الوسائل: الباب 13، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 124

______________________________

و منها ما رواه سليمان بن أبي زينبة قال: كتبت الي أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخّر الغسل حتي طلع الفجر؟ فكتب عليه السّلام إليّ بخطّه اعرفه مع مصادف: يغتسل من جنابته و يتمّ صومه و لا شي ء عليه «1» و الحديث ضعيف بالنوفلي بل و بغيره.

و منها ما رواه عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في اوّل الليل فأخّر الغسل حتّي طلع الفجر؟ قال: يتمّ صومه و لا قضاء عليه «2» و هذه الرواية مطلقة من حيث التعمد و عدمه فيقيد بتلك النصوص المتقدمة.

و منها ما رواه الخثعمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب ثمّ يؤخر الغسل متعمدا حتي يطلع الفجر «3».

و هذه الرواية من حيث الدلالة تعارض تلك النصوص و لكن السند مخدوش فانّ محمد بن عيسي الواقع في السند يمكن أن يكون العبيدي الذي فيه اشكال فلا يعتد بالحديث.

و لم انجرّ الكلام الي هنا ينبغي التعرض لنكتة رجالية و هي أن الأقوال في محمّد بن عيسي العبيدي مختلفة و سيدنا الاستاد (قدّس

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 4.

(3)

الوسائل: الباب 16، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 125

______________________________

سرّه) بني علي كونه ثقة و أفاد بأنّ تضعيف الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) اجتهادي.

و لتوضيح الحال ننقل ما قاله الشيخ (قدّس سرّه) في حقّ الرجل قال في الاستبصار: «علي أنّ الخبر مرسل منقطع و طريقه محمّد بن عيسي ابن عبيد، عن يونس و هو ضعيف و قد استثناه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه (رحمه اللّه) من جملة الرجال الّذين روي عنهم صاحب نوادر الحكمة و قال: ما يختص بروايته لا أرويه و من هذه صورته في الضعف لا يعترض بحديثه» «1» انتهي موضع الحاجة من كلامه.

و قال أيضا: «محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني ضعيف استثناه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه، عن رجال نوادر الحكمة و قال لا أروي ما يختص برواياته» الخ «2».

و قال الطوسي أيضا في رجاله: «محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني يونسي ضعيف».

و قال أيضا بعد عدّه فيمن لم يرو عنهم «محمد بن عيسي اليقطيني ضعيف».

و سيدنا الاستاد يقول: يستفاد من كلام الشيخ انّه استفاد ضعف الرجل من الاستثناء المذكور فالتضعيف اجتهادي فلا أثر له و الحال ان

______________________________

(1) الاستبصار: ج 3 ص 156، في ذيل حديث 568.

(2) معجم الرجال: ج 17 ص 114.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 126

أو قضائه (1)

______________________________

الشيخ كما تري ضعف الرجل في موارد مختلفة فتارة يقول ضعيف و اخري يقول ضعيف استثناه أبو جعفر و ثالثة يقول و هو ضعيف و قد استثناه ابو جعفر فلا يستفاد الاجتهاد من كلامه.

و ان شئت قلت: سلّمنا انّ

قوله «ضعيف استثناه» الخ ظاهر في لاجتهاد لكن قوله في محل آخر «ضعيف و قد استثناه» و أيضا قوله في مقام ثالث و رابع «ضعيف» بلا تذييله بذيل ظاهر في الشهادة الحسيّة غاية ما في الباب انّه لو اخبر تارة عن ضعف الرجل بالاجتهاد و اخري بالحسّ، لا وجه لرفع اليد عن الشهادة الحسيّة و لا دليل علي عدمها فلاحظ و تأمّل و اغتنم.

و علي فرض الاغماض عن هذه الجهة يعارضه ما عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام «1» و الترجيح مع هذه الرواية لكونها أحدث.

ان قلت: المذكور في التهذيب و الاستبصار لفظ أحمد بن محمد فلا اضافة الي أبي نصر. قلت: صاحب الوسائل فسّره بقوله يعني ابن أبي نصر و الظاهر من الشهادة الحسّ فيتم الأمر فلا حظ.

(1) تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه عبد اللّه بن سنان انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أول الليل و لا يغتسل حتي يجي ء آخر اللّيل و هو يري ان الفجر قد طلع قال: لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره «2».

______________________________

(1) قد تقدم في ص 122.

(2) الوسائل: الباب 19، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 127

دون غيرهما من الصيام الواجبة و المندوبة علي الأقوي (1).

______________________________

و منها ما رواه أيضا قال: كتب أبي الي أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان يقضي شهر رمضان و قال: انّي أصبحت بالغسل و أصابتني جنابة فلم اغتسل حتّي طلع الفجر، فأجابه عليه السّلام لا تصم هذا اليوم و صم غدا «1».

و منها ما رواه سماعة بن مهران

قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتّي أدركه الفجر فقال عليه السّلام: عليه أن يتمّ صومه و يقضي يوما آخر، فقلت:

اذا كان ذلك من الرّجل و هو يقضي رمضان؟ قال: فليأكل يومه ذلك و ليقضي فانّه لا يشبه رمضان شي ء من الشهور «2».

و دلالة هذه النصوص علي المدعي تامّة، لا يقال: الحديث الثالث مشتمل علي اضمار سماعة و هو من الواقفة فلا يعتد بمضمراته فانّه يقال يكفي لإثبات المدعي الحديث الاول و الثاني، و الثالث مؤيد مضافا الي دعوي قاعدة مضروبة، تقتضي اشتراك القضاء و الاداء في جميع الأحكام.

(1) كما هو مقتضي القاعدة الاولية و لا مقتضي للإلحاق بعد اختصاص الدليل بخصوص صيام رمضان و قضائه بل الدليل قائم علي عدم الاشتراط لاحظ ما رواه محمّد بن مسلم «3».

فانّ مقتضي هذه الرواية الشريفة انّ قوام الصوم بالاجتناب عن

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) قد تقدم في ص 67.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 128

و ان كان الأحوط تركه في غيرهما أيضا خصوصا في الصيام الواجب موسعا كان أو مضيقا (1) و أمّا الاصباح جنبا من

______________________________

الامور المذكورة و عليه لا وجه لكون الاصباح جنبا موجبا للبطلان علي الاطلاق.

أضف الي ذلك كلّه أنّه قد ورد النص الخاصّ الدال علي عدم بطلان الصوم المندوب بالاصباح جنبا، لاحظ ما رواه حبيب الخثعمي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن التطوّع و عن هذه الثلاثة الايام اذا أجنبت من أول الليل فاعلم اني اجنبت فأنام متعمدا حتّي ينفجر الفجر اصوم أو لا أصوم؟ قال: صم «1».

و ما

رواه ابن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب ثمّ ينام حتي يصبح أ يصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال: أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار … الحديث «2».

و أيضا ما رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن رجل طلعت عليه الشمس و هو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل و مضي ما مضي من النهار؟ قال: يصوم إن شاء و هو بالخيار الي نصف النهار «3» و في المعتبر منها كفاية.

(1) قال سيد المستمسك (قدّس سرّه) في هذا المقام: «بل هو المختار في الجواهر و عن المصابيح ناقلا الاجماع عليه و في محكي مفتاح

______________________________

(1) الوسائل: الباب 20، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 129

غير تعمد فلا يوجب البطلان (1) الّا في قضاء شهر رمضان علي الأقوي (2).

و ان كان الأحوط الحاق مطلق الواجب غير المعيّن به في ذلك (3) و أمّا الواجب المعيّن رمضانا كان أو غيره فلا يبطل بذلك كما لا يبطل مطلق الصوم واجبا كان أو مندوبا معيّنا أو غيره بالاحتلام في النهار (4).

______________________________

الكرامة لم أجد في علمائنا المتقدمين من خالف في ذلك أو تردّد سوي المحقق في المعتبر و نحوه و قد عرفت ضعفه و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط لما عرفت من الشبهة» و الأمر كما أفاده.

(1) اذ قيّد البطلان في الدليل بصورة العمد.

(2) لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان «1» فان مقتضي اطلاق الحديث عدم الفرق بين العمد و غيره و قد كتب المقرّر لبحث سيدنا

الاستاد في شرح عبارة الماتن «أي الموسّع» و لا أدري ما الوجه في التقييد المذكور، اللهم الّا أن يستفاد من قوله عليه السّلام «و صم غدا» فيفهم انّ البطلان يختصّ بالموسع مضافا الي أن الماتن يتعرّض لغير الموسّع.

(3) بدعوي انّ المستفاد من الدليل الوارد في قضاء شهر رمضان مطلق الصوم الواجب غير المعيّن و لا وجه للدعوي المذكورة.

(4) لعدم المقتضي للبطلان بل الدليل قائم علي عدمه فانّ الحصر المستفاد من حديث ابن مسلم «2» المفطر في الامور الخاصّة يقتضي

______________________________

(1) قد تقدم في ص 126.

(2) قد تقدم في ص 67.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 130

و لا فرق في بطلان الصوم بالاصباح جنبا عمدا بين أن تكون الجنابة بالجماع في الليل أو الاحتلام (1) و لا بين أن يبقي كذلك متيقظا أو نائما بعد العلم بالجنابة (2) مع العزم علي ترك الغسل (3) و من البقاء علي الجنابة عمدا الإجناب قبل الفجر متعمدا في زمان لا يسع الغسل و لا التيمّم (4)، و أمّا لو وسع

______________________________

عدم مفطرية شي ء الّا الأمور المذكورة في الحديث بالاضافة الي ورود الدليل بالنسبة الي عدم مفطرية الاحتلام بالنهار لاحظ ما رواه القدّاح «1» و مثله غير في نفس الباب المشار اليه.

(1) للإطلاق المستفاد من بعض النصوص لاحظ ما رواه ابو بصير «2» مضافا الي التصريح بكلّ واحد من الأمرين لا حظ ما رواه الحلبي «3».

(2) فانّه مقتضي الاطلاق، مضافا الي النصّ المتعرّض للنوم، لا حظ ما رواه الحلبي، و قد تقدم آنفا و يدل علي الحكم بالنسبة الي اليقظة بالأولوية.

(3) بل يصدق عنوان التعمّد حتي من المتردّد في الغسل و عدمه فانّ المكلف لو نام و

احتمل انّه يبقي نائما الي الفجر و بقي نائما الي أن طلع الفجر يصدق أنه تعمّد ترك الغسل.

(4) اذ الأمر غير الاختياري اذ انتهي الي الاختيار يكون اختياريّا

______________________________

(1) قد تقدم في ص 89.

(2) قد تقدم في ص 122.

(3) قد تقدم في ص 122.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 131

التيمم خاصة فتيمّم صحّ صومه و ان كان عاصيا في الإجناب (1)

______________________________

فما أفاده تامّ.

(1) الظاهر انّه لا يمكن مساعدته فانّ المستفاد من الآية الشريفة كون التيمّم بدلا طوليّا اضطراريّا و لذا لا يجوز اختيار التيمّم باراقة الماء و عليه لا مقتضي للقول بالصحة و انّما نقول بذلك في باب الصلاة من باب أنّها لا تترك بحال و أما في غير باب الصلاة فلا مقتضي للقول به.

و ان شئت فقل: انّ الالتزام بعدم الصحّة لا من باب انّ كون المتيمم جنبا حيث يستفاد ذلك من حيث ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل أمّ قوما و هو جنب و قد تيمّم و هم علي طهور فقال: لا بأس به «1».

فانّه فرض في الحديث انّ الامام جنب مع فرض كونه متيمّما اذ يرد عليه أوّلا: انّ كونه جنبا قد فرض في كلام السائل.

مضافا الي أنّ المستفاد من نصوص التيمّم انّ التراب احد الطهورين و بعبارة اخري: لا اشكال في أن الأثر المترتب علي الطهارة المائيّة يترتب علي الطهارة الترابيّة بل يستفاد كون التيمّم مطهّرا من الآية الشريفة حيث قال تعالي: فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ «2».

فالتيمّم يوجب الطهارة و انّما الاشكال في

قصور المقتضي لجعل

______________________________

(1) التهذيب: ج 3 ص 167، الحديث 366.

(2) المائدة: 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 132

و كما يبطل الصوم بالبقاء علي الجنابة متعمدا كذا يبطل بالبقاء علي حدث الحيض و النفاس الي طلوع الفجر، فاذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمّم و مع تركهما عمدا يبطل صومها (1).

______________________________

التراب بدل الماء و الذي يدل علي ما ذكرنا انّ الماتن (قدّس سرّه) حكم بكونه عاصيا و الحال انّه كيف يجمع بين الصحّة و العصيان، فانّه لو كان بدلا فما الوجه في كونه عاصيا و ان لم يكن بدلا الّا عند الضرورة كما هو كذلك فلا وجه للصحّة فلا حظ.

(1) ادعيت عليه الشهرة و في بعض الكلمات بل قيل: انّه لا خلاف فيه و العمدة النص الوارد في المقام، أمّا بالنسبة الي الحيض فيمكن الاستدلال بما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتّي أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم «1».

و هذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد الشيخ الي علي بن الحسن علي ما كتبه الحاجياني زيد فضله، و أمّا ما اشتهر بالنسبة الي بني فضّال من العسكري عليه السّلام بأنّه خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا فبنفسه ضعيف.

مضافا الي كون الرواية عن بني الفضّال أوّل الكلام و الاشكال.

و يمكن اثبات المدّعي بنحو آخر و هو الاستدلال بما رواه عليّ بن مهزيار قال: كتبت اليه عليه السّلام امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها

______________________________

(1) الوسائل: الباب 21، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم،

ص: 133

______________________________

في أول يوم من شهر رمضان ثمّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب عليه السّلام: تقضي صومها و لا تقضي صلاتها لأنّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك «1».

بتقريب الأولويّة و اشتمال الرواية علي عدم قضاء الصلوات بالنسبة الي المستحاضة الذي لا يلتزم به لا يضرّ بالاستدلال.

و بعبارة واضحة: انّ الحديث يدل علي أنّ الاصباح علي حدث الاستحاضة يوجب بطلان الصوم فيدل علي الحكم المذكور بالنسبة الي حدث الحيض بالأولويّة هذا بالنسبة الي الحيض.

و أمّا بالنسبة الي النفاس فان قلنا: انّه حيض أو قلنا انّ النفاس كالحيض في جميع الأحكام فهو و الّا يمكن اتمام الأمر بالأولويّة أيضا فلاحظ.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في مقام الاستدلال علي المدعي و للمناقشة في التقريب المذكور مجال اذ ليس المستفاد من الحديث انّ البقاء علي حدث الاستحاضة مبطل للصوم كي يقال الحديث يدل علي كون البقاء علي حدث الحيض مبطل بالأولويّة بل المستفاد من الحديث اشتراط صحة الصوم بالغسل لكل صلاتين.

و بعبارة واضحة: لا جامع بين المقامين فلا مجال لدعوي الأولوية

______________________________

(1) الوسائل: الباب 18، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 134

و الظاهر اختصاص البطلان بصوم رمضان (1) و ان كان الأحوط الحاق قضائه به أيضا بل الحاق مطلق الواجب بل المندوب أيضا (2).

و أمّا لو طهرت قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل و لا التيمم أو لم تعلم بطهرها في الليل حتّي دخل النهار فصومها صحيح

واجبا كان أو ندبا علي الأقوي (3).

(مسألة 49) يشترط في صحة صوم المستحاضة علي

______________________________

أضف الي ذلك انّ الأحكام الشرعية و ملاكاتها مجهولة عندنا و لذا نري انّه لو احتلم الصائم في يوم شهر رمضان و ترك الغسل و لم يصل صلاة الظهر و العصر لا يبطل صومه فلا يمكننا الجزم بما قالوا في المقام.

و ببيان أوضح: انّ المرأة لو استحاضت بعد صلاة العشاءين استحاضة كثيرة لا يكون صومها في الغد فاسدا و الحال انّها أصبحت مع حدث الاستحاضة فكيف يدّعي الأولوية فلا بدّ من اتمام الأمر، إمّا من التوسّل بذيل الاجماع و عدم الخلاف، و إمّا الاحتياط و اللّه العالم.

(1) لاختصاص الدليل برمضان فلا وجه للتعدي.

(2) فانّ الاحتياط حسن بلا اشكال و لا كلام خصوصا بالنسبة الي قضاء رمضان حيث يدعي اتحاد القضاء و الاداء في جميع الأحكام و ان لم يكن عليه دليل.

(3) لعدم شمول الدليل الفرض المزبور فلا وجه للبطلان مع التصريح بانحصار المبطل في خصال خاصّة.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 135

الأحوط الاغسال النهاريّة (1) التي للصلاة دون ما لا يكون لها (2) فلو استحاضت قبل الاتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل كالمتوسطة أو الكثيرة فتركت الغسل، بطل

[مسألة 49 يشترط في صحة صوم المستحاضة علي الأحوط الاغسال النهاريّة التي للصلاة]

______________________________

(1) المدرك للحكم المذكور ما رواه ابن مهزيار «1» و المستفاد من هذه الرواية انّ المرأة المستحاضة المأمورة بالغسل لكل صلاتين اذا لم تعمل بالوظيفة من الغسل لكل صلاتين يكون صومها باطلا و يجب عليها قضائه و لا يستفاد من الحديث انّ الغسل لصلاة الفجر مؤثر في الصحة أم لا.

و أيضا لا يستفاد من الحديث انّ الاستحاضة المتوسّطة كالكثيرة في الحكم المذكور فالغسل الذي يكون مؤثرا في

الصحّة و عدمه يكون مؤثرا في البطلان، الغسل لصلاتي الظهر و العصر، و أمّا الغسل لصلاة الليلة الماضية أو الآتية فلا دليل علي دخله في الصحة و الفساد.

و بعبارة واضحة: اذا فرضنا انّها اغتسلت للظهرين لا يصدق عليها الموضوع المذكور في الحديث و من ناحية أخري لا يحتمل انّ الغسل لصلاة الليلة الماضية أو الآتية يكون دخيلا، و أمّا الغسل لصلاة الفجر فلا يكون دخيلا و ان شئت قلت: المناسبة بين الحكم و الموضوع يقتضي ذلك.

(2) فانّ المذكور في كلام السائل الغسل لكلّ صلاتين فما أفاده تامّ.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 132.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 136

صومها (1) و أمّا لو استحاضت بعد الاتيان بصلاة الفجر أو بعد الاتيان بالظهرين فتركت الغسل الي الغروب لم يبطل صومها (2) و لا يشترط فيها الاتيان باغسال اللّيلة المستقبلة و ان كان احوط (3) و كذا لا يعتبر فيها الاتيان بغسل الليلة الماضية بمعني انّها لو تركت الغسل الذي للعشاءين لم يبطل صومها لأجل ذلك (4)

نعم يجب عليها الغسل حينئذ لصلاة الفجر فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة (5) و كذا لا يعتبر فيها ما عدا الغسل من الأعمال و ان كان الأحوط اعتبار جميع ما يجب عليها من الاغسال و الوضوءات و تغيير الخرقة و القطنة (6)

______________________________

(1) تقدم قريبا انّ الحكم مختص بالكثيرة فلا وجه لإسراء الحكم الي المتوسّطة كما انّه لا وجه لاشتراط غسل الفجر في الصحة.

(2) الظاهر من العبارة انّه لو استحاضت بعد الفجر فتركت الغسل الي الغروب لم يبطل صومها و الحال انّه لا يمكن الالتزام به فانّ ترك الغسل للظهرين يوجب البطلان.

(3) اذ لا دليل علي

الاشتراط و مقتضي حصر المفطر في امور خاصة كما في النصّ عدم البطلان كما انّ مقتضي اصالة البراءة و الاستصحاب كذلك.

(4) الأمر كما أفاده و قد مرّ الكلام حوله.

(5) قد مرّ انّه لا دليل علي شرطيّة غسل الفجر.

(6) نقل عن ظاهر السرائر و نهاية الأحكام و غيرهما: التوقف و يختلج ببالي القاصر أنّ الأمر كذلك و لا مجال لنفيه بعدم الدليل عليه

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 137

و لا يجب تقديم غسل المتوسّطة و الكثيرة علي الفجر و ان كان هو الاحوط (1).

(مسألة 50) الأقوي بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلا قبل الفجر حتي مضي عليه يوم أو أيام (2).

______________________________

و الوجه فيه انّ المستفاد من حديث ابن مهزيار الذي هو اساس الحكم المذكور انّ الشرط للصحة الغسل للصلاة و من الظاهر انّ الغسل بما هو لا يكون مطلوبا بل المطلوب الصلاة مع الغسل.

و بعبارة اخري: لا يكون الغسل مطلوبا نفسيّا و أيضا لا يكون الغسل شرطا للصوم بل الغسل الّذي يكون شرطا للصلاة قيد للصوم و مع عدم الاتيان ببقية شروط الصلاة يكون الغسل لغوا و من الظاهر انّه لا يترتب اثر علي اللغو.

و ان شئت فقل: انّ الغسل في المقام مقدمة موصلة و المفروض انّه مع ترك الصلاة أو ترك بقية شروطها لا تكون المقدمة المذكورة موصلة.

و بعبارة واضحة: هل يمكن أن يقال انّ الغسل للصلاة مع عدم الاتيان بها يكون مؤثرا؟ كلا ثمّ كلا، و لا أدري كيف لم يتعرضوا لهذا الاشكال و هل يكون المقام من مصاديق كم ترك الاول للآخر أم من مصاديق ان المستشكل لم يفهم المناط في عدم تعرّضهم؟ و اللّه العالم

بحقائق الأمور.

[مسألة 50 الأقوي بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلا قبل الفجر]

(1) لعدم الدليل عليه هذا بالنسبة الي الكثيرة و أمّا المتوسطة فقد مرّ ان الدليل قاصر عن شمولها فلا حظ.

(2) و نسب الي الأكثر و الأشهر و وردت في المقام عدة نصوص:

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 138

و الأحوط الحاق غير شهر رمضان من النذر المعيّن و نحوه به، و ان كان الاقوي عدمه كما ان الاقوي عدم الحاق غسل الحيض و النفاس لو نسيتهما بالجنابة في ذلك و ان كان أحوط (1).

______________________________

منها ما رواه الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتّي خرج شهر رمضان؟ قال: عليه أن يقضي الصلاة و الصيام «1».

و منها ما رواه ابراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسي أن يغتسل حتي يمضي لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان؟ قال: عليه قضاء الصلاة و الصوم «2».

و هذه الرواية ساقطة سندا بابراهيم بن ميمون حيث انّه لم يوثق و الحديث له اسناد اخر كلّها تصل الي ابراهيم المذكور في السند.

و منها ما أرسله الصدوق قال: و روي في خبر آخر انّ من جامع في اوّل شهر رمضان ثم نسي الغسل حتي خرج شهر رمضان انّ عليه ان يغتسل و يقضي صلاته و صومه الّا أن يكون قد اغتسل للجمعة فانه يقضي صلاته و صيامه الي ذلك اليوم و لا يقضي ما بعد ذلك «3» و المرسل لا اعتبار به و لكن في المعتبر من النصوص كفاية.

(1) لا اشكال في حسن الاحتياط عقلا و لكن الصناعة لا تقتضي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 30، من أبواب

من يصح منه الصوم، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 1.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 139

(مسألة 51) اذا كان المجنب ممّن لا يتمكّن من الغسل لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم وجب عليه التيمّم فان تركه بطل صومه (1).

______________________________

الحاق غير صوم رمضان به و لا الحاق الحيض و النفاس بالجنابة فانّ الأحكام الشرعية امور تعبدية لا تنالها عقولنا.

[مسألة 51) إذا كان المجنب ممّن لا يتمكّن من الغسل لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم وجب عليه التيمّم]

(1) اذ قد علم من الكتاب و السنّة و الاجماع و السيرة كون التيمّم بدلا عن الغسل فعند فقدان الماء شرعا أو تكوينا تصل النوبة الي الطهارة الترابية.

و في المقام شبهة ينبغي التعرّض لها و دفعها اذ في التعرّض لها بيان تحقيقي فنقول: ربما يقال: انّه لا اثر للتيمّم في المقام و ذلك لأنّ المستفاد من الدليل انّ الاصباح جنبا يفسد الصوم لاحظ ما رواه الحلبي «1».

هذا من ناحية و من ناحية اخري قد استفيد من جملة من النصوص:

منها ما رواه محمد بن حمران و جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ قال: لا و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم فانّ اللّه جعل التراب طهورا «2».

و منها ما رواه عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب ثمّ تيمم فأمّنا و نحن طهور؟ فقال: لا بأس به «3».

______________________________

(1) قد تقدم في ص 122.

(2) الوسائل: الباب 17، من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 140

______________________________

و

منها ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل أمّ قوما و هو جنب و قد تيمم و هم علي طهور؟ فقال: لا بأس «1»، أنّ الجنب باق علي جنابته بعد التيمّم.

و من ناحية ثالثة التيمّم إمّا مبيح و إمّا رافع لحدث الجنابة لا لنفس الجنابة فالبقاء علي هذه الحالة الي الفجر يفسد الصوم و لا أثر للتيمّم.

هذا حاصل الشبهة التي في المقام و يرد علي التقريب المذكور.

أولا: انّه لا دليل علي أنّ الجنابة بما هي جنابة موضوعة للحكم الشرعي في وعاء الشرع.

و يستفاد من اللّغة و من مفردات الراغب انّ الجنابة عبارة عن كون الشخص بعيدا عن الصلاة و لا يمكن أن يصلّي الجنب ما دام جنبا أي ما دام لم يغتسل.

و قال في ذيل كلامه: «و سمّيت الجنابة بذلك لكونها سببا لتجنّب الصلاة في حكم الشرع» و المستفاد من كلامه: انّ الجنب ما دام جنبا يجب أن يجتنب من الصلاة فلو جاز له أن يصلّي لا يكون جنبا.

و من الظاهر انّ المتيمم يجوز بل يجب عليه أن يصلّي.

و قال الطريحي في مجمعه: «سمّي جنبا لاجتنابه مواضع الصلاة» فيفهم من كلامه انّه مع عدم الاجتناب لا يكون جنبا.

و قال في المنجد: «أجنب الرّجل تباعد.

و من الظاهر ان المتيمّم لا يتباعد، فلا حظ. و أما النصوص

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 141

______________________________

المستدل بها علي المدعي فلا تدل عليه، أمّا الحديث الأول فقد أمر عليه السّلام أن يتيمم الجنب و هذه الجملة لا تدل علي بقاء الجنابة بعد التيمم و كذا الحديث الثاني.

و أمّا الحديث الثالث فقد ذكر جملة «رجل أمّ قوما

و هو جنب و قد تيمّم و هو علي طهور» في كلام السائل لا في كلام الامام عليه السّلام و لا دليل علي تقرير الامام عليه السّلام ما في ذهنه و الّا يلزم تقرير قوله انّ الامام علي غير طهور بقرينة المقابلة و الحال انّ التيمم طهور.

و ثانيا: انّ المستفاد من جملة من النصوص انّ الموجب للبطلان ترك الغسل لا بقاء الجنابة منها ما رواه ابو بصير «1».

و منها ما رواه سليمان بن جعفر المروزي، عن الفقيه عليه السّلام قال: اذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لا يغتسل حتّي يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم و لا يدرك فضل يومه «2».

و منها ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد، عن بعض مواليه قال:

سألته عن احتلام الصائم؟ قال: فقال: اذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينم حتّي يغتسل و ان أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام الّا ساعة حتي يغتسل فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتّي يصبح فعليه عتق رقبة أو اطعام ستين مسكينا و قضاء ذلك اليوم و يتمّ صيامه و لن يدركه ابدا «3»

______________________________

(1) قد تقدم في ص 122.

(2) الوسائل: الباب 16، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 142

و كذا لو كان متمكّنا من الغسل و تركه حتّي ضاق الوقت (1).

(مسألة 52) لا يجب علي من تيمّم بدلا عن الغسل أن

______________________________

و منها ما رواه محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليه السّلام قال: سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثمّ ينام قبل أن يغتسل؟ قال: يتمّ صومه و يقضي ذلك اليوم

الّا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فان انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه «1».

فالميزان هو الغسل و تركه، و من الظاهر انّ التيمم بدل عن الغسل في كلّ مورد يكون الغسل متعذّرا أو متعسّرا فان مقتضي اطلاق بدليّة التيمم عن الغسل قيامه مقامه في جميع الموارد.

بل نقول كما قلنا في محلّه أنّ التيمّم رافع للحدث كالغسل و الوضوء و ذلك للإطلاق و صراحة الآية الشريفة و هي قوله تعالي:

وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ.

و ثالثا: انّ الحكم المذكور في نصوص الابطال يترتب علي التعمّد و المفروض في المقام عدمه اضف الي ذلك كلّه انّ السيرة الجارية بين المتشرّعة تقتضي ما نقول.

(1) أي و كذا يجب عليه التيمّم اذا ترك الغسل في صورة التمكّن و قد تقدّم الاشكال فيه و قلنا في صورة التعمّد لا دليل علي كون التيمّم مؤثرا فلا مناص عن الاحتياط و مقتضي الصناعة بطلان الصوم و وجوب القضاء.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 15، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 143

يبقي مستيقظا حتّي يطلع الفجر فيجوز له النوم بعد التيمّم قبل الفجر علي الأقوي، و ان كان الأحوط البقاء مستيقظا لاحتمال بطلان تيمّمه بالنوم، كما علي القول بأنّ التيمم بدلا عن الغسل يبطل بالحدث الاصغر (1).

[مسألة 52 لا يجب علي من تيمّم بدلا عن الغسل أن يبقي مستيقظا حتّي يطلع الفجر]

______________________________

(1) وقع الخلاف في التيمم بدلا عن الغسل بين الأعلام في انّه مبيح أو رافع فعلي القول الأول يجب أن لا ينام قبل الفجر اذ علي القول المذكور يبطل التيمم بالحدث الأصغر فيلزم الاصباح جنبا الموجب لبطلان الصوم.

و أمّا علي القول بكونه رافعا رفعا موقّتا لا مانع عن النوم اذ المفروض انّه رافع للحدث

فلا يبطل بالحدث الأصغر و حيث انّ الحقّ عندنا هو الثاني يجوز النوم قبل الفجر.

و لما انجرّ الكلام الي هنا- و ان كان خارجا عن محور البحث- يناسب و ينبغي ارسال عنان الكلام و بيان ما هو الحق و كشف الغطاء و ابراز ما هو حقيقة الأمر.

فنقول: ذهب سيدنا الاستاد الي أن الجنب بعد التيمّم باق علي جنابته و من ناحية اخري الحدث الأصغر رافع و موجب للغسل بالنسبة الي الجنب و موجب للوضوء بالنسبة الي غيره الّا مع فقد الماء فتصل النوبة الي التيمّم.

و استدل علي مدعاه بالكتاب و السنّة، أمّا من الكتاب فبقوله تعالي: أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «1»

______________________________

(1) المائدة: 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 144

______________________________

فانّ المتيمّم بعد الحدث الاصغر يصدق عليه عنوان لمس النساء كما انّ مقتضي اطلاق النص كذلك، لاحظ ما رواه محمد بن حمران و جميل ابن درّاج «1».

بتقريب انه فرض الامام جنبا و مع ذلك يجب عليه التيمّم.

و ما أفاده غريب اذ من الواضح انّ الجنب يجب عليه أن يتيمّم كما انّه يجب عليه أن يغتسل، انّما الكلام في صدق الموضوع عليه بعد التيمّم.

و في قبال استدلاله بالآية علي مدّعاه نستدل بالآية الشريفة علي خلاف ما رامه و نثبت بحول اللّه و قوته انّ التيمم البدل عن الغسل يرفع الجنابة و نقول: قال اللّه تبارك و تعالي: وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا.

فنسأل من كلّ أهل اللسان و كل عربي عارف باسلوب الكلام ما هو المستفاد من الآية الشريفة؟ و الظاهر انّه لا يشك احد في أن المستفاد من الآية انّ الجنب مقابل المتطهر.

و بعبارة اخري: يجب علي الجنب

التطهّر غاية الأمر في الرتبة الاولي الغسل و في الثانية التيمّم، فاذا لم يكن التيمّم مطهرا للجنابة يكون الأمر لا يزال متوجها به اذ المفروض انّ المستفاد من الآية انقسام المكلف الي المتطهّر و الجنب و التقسيم قاطع للشركة.

و يؤكد المدعي بل يدل عليه بوضوح قوله تعالي: وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ فالجنب بعد التيمم يكون متطهرا لا جنبا.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 139.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 145

(مسألة 53) لا يجب علي من أجنب في النهار بالاحتلام أو نحوه من الأعذار أن يبادر الي الغسل فورا، و ان كان هو الأحوط (1).

(مسألة 54) لو تيقّظ بعد الفجر من نومه فرأي نفسه محتلما لم يبطل صومه سواء علم سبقه علي الفجر أو علم تأخّره أو بقي علي الشك لأنّه لو كان سابقا كان من البقاء علي الجنابة غير متعمد و لو كان بعد الفجر كان من الاحتلام في النهار (2) نعم اذا علم سبقه علي الفجر لم يصح منه صوم قضاء رمضان مع كونه موسّعا (3).

______________________________

و صفوة القول: انّه يستفاد من مجموع قوله تعالي: انّ الجنب مقابل المتطهّر و يفهم من كلام الحق انّ التيمم بدل اضطراري عن الغسل و لكن اثره عين أثره و العرف ببابك.

اضف الي ذلك انّ المستفاد من نصوص التيمم ان الطهارة الترابيّة عين الطهارة المائيّة بلا فرق و عليه يترتب علي الطهارة الترابية عين الأثر المترتّب علي الغسل، فكما انّ المكلف اذا اغتسل لا يحتاج الي الغسل الجديد بعد الحدث الأصغر كذلك اذا تيمم لا يرتفع أثر تيمّمه بعد الحدث الأصغر فما أفاده في المتن تام.

[مسألة 53 لا يجب علي من أجنب في النهار بالاحتلام أو نحوه من الأعذار أن يبادر الي الغسل فورا]

(1) لعدم الدليل علي الفوريّة و الاحتياط طريق النجاة.

[مسألة 54 لو تيقّظ بعد الفجر من نومه فرأي نفسه محتلما لم يبطل صومه]

(2) الأمر كما أفاده أما في صورة العلم بالتقدّم أو التأخّر فالحكم واضح و يلحق بهما صورة الشك.

(3) كما تقدّم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 146

و أمّا مع ضيق وقته فالأحوط الاتيان به و بعوضه (1).

(مسألة 55) من كان جنبا في شهر رمضان في الليل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال اذا علم أنّه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال و لو نام و استمرّ الي الفجر لحقه حكم البقاء متعمدا فيجب عليه القضاء و الكفارة (2) و أمّا ان احتمل الاستيقاظ جاز له النوم و ان كان من النوم الثاني أو الثالث أو الأزيد فلا يكون نومه حراما و ان كان الاحوط ترك النوم الثاني فما زاد و ان اتّفق استمراره الي الفجر غاية الأمر وجوب القضاء

[مسألة 55 من كان جنبا في شهر رمضان في الليل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال اذا علم أنّه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال]

______________________________

(1) الأحوط و ان كان ما أفاده و لكن الأظهر عدم الفرق بين الموسّع و المضيّق للإطلاق لا حظ ما رواه ابن سنان «1».

فانّ هذا الحديث باطلاقه يدلّ علي بطلان الصوم و وجوب قضائه بلا فرق بين الموسّع و المضيّق، نعم ربما يستفاد الموسّع من الحديث الآخر لابن سنان «2» بتقريب ان قوله عليه السّلام و صم غدا، يختص بخصوص الموسع اذ مع الضيق لا يمكنه صوم الغد لكن التقريب المذكور غير تام اذ لا تعارض بين الاثباتين فلاحظ.

(2) اذ من الواضح انّه يصدق عليه عنوان تعمد الاصباح جنبا فيترتّب عليه وجوب القضاء و الكفّارة.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 126.

(2) قد تقدم في ص 127.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 147

أو مع الكفارة في بعض الصور كما سيتبيّن (1).

______________________________

(1) ربما يقال بعدم جواز النوم استنادا الي حديث

ابراهيم «1» و هذه الرواية لا اعتبار بسندها.

و ربما يستدل علي الحرمة بما رواه معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتّي يصبح في شهر رمضان؟ قال: ليس عليه شي ء، قلت: فانّه استيقظ ثمّ نام حتي أصبح قال: فليقض ذلك اليوم عقوبة «2» بتقريب انّ العقوبة المذكورة في الحديث تدلّ علي الحرمة.

و يرد عليه انّ الدال علي الحرمة العقوبة الاخرويّة و أمّا ايجاب شي ء علي المكلف بعنوان العقوبة لا يكون دليلا علي حرمة ذلك الفعل.

و يمكن اثبات الحرمة بتقريب آخر و هو: انّ مقتضي الاستصحاب الاستقبالي بقائه نائما الي الفجر فيكون المكلف في هذه الصورة متعمدا في الاصباح جنبا فيترتّب كلّ من القضاء و الكفارة.

ان قلت: ترتب عنوان العمد علي الاستصحاب المذكور من الأصل المثبت.

قلت: يمكن أن يقال: بأن المورد من موارد اتمام الموضوع بالوجدان و الاصل أي بالاستصحاب يحرز بقاء النوم الي الفجر و بالوجدان يقصد النوم و عدم الغسل مضافا الي أنّه يمكن أن يقال انّ الاقدام علي النوم مع احتمال عدم الانتباه مصداق للعمد فلا حظ.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 138.

(2) الوسائل: الباب 15، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 148

(مسألة 56) نوم الجنب في شهر رمضان في الليل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به اذا اتّفق استمراره الي طلوع الفجر علي أقسام فانّه إمّا أن يكون مع العزم علي ترك الغسل و إمّا أن يكون مع التردّد في الغسل و عدمه و إمّا أن يكون مع الذهول و الغفلة عن الغسل، و إمّا أن يكون مع البناء علي الاغتسال

حين الاستيقاظ مع اتفاق الاستمرار فان كان مع العزم علي ترك الغسل أو مع التردّد فيه لحقه حكم تعمّد البقاء جنبا، بل الأحوط ذلك ان كان مع الغفلة و الذهول أيضا و ان كان الأقوي لحوقه بالقسم الأخير و ان كان مع البناء علي الاغتسال أو مع الذهول علي ما قوّينا فان كان في النومة الاولي بعد العلم بالجنابة فلا شي ء عليه و صحّ صومه و ان كان في النومة الثانية بأن نام بعد العلم بالجنابة ثمّ انتبه و نام ثانيا مع احتمال الانتباه فاتفق الاستمرار وجب عليه القضاء فقط دون الكفارة علي الأقوي، و ان كان في النومة الثالثة فكذلك علي الأقوي و ان كان الأحوط ما هو المشهور من وجوب الكفارة أيضا في هذه الصورة، بل الأحوط وجوبها في النومة الثانية أيضا بل و كذا في النومة الأولي أيضا اذا لم يكن معتاد الانتباه و لا يعدّ النوم الذي احتلم فيه من النوم الاوّل، بل المعتبر فيه النوم بعد تحقق الجنابة فلو استيقظ المحتلم من نومه ثمّ نام كان

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 149

من النوم الاول لا الثاني (1).

[مسألة 56 نوم الجنب في شهر رمضان في الليل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به اذا اتّفق استمراره الي طلوع الفجر علي أقسام]

اشارة

______________________________

(1) قد ذكر في هذه المسألة فروعا ينبغي التعرض لكلّ واحد منها و بيان ما يتعلق به و شرحه.

الفرع الاول: انّه لو كان عازما علي ترك الغسل و بقي نائما الي الفجر يكون صومه باطلا

لتعمد الاصباح جنبا الّذي يكون مبطلا للصوم.

و يمكن الاستدلال علي البطلان بتقريب آخر و هو انّ مثل هذا الشخص لا يكون ناويا للصوم بل يكون ناويا لعدمه و لا يكون الصوم بلا نيّة صحيحا.

الفرع الثاني: أن يكون مترددا في الغسل

و في هذا الفرض تارة يكون مترددا في اليقظة و اخري عالما بها، أمّا علي الأول فيصدق عنوان تعمّد الاصباح جنبا فيكون الصوم باطلا، و أمّا علي الثاني فايضا يبطل لعدم النيّة و الصوم يتوقف علي قصد القربة.

الفرع الثالث: انّه لو كان ذاهلا و غافلا

فلا بد من التفصيل بين الكفارة و القضاء بأن يقال: لا تجب عليه الكفارة لعدم صدق عنوان العمد، و أمّا القضاء فيجب لأنّ الذهول و الغفلة بعد العلم عبارة عن النسيان، و قد تقدم انّ النسيان يوجب بطلان الصوم و قضائه.

الفرع الرابع: انّه لو كان قاصدا لليقظة و العزم علي الاغتسال

فحكم (قدّس سرّه) انّه لو كان في النومة الاولي فلا شي ء عليه و لا بد من ملاحظة النصوص.

فنقول: من تلك النصوص ما رواه ابو سعيد القماط «1»

______________________________

(1) قد تقدم في ص 91.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 150

______________________________

و مقتضي هذه الرواية انّه لا شي ء عليه و مثله في الدلالة علي المدعي ما رواه العيص بن القاسم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل قال:

لا بأس «1» و المستفاد من هذه الطائفة انّه لا شي ء عليه.

و منها ما رواه سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف اللّيل في رمضان فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتّي يدركه الفجر؟ فقال: عليه أن يتمّ صومه و يقضي يوما آخر الحديث «2».

و المستفاد من هذه الرواية بطلان الصوم و لكن الحديث مخدوش باضمار سماعة حيث انّه من الوافقة و لا دليل علي كون اضماره عن الامام عليه السّلام و مثلها في الدلالة علي البطلان ما رواه سليمان المروزي.

و الحديث ضعيف فانّ الظاهر انّ المروزي لم يوثّق مضافا الي أن محمّد بن عيسي في السند و اذا فرضنا انّ الصحيح انّ المسمي بسليمان الداخل في السند هو سليمان بن الحفص كما يدلّ عليه ما في التهذيب «3» و ما في بعض نسخ الاستبصار «4»

و قلنا: انّ الرجل وثّق فايضا لا يتم السند فان الراوي عنه محمد بن عيسي العبيد و هو محلّ الكلام و الاشكال.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 13، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(2) الوسائل: الباب 15، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

(3) ج 4 ص 212، الحديث 617.

(4) ج 2 ص 87، الحديث 273.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 151

______________________________

مضافا الي أنّه لقائل أن يقول: ما الدليل علي صحة المدعي المذكور فان نسختي التهذيب و الاستبصار اللّتين عندنا نسختان من الأصل كما انّ نسخة الوسائل كذلك فلا وجه للترجيح.

و بعبارة واضحة: النسخة الأصلية لا تكون موجودة عندنا و مع الاغماض عن هذه الجهة يقع التعارض بين الطرفين فعلي مسلك انقلاب النسبة يخصّص ما يدل علي عدم البطلان بالطائفة الثالثة الدالّة علي البطلان بالعمد و بعد التخصيص تنقلب النسبة بين الطائفة الدالة علي عدم البطلان و الطائفة الدالة علي البطلان من التباين الي العموم و الخصوص المطلقين و تكون النتيجة التفصيل.

و أمّا علي تقدير عدم القول بالانقلاب كما هو الحقّ يكون الترجيح بالأحدثيّة مع دليل البطلان فلاحظ.

و طائفة اخري من النصوص تدل علي البطلان في صورة العمد منها ما رواه الحلبي «1» و منها ما رواه ابو بصير «2» و مقتضي القاعدة تخصيص المطلق بالمقيّد و النتيجة التفصيل بين صورتي العمد و عدمه.

الفرع الخامس: انّه لو بقي نائما في النومة الثانية

بأن نام بعد العلم بالجنابة ثمّ أفاق و نام ثانيا يجب عليه القضاء دون الكفارة.

و هذا هو المعروف بين القوم و يدل علي المدعي ما رواه معاوية بن عمار «3» و هذه الرواية بالصراحة تفرّق بين النومة الاولي و الثانية

______________________________

(1) قد تقدم في ص 122.

(2) قد

تقدم في ص 122.

(3) قد تقدم في ص 147.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 152

______________________________

و لا مجال لحمل الجملة التي تدل علي وجوب القضاء علي صورة العمد، اذ تعمّد الاصباح كذلك يبطل الصوم فانّ الصوم يتوقّف علي النيّة و القصد.

و ان شئت قلت: ان الرواية تدلّ علي الفرق بين النومة الاولي و النومة الثانية و لا يكون الفرق بالعمد و عدم العمد اذ مع العمد يبطل الصوم بلا فرق بين الاولي و الثانية فيكون الفرق بينهما بعدم القضاء في الاولي و ثبوته في الثانية.

و يدل علي المدعي أيضا ما رواه ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتي يصبح قال: يتمّ يومه و يقضي يوما آخر و ان لم يستيقظ حتّي يصبح أتم يومه و جاز له «1».

و هذه الرواية علي طبق رواية الصدوق تكون موافقة في الدلالة مع حديث ابن عمّار، و أمّا علي طبق رواية الشيخ لا تكون مذيّلة بالذّيل الذي في رواية الصدوق و عند المعارضة بين الزيادة و النقيصة يؤخذ بالزيادة.

و كيف كان يكفي لإثبات المدعي حديث ابن عمّار هذا بالنسبة الي القضاء، و أمّا عدم وجوب الكفارة فلعدم الدليل علي وجوبها بل الدليل قائم علي عدمها فان الاطلاق المقامي يقتضي عدمها.

الفرع السادس: انّه لو بقي نائما الي الفجر في النومة الثالثة

فالظاهر انّه لا اشكال عندهم في وجوب القضاء و أنّ صومه يبطل و يدل علي المدعي حديث ابن عمّار فانّه باطلاقه يشمل النوم الثالث

______________________________

(1) الوسائل: الباب 15، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 153

(مسألة 57) الاحوط الحاق غير شهر رمضان

من الصوم المعيّن به في حكم استمرار النوم الأول أو الثاني أو الثالث حتي في الكفّارة في الثاني و الثالث اذا كان الصوم ممّا له كفّارة كالنذر و نحوه (1).

______________________________

كما يشمل الثاني.

و أمّا الاستدلال بالرواية بتقريب الأولويّة فلا يخلو من التامّل و يدل علي المدعي أيضا حديث ابن أبي يعفور بالتقريب المتقدم ذكره آنفا و هو الاطلاق.

و أمّا الكفّارة فالحقّ انّه لا دليل عليها و الاجماع المنقول في المقام غير معتبر كما حقّق في الاصول من عدم اعتباره، نعم الاحتياط حسن بلا اشكال.

و احتاط أيضا (قدّس سرّه) بالكفّارة في النومة الاولي اذا لم يكن معتاد الانتباه و الحال انه مع عدم العادة و عدم الوثوق به يدخل في عنوان المتعمد فلا يرتبط بالمقام و من الواضح انّ الاعتياد لا أثر له بل الميزان الوثوق بعدم بقائه نائما.

الفرع السابع: انّه لا يعدّ النوم الذي احتلم فيه من النوم الأول

لاحظ ما رواه ابن أبي يعفور فانّه يفهم من الحديث انّه لا اعتبار بالنوم الذي احتلم فيه.

و صفوة القول: انّه لا اشكال بحسب الفهم العرفي انّ النومة الاولي بعد الجنابة لا تشمل النوم الّذي وقع فيه الاحتلام و استمرّ.

[مسألة 57 الأحوط الحاق غير شهر رمضان من الصوم المعيّن به في حكم استمرار النوم الأول أو الثاني أو الثالث]

(1) لا اشكال في حسن الاحتياط و لكن بحسب الصناعة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 154

(مسألة 58) اذا استمرّ النوم الرابع أو الخامس فالظاهر انّ حكمه حكم النوم الثالث (1).

(مسألة 59) الجنابة المستصحبة كالمعلومة في الأحكام المذكورة (2).

(مسألة 60) الحق بعضهم الحائض و النفساء بالجنب في حكم النومات و الأقوي عدم الالحاق (3) و كون المناط فيهما صدق التواني في الاغتسال فمعه يبطل و ان كان في النوم الأول و مع عدمه لا يبطل و ان كان في النوم الثاني أو الثالث (4).

(مسألة 61) اذا شكّ في عدد النومات بني علي الأقلّ (5).

______________________________

لا مقتضي للإلحاق و عليه فلا وجه لإيجاب الاحتياط.

[مسألة 58 إذا استمرّ النوم الرابع أو الخامس]

(1) قد تقدم منّا انّ مقتضي اطلاق حديث ابن عمّار عدم الفرق بين الثاني و ما بعده مضافا الي أنّه لا يبعد أن يقال: انّ العرف يفهم انّ الميزان الوصول الي الثاني و بعد الوصول اليه يترتّب الحكم فلاحظ.

[مسألة 59 الجنابة المستصحبة كالمعلومة في الأحكام المذكورة]

(2) و هذا ظاهر واضح اذ المفروض انّ الاستصحاب أصل محرز بل امارة حيث لا امارة و به ينكشف الواقع فيترتب عليه الحكم كما انّ الأمر كذلك في العلم و الامارة.

[مسألة 60 الحق بعضهم الحائض و النفساء بالجنب في حكم النومات]

(3) لا وجه للإلحاق و لا مقتضي له و ما أفاده تامّ.

(4) قد تقدم منّا المناقشة في شمول الحكم للحائض و النفساء و عليه لا موضوع لما أفاده الماتن.

[مسألة 61 إذا شكّ في عدد النومات بني علي الأقلّ]

(5) لأصالة عدم الزائد و مع نفي الزائد بالأصل لا يترتّب الحكم كما هو ظاهر واضح فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 155

(مسألة 62) اذا نسي غسل الجنابة و مضي عليه ايّام و شكّ في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء علي القدر المتيقّن و ان كان الأحوط تحصيل اليقين بالفراغ (1).

(مسألة 63) يجوز قصد الوجوب في الغسل و ان أتي به في أوّل الليل لكن الاولي مع الاتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب بل يأتي به بقصد القربة (2).

(مسألة 64) فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم فيصحّ صومه مع الجنابة أو مع حدث الحيض أو النفاس (3).

[مسألة 62 إذا نسي غسل الجنابة و مضي عليه ايّام و شكّ في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء علي القدر المتيقّن]

______________________________

(1) لقاعدة الفراغ الجارية بالنسبة الي المشكوك فيه و مقتضاها الحكم بالصحّة فلاحظ.

[مسألة 63 يجوز قصد الوجوب في الغسل و إن أتي به في أوّل الليل]

(2) الحق انّه لا يجوز قصد الوجوب لا في أول الليل و لا في آخره اذ الغسل مقدمة للواجب و قد ثبت في محلّه انّه لا دليل علي وجوب المقدّمة من قبل الشارع، نعم لا اشكال في أن الغسل عبادة و لا تحقق العبادة الّا مع قصد القربة و عليه لا فرق بين أول اللّيل و آخره.

و ان شئت قلت: الطهارات الثلاث لا تصير واجبة شرعا بلحاظ كونها شروطا للصلاة أو الصوم أو غيرهما نعم ربما تصير واجبة بعنوان ثانويّ كالنذر و نحوه فلاحظ.

[مسألة 64 فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم]

(3) اذ المفروض انّ المبطل للصوم الاصباح جنبا عن عمد، فاذا فرض عدم العمد لا يكون مقتضيا للاشتراط و لا يكون بقائه كذلك الي الفجر مانعا عن الصحّة فالقصور في المقتضي و عليه لا مجال لأن يقال

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 156

(مسألة 65) لا يشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت كما لا يضرّ مسّه في أثناء النهار (1).

(مسألة 66) لا يجوز اجناب نفسه في شهر رمضان اذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمم، بل اذا لم يسع للاغتسال و لكن وسع للتيمّم (2) و لو ظنّ سعة الوقت فتبيّن ضيقه فان كان بعد الفحص صحّ صومه و إن كان مع ترك الفحص فعليه القضاء علي الأحوط (3).

______________________________

الحكم الوضعي لا يرتهن بالقدرة هذا بالنسبة الي الجنابة، و أمّا بالنسبة الي الحيض و النفاس فقد مرّ انّه لا مقتضي للاشتراط فلاحظ.

[مسألة 65 لا يشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت]

(1) اذ لا دليل علي أنّ كلّ حدث أكبر مانع عن صحة الصوم فلا مقتضي للاشتراط.

[مسألة 66 لا يجوز اجناب نفسه في شهر رمضان إذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمم]

(2) تكلّمنا حول الفرع علي نحو التفصيل قريبا فراجع ما ذكرناه.

(3) استدل علي المدعي بحديث سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان؟ فقال: ان كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأي الفجر فليتمّ صومه و لا اعادة عليه و ان كان قام فأكل و شرب ثمّ نظر الي الفجر فرأي انّه قد طلع الفجر فليتمّ صومه و يقضي يوما آخر لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الاعادة «1».

بتقريب: انّ العلّة تعمّم كما انّها تخصّص و حيث يعلم من

______________________________

(1) الوسائل: الباب 44، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 157

التاسع مع المفطرات: الحقنة بالمائع و لو مع الاضطرار اليها لرفع المرض (1).

______________________________

الحديث انّ العلّة للقضاء ارتكاب المفطر يسري الحكم الي كلّ مورد تكون العلّة موجودة فيه.

لكن الحديث مخدوش بالاضمار من مثل سماعة الذي يكون من الواقفة فيكون الحكم مبنيا علي الاحتياط؟؟؟ صناعة تقتضي بطلان الصوم و وجوب القضاء اذ المفروض انه أتي بالمفطر و لا دليل علي معذوريته كما انّه لا دليل علي كون الحكم الظاهري أو الخيالي مجزيا عن المأمور به بالأمر الواقعي فلاحظ.

[التاسع مع المفطرات: الحقنة بالمائع]

اشارة

(1) يظهر من بعض كلمات الأصحاب انّه لا خلاف و لا اشكال في حرمة الاحتقان علي الصائم الّا من ابن الجنيد انما الكلام في أنه هل يكون مفسدا للصوم أم لا؟ و يدلّ علي كونه مفسدا ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن عليه السّلام أنّه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان؟ فقال: الصائم لا يجوز له أن يحتقن

«1».

و هذه الرواية تدل بالوضوح علي المدعي اذ الراوي قد فرض كون الصائم به علة يحتاج الي الاحتقان و مع ذلك أجاب عليه السّلام بعدم الجواز و الحال انّ المريض يجوز له الافطار فلا يمكن حمل عدم الجواز علي النهي التكليفي بل عدم الجواز وضعي أي يفسد الصوم به.

و عن ابن ادريس و المحقّق في المعتبر و الشيخ في جملة من كتبه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 5، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 158

و لا بأس بالجامد و إن كان الأحوط اجتنابه أيضا (1).

______________________________

و صاحب المدارك حمل النهي علي الحرمة التكليفيّة.

و قال سيدنا الاستاد في هذا المقام بأن النهي في باب المركبات كالأمر فيها يحمل علي الارشاد لا المولوية.

و الانصاف انّه لا يمكن مساعدته و لذا نري انّ النهي عن البيع وقت النداء لا يحمل علي الارشاد الي الفساد بل يحمل علي المولويّة فلا يكون ميزان كلّي جاريا في جميع الموارد بل يختلف الأمر باختلاف القرائن فالحقّ ما ذكرناه في تقريب كون النهي ارشاديا فلاحظ و لا فرق في كونه مفطرا بين صورتي الاختيار و الاضطرار كما يظهر من حديث البزنطي.

(1) كما هو مقتضي القاعدة لعدم ما يقتضي العموم فانّ الاحتقان ظاهر في المائع و يؤيد المدعي ما رواه محمد بن الحسن، عن أبيه قال:

كتبت الي أبي الحسن عليه السّلام: ما تقول في اللّطف يستدخله الانسان و هو صائم؟ فكتب عليه السّلام: لا بأس بالجامد «1».

بل يمكن الاستدلال علي جوازه بالجامد بما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء

و هما صائمان؟ قال: لا بأس «2».

فانّه باطلاقه يدل علي جواز الاحتقان بالجامد اضف الي ذلك أن الشك في عموم مفهوم الاحتقان و شموله للجامد كاف في الحكم بالجواز.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 159

(مسألة 67) اذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد الي الجوف بل كان بمجرد الدخول في الدبر فلا يبعد عدم كونه مفطرا و ان كان الأحوط تركه (1).

(مسألة 68) الظاهر جواز الاحتقان بما يشكّ في كونه جامدا أو مائعا و ان كان الأحوط تركه (2).

العاشر: تعمّد القي ء و ان كان للضرورة من رفع مرض أو نحوه (3).

[مسألة 67 إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد الي الجوف]

______________________________

(1) يمكن تقريب المدعي بوجهين:

الوجه الأول: انّ ما لا يدخل في الجوف لا يطلق عليه الاحتقان فلا يفطر.

الوجه الثاني: انّ مجرّد الشك يكفي اذ الأخذ بالدليل لا يجوز في الشبهة المصداقية مضافا الي أنّه يمكن احراز عدم الصدق بالاستصحاب فانّا نري جواز جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية.

[مسألة 68 الظاهر جواز الاحتقان بما يشكّ في كونه جامدا أو مائعا]

(2) أمّا علي تقدير كون ظهور الاحتقان فيما يكون بالمائع فالأمر ظاهر اذ لا مجال للأخذ بالدّليل في الشبهة المصداقية بل يجوز عدمه بالاستصحاب.

مضافا الي أنّ اصل البراءة يقتضي الجواز، و أمّا لو فرض الشكّ في الظهور و اجمال اللّفظ فايضا يكون الأمر كذلك اذ لا مجال للأخذ باطلاق الدّليل مع الشك في الصدق مضافا الي اقتضاء البراءة الجواز فلاحظ.

[العاشر: تعمّد القي ء]

اشارة

(3) يظهر من بعض الكلمات انّ الفقهاء متّفقون علي أنّ تعمّد القي ء يبطل الصوم و انّما المخالف في المسألة ابن ادريس حيث ذهب الي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 160

______________________________

انّه حرام تكليفا و السيد المرتضي حيث ذهب الي نقصان الصوم بالقي ء.

و بعبارة اخري: الصوم مكروه معه و العمدة النصوص الواردة في المقام، و تدلّ علي المدعي جملة منها: منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا تقيّأ الصائم فقد أفطر و ان ذرعه من غير أن يتقيأ فليتمّ صومه «1».

و منها ما رواه الزهري، عن عليّ بن الحسين عليه السّلام في حديث قال:

و أمّا صوم الاباحة فمن أكل أو شرب ناسيا أو تقيّأ من غير تعمّد فقد أباح اللّه له ذلك و أجزأ عنه صومه «2».

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم و ان ذرعه من غير أن يتقيأ فليتمّ صومه «3».

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن القي ء في رمضان؟ فقال:

ان كان شي ء يبدره فلا بأس و ان كان شي ء يكره نفسه عليه أفطر و عليه القضاء- الحديث «4».

و منها ما رواه مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليه

السّلام انّه قال: من تقيّأ متعمّدا و هو صائم فقد أفطر و عليه الاعادة فان شاء اللّه عذّبه و ان شاء غفر له، و قال: من تقيأ و هو صائم فعليه القضاء «5».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 29، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

(4) نفس المصدر، الحديث 5.

(5) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 161

و لا بأس بما كان سهوا (1) أو من غير اختيار (2) و المدار

______________________________

و منها ما رواه عبد اللّه بن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من تقيّأ متعمّدا و هو صائم قضي يوما مكانه «1».

و منها ما رواه علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه قال: سألته عن الرجل يستاك و هو صائم فيقي ء ما عليه؟ قال: ان كان تقيّأ متعمّدا فعليه قضاؤه و ان لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شي ء «2».

و يستفاد من حديث عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه عليهما السّلام قال: ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء و الاحتلام و الحجامة الحديث «3»، انّ القي ء لا يفسد و لكن حيث انّه مطلق من حيث العمد و عدمه يقيّد بصورة العمد و لا فرق في كونه مبطلا بين صورتي الضرورة و الاختيار لإطلاق النصوص.

(1) اذ قد قيّد البطلان بصورة العمد لقيام الدليل علي أن الاتيان بالمفطر سهوا لا يوجب البطلان.

(2) فانّ البطلان كما قلنا رتّب علي عنوان العمد و قد صرّح في بعض النصوص بعدم البأس اذا لم يكن اختياريا لا حظ احاديث الحلبي «4» و ابن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام في الذي يذرعه القي ء

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 7.

(2) نفس المصدر، الحديث 10.

(3) نفس المصدر، الحديث 8.

(4) قد تقدم في ص 160.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 162

علي الصدق العرفي فخروج مثل النواة أو الدود لا يعدّ منه (1).

(مسألة 69) لو خرج بالتجشّؤ شي ء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلا و لو وصل الي فضاء الفم فبلعه اختيارا بطل صومه و عليه القضاء و الكفّارة بل تجب كفّارة الجمع اذا كان حراما من جهة خباثته أو غيرها (2).

______________________________

و هو صائم؟ قال: يتمّ صومه و لا يقضي «1» و سماعة «2» و ابن جعفر «3».

(1) كما في سائر الموارد فمع عدم الصدق، الحكم ظاهر و مع الشكّ يمكن احراز عدم الصدق بالأصل.

[مسألة 69 لو خرج بالتجشّؤ شي ء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلا]

اشارة

(2) قد تعرّض في هذه المسألة لفروع:

الفرع الأول: انّه لو خرج بالتجشّؤ ثمّ نزل بلا اختيار لا يبطل الصوم

و ما أفاده تامّ لا اشكال فيه اذ المفروض انّه تحقّق بلا اختيار.

الفرع الثاني: انّه لو وصل الي فضاء الفم فبلعه اختيارا يفسد صومه

و يجب عليه القضاء و ما أفاده تام اذ المفروض انّه أفطر متعمّدا فيجب عليه القضاء.

و في المقام حديث و هو ما رواه ابن سنان «4» يستفاد منه انّه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 29، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(2) قد تقدم في ص 160.

(3) قد تقدم في ص 161.

(4) قد تقدم في ص 70.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 163

______________________________

لا بأس به و الحديث تامّ من حيث الدلالة و لكن مخدوش سندا فانّ من جملة رواة الحديث محمد بن عيسي و يمكن بحسب الطبقة انّ المراد منه العبيدي و هو ضعيف عندنا فلا يعتد به فما أفاده من البطلان و وجوب القضاء علي طبق القاعدة.

الفرع الثالث: انّه تجب الكفّارة بل تجب كفّارة الجمع،

أمّا اصل الكفارة فلمّا دلّ الدليل علي أنّ الافطار العمدي يوجب الكفارة و يقع الكلام حوله، و أمّا كفارة الجمع فوجوبها يتوقّف علي أمرين:

الأول: كون ما يخرج يكون من المحرّمات.

الثاني: انّ الافطار بكلّ حرام يوجب كفارة الجمع، أمّا الأمر الثاني فيقع الكلام فيه عند تعرض الماتن إن شاء اللّه تعالي فانتظر، و أمّا الأمر الأول فالذي يمكن أن يكون وجها للحرمة كونه من الخبائث.

و للمناقشة في حرمة الخبائث مجال اذ الدليل عليها علي الظاهر قوله تعالي: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ «1».

بتقريب انّ المستفاد من الآية حرمة الخبائث و من ناحية اخري انّ ما نحن فيه منها.

و يرد علي التقريب المذكور انّ الحكم الشرعي لا يتعلق بالأعيان الخارجية فانّه غير معقول اذ الحكم الشرعي يعرض لفعل المكلّف فيمكن أن يكون المراد من الخبائث المذكورة في الآية الأفعال الخبيثة و من الطيّبات الأفعال الطيبة فلا ترتبط الآية بما نحن بصدده.

______________________________

(1) الاعراف: 157.

الغاية القصوي في التعليق علي

العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 164

(مسألة 70) لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيئه في النهار فسد صومه ان كان الاخراج منحصرا في القي ء و ان لم يكن منحصرا فيه لم يبطل الّا اذا اختار القي ء مع امكان الاخراج بغيره و يشترط أن يكون ممّا يصدق القي ء علي اخراجه، و أمّا لو كان مثل درّة أو بندقة أو درهم أو نحوها مما لا يصدق معه القي ء لم يكن مبطلا (1).

______________________________

مضافا الي أنّ كون ما نحن فيه خبيثا أي يكون مما يتنفّر الطبع منه علي نحو الاطلاق محلّ التأمل و ان كان الجزم بالاطلاق لا يكون جزافا.

و أمّا ما أفاده سيدنا الاستاد من أنّه لا يكون خبيثا بالنسبة الي نفس المكلف فغير تام فانّ الميزان بالصدق العرفي فاذا فرض انّه مورد تنفّر الطباع يكون معدودا من الخبائث و يكون حراما اذا قلنا بأنّ الخبيث حرام.

و أمّا النقض بالطعام بعد ادخاله في الفم و مضغه فغير تامّ أيضا اذ جواز أكله بالنسبة الي نفس الآكل من الضروريات التي لا تكون قابلة للمناقشة هذا بالنسبة الي عنوان الخبيث، و أمّا اذا كان حراما من ناحية أخري فيدخل الافطار به تحت عنوان الافطار بالمحرّم فلاحظ.

[مسألة 70) لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيئه في النهار فسد صومه]

(1) تارة يبتلع شيئا لا يصدق علي اخراجه عنوان القي ء كالبندقة فلا مقتضي للبطلان و لا مجال للبحث، و أمّا مع الصدق فتارة لا يكون الاخراج منحصرا بالقي ء فايضا لا مقتضي للبطلان كما هو ظاهر انّما الكلام في صورة انحصار طريق الاخراج به و صدق عنوان القي ء عليه

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 165

(مسألة 71) اذا أكل في اللّيل ما يعلم أنّه يوجب القي ء في النهار من

غير اختيار فالأحوط القضاء (1).

______________________________

و من ناحية اخري يكون وجوب الاخراج أهم ملاكا من الصوم ففي مثله لا يمكن الالتزام بتوجه كلا التكليفين اذ يكون من موارد الأمر بالجمع بين الضدين في عرض واحد و لا يصدر مثله عن الحكيم.

انّما الكلام في أنه هل يمكن تصحيح الأمر بالمهم علي نحو الأمر الترتّبي أم لا؟ الظاهر انّه لا مانع منه اذ ليس الصوم مع القي ء ضدين لا ثالث لهما كي يقال الأمر بالصوم علي فرض العصيان تحصيل للحاصل و هو محال بل يتصور لهما ثالث و هو الامساك لا عن قصد القربة به فلا مانع عن الالتزام بالصحة علي نحو الترتب.

[مسألة 71 إذا أكل في اللّيل ما يعلم أنّه يوجب القي ء في النهار من غير اختيار فالأحوط القضاء]

(1) ربما يقال- كما في كلام سيّدنا الاستاد علي ما في تقريره الشريف-: انّه لا يوجب القضاء و يكون صومه صحيحا بتقريب انّ حكم الابطال مترتّب علي تعمّد الصائم و الحال انّ القي ء في حال الصوم و زمانه غير صادر عن عمد بل مصداق للذرع المعفو عنه ففي زمان صدور الفعل عن عمد لا يكون صائما و في زمان الصوم لا يكون متعمّدا.

و يرد عليه أولا بالنقض بجميع الموارد التي رفع الالزام بواسطة عروض عناوين خاصة كالإكراه و الاضطرار و الحرج و الضرورة فهل يمكن أن يقال: انّه يجوز الذهاب الي مكان يعلم باكراهه علي شرب الخمر؟ و هكذا كلّا ثمّ كلّا.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 166

(مسألة 72) اذا ظهر اثر القي ء و أمكنه الحبس و المنع وجب اذا لم يكن حرج و ضرر (1).

(مسألة 73) اذا دخل الذباب في حلقه وجب اخراجه مع امكانه و لا يكون من القي ء و لو توقّف اخراجه علي القي ء سقط وجوبه و

صحّ صومه (2).

______________________________

و ثانيا: بالحلّ و هو انصراف مثل هذه الادلة عن صورة انتهاء الأمر الي الاختيار، و أمّا النقض بصورة العلم بأنّه لو نام في يوم شهر رمضان يعرضه الاحتلام فانّه لو لم يقم اجماع تعبدي كاشف أو ضرورة علي الجواز يكون الكلام فيه هو الكلام بلا فرق اذ مع الاحتلام يكون من مصاديق تعمّد الإجناب فلاحظ.

[مسألة 72 إذا ظهر أثر القي ء و أمكنه الحبس و المنع وجب إذا لم يكن حرج و ضرر]

(1) لأنّه من مصاديق التعمّد فيحرم و لكن الانصاف انّ الجزم بالحكم مشكل اذ الوارد في الدليل اكراه النفس علي القي ء و لا يصدق العنوان المذكور علي عدم المنع فالحكم مبنيّ علي الاحتياط هذا فيما لا يكون حرج أو ضرر، و أمّا مع احدهما ففي فرض التعمّد يبطل الصوم فانّ الضرر و الحرج لا يوجبان الصحّة بل يوجبان جواز الافطار.

[مسألة 73 إذا دخل الذباب في حلقه وجب إخراجه مع إمكانه]

(2) الظاهر انّه (قدّس سرّه) ناظر الي صورة عدم صدق عنوان الأكل اذ مع وصوله الي حدّ يصدق أنّه أكله لا يجب اخراجه و عليه فلا تصل النوبة الي دوران الأمر بين أكل الحرام و افساد الصوم.

و بعبارة واضحة: اذا وصل الذّباب الي حدّ يصدق عليه الأكل فلا مقتضي لوجوب الاخراج و اذا لم يصل الي ذلك الحدّ وجب اخراجه فكيف يتحقّق عنوان التزاحم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 167

______________________________

و قال سيّدنا الاستاد (قدّس سرّه)- في هذا المقام علي ما في تقريره الشريف-: انّ ايصال غير المذكّي الي الجوف و ان وصل الي حدّ يصدق عليه عنوان الأكل حرام.

و الظاهر انّ ما أفاده بلا دليل فانّ المستفاد من دليل حرمة الميتة حرمة أكلها فاذا حصل عنوان الأكل لا يبقي مجال للحليّة و الحرمة.

و صفوة القول: انّ الذباب اذا وصل الي حدّ الأكل فلا يجب اخراجه و ان لم يصل الي ذلك الحدّ فان لم يستلزم اخراجه القي ء يجب و اذا استلزم يكون مبطلا للصوم علي كلا التقديرين اذ الأمر دائر بين الأكل و القي ء و كلاهما مبطلان.

و كيف كان قد فرض في كلامه حرمة أكل الذباب و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

الوجه الأول: دعوي عدم الخلاف في حرمته كما في الجواهر

«1».

و يرد عليه: ان مجرد عدم الخلاف لا يكون حجة.

الوجه الثاني: انّه من الخبائث فيحرم من هذه الجهة بمقتضي قوله تعالي: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ «2».

و لكن يرد عليه انّ التكليف لا يتعلّق بالذوات.

الوجه الثالث: كونه من مصاديق الميتة فانّه قد ثبت في الشرع

______________________________

(1) الجواهر: ج 36 ص 319.

(2) الاعراف: 157.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 168

(مسألة 74) يجوز للصائم التجشّؤ اختيارا و ان احتمل خروج شي ء من الطعام معه و أمّا اذا علم بذلك فلا يجوز (1).

(مسألة 75) اذا ابتلع شيئا سهوا فتذكّر قبل أن يصل الي الحلق وجب اخراجه و صحّ صومه، و أمّا إن تذكّر بعد الوصول اليه فلا يجب بل لا يجوز اذا صدق عليه القي ء و إن شكّ في ذلك فالظاهر وجوب اخراجه أيضا مع امكانه عملا باصالة عدم الدخول في الحلق (2).

______________________________

الأقدس حرمة أكلها و من ناحية اخري لم يبين طريق تذكيته لكن هذا التقريب يختصّ بمورد يكون الحيوان ميّتا، و أمّا مع الحياة فلا يصدق عليه عنوان الميتة.

ثمّ انّه بعد غمض العين عمّا قلنا نقول الوجه فيما أفاده: انّه يقع التزاحم بين وجوب الصوم من ناحية و حرمة أكل الذباب من ناحية اخري و حيث انّ ملاك صوم شهر رمضان أهمّ فيقدّم و ان أبيت فلا أقلّ من احتمال كونه أهمّ.

[مسألة 74 يجوز للصائم التجشّؤ اختيارا]

(1) التجشّؤ بما هو لا يكون مبطلا للصوم لعدم الدليل عليه و المستفاد من ادلّة المبطلات عدم كونه منها، و أمّا اذا فرض خروج شي ء معه فالماتن حكم بعدم الجواز و الظاهر انّه لا وجه له فانّ المنهي عنه عنوان القي ء الذي لا يصدق علي ما نحن فيه فلا فرق بين صورة

العلم بالخروج و صورة العلم بعدمه و صورة الشكّ.

[مسألة 75 إذا ابتلع شيئا سهوا فتذكّر قبل أن يصل إلي الحلق وجب إخراجه و صحّ صومه]

(2) أمّا في صورة السهو فلا يضرّ كما هو المقرّر، و أمّا مع التذكّر فتارة يكون التذكّر قبل صدق الأكل عليه و اخري يكون بعده و ثالثة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 169

(مسألة 76) اذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلا بالصلاة الواجبة فدخل في حلقه ذباب أو بقّ أو نحوهما أو شي ء من بقايا الطعام الذي بين أسنانه و توقّف اخراجه علي ابطال الصلاة بالتكلّم بأخ أو بغير ذلك فان أمكن التحفظ و الامساك الي الفراغ من الصلاة وجب، و ان لم يمكن ذلك و دار الأمر بين ابطال الصوم بالبلع أو الصلاة بالاخراج فان لم

______________________________

يكون مع الشكّ في الصدق، أمّا الصورة الاولي فيجب اخراجه كي لا يتحقق الأكل الّا مع عدم امكان الاخراج الّا بالقي ء و اذا أمكن كذلك يكون صومه باطلا اذ إمّا يبلع و إمّا يتقيأ و علي كل تقدير يكون مبطلا لصومه

و أما الصورة الثانية فلا يجب الاخراج بل يحرم اذا توقف الاخراج علي القي ء.

و أمّا الصورة الثالثة فيمكن أن يقال بجواز البلع اذ يشكّ المكلف في أنّه هل يصدق عنوان الأكل علي بلعه أم لا؟ و مقتضي اصل العدم الازلي عدمه فيجوز.

و أمّا اصالة عدم دخوله في الحلق فلا يترتب عليه وجوب الاخراج الّا علي القول بالاثبات لأنّ الموضوع المأخوذ في الدليل عنوان الأكل لا وصول المأكول الي الحلق.

و أمّا اصالة عدم صدق عنوان الأكل علي هذا المقدار فأيضا لا أثر له اذ لا يترتّب عليه انّه اذا ابتلع يكون مفطرا الّا علي القول بالمثبت، و أمّا اصالة عدم صدق عنوان الأكل علي البلع الذي يتحقّق

بعد ذلك فالظاهر انّه لا مانع منه.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 170

يصل الي الحدّ من الحلق كمخرج الخاء و كان ممّا يحرم بلعه في حدّ نفسه كالذّباب و نحوه وجب قطع الصلاة باخراجه و لو في ضيق وقت الصلاة و ان كان ممّا يحل بلعه في ذاته كبقايا الطعام ففي سعة الوقت للصلاة و لو بادراك ركعة منه يجب القطع و الاخراج و في الضيق يجب البلع و ابطال الصوم تقديما لجانب الصلاة لأهميتها و ان وصل الي الحدّ فمع كونه ممّا يحرم بلعه وجب اخراجه بقطع الصلاة و ابطالها علي اشكال و ان كان مثل بقايا الطعام لم يجب و صحّت صلاته و صحّ صومه علي تقديرين لعدم عدّ اخراج مثله قيئا في العرف (1).

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1417 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم؛ ص: 170

[مسألة 76 إذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلا بالصلاة الواجبة فدخل في حلقه ذباب]

اشارة

______________________________

(1) تتصوّر المسألة بصور:

الصورة الاولي: ما يمكن اخراجه قبل وصوله الي حدّ الأكل بلا ابطال للصلاة

فلا اشكال في وجوب الاخراج بلا ابطال الصلاة و الصوم

الصورة الثانية: ما لا يمكن إخراجه إلّا مع قطع الصلاة

مع امكان التحفظ الي الفراغ من الصلاة و حكم الصورة المذكورة واضح فانه يجب التحفظ كي يمتثل كلا الأمرين.

الصورة الثالثة: ما لا يمكن التحفّظ فيدور الأمر بين ابطال الصلاة و الصوم

و في هذه الصورة تارة يتصور الأمر مع سعة الوقت للصلاة و اخري مع ضيقه أمّا في سعة الوقت فالظاهر جواز قطع الصلاة بل وجوبه، فانّ المستفاد من حديث حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حيّة تتخوّفها علي نفسك فاقطع الصلاة و اتّبع غلامك أو غريمك

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 171

______________________________

و اقتل الحيّة «1»، جواز القطع لدفع محذور عن النفس أو المال.

و من الظاهر انّ ابطال الصوم محذور مهمّ فيجوز ابطال الصلاة لأجله، فاذا جاز وجب، و هل يمكن الالتزام بسعة الوقت و لو بادراك ركعة أم لا؟

الحق هو التفصيل بين صلاة الغداة و غيرها، فانّ الدليل المعتبر الدالّ علي التوسعة يختص بها، لاحظ ما رواه عمّار بن موسي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: فان صلّي ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشّمس فليتمّ و قد جازت صلاته «2».

و أمّا في ضيق الوقت فتارة يكون الداخل في الحلق حراما في حدّ نفسه كالبقّ و الذّباب علي ما هو المقرر عندهم و اخري يكون حلالا كالباقي من الطعام بين الأسنان فان كان من القسم الأول فربما يقال:

يجب قطع الصلاة اذ يدور الأمر بين رفع اليد عن الصلاة و الاتيان بالصوم مع الاجتناب عن أكل ما يكون حراما أكله و حيث انّ الثاني اهمّ و لا أقلّ من احتمال كونه كذلك يؤخذ به و ترفع اليد عن الصلاة.

و هذا التقريب غريب

اذ كيف يمكن رفع اليد عن الصلاة مع انّها عمود الدين و عماده؟

و بتقريب آخر: انّه استفيد من النصّ ان الصلاة لا تترك بحال فنسأل ان الصلاة في مورد الفرض هل تترك أم لا؟ أمّا علي الأول

______________________________

(1) الوسائل: الباب 21، من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 30، من أبواب المواقيت الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 172

(مسألة 77) قيل يجوز للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه و يخرجه عمدا و هو مشكل مع الوصول الي الحدّ فالأحوط الترك (1).

______________________________

فلا بدّ من رفع اليد عن اطلاق دليل عدم الترك.

و أما علي الثاني فيلزم تقديمها مضافا الي أنّه يكفي لعدم الجزم بما قيل احتمال الاهميّة في كلا الطرفين فلا وجه للجزم و مما ذكرنا يظهر حكم صورة ما لا يكون الداخل في الحلق حراما بلعه.

الصورة الرابعة: ما يصل الداخل الحدّ

أي وصل الي حدّ يصدق عليه الأكل فان قلنا انّ بلع المحرّم بعد تحقق الأكل لا يكون حراما فالأمر ظاهر أي يبلع و لا يقطع الصلاة كما انّ الأمر أوضح اذا كان الداخل حلالا في حدّ نفسه.

و ان قلنا بأن بلع الحرام و ايصاله الي المعدة حرام و لو بعد صدق الأكل فحكمه يظهر ممّا تقدم أي مع سعة الوقت يجوز قطع الصلاة بل يجب و أمّا في ضيقه فلا مجال للجزم بجواز القطع بل القاعدة كما تقدّم منّا تقديم جانب الصلاة.

[مسألة 77 قيل يجوز للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه و يخرجه عمدا]

(1) يمكن القول بالجواز و لا وجه للإشكال اوّلا و ثانيا و ثالثا.

أمّا أولا: فلصحّة سلب عنوان الأكل عن مثله فلا يقال و لا يصح أن يقال فلان أكل إصبعه و صحّة السلب علامة المجاز.

و أمّا ثانيا: فمع الاغماض عمّا ذكر اوّلا فلا أقلّ من انصراف الدليل عنه فلا مقتضي للمنع.

و أمّا ثالثا: فلأنّ مجرّد الشكّ في الصدق يكفي اذ الأخذ بالدليل

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 173

(مسألة 78) لا بأس بالتجشّؤ القهري و ان وصل معه الطعام الي فضاء الفم و رجع، بل لا بأس بتعمّد التجشّؤ ما لم يعلم انّه يخرج معه شي ء من الطعام و ان خرج بعد ذلك وجب القاؤه و لو سبقه الرجوع الي الحلق لم يبطل صومه و ان كان الأحوط القضاء (1).

______________________________

في الشبهة المصداقية غير جائز مضافا الي أنّه يمكن احراز العدم بالاستصحاب كما هو المقرر عندنا و لكن مع ذلك لا يمكن رفع اليد عن الاحتياط.

[مسألة 78 لا بأس بالتجشّؤ القهري]

(1) المفسد للصوم تعمّد القي ء و مع فرض عدم تحقّق العنوان المذكور لا مقتضي للبطلان فلا بأس بصورة التعمّد فكيف اذا فرض عدمه.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 174

[فصل في أحكام المفطرات]

اشارة

فصل المفطرات المذكورة ما عدا البقاء علي الجنابة الذي مرّ الكلام فيه تفصيلا انّما توجب بطلان الصوم اذا وقعت علي وجه العمد و الاختيار أمّا مع السهو و عدم القصد فلا توجبه (1) من غير فرق بين اقسام الصوم من الواجب المعيّن و الموسّع

فصل في أحكام المفطرات

يظهر من كلامه فروع أربعة:

الفرع الأول: حكم البقاء علي الجنابة

______________________________

(1) و قد مرّ الكلام حوله مفصّلا.

الفرع الثاني: انّ الافطار العمدي يوجب بطلان الصوم

و أيضا مرّ الكلام بالنسبة الي كلّ واحد من المفطرات.

الفرع الثالث: انّ الافطار القهري غير الاختياري لا يوجب بطلان الصوم

و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

الوجه الأول: ما رواه محمد ابن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 175

______________________________

يقول: لا يضرّ الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء «1».

فانّ المستفاد من هذه الرواية انّ الصائم اذا اجتنب ثلاث خصال يصحّ صومه، و من الظاهر انّ صدور الفعل عن الفاعل بلا اختيار و ارادة لا يصحّح النسبة و لا يقال انه لم يجتنب.

و ان شئت قلت: لا مقتضي للبطلان مع فرض عدم الاختيار.

الوجه الثاني: التعليل الوارد في حديث أبي بصير و سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا انّه الليل فأفطر بعضهم ثمّ انّ السحاب انجلي فاذا الشمس؟ فقال: علي الّذي أفطر صيام ذلك اليوم انّ اللّه عز و جل يقول: أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَي اللَّيْلِ فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل فعليه قضاؤه لأنه أكل متعمّدا «2».

فان المستفاد من تعليل الامام روحي فداه انّ الموضوع للبطلان تعمّد الافطار و بدونه لا يتحقق.

الوجه الثالث: النصوص الدالة علي عدم بطلان الصوم بالافطار ناسيا، اذ لو فرض عدم البطلان مع النسيان مع كون الافطار اختياريا فعدم البطلان بالافطار غير الاختياري بالاولويّة.

الوجه الرابع: ما رواه عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم؟ قال: ليس

______________________________

(1) الوسائل: الباب 1، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 50، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في

التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 176

______________________________

عليه شي ء اذا لم يتعمّد ذلك، قلت: فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال: ليس عليه شي ء، قلت: فان تمضمض الثالثة؟ قال:

فقال: قد أساء ليس عليه شي ء و لا قضاء «1» فانّ المستفاد من الحديث انّ الميزان في البطلان التعمد.

الفرع الرابع: انّ الصائم لو أتي بواحد من المفطرات المذكورة نسيانا لا يفسد صومه

و هذا هو المشهور بين القوم و تدل عليه جملة من النصوص:

منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن رجل نسي فأكل و شرب ثمّ ذكر؟ قال: لا يفطر انّما هو شي ء رزقه اللّه فليتمّ صومه «2».

و منها ما رواه عمّار بن موسي، أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل ينسي و هو صائم فجامع أهله؟ فقال: يغتسل و لا شي ء عليه «3»

و منها ما روي عن الائمة عليهم السّلام: انّ هذا في شهر رمضان و غيره و لا يجب منه القضاء «4».

و منها ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام في المحرم يأتي أهله ناسيا؟

قال: لا شي ء عليه انّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس «5».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 23، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

(2) الوسائل: الباب 9، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3) نفس المصدر، الحديث 1.

(4) نفس المصدر، الحديث 3.

(5) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 177

______________________________

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل صام في شهر رمضان فأكل و شرب ناسيا؟ قال: يتمّ صومه و ليس عليه قضاؤه «1».

و منها ما رواه داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل ينسي و يأكل في

شهر رمضان؟ قال: يتمّ صومه فانّما هو شي ء أطعمه اللّه «2».

و منها ما رواه الزهري، عن عليّ بن الحسين عليه السّلام في حديث قال:

و أمّا صوم الاباحة لمن أكل و شرب ناسيا أو قاء من غير تعمّد فقد أباح اللّه له ذلك و اجزأ عنه صومه «3».

و منها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام في رمضان فأكل أو شرب ناسيا؟ فقال: يتمّ صومه و ليس عليه قضاء «4».

و منها ما رواه محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: من صام فنسي فأكل أو شرب فلا يفطر من أجل انّه نسي فانّما هو رزق رزقه اللّه تعالي فليتمّ صيامه «5».

و منها ما رواه أبو بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صام

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

(3) نفس المصدر، الحديث 7.

(4) نفس المصدر، الحديث 8.

(5) نفس المصدر، الحديث 9.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 178

و المندوب (1) و لا فرق في البطلان مع العمد بين الجاهل

______________________________

يوما نافلة فأكل و شرب ناسيا؟ قال: يتمّ يومه ذلك و ليس عليه شي ء «1».

و منها ما رواه عمّار بن موسي الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل و هو صائم فيجامع أهله؟ فقال: يغتسل و لا شي ء عليه «2».

و هذه النصوص و ان كان موردها مخصوصا بالأكل و الشرب و الجماع لكن يمكن الالتزام بالعموم بوجوه:

الوجه الأول: عموم العلّة المستفادة من بعض هذه الروايات لاحظ حديثي الحلبي و ابن قيس «3» فانّ الحكم علّل في كلامه روحي فداه بكونه ممّا رزقه

اللّه و هذه العلّة لا تختصّ بقسم دون قسم.

الوجه الثاني: انّ العمدة في الصيام الامساك عن الأكل و الشرب و الجماع فاذا ثبت العفو بالنسبة الي هذه الثلاثة يثبت في غيرها بالأولويّة.

الوجه الثالث: انّ الحكم المذكور مورد ابتلاء العموم فلو كان فرق بين الأقسام من هذه الجهة لذاع و شاع و لم يكن مجهولا و الحال انّ المشهور بل المرتكز في اذهان أهل الشرع عموم الحكم و عدم الاختصاص فالمتحصّل التفصيل بين الناسي و غيره.

(1) فانّ جملة من النصوص المتقدّمة مطلقة و لا تختصّ بشهر

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 10.

(2) نفس المصدر، الحديث 11.

(3) قد تقدم في ص 176 و 177.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 179

بقسميه و العالم (1) و لا بين المكره و غيره فلو اكره علي الافطار

______________________________

رمضان و بقضائه لاحظ حديثي الحلبي و ابن قيس.

(1) فانّ مقتضي الاطلاق المستفاد من النصوص المشار اليها عدم الفرق بين الجاهل و العالم و في قبال النّصوص المذكورة حديثان يستفاد منهما التنافي:

الأول: ما رواه زرارة و أبو بصير قالا جميعا: سألنا أبا جعفر عليه السّلام عن رجل أتي أهله في شهر رمضان و أتي أهله و هو محرم و هو لا يري الّا انّ ذلك حلال له؟ قال: ليس عليه شي ء «1» و هذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد الشيخ الي ابن فضال.

الثاني: ما رواه عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث انّ رجلا أعجميا دخل المسجد يلبّي و عليه قميصه فقال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: انّي كنت رجلا أعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة فجئت احجّ لم أسأل احدا عن شي ء و أفتوني هؤلاء انّ اشقّ

قميصي و أنزعه من قبل رجلي و انّ حجّي فاسد و انّ عليّ بدنة؟ فقال له: متي لبست قميصك أبعد ما لبّيت أم قبل؟ قال: قبل أن ألبّي، قال: فأخرجه من رأسك فانّه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحجّ من قابل ايّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه- الحديث «2».

بتقريب انّ النسبة بين هذه الرواية و تلك النصوص عموم من وجه و ما به الاجتماع و محلّ المعارضة بين الطرفين الافطار الصادر عن

______________________________

(1) الوسائل: الباب 9، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 12.

(2) الوسائل: الباب 45، من أبواب تروك الاحرام، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 180

فأفطر مباشرة فرارا عن الضرر المترتب علي تركه بطل صومه

______________________________

الجاهل بالحكم فبمقتضي تلك النصوص يبطل و بمقتضي هذه الرواية لا يبطل و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي البراءة.

و يمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور بوجهين:

احدهما: انّه بعد التعارض و التساقط يكون المرجع اطلاق الكتاب فانّ قوله تعالي: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ «1» يقتضي الامساك علي الاطلاق في النهار و كذلك قوله تعالي: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَي اللَّيْلِ «2».

ثانيهما: انّ المستفاد من حديث عبد الصّمد انّ الآثار المترتبة علي فعل في وعاء الشرع كالحدّ و التعزير و الكفارة و امثالها انما تترتب مع العلم، و أمّا مع الجهل فلا تترتّب و من الظاهر انّ القضاء مترتّب علي عدم الاتيان بالمأمور به.

و بعبارة اخري: وجوب القضاء مترتّب علي عدم الاتيان بالصوم أو الصّلاة و الحديث غير ناظر اليه، نعم ترتفع عن الجاهل الكفارة و الحدّ و التعزير اذا كان الافطار

عن جهل.

و بعبارة واضحة: المستفاد من الحديث انّ كلّ فعل يكون مورد عقوبة في الشريعة اذا صدر عن المكلّف عن جهل لا يترتب عليه تلك العقوبة و من الظاهر انّ القضاء من آثار عدم الاتيان بالمأمور به لا من آثار الاكل أو الشرب أو غيرهما فلاحظ.

______________________________

(1) البقرة: 187.

(2) البقرة: 187.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 181

علي الأقوي، نعم لو و جر في حلقه من غير مباشرة منه لم يبطل (1).

(مسألة 1) اذا أكل ناسيا فظنّ فساد صومه فأفطر عامدا بطل صومه (2).

[مسائل في أحكام المفطرات]

[مسألة 1 إذا أكل ناسيا فظنّ فساد صومه فأفطر عامدا بطل صومه]

______________________________

(1) لإطلاق دليل المفطريّة و أمّا حديث الرفع فانّما يقتضي رفع الحرمة و الكفّارة و لكن لا يفي و لا يقتضي صحّة الصوم مع الافطار.

و بعبارة اخري: حديث الرفع يقتضي النفي لا الاثبات، و ان شئت قلت: الصوم واجب و الافطار حرام و موجب للكفّارة و حديث الرفع يقتضي رفع الوجوب و حرمة الافطار و ثبوت الكفّارة، و أمّا الزائد علي هذا المقدار فلا يستفاد من الحديث هذا فيما يكون الافطار عن اكراه لكن قد فرض انّ الافطار اختياري.

لا يقال: ما المانع من أن يقال: انّ حديث الرفع يرفع المفسدية فيصحّ الصوم مع الافطار الاكراهي.

فانّه يقال: انّ المفسدية و المبطلية و المانعية و امثالها امور واقعية غير قابلة لا للوضع و لا للرفع و الذي يكون قابلا للرفع الوجوب و الحرمة و الكفارة و امثالها و عليه لا مقتضي للاجزاء بل المتعين الفساد و وجوب القضاء.

و أمّا لو أوجر في حلقه الماء أو الطعام فلا يبطل صومه لعدم المقتضي للبطلان، فانّ المستفاد من النص انّ الصوم متقوّم بالاجتناب عن امور مخصوصة و الايجار لا ينافي الاجتناب فلاحظ.

(2) اذ

المفروض انّه أفطر عامدا غاية الأمر انّه معذور اذا كان جهله قصوريا و في المقام شبهة و هي انّ الظن كيف يمكن أن يكون معذّرا

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 182

و كذا لو أكل بتخيّل انّ صومه مندوب يجوز ابطاله فذكر انّه واجب (1).

(مسألة 2) اذا افطر تقيّة من ظالم بطل صومه (2).

(مسألة 3) اذا كانت اللّقمة في فمه و أراد بلعها لنسيان الصوم فتذكّر وجب اخراجها، و ان بلعها مع امكان القائها بطل صومه، بل يجب الكفّارة أيضا، و كذا لو كان مشغولا بالأكل فتبيّن طلوع الفجر (3).

(مسألة 4) اذ دخل الذباب أو البقّ أو الدّخان الغليظ أو الغبار في حلقه من غير اختياره لم يبطل صومه و ان أمكن

______________________________

فلقائل أن يقول: إنّ افطاره في الفرض المذكور حرام و مقتض للكفّارة.

(1) الأمر كما أفاده فانّ المفروض انّه أفطر عمدا و مختارا فيفسد صومه.

[مسألة 2 إذا افطر تقيّة من ظالم بطل صومه.]

(2) الأمر في الافطار الناشي عن التقيّة كالإفطار الناشي عن الاكراه أي التقيّة توجب رفع حرمة الافطار، و أمّا الافطار فحيث انّ المفروض صدوره عن عمد يكون مبطلا للصوم و لا دليل علي كون التقيّة علي نحو الاطلاق مجزيا.

و من ناحية اخري الاجزاء علي خلاف الأصل الاولي و الالتزام به يتوقّف علي قيام دليل عليه.

[(مسألة 3 إذا كانت اللّقمة في فمه و أراد بلعها لنسيان الصوم فتذكّر وجب اخراجها]

(3) الأمر كما أفاده، اذ مع فرض التذكّر يجب عليه الامساك و يحرم عليه الافطار، فاذا أفطر يفسد صومه و تجب عليه الكفّارة.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 183

اخراجه وجب و لو وصل الي مخرج الخاء (1).

(مسألة 5) اذا غلب علي الصائم العطش بحيث خاف من الهلاك يجوز له أن يشرب الماء مقتصرا علي مقدار الضرورة و لكن يفسد صومه بذلك و يجب عليه الامساك بقيّة النهار اذا كان في شهر رمضان، و أمّا في غيره من الواجب الموسّع و المعيّن فلا يجب الامساك، و ان كان أحوط في الواجب المعيّن (2).

[مسألة 4 إذا دخل الذباب أو البقّ أو الدّخان الغليظ أو الغبار في حلقه من غير اختياره لم يبطل صومه]

______________________________

(1) ما أفاده بالنسبة الي الذّباب و البقّ تامّ، و أمّا بالنسبة الي الدخان أو الغبار فالحكم مبني علي الاحتياط.

[مسألة 5) اذا غلب علي الصائم العطش بحيث خاف من الهلاك يجوز له أن يشرب الماء مقتصرا]

اشارة

(2) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: انّه لو غلب العطش علي الصائم بحيث أشرف علي الهلاك فهل يجوز له شرب الماء أم لا؟

و في هذا الفرض تارة يبحث من حيث القاعدة و اخري يبحث من حيث النص الخاص.

أمّا من حيث القاعدة فلا ريب في جواز الافطار بل يجب لوجوب حفظ النفس، و لا مقتضي لوجوب الصوم اذ المفروض انّه مضطرّ الي الافطار و مقتضي حديث رفع الاضطرار عدم وجوب الصوم.

مضافا الي أنّ المستفاد من الكتاب و السنّة انّ الصوم وظيفة من لا يضرّ به الصوم و المفروض في المقام انّ الصوم يضرّ به غاية الاضرار.

و أمّا من حيث النصّ فقد ورد في المقام حديثان:

الأول: ما رواه المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: انّ لنا فتيات و شبّانا لا يقدرون علي الصيام من شدّة ما يصيبهم من

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 184

______________________________

العطش؟ قال: فليشربوا بقدر ما تروي به نفوسهم و ما يحذرون «1» و الحديث ضعيف بابن مرّار بل و بغيره.

الثاني: ما رواه عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يصيبه العطاش حتّي يخاف علي نفسه؟ قال: يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لا يشرب حتي يروي «2».

و هذه الرواية تدلّ علي جواز الشرب و ربما يقال: انّ الحديث وارد في ذي العطاش و لا يرتبط بالمقام.

و يرد عليه انّ الذي يعرضه مرض العطاش لا يروي و قد صرّح في الحديث بالنهي عن الارتواء فالحديث مربوط بالمقام و يؤيّد المدعي انّه ابدل في بعض النسخ لفظ العطاش بالعطش «3» فانقدح انّه يجوز شرب الماء و الافطار بمقتضي القاعدة الاوّلية و النّص.

الفرع الثاني: انّه يفسد صومه بالشرب

و هذا مقتضي القاعدة الاوّليّة، اذ المفروض انّه افطر اختيارا و الدليل قائم علي بطلان الصوم بالافطار بل يكون صومه باطلا و لو مع عدم

الافطار لأن الصوم غير مشروع له.

الفرع الثالث: انّه هل يجوز له أن يرتوي من الماء أو لا يجوز له الشرب الا بمقدار الضرورة؟

مقتضي القاعدة الاوّلية جوازه و جواز

______________________________

(1) الوسائل: الباب 16، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 1.

(3) الفقيه: ج 2 ص 84، الحديث 376 و التهذيب: ج 4 ص 240 الحديث 702.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 185

(مسألة 6) لا يجوز للصائم أن يذهب الي المكان الّذي يعلم اضطراره فيه الي الافطار باكراه أو ايجار في حلقه أو نحو ذلك، و يبطل صومه لو ذهب و صار مفطرا، و لو كان بنحو الايجار، بل لا يبعد بطلانه بمجرد القصد الي ذلك فانّه كالقصد للإفطار (1).

______________________________

ارتكاب كلّ مفطر اذ بعد بطلان الصوم لا وجه لوجوب الامساك و لكن المستفاد من حديث عمّار المشار اليه عدم جواز الشرب الّا بمقدار يمسك رمقه و الظاهر بحسب الفهم العرفي عدم الفرق بين الماء و غيره من المفطرات فيجب عليه الامساك.

الفرع الرابع: انّه هل يختصّ وجوب الامساك بصوم شهر رمضان أو يعمّ كلّ واجب معين؟

حكم الماتن بعدم الوجوب و لكن مقتضي اطلاق حديث عمّار عدم الفرق و انكار الاطلاق في الرواية- كما في كلام سيدنا الاستاد- غير تامّ فلاحظ.

[مسألة 6 لا يجوز للصائم أن يذهب إلي المكان الّذي يعلم اضطراره فيه إلي الإفطار بإكراه أو إيجار في حلقه أو نحو ذلك]

(1) و الوجه فيه انّ دليل رفع الاضطرار أو الاكراه لا يشمل مورد تهيّة المقدّمات اختيارا و الّا كان لازمه جواز ارتكاب المحرّمات بايجاد المقدمات الموصلة الي تحقّق العناوين المجوّزة و هل يمكن الالتزام به؟ كلّا ثمّ كلّا.

و عليه لو ذهب الي مكان صار مكرها بالافطار يكون صومه باطلا و يكون عاصيا، بل يفسد صومه بمجرد الذّهاب أو العزم عليه، اذ مع العزم المذكور لا يكون ناويا للصوم فيكون صومه باطلا من جهة الاخلال بالنيّة، هذا بالنسبة الي الاكراه أو الاضطرار.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 186

(مسألة 7) اذا نسي فجامع لم يبطل صومه و ان تذكّر في

______________________________

و أمّا بالنسبة الي الايجار فربما يقال: انّه لا بأس به و لا يكون حراما، كما انّه لا يبطل صومه فيكون الذهاب الي المكان الكذائي كالنوم في شهر رمضان مع العلم بالاحتلام، هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب المدّعي.

و لا بدّ من البحث في موردين:

المورد الأول: في الايجار المفروض في المقام.

المورد الثاني: في النوم في شهر رمضان مع العلم بالاحتلام.

فنقول: أمّا المورد الاول: فالحقّ انّه يصدق عنوان العمد الي الافطار فانّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار و المفروض انّ المكلّف باختياره و علمه بالايجار يذهب فيكون صومه باطلا بتحقّق الايجار الموجب للإفطار بل بمجرد الذهاب بل بمجرد العزم عليه يبطل صومه لاختلال النيّة.

و أمّا المورد الثاني: فأفاد سيدنا الاستاد (قدّس سرّه) بأنّ المأخوذ في النصوص عنوان الجماع و البقاء علي الجنابة و الاستمناء و شي ء من

ذلك لا يتحقق مع العلم بالاحتلام اذا نام فلا وجه للقياس بين المقامين.

و ما أفاده غير تامّ، اذ لو فرض انّ المكلّف يعلم بأنّه اذا نام بالليل في شهر رمضان يحتلم و يبقي نائما الي الفجر، لا اشكال في صدق تعمّد البقاء علي الجنابة كما انّه لو نام في نهار رمضان مع العلم بالاحتلام يصدق انّه تعمّد في صيرورته جنبا و المستفاد من نصوص الباب انّ تعمّد الإجناب يوجب الكفّارة و البطلان، لاحظ الباب الرابع من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 187

الاثناء وجب المبادرة الي الاخراج و الّا وجب عليه القضاء و الكفّارة (1).

[مسألة 7 إذا نسي فجامع لم يبطل صومه]

اشارة

______________________________

(1) ذكر في هذه المسألة فرعين:

الفرع الأول: انّه لو نسي فجامع لا يبطل صومه

و الوجه فيه انّ المستفاد من الدليل انّ تحقق الافطار يتوقف علي التعمّد و مع النسيان لا تعمد فلا بطلان و هذا ظاهر.

الفرع الثاني: انّه لو تذكّر يجب المبادرة الي الاخراج و الّا وجب القضاء و الكفّارة

و الوجه فيه: انّه مع التذكّر لا يكون معذورا فلا بدّ من الاجتناب و الّا يبطل صومه فيجب القضاء كما انّه تجب عليه الكفّارة لصدق الافطار العمدي الذي هو موضوع لوجوب القضاء و الكفارة فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 188

[فصل لا بأس للصائم بمصّ الخاتم أو الحصي و نحو ذلك مما لا يتعدي إلي الحلق]

اشارة

فصل لا بأس للصائم بمصّ الخاتم (1)

______________________________

(1) كما هو مقتضي القاعدة الاوّلية، مضافا الي النص الخاص الوارد في المقام، لا حظ ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يعطش في شهر رمضان؟ قال: لا بأس بأن يمصّ الخاتم «1».

و في هذه الرواية يكون المروي عنه للعدّة أحمد بن محمّد و قد تقدم منّا الاشكال في الرّجل من باب كونه مشتركا بين الضعيف و الصحيح فلا يمكن الاعتماد عليه، و لذا يقع الاشكال في جملة كثيرة من الروايات من حيث اشتمالها علي الاسم المذكور بلا قرينة معيّنة.

و لكن بعد مضيّ أيام و ليالي و تقرير الاشكال المذكور و تثبيته جدّ و اجتهد زميلنا قرّة عيني الشيخ الحاجياني و بني علي انّ الاشكال المذكور غير وارد بتقريب: انّ مقتضي بناء العقلاء بحسب الظهور العرفي علي حمل المطلق علي الفرد الشائع مثلا لو كان في بلد من

______________________________

(1) الوسائل: الباب 40، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 189

______________________________

البلاد شخصان كل منهما مسمّي بالسيد اسماعيل و لكن يراد من اللفظ في الغالب الذي يكون نجفيّا و علي نحو الندرة و الاتفاق يراد منه الفرد الآخر لا اشكال في حمل اللفظ مجرّدا عن القرينة علي النجفي و لا يبقون في التحيّر و الترديد.

و بعبارة اخري: نفس

عدم القرينة علي التعيين قرينة علي ارادة النجفي و علي هذا الاساس نقول: اذا روي الكليني عن احمد بن محمّد بواسطة محمد بن يحيي أو بواسطة العدّة يحمل علي المردّد بين أحمد بن محمد بن عيسي أو ابن خالد.

و ببيان آخر: لم يذكر في الرجال احمد بن محمد بلا تعيين بل كلّ من يكون مسمّي بهذا الاسم مذيّل بذيل يكون مميّزا عن غيره و حيث انّ الشائع في نقل الروايات و الأحاديث مردّد بين جماعة ثقاة و من ناحية اخري المطلق ينصرف الي الشائع لا نبقي متحيّرين و نحكم باعتبار السند.

و لتوضيح المدّعي نذكر الرواة المسمّين بهذا الاسم كي نري صحّة مقالتنا فنقول: قال الأردبيلي في رجاله: احمد بن محمد بن ابراهيم، احمد بن محمد بن ابراهيم الارمني، أحمد بن محمد أبو بشر السرّاج، أحمد بن محمد أبو عبد اللّه الآملي، احمد بن محمد بن أبي الغريب، احمد بن محمد بن أبي نصر زيد.

احمد بن محمد بن أبي نصر، احمد بن محمد بن أبي نصر صاحب الانزال، أحمد بن محمد بن أحمد أبو علي الجرجاني، أحمد

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 190

______________________________

ابن محمد بن أحمد الحسيني، أحمد بن محمد بن أحمد الخزاعي، أحمد بن محمد بن أحمد بن طرخان، أحمد بن محمد الأردبيلي، أحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة، أحمد بن محمد البارقي، أحمد ابن محمّد بن بسّام المصري، أحمد بن محمد البصري، أحمد بن محمد بن بندار، أحمد بن محمد بن جعفر، أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، أحمد بن محمد بن الحسين الازدي، أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن.

أحمد بن محمد بن الحسين بن سعيد،

أحمد بن محمد الحضيني، أحمد بن محمد بن خالد، أحمد بن محمد بن داود، أحمد بن محمد الدينوري، أحمد بن محمد بن الربيع، أحمد بن محمد بن رميم، أحمد بن محمد بن زياد، أحمد بن محمد بن زيد الخزاعي، أحمد بن محمد المعروف بالزيدي، أحمد بن محمد الصرمي، أحمد ابن محمد بن سعيد، أحمد بن محمد بن سلمة.

أحمد بن محمد بن سليمان، أحمد بن محمد بن يسار، أحمد ابن محمد الصائغ، أحمد بن محمد بن عاصم، أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن الزبير، أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن مروان، أحمد بن محمد بن عبيد القمي، أحمد بن محمد بن عبيد اللّه الاشعري، أحمد ابن محمد بن عبيد اللّه بن الحسن، أحمد بن محمد بن علي بن عمر، أحمد بن محمد بن علي الكوفي، أحمد بن محمد بن عمّار ابو علي، أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 191

______________________________

أحمد بن محمد بن عمر، أحمد بن محمد بن عمر بن موسي، أحمد بن محمد بن عيّاش، أحمد بن محمد بن عيسي بن عبد اللّه، أحمد بن محمد بن عيسي الغراد، أحمد بن محمد بن عيسي القسري، أحمد بن محمد بن عيسي، أحمد بن محمد الكوفي، أحمد بن محمد ابن مسلمة، أحمد بن محمد بن مطهّر، أحمد بن محمد المقري، أحمد بن محمد بن موسي.

أحمد بن محمد بن موسي بن الحرث، أحمد بن محمد النجاشي، أحمد بن محمد بن نوح، أحمد بن محمد الوهركيني، أحمد بن محمد بن هيثم، أحمد بن محمد بن يحيي، أحمد بن محمد ابن يحيي العطّار، أحمد بن محمد بن

يحيي الفارسي، أحمد بن محمد بن يعقوب.

و بعبارة اخري: بعد فحص روايات الكافي نري انّ الغالب المسمي بهذا الاسم الواقع في السند المشار اليه إمّا اضيف لفظ محمد الي عيسي، و إمّا اضيف الي خالد و يكون المضاف الي غير الرجلين أقلّ قليل فبمقتضي انصراف المطلق الي الشائع الغالب لا بد من حمل المطلق أي ما لا يكون لفظ محمد مضافا علي ارادة احد الرجلين اذ الأمر مردّد بينهما و المفروض وثاقة كليهما فيكون السند تاما.

و اذا تمّ التقريب المذكور نقول: لو فرض انّه كان هذا الاسم في سند رواية بغير السند المذكور أعمّ من أن يكون الراوي الكليني أو الشيخ أو الصدوق أو غيرهم و كان قابلا لأن يكون المراد أحد الرجلين

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 192

أو الحصي (1) و لا بمضغ الطعام للصبي (2) و لا بزقّ الطائر (3)

______________________________

أيضا، نحمل اللّفظ علي ارادة أحدهما اذ بحسب الزمان، إمّا يكون النقل مقارنا لزمان الانصراف، و إمّا يكون متقدّما، و إمّا يكون متأخّرا.

أمّا علي الأوّل فظاهر، و أمّا علي الثاني أو الثالث فببركة الاستصحاب الجاري في أمثال المقام أي الأصل اللّفظي العقلائي نحكم بثبوت الانصراف في ذلك الزمان أيضا و تكون النتيجة ما ذكرنا فلاحظ.

(1) كما هو مقتضي القاعدة الاولية فانّه لا وجه لفساد الصوم به مع حصر المفطر في امور مخصوصة.

(2) لاحظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث انّه سئل عن المرأة يكون لها الصبي و هي صائمة فتمضغ له الخبز و تطعمه؟

قال: لا بأس به و الطير ان كان لها «1» مضافا الي أنّ عدم البأس مقتضي القاعدة الاوّليّة.

(3) الكلام فيه هو

الكلام من حيث القاعدة مضافا الي النص الخاص، لاحظ ما رواه حمّاد بن عثمان قال: سأل ابن أبي يعفور أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا أسمع عن الصائم يصبّ الدواء في أذنه؟ قال: نعم و يذوق المرق و يزقّ الفرخ «2».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 38، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 37، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 193

و لا بذوق المرق و نحو ذلك مما لا يتعدّي الي الحلق (1) و لا يبطل صومه اذا اتّفق التعدّي اذا كان من غير قصد و لا علم بأنه يتعدّي قهرا أو نسيانا، أمّا مع العلم بذلك من الأول فيدخل في الافطار العمدي (2) و كذا لا بأس بمضغ العلك و لا ببلع ريقه بعده

______________________________

(1) الكلام فيه هو الكلام من حيث القاعدة، و قد ورد النص الدال علي الجواز، لا حظ ما رواه الحلبي، انّه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق المرق تنظر اليه؟ فقال: لا بأس به- الحديث «1».

و يعارضه ما رواه سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم أ يذوق الشي ء و لا يبلعه؟ قال: لا «2».

و الجمع العرفي إمّا ممكن بين الحديثين و إمّا لا يمكن، فعلي الأوّل فلا اشكال، و أمّا علي الثاني فالمرجع القاعدة الأوليّة و مقتضاها الجواز كما تقدّم.

و في المقام حديث رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسي عليه السّلام قال: سألته عن الصائم يذوق الشراب و الطعام يجد طعمه في حلقه؟

قال: لا يفعل، قلت: فان فعل فما عليه؟ قال: لا شي ء عليه و لا يعود «3».

و المستفاد من

هذه الرواية المنع التكليفي، عن الذوق بشرط وجدان الطعم في الحلق مع التصريح بعدم البطلان.

(2) الظاهر انّ مجرد عدم العلم بالتعدّي لا يكفي في الحكم

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 194

و ان وجد له طعما فيه (1) ما لم يكن ذلك بتفتّت أجزاء منه بل

______________________________

بالجواز، بل لا بد من العلم بعدمه و لو ببركة الاستصحاب الاستقبالي و الوجه فيه: انّه يجب عليه أن يجتنب عن خصال خاصّة و الاقدام مع الشكّ في تحقّق المفطر ينافي الاجتناب الواجب فلا حظ.

(1) هذا مقتضي القاعدة الأوليّة لكنّ النصوص الواردة في المقام مختلفة: منها ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الصائم يمضغ العلك؟ قال: نعم إن شاء «1».

فان هذه الرواية تدلّ علي الجواز لكن لا اعتبار بسندها.

و منها ما رواه محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: يا محمّد ايّاك أن تمضغ علكا فانّي مضغت اليوم علكا و أنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا «2».

و هذه الرواية تدلّ علي الجواز مع كراهة و السند تام.

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: الصائم يمضغ العلك؟ قال: لا «3».

و هذه الرواية تدلّ علي المنع فيقع التعارض بين تلك الرواية و هذه الرواية، و حيث انّ الترجيح بالأحدثيّة مع الثانية تقدم علي الاولي فالنتيجة عدم الجواز فلا حظ.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 36، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 1.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 195

كان لأجل

المجاورة (1) و كذا لا بأس بجلوسه في الماء ما لم يرتمس رجلا كان أو امرأة و ان كان يكره لها ذلك (2).

______________________________

(1) أفاد سيّدنا الاستاد بأنّه ربما يقال: بأنّه لو استهلك الأجزاء في ماء الفم لا يضرّ بالصوم و لكن التوهّم المذكور فاسد لأنّ الممنوع لو كان الأكل لكان لما افيد وجه و لكن الواجب علي الصائم بمقتضي حديث ابن مسلم «1» الاجتناب عن المأكول و المشروب و لا يصدق الاجتناب علي من بلع الأجزاء المستهلكة و الّا يمكن التوسّل بهذه الوسيلة الي أكل مقدار معتد به من السكر و نحوه و هو كما تري.

و ما أفاده لا يمكن مساعدته، اذ المستفاد من حديث ابن مسلم وجوب الامساك عن الأكل أو حرمته و لا يستفاد منه وجوب الاجتناب علي الاطلاق كما هو ظاهر.

نعم يمكن الاشكال في البلع في الصورة المذكورة من باب عدم الدليل علي الجواز، و بعبارة اخري: المقتضي لحرمة البلع موجود اذ يصدق عليه الشرب غاية الأمر انصراف دليل المنع أو قيام السيرة علي البلع و ارتكاز الجواز و شي ء من هذه الوجوه لا يكون في الصورة المذكورة.

(2) كما هو مقتضي القاعدة بلا فرق بين الرجل و المرأة، و أمّا حديث حنّان بن سدير أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال: لا بأس و لكن لا ينغمس و المرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمل

______________________________

(1) لاحظ ص 67.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 196

و لا ببلّ الثوب و وضعه علي الجسد (1) و لا بالسواك

______________________________

الماء بقبلها «1»، الدالّ علي المنع بالنسبة الي المرأة معلّلا بأنّها تحمل الماء بقبلها فغير تام سندا،

فانّ اسناد الصدوق الي الرّجل ضعيف علي ما كتبه الحاجياني و للحديث سند آخر و هو ضعيف أيضا فلا وجه للكراهة أيضا.

(1) كما هو مقتضي القاعدة الاوليّة و يستفاد من جملة من النصوص المنع منها، ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا تلزق ثوبك الي جسدك و هو رطب و أنت صائم حتي تعصره «2».

و منها ما رواه الصيقل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يرتمس في الماء؟ قال: لا و لا المحرم، قال: و سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ قال: لا «3».

و منها: ما رواه حسن بن الراشد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الحائض تقضي الصلاة؟ قال: لا، قلت: تقضي الصوم؟ قال: نعم قلت: من أين جاء ذا؟ قال: انّ اوّل من قاس ابليس، قلت: و الصائم يستنقع في الماء؟ قال: نعم، قلت: فيبلّ ثوبا علي جسده؟ قال: لا، قلت: من أين جاء ذا؟ قال: من ذاك … الحديث «4».

و منها ما رواه الصيقل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن

______________________________

(1) الوسائل: الباب 3، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 6.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 4.

(4) نفس المصدر، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 197

باليابس بل الرطب أيضا (1) لكن اذا اخرج المسواك من فمه لا يردّه و عليه رطوبة و الّا كانت الرطوبة الخارجية لا يجوز بلعها الّا بعد

______________________________

الصائم يلبس الثوب المبلول؟ قال: لا و لا يشمّ الريحان «1» و هذه النصوص كلّها ضعيفة سندا فلا يعتدّ بها.

(1) كما هو مقتضي القاعدة، و في المقام نصوص: منها ما

رواه ابن سنان يعني عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يستاك الصائم أيّ ساعة من النهار احبّ «2».

و منها ما رواه أبو بصير و الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

الصائم يستاك أيّ النهار شاء «3».

و منها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام أ يستاك الصائم بالماء و بالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال: لا بأس به «4».

و منها ما رواه موسي بن أبي الحسن الرازي، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: سأله بعض جلسائه عن السّواك في شهر رمضان؟

قال: جائز، فقال بعضهم: انّ السواك تدخل رطوبته في الجوف؟

فقال: ما تقول في السواك الرّطب تدخل رطوبته في الحلق؟ فقال:

الماء للمضمضة أرطب من السواك الرّطب، فان قال قائل لا بدّ من الماء للمضمضة من أجل السنة فلا بدّ من السواك من أجل السنة التي جاء

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 10.

(2) الوسائل: الباب 28، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

(4) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 198

______________________________

بها جبرئيل علي النبيّ صلي اللّه عليه و آله «1».

و منها ما رواه أبو الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن السواك للصائم؟ قال: يستاك أيّ ساعة شاء من أول النهار الي آخره «2».

و منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم أيّ ساعة يستاك من النهار؟ قال: متي شاء «3».

و منها ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يستاك الصائم بعود رطب «4».

و منها ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

قال: يستاك الصائم أيّ النهار شاء و لا يستاك بعود رطب- الحديث «5».

و منها ما رواه حسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السواك للصائم؟ فقال: نعم يستاك أيّ النهار شاء «6».

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الصائم يستاك؟ قال: لا بأس به، و قال: لا يستاك بسواك رطب «7».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 4.

(2) نفس المصدر، الحديث 5.

(3) نفس المصدر، الحديث 6.

(4) نفس المصدر، الحديث 7.

(5) نفس المصدر، الحديث 8.

(6) نفس المصدر، الحديث 9.

(7) نفس المصدر، الحديث 10.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 199

______________________________

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب و قال: لا يضرّ ان يبلّ سواكه بالماء ثمّ ينفضه حتّي لا يبقي فيه شي ء «1».

و منها ما رواه عمّار بن موسي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصائم ينزع ضرسه؟ قال: لا و لا يدمي فاه و لا يستاك بعود رطب «2».

و منها ما رواه يونس قال: الصائم في شهر رمضان يستاك متي شاء- الحديث «3».

و منها ما رواه حسين بن علوان، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام قال: كان عليّ عليه السّلام يستاك و هو صائم في أول النهار و في آخره في شهر رمضان «4».

و منها ما بهذا الاسناد قال: قال علي عليه السّلام: لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أوّل النهار و آخره، فقيل لعليّ في رطوبة السواك؟ فقال: المضمضة بالماء أرطب منه، فقال علي عليه السّلام: فان قال قائل لا بدّ من المضمضة

لسنة الوضوء قيل له: فانّه لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل «5».

و منها ما رواه موسي بن بكر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن السواك؟ فقال: انّي لأستاك بالماء و أنا صائم «6».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 11.

(2) نفس المصدر، الحديث 12.

(3) نفس المصدر، الحديث 13.

(4) نفس المصدر، الحديث 14.

(5) نفس المصدر، الحديث 15.

(6) نفس المصدر، الحديث 16.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 200

الاستهلاك في الريق (1) و كذا لا بأس بمصّ لسان الصبي أو الزوجة اذا لم يكن عليه رطوبة و لا بتقبيلها أو ضمّها أو نحو ذلك (2).

______________________________

و هذه النصوص كما تري متعارضة، و لنا أن نقول بأنّه يمكن الجمع بينها بما رواه ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1» فان مقتضاه التفصيل بين النفض حتّي لا يبقي فيه شي ء فيجوز و الّا فلا يجوز.

و ان أبيت عن الجمع المذكور فنقول: مقتضي التعارض و عدم المرجّح التساقط و النتيجة هي الجواز مضافا الي أنّ الفقيه يقطع بالجواز اذ كيف يمكن أن تكون المضمضة بالماء جائزا للصائم و السواك بالعود الرطب لا يكون جائزا.

(1) الظاهر انّ ما أفاده في المقام ينافي ما تقدّم منه قريبا في حكم مضغ العلك اذ الاستهلاك إن كان مؤثّرا فكيف لا يؤثر هناك و إن لم يكن مؤثّرا فكيف يؤثّر هنا؟ و الظاهر انّ كلا المقامين من باب واحد فلا حظ.

(2) تارة يبحث حول ما أفاده من حيث القاعدة الاوليّة و اخري من حيث النصوص الخاصّة فيقع الكلام في موضعين، أمّا الموضع الأوّل فلا بأس بمصّ لسان الصبي اذا لم تكن عليه رطوبة، و أمّا مع الرطوبة

فيشكل و لو مع فرض الاستهلاك في ماء الفم لما مرّ من المقتضي للمنع و عدم المانع و قس عليه مصّ لسان الزوجة مع الوثوق بعدم الانزال، و أمّا مع عدم الوثوق و عدم طريق الي احراز عدم الانزال و لو بالاستصحاب الاستقبالي فيشكل الحكم بالجواز، و ممّا ذكرنا يظهر حكم التقبيل و الضمّ و أمثالهما.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 199.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 201

(مسألة 1) اذا امتزج بريقه دم و استهلك فيه يجوز بلعه علي الأقوي، و كذا غير الدم من المحرّمات و المحلّلات، و الظاهر عدم جواز تعمّد المزج و الاستهلاك للبلع سواء كان مثل الدّم و نحوه من المحرمات أو الماء و نحوه من المحللات، فما ذكرنا من الجواز انّما هو اذا كان ذلك علي وجه الاتّفاق (1).

______________________________

و أمّا من حيث النص الخاص، فقد وردت في المقام جملة من الروايات: منها ما رواه الحنّاط قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اني أقبّل بنتا لي صغيرة و أنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شي ء؟ قال:

فقال لي: لا بأس ليس عليك شي ء «1» و الحديث غير تام سندا لاحتمال كون المراد بمحمد بن عيسي الواقع في السند العبيدي.

و منها ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرجل الصائم يمصّ لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟

قال: لا بأس «2» و الحديث ضعيف بالعلوي.

و منها ما رواه أبو بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الصائم يقبّل؟ قال: نعم و يعطيها لسانه تمصّه «3».

و المستفاد من الحديث جواز اعطاء الصائم لسانه لزوجته لتمصّه و لا يستفاد منه أزيد

من هذا المقدار فلا بدّ من العمل علي طبق القاعدة و قد تقدم مقتضاها فلا حظ.

[مسألة 1 اذا امتزج بريقه دم و استهلك فيه يجوز بلعه]

(1) قد فصّل (قدّس سرّه) بين الامتزاج و الاستهلاك العمدي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 34، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 202

______________________________

و الاتفاقي فحكم بعدم الجواز في الصورة الاولي و بالجواز في الصورة الثانية، و الظاهر انّه لا وجه لما أفاده من التفصيل اذ ما المراد من الاتفاق؟ فانّه ان كان المراد منه عدم القصد و عدم العمد علي نحو الاطلاق فلا يختص الجواز بصورة الاستهلاك بل يجوز و لو مع عدمه.

و ان كان المراد منه انّه اذا اتّفق وصول شي ء الي الفم و بعده مع العلم و القصد يجعله مستهلكا في ماء فمه أو يعلم به بعد استهلاكه و لكن مع العلم به يبلعه فلا وجه للتفريق بين الصورتين.

و صفوة القول: انّه إمّا نقول بأنّ الاستهلاك يوجب انعدام الموضوع فلا وجه لتحقّق البطلان و لو مع التعمد التامّ، و إمّا نقول كما قلنا إنّ المقتضي للبطلان تامّ و المانع غير موجود في الصورة المفروضة أي صورة الامتزاج بشي ء خارجي فلا يجوز علي الاطلاق و علي كل، التفصيل الّذي أفاده و أمضاه سيدنا الاستاد لا وجه له.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 203

[فصل فيما يكره للصائم]

[احدها: مباشرة النساء لمسا و تقبيلا و ملاعبة]

فصل يكره للصائم امور:

احدها: مباشرة النساء لمسا و تقبيلا و ملاعبة خصوصا لمن تتحرّك شهوته بذلك بشرط أن لا يقصد الانزال و لا كان من عادته و الّا حرم اذا كان في الصوم الواجب المعيّن (1).

______________________________

(1) الّذي يستفاد من النصوص الواردة في المقام التفصيل بين الوثوق بعدم الانزال و عدمه بالجواز في الصورة الاولي و عدمه في الثانية، لاحظ

ما رواه منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في الصائم يقبل الجارية و المرأة؟ فقال: أمّا الشيخ الكبير مثلي و مثلك فلا بأس، و أمّا الشاب الشبق فلا لأنّه لا يؤمن و القبلة احدي الشهوتين، قلت: فما تري في مثلي تكون له الجارية فيلاعبها؟ فقال لي: انّك لشبق يا أبا حازم، الحديث «1».

فانّ المستفاد من الحديث و غيره مدار الجواز و عدمه علي الأمن

______________________________

(1) الوسائل: الباب 33، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 204

الثاني: الاكتحال بما فيه صبر أو مسك أو نحوهما مما يصل طعمه أو رائحته الي الحلق (1) و كذا ذرّ مثل ذلك

______________________________

و الوثوق بعدم الانزال و عدمهما فلا مجال لأن يقال انّه مع الشكّ يمكن اجراء الاستصحاب الاستقبالي و الحكم بعدم الانزال اذ لو كان الاستصحاب كافيا للحكم بالجواز لم يكن وجه لاختصاص الحكم بمورد الوثوق بعدم الانزال فيعلم انّ الوثوق و الأمن اخذا في الموضوع علي نحو الموضوعية فلا مجال للقول بأنّ الاستصحاب يقوم مقام الوثوق و الأمن و انقدح بما ذكرنا انّه لا وجه للحكم بالكراهة بل الأمر دائر بين الحرمة و الجواز فلا حظ.

[الثاني: الاكتحال بما فيه صبر أو مسك أو نحوهما]

(1) النصوص الواردة في المقام متعارضة، منها ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في الصائم يكتحل؟ قال: لا بأس به ليس بطعام و لا شراب «1».

و منها ما رواه سماعة بن مهران قال: سألته عن الكحل للصائم؟

فقال: اذا كان كحلا ليس فيه مسك و ليس له طعم في الحلق فلا بأس به «2».

و منها ما رواه عبد اللّه بن ميمون، عن أبي عبد

اللّه، عن أبيه عليهما السّلام في حديث انّه كان لا يري بأسا بالكحل للصائم «3».

و منها ما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام انّه سئل عن

______________________________

(1) الوسائل: الباب 25، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 205

______________________________

المرأة تكتحل و هي صائمة؟ فقال: اذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس «1».

و منها ما رواه ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكحل للصائم؟ فقال: لا بأس به انّه ليس بطعام يؤكل «2».

منها ما رواه عبد الحميد بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا بأس بالكحل للصائم «3».

و منها ما رواه الحسن بن عليّ قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصائم اذا اشتكي عينه يكتحل بالذرور و ما أشبهه أم لا يسوغ له ذلك؟

فقال: لا يكتحل «4».

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن الرجل يكتحل و هو صائم؟ فقال: لا أنّي اتخوف أن يدخل رأسه «5».

و منها ما رواه غياث بن ابراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السّلام قال: لا بأس بالكحل للصائم … الحديث «6».

و منها ما رواه حسين بن أبي غندر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

(3) نفس المصدر، الحديث 7.

(4) نفس المصدر، الحديث 8.

(5) نفس المصدر، الحديث 9.

(6) نفس المصدر، الحديث 10.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 206

في العين (1).

الثالث: دخول الحمّام اذا خشي منه الضعف (2).

______________________________

اكتحل بكحل

فيه مسك و أنا صائم؟ فقال: لا بأس به «1».

و منها ما رواه حسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه: انّ عليا عليهم السّلام كان لا يري باسا بالكحل للصائم اذا لم يجد طعمه «2».

و مقتضي الجمع التفصيل بين وجدان الطعم في الحلق و عدمه بالحكم بعدم الجواز في الأول و الجواز في الثاني، فاذا فرض تحقق الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام علي الجواز يحمل النهي علي الكراهة فلاحظ.

[الثالث: دخول الحمّام اذا خشي منه الضعف]

(1) يدل علي الحرمة ما رواه سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: سألته عمّن يصيبه الرّمد في شهر رمضان هل يذر عينه بالنهار و هو صائم؟ قال: يذرّها اذا افطر و لا يذرّها و هو صائم «3» فمقتضي القاعدة القول بالحرمة، الّا أن يقوم اجماع تعبدي كاشف علي خلافه لكن سند الحديث ضعيف بالبرقي.

(2) لاحظ ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام انّه سئل عن الرجل يدخل الحمّام و هو صائم؟ فقال: لا بأس ما لم يخش

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 11.

(2) نفس المصدر، الحديث 12.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 207

الرابع: إخراج الدم المضعف بحجامة أو غيرها (1) و اذا علم بادّائه الي الاغماء المبطل للصوم حرم (2) بل لا يبعد كراهة كلّ فعل يورث الضعف أو هيجان المرّة (3).

______________________________

ضعفا «1» و حيث انّه لا يمكن الالتزام بظاهره يحمل علي الكراهة.

[الرابع: إخراج الدم المضعف بحجامة أو غيرها]

(1) لاحظ ما رواه حسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحجامة للصائم؟ قال: نعم اذا لم يخف ضعفا «2».

فانّه يستفاد من الحديث انّ الجواز يختص بصورة الأمن عن حدوث الضعف، و حيث انّه لا يمكن الالتزام بالحرمة في صورة عروض الضعف نقول بالكراهة.

و بهذه الرواية ترفع اليد عن اطلاق عدم البأس الوارد في بعض النصوص، لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس أن يحتجم الصائم في شهر رمضان «3».

(2) هذا مبنيّ علي كون الاغماء مبطلا للصوم.

(3) فانّه يستفاد من حديث الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن الصائم أ يحتجم؟ فقال: اني أتخوّف

عليه أما يتخوف علي نفسه؟ قلت: ما ذا يتخوف عليه؟ قال: الغشيان أو تثور به مرّة، قلت:

أ رأيت إن قوي علي ذلك و لم يخش شيئا؟ قال: نعم ان شاء «4»، ما

______________________________

(1) الوسائل: الباب 27، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 26، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 4.

(4) نفس المصدر، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 208

الخامس: السعوط (1) مع عدم العلم بوصوله الي الحلق و الّا فلا يجوز علي الأقوي (2).

______________________________

هو الميزان الكلّي.

[الخامس: السعوط مع عدم العلم بوصوله الي الحلق]

(1) قد وردت جملة من النصوص في المقام: منها ما رواه ليث المرادي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصائم يحتجم و يصبّ في اذنه الدهن؟ قال: لا بأس الّا السعوط فانّه يكره «1».

و الحديث ضعيف بعليّ بن رباط اذ الرجل لم يوثّق و في بعض النسخ ابدل بعليّ بن اسباط و لا طريق للجزم به.

و منها ما رواه غياث بن ابراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السّلام انّه كره السعوط للصائم «2».

و الحديث ضعيف اذ في بعض النسخ ابدل محمد بن يحيي بمحمّد بن علي و محمد بن علي الخزاز لم يوثّق.

و منها ما رواه غياث أيضا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليّ عليهم السّلام قال: لا بأس بالكحل للصائم و كره السعوط للصائم «3».

و السند ضعيف ببرّاق فانّه لم يوثق فلا دليل علي الحكم المذكور.

(2) اذ مع العلم يدخل تحت عنوان الأكل العمدي الذي يكون مبطلا للصوم.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 7، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي

في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 209

السادس: شمّ الرياحين (1) خصوصا النرجس (2) و المراد بها كل نبت طيّب الريح (3).

السابع: بلّ الثوب علي الجسد (4).

الثامن: جلوس المرأة في الماء (5) بل الاحوط لها تركه (6).

[السادس: شمّ الرياحين]

______________________________

(1) لاحظ ما رواه حسن بن راشد في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الصائم يشمّ الريحان؟ قال: لا لأنّه لذّة و يكره له أن يتلذّذ «1».

(2) قد صرّح به في حديث محمد بن الفيض قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام ينهي عن النرجس، فقلت: جعلت فداك لم ذلك؟ فقال:

لأنّه ريحان الأعاجم «2».

و لكن الحديث ضعيف سندا.

(3) كما نقل عن المجمع و القاموس.

[السابع: بلّ الثوب علي الجسد]

(4) لاحظ ما رواه حسن بن راشد «3» فان مقتضي الظاهر الحرمة و لكن ترفع اليد عنه لعدم امكان العمل به و يحمل النهي علي الكراهة.

[الثامن: جلوس المرأة في الماء]

(5) لاحظ ما رواه حنّان بن سدير «4» و الحديث ظاهر في الحرمة و لكن ترفع اليد عن الظهور بعدم امكان العمل به و يحمل النهي علي الكراهة لكن الحديث ضعيف.

(6) لا اشكال في حسن الاحتياط.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 32، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 7.

(2) الوسائل: الباب 32، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(3) قد تقدم في ص 196.

(4) قد تقدم في ص 195.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 210

التاسع: الحقنة بالجامد (1).

العاشر: قلع الضرس بل مطلق ادماء الفم (2).

الحادي عشر: السواك بالعود الرطب (3).

[التاسع: الحقنة بالجامد]

______________________________

(1) الظاهر انّه لا دليل علي الكراهة فان النهي عن الاحتقان الوارد في حديث البزنطي، عن أبي الحسن عليه السّلام، أنّه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان؟ فقال: الصائم لا يجوز له أن يحتقن «1».

إمّا ظاهر في المائع و إمّا مجمل من حيث شموله للجامد فلا يكون دليلا علي الجامد فلا مقتضي للمنع.

مضافا الي ما يدلّ علي الجواز، لا حظ ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرّجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء و هما صائمان؟ قال: لا بأس «2».

و لاحظ ما روي عن أبي الحسن عليه السّلام ما تقول في اللّطف يستدخله الانسان و هو صائم؟ فكتب عليه السّلام: لا بأس بالجامد «3».

[العاشر: قلع الضرس بل مطلق ادماء الفم.]

(2) لاحظ ما رواه عمّار بن موسي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصائم ينزع ضرسه؟ قال: لا و لا يدمي فاه و لا يستاك بعود رطب «4».

[الحادي عشر: السواك بالعود الرطب]

(3) قد مرّ الكلام حوله فراجع ما ذكرناه سابقا.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 5، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(2) نفس المصدر، الحديث 1.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

(4) الوسائل: الباب 26، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 211

الثاني عشر: المضمضة عبثا (1) و كذا ادخال شي ء آخر في الفم لا لغرض صحيح (2).

[الثاني عشر: المضمضة عبثا]

______________________________

(1) قد وردت جملة من النصوص في المقام:

منها ما رواه حمّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه؟ فقال: ان كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شي ء و ان كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء «1».

و منها ما رواه حمّاد عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الصائم يتمضمض و يستنشق؟ قال: نعم و لكن لا يبالغ «2».

و منها ما رواه يونس قال: الصائم في شهر رمضان يستاك متي شاء و ان تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فليس عليه شي ء و قد تمّ صومه و ان تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الاعادة و الافضل للصائم أن لا يتمضمض «3».

و منها ما رواه سماعة في حديث قال: سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه؟ قال: عليه قضاؤه و ان كان في وضوء فلا بأس به «4».

و منها ما رواه عمّار الساباطي «5» و الظاهر انّه لا يستفاد من شي ء منها الكراهة فلا حظ.

(2) لم أظفر علي دليله.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 23، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

(4) نفس المصدر، الحديث 4.

(5) قد تقدم في

ص 175.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 212

الثالث عشر: انشاد الشعر (1) و لا يبعد (2) اختصاصه بغير المراثي أو المشتمل علي المطالب الحقّة من دون اغراق أو مدح الائمة عليهم السّلام و ان كان يظهر من بعض الأخبار التعميم.

الرابع عشر: الجدال و المراء و اذي الخادم و المسارعة الي الحلف و نحو ذلك من المحرّمات و المكروهات في غير حال الصوم فانّه يشتدّ حرمتها أو كراهتها حاله (3).

[الثالث عشر: انشاد الشعر]

______________________________

(1) لاحظ ما رواه حمّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: تكره رواية الشعر للصائم و للمحرم و في الحرم و في يوم الجمعة و أن يروي بالليل، قال: قلت: و ان كان شعر حقّ؟ قال: و ان كان شعر حقّ «1».

(2) بل يبعد، كيف و قد صرّح بالتعميم في الحديث و في غير هذا الحديث أيضا، لاحظ ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا ينشد الشعر بليل و لا ينشد في شهر رمضان بليل و لا نهار فقال له اسماعيل: يا ابتاه فانّه فينا؟ قال: و ان كان فينا «2».

[الرابع عشر: الجدال و المراء و أذي الخادم و المسارعة إلي الحلف]

(3) لا حظ ما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده انّما للصوم شرط يحتاج أن يحفظ حتي يتمّ الصوم و هو الصمت الداخل، أما تسمع قول مريم بنت عمران: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا يعني: صمتا فاذا صمتم فاحفظوا السنتكم عن الكذب و غضّوا أبصاركم و لا تنازعوا و لا تحاسدوا

______________________________

(1) الوسائل: الباب 13، من أبواب آداب الصائم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 213

[فصل في الكفارة]

اشارة

فصل المفطرات المذكورة كما انّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفّارة اذا كانت مع العمد و الاختيار من غير كره و لا إجبار (1).

______________________________

و لا تغتابوا و لا تماروا و لا تكذبوا و لا تباشروا و لا تخالفوا و لا تغاضبوا و لا تسابّوا و لا تشاتموا و لا تنابزوا و لا تجادلوا و لا تبادوا و لا تظلموا و لا تسافهوا- الحديث «1».

و الحديث ضعيف سندا، و اللّه العالم بحقائق الامور.

(1) قد دلّت جملة من النصوص علي وجوب الكفّارة بالنسبة الي من أفطر متعمّدا:

منها ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال: يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا فان لم يقدر

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11، من أبواب آداب الصائم، الحديث 13.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 214

______________________________

تصدّق بما يطيق «1».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألته عن الرجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا؟ قال: يتصدّق بعشرين صاعا

و يقضي مكانه «2».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا؟ قال: عليه خمسة عشر صاعا لكلّ مسكين مدّ بمدّ النبي صلي اللّه عليه و آله أفضل «3».

و منها ما رواه المشرقي عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاما متعمدا ما عليه من الكفّارة؟ فكتب: من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة و يصوم يوما بدل يوم «4».

و مقتضي هذه النصوص انّ افطار صوم شهر رمضان متعمدا بكلّ واحد من المفطرات المذكورة يوجب الكفارة، و الظاهر انّه لا اشكال في هذه الجهة كما انّ الارتكاز مضافا الي التسالم دليلان علي الحكم المذكور.

و لم يقيّد الموضوع في بعض النصوص بالتعمد، لاحظ ما رواه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 8، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 4.

(3) نفس المصدر، الحديث 10.

(4) نفس المصدر، الحديث 11.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 215

______________________________

عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في رجل وقع علي أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدّق به علي ستين مسكينا؟ قال: يتصدّق بقدر ما يطيق «1».

و ما رواه عبد المؤمن بن الهيثم الانصاري، عن أبي جعفر عليه السّلام انّ رجلا أتي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال: هلكت و أهلكت فقال: و ما أهلكك؟ قال:

أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم، فقال له النبيّ صلي اللّه عليه و آله: أعتق رقبة، قال: لا اجد، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: لا اطيق، قال:

تصدّق علي ستين مسكينا، قال: لا أجد، فأتي النبي صلي اللّه عليه و آله بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر، فقال له النبيّ صلي اللّه عليه و آله: خذ هذا فتصدّق بها، فقال: و الّذي بعثك بالحقّ نبيا ما بين لا لابتيها أهل بيت أحوج اليه منّا، فقال: خذه و كله انت و اهلك فانّه كفارة لك «2».

و ما رواه محمد بن النعمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال: كفّارته جريبان من طعام و هو عشرون صاعا «3».

و ما رواه ادريس بن هلال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه سئل عن رجل أتي أهله في شهر رمضان؟ قال: عليه عشرون صاعا من تمر فبذلك أمر النبيّ صلي اللّه عليه و آله الرجل الذي أتاه فسأله عن ذلك «4».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 5.

(3) نفس المصدر، الحديث 6.

(4) نفس المصدر، الحديث 8.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 216

______________________________

و منها ما رواه عليّ بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال: عليه القضاء و عتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يستطع فاطعام ستّين مسكينا، فان لم يجد فليستغفر اللّه «1».

و ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال:

عليه اطعام ستّين مسكينا مدّ لكل مسكين «2».

فلا بدّ من رفع اليد عن اطلاقه بتقريبين:

أحدهما: انّه يقع التعارض بين المقيّد بالتعمد و ما أطلق فيه من هذه الناحية بالعموم من وجه، فإنّ المقيّد بالعمد

أخصّ من هذه الجهة و المطلق أخصّ من ناحية خصوص مورد الحكم فيقع التعارض بين الجانبين في ذلك المورد الخاصّ فيما لا يكون مع التعمد، فان مقتضي دليل اشتراط الكفّارة بالعمد عدم الوجوب، و مقتضي ذلك الدليل الوارد في ذلك المورد الوجوب و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي البراءة.

الّا أن يقال: انّه لو فرض التعارض يلزم ترجيح جانب الوجوب بالأحدثيّة، لا حظ حديث ابن جعفر «3» لكن الذي يهوّن الخطب انّ الحديث الّذي قيّد بالعمد بعنوان الشرطيّة سنده ضعيف بالمشرقي و باقي

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 9.

(2) نفس المصدر، الحديث 12.

(3) قد تقدم آنفا.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 217

من غير فرق بين الجميع حتي الارتماس و الكذب علي اللّه و علي رسوله صلي اللّه عليه و آله، بل و الحقنة و القي ء علي الأقوي (1).

نعم الأقوي عدم وجوبها في النوم الثاني من الجنب بعد الانتباه، بل و الثالث و ان كان الأحوط فيها أيضا ذلك خصوصا الثالث (2).

______________________________

النصوص لا مفهوم له و لا تعارض بين المثبتين و مقتضي القاعدة العمل بالمطلق لكن لا بد من رفع اليد عن الاطلاق بالتقريب الثاني.

هذا و لكن في المراجعة الأخيرة تبيّن انّ المشرقي موثّق و قد وثّقه حمدويه بقوله: ثقة ثقة علي ما ينقل عنه الكشي و اسم المشرقي هشام ابن ابراهيم راجع معجم رجال الحديث، و لا حظ ترجمة الرجل و عليه تكون الرواية تامة سندا و حيث انّها تتضمن الشرط يكون لها المفهوم.

ثانيهما: انّه لو فرض عدم التعمّد فامّا يكون بنحو الايجار و إمّا بنحو الاكراه أو الاضطرار، و إمّا من جهة النسيان و في جميع هذه الموارد لا مجال

للالتزام بالكفارة أمّا مع الايجار فلا يكون الفعل منسوبا الي المكلّف و أمّا مع النسيان فالدليل قائم علي الجواز و عدم البطلان و أمّا مع الاكراه و أمثاله فكذلك.

نعم يبقي صورة الجهل القصوري بنحو يكون غافلا بالمرّة لكن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي عدم الوجوب في صورة عدم العمد، مضافا الي أنّ الحكم لعلّه مورد التسالم انّما الكلام في خصوصيّات الكفّارة و يقع الكلام حوله إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

(1) لإطلاق بعض النصوص.

(2) لعدم الدليل عليها و في المقام شبهة و هي انّه كيف يتحقق

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 218

و لا فرق أيضا في وجوبها بين العالم و الجاهل المقصّر و القاصر علي الأحوط، و ان كان الأقوي عدم وجوبها علي الجاهل خصوصا القاصر و المقصر الغير الملتفت حين الافطار (1).

نعم اذا كان جاهلا بكون الشي ء مفطرا مع علمه بحرمته كما اذا لم يعلم انّ الكذب علي اللّه و رسوله صلي اللّه عليه و آله من المفطرات فارتكبه حال

______________________________

الافطار بايجاد المفطر مع انّ مجرّد قصد الاتيان بالمفطر يفسد الصوم؟

و مثله ما لو لم ينو الصوم من الأوّل أو أخلّ به في الأثناء فانّه يفسد صومه فهل تجب عليه الكفارة؟ مع انّ المفروض عدم الاتيان بالمفطر.

و لعلّ انّ المستفاد من النصوص بحسب الفهم العرفي انّ الحكم مترتب علي الافطار و انّه يصدق علي المكلّف عنوان المفطر و ما دام انّ المكلّف لم يأت بالمفطر لا يصدق عليه العنوان، و ان شئت قلت: ما دام لم يفطر صائم غاية الأمر صومه باطل لاختلاله بالنيّة إمّا من أول الأمر أو في الأثناء.

(1) لا اشكال في حسن الاحتياط عقلا و لكن مقتضي الصناعة

عدم وجوب الكفّارة و ما يمكن أن يستدل به عليه حديثان احدهما ما عن زرارة و أبي بصير «1» و الحديث ضعيف باسناد الشيخ الي ابن فضّال، ثانيهما ما رواه عبد الصمد بن بشير «2».

فان مقتضي هذه الرواية انّ المكلّف لو ارتكب أمرا و كان منشأ

______________________________

(1) قد تقدم في ص 179.

(2) قد تقدم في ص 179.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 219

______________________________

ارتكابه جهله لا عدم مبالاته بالدين لم يكن عليه شي ء، و مقتضي اطلاقه شمول الحكم للغافل المحض و الملتفت الّذي يكون معتقدا بالجواز بلا فرق بين القصور و التقصير و لا تنافي بين استحقاق العقاب لتقصيره في المقدّمة و عدم وجوب الكفارة عليه لجهله.

و أمّا اذا فرض انّه عالم بوجوب الاحتياط عند الشبهة قبل الفحص أو احتمل الوجوب و مع ذلك لم يمسك عن الخلاف لا يشمله الحديث اذ منشأ ارتكابه عدم مبالاته بالدّين لا جهله.

و صفوة القول: انّه يلزم صدق عنوان انّه ركب أمرا بجهالة و بعبارة واضحة: انّه يصدق انّ المسكين جاهل فيكون معذورا في فعله.

لكن الانصاف انّه يشكل الالتزام بشمول الحديث للجهل التقصيري الموجب لاستحقاق العقاب فانّه جمع بين المتنافيين اذ لو كان المستفاد من الحديث عدم ترتب شي ء علي الارتكاب الناشي عن الجهل فكيف يعاقب و الّا فكيف يمكن القول بعدم وجوب الكفارة؟

الّا أنّ يقال: انّ المستفاد من الحديث انّ الغرامة و العقوبة الدنيوية التي تثبت علي المكلّف كالكفارة مثلا تسقط، و أمّا العقوبة الاخرويّة فهي لا تكون مربوطة بالمكلّف، بل هي فعل اللّه و لا معني لوضعه و رفعه.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، در يك

جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1417 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم؛ ص: 219

و بعبارة واضحة: المستفاد من الحديث انّه لا يجب علي المكلّف شي ء بحسب الاعتبار و العقوبة امر تكويني خارجي خارج عن دائرة الاعتبار فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 220

الصوم فالظاهر لحوقه بالعالم في وجوب الكفّارة (1).

(مسألة 1) تجب الكفّارة في أربعة أقسام من الصوم:

الأوّل: صوم شهر رمضان، و كفّارته مخيّرة بين العتق و صيام شهرين متتابعين و اطعام ستين مسكينا علي الأقوي، و ان كان الأحوط الترتيب فيختار العتق مع الامكان و مع العجز عنه فالصيام و مع العجز عنه فالاطعام (2).

______________________________

(1) الأمر كما أفاده اذ مع العلم بالحرمة يكون ارتكابه ناشئا عن عدم المبالاة بالدّين لا كونه جاهلا و ان أبيت فلا أقلّ من الاجمال و عدم امكان الجزم بالشمول فالمرجع دليل وجوبها و اللّه العالم.

و أمّا حديث سماعة «1» الدالّ علي تعيّن الاطعام فلا يعتد به لأنّه مضمر و اضمار سماعة ليس كإضمار زرارة مضافا الي أنّه لعلّه خلاف ضرورة الفقه.

[مسألة 1 تجب الكفّارة في أربعة أقسام من الصوم]

[الأوّل: صوم شهر رمضان]

(2) النصوص الواردة في المقام مختلفة فمنها ما يدل علي التخيير، لا حظ ما رواه ابن سنان «2» و لاحظ ما رواه سماعة قال:

سألته عن رجل أتي أهله في شهر رمضان متعمدا؟ قال: عليه عتق رقبة أو اطعام ستّين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم و من أين له مثل ذلك اليوم «3».

______________________________

(1) قد تقدم في ص 216.

(2) قد تقدم في ص 213.

(3) الوسائل: الباب 8، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 13.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب

الصوم، ص: 221

______________________________

فهذه الطائفة تدل علي التخيير، و طائفة من النصوص تدلّ علي الترتيب بين الأمور الثلاثة، لاحظ ما رواه ابن جعفر «1» و لا حظ ما رواه ابن الهيثم الانصاري «2».

و يمكن أن يقال: انّه لا تعارض بين النصوص فانّ الدالّ علي الترتيب وارد في مورد خاصّ.

و أمّا ما يدل علي التخيير فهو مطلق و لا علم لنا بعدم التفصيل في واقع الأمر، بل نحتمل الخصوصية في اتيان الأهل فلا بدّ من التفصيل الّا أن يقوم اجماع تعبّدي علي التسوية و أنّي لنا بذلك.

هذا علي تقدير الاغماض عن حديث المشرقي «3» و لكن بعد فرض ذلك الحديث تامّا سندا لوثاقة هشام بن ابراهيم المشرقي يكون طرف المعارضة، فانّ النصوص الدالّة علي التخيير يعارضها خبر المشرقي و الترجيح بالأحدثيّة مع خبر المشرقي فيجب العتق و مع عدم الامكان يسقط التكليف لكن لا بدّ من الاحتياط باتيان احد الأمرين الآخرين.

بقي شي ء: و هو انّ المستفاد من حديث ابن سنان «4» وجوب التصدّق بما يطيق اذا عجز عن الخصال و لكن يستفاد من حديث ابن

______________________________

(1) قد تقدم في ص 216.

(2) قد تقدم في ص 215.

(3) قد تقدم في ص 214.

(4) قد تقدم في ص 214.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 222

و يجب الجمع بين الخصال ان كان الافطار علي محرّم كأكل المغصوب و شرب الخمر و الجماع المحرّم و نحو ذلك (1).

______________________________

جعفر «1» انّه لا شي ء عليه الّا الاستغفار و الحال انّ اتيان الأهل أعظم المفطرات، فاذا ثبت بالحديث عدم الوجوب بعد العجز عن الخصال في مورد نكاح الأهل يستفاد بالأولوية عدمه في البقية و طريق الاحتياط ظاهر و هو طريق النجاة.

الّا

أن يقال: انّه كيف يمكن القول بأنّ اتيان الأهل أعظم من الكذب علي اللّه أو علي رسوله و أوليائه؟ فالتقريب غير تامّ.

نعم يمكن أن يقال: انّ المرتكز في اذهان أهل الشرع عدم وجوب شي ء بعد العجز عن الخصال الثلاث فلا يجب التصدّق بما يطيق، و قد ذكر في بعض النصوص وجوب الاستغفار، فان كان المراد منه التوبة فلا اشكال في وجوبها عقلا لدفع العقاب المحتمل، و أمّا ان كان المراد منه التكلّم بهذه الجملة مع قطع النظر عن التوبة فالظاهر انّ وجوبه علي خلاف الارتكاز المتشرعي فلاحظ.

(1) ما يمكن أن يستدلّ به علي الحكم المذكور جملة من النصوص:

الأوّل: ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل أتي أهله في رمضان متعمدا؟ فقال: عليه عتق رقبة و اطعام ستّين مسكينا و صيام شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم و أنّي له مثل ذلك اليوم «2».

و يرد عليه أوّلا: انّ سماعة من الواقفة و اضماره لا يدلّ علي كونه

______________________________

(1) قد تقدم في ص 216.

(2) الوسائل: الباب 10، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، 2 لحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 223

الثاني: صوم قضاء شهر رمضان اذا أفطر بعد الزوال و كفّارته اطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ فان لم يتمكّن

______________________________

من المعصوم عليه السّلام.

و ثانيا: انّ الرواية واردة في خصوص اتيان الأهل و لا اطلاق فيها.

و ثالثا: انّه لم يفرض في الرواية كون الاتيان علي نحو الحرام فيقع التعارض بين هذه الرواية و بين خبر ابن جعفر «1» و الترجيح مع الثاني للأحدثيّة.

و رابعا: انّه قد ذكر سيدنا الاستاد انّ النسخة مختلفة و قد ذكر في بعضها بلفظ أو فيدور الأمر بين الزيادة

و النقيصة و الترجيح مع الأولي.

الثاني: ما رواه العمري يعني عن المهدي عليه السّلام، فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه ان عليه ثلاث كفّارات «2».

فانّ مفاد الحديث وجوب الجمع اذا كان الافطار بالحرام، و يرد عليه انّ طريق الصدوق الي الاسدي مخدوش فلا يعتد بالرواية.

الثالث: ما رواه الهروي قال: قلت للرضا عليه السّلام: يا بن رسول اللّه قد روي عن آبائك عليهم السّلام فيمن جامع في شهر رمضان أو افطر فيه ثلاث كفّارات و روي عنهم أيضا كفّارة واحدة فبايّ الحديثين نأخذ؟ قال:

______________________________

(1) قد تقدم في ص 216.

(2) الوسائل: الباب 10، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 224

فصوم ثلاثة ايّام و الأحوط اطعام ستّين مسكينا (1).

______________________________

بهما جميعا متي جامع الرجل حراما أو أفطر علي حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين و اطعام ستّين مسكينا و قضاء ذلك اليوم، و ان كان نكح حلالا أو أفطر علي حلال فعليه كفّارة واحدة، و ان كان ناسيا فلا شي ء عليه «1».

و الحديث ضعيف سندا بجملة من الاشخاص الواقعة فيه، منهم عبد الواحد بن محمد بن عبدوس.

[الثاني: صوم قضاء شهر رمضان اذا أفطر بعد الزوال]

(1) قد وردت في المقام جملة من النصوص:

منها ما رواه بريد العجلي، عن أبي جعفر عليه السّلام، في رجل أتي أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان؟ قال: ان كان أتي أهله قبل زوال الشمس فلا شي ء عليه الّا يوم مكان يوم، و ان كان أتي أهله بعد زوال الشمس فانّ عليه أن يتصدق علي عشرة مساكين، فان لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم

و صام ثلاثة أيّام كفّارة لما صنع «2».

و هذه الرواية لا اعتبار بسندها لأجل الحارث بن محمد الواقع فيه لعدم ثبوت وثاقته.

و منها ما رواه هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل وقع علي أهله و هو يقضي شهر رمضان؟ فقال: ان كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه يصوم يوما بدل يوم، و ان فعل بعد العصر صام ذلك اليوم و اطعم عشرة مساكين، فان لم يمكنه صام ثلاثة ايّام

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 29، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 225

______________________________

كفارة لذلك «1».

و هذه الرواية قد فصّلت بين كون الافطار قبل صلاة العصر و بعدها فلا ترتبط الرواية بالمدّعي.

و منها ما رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام، عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتي النساء؟ قال: عليه من الكفّارة ما علي الّذي أصاب في شهر رمضان لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من ايّام رمضان «2».

و هذه الرواية تدلّ علي أنّ كفّارة الافطار في قضاء شهر رمضان مثل كفّارة افطار شهر رمضان بلا تفصيل بين قبل الزوال و بعده، و الحديث ضعيف سندا بضعف اسناد الشيخ الي ابن الفضّال.

و مثله في الضعف مرسل الصدوق قال: و قد روي انّه ان افطر قبل الزوال فلا شي ء عليه و ان افطر بعد الزوال فعليه الكفّارة، مثل ما علي من أفطر يوما من شهر رمضان «3» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه سئل عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان، الي أن قال:

سئل فان نوي الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال: قد أساء و ليس عليه شي ء الّا قضاء ذلك اليوم الذي اراد أن يقضيه «4».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 5.

(4) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 226

الثالث: صوم النذر المعين و كفّارته كفّارة افطار شهر رمضان (1).

______________________________

و هذه الرواية تنفي الكفارة رأسا و الحديث ضعيف بضعف الطريق الي ابن الفضّال.

و منها ما أرسله ابن سوقه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الرّجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟

قال: عليه من الكفّارة مثل ما علي الذي جامع في شهر رمضان «1».

و المستفاد من الحديث التسوية بين كفّارة الافطار في شهر رمضان و كفّارة الافطار في قضائه، لكن المرسل لا اعتبار به فالحكم المذكور في المتن ان ثبت بالإجماع و التسالم فهو و الّا يكون مقتضي الصناعة عدم وجوب الكفّارة.

[الثالث: صوم النذر المعين]

(1) ما يمكن أن يستدل به علي المدّعي عدّة نصوص:

منها ما رواه عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عمن جعل للّه عليه أن لا يركب محرّما سمّاه فركبه؟ قال (لا اعلمه) الّا قال فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستّين مسكينا «2».

و هذه الرواية تامّة من حيث الدلالة علي المدعي و لكنّها مخدوشة سندا بعبد الملك، فانّ الرجل لم يوثّق و ابن داود و ان وثّقه لكن الرجل بنفسه غير موثق و العلامة و ان ذكره في القسم الأول من رجاله لكن لم يوثّقه.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

(2) الوسائل:

الباب 23، من أبواب الكفارات، الحديث 7.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 227

______________________________

و منها ما رواه علي بن مهزيار و كتب اليه: يا سيّدي رجل نذر أن يصوم يوم الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحي أو أيام التشريق أو السفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب اليه: قد وضع اللّه عنه الصيام في هذه الايام كلّها، و يصوم يوما بدل يوم ان شاء اللّه. و كتب اليه يسأله: يا سيّدي رجل نذر أن يصوم يوما فوقع ذلك اليوم علي أهله ما عليه من الكفّارة؟ فكتب اليه: يصوم يوما بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة «1».

و الحديث ضعيف بالعبيدي لكن للحديث سند آخر «2» و ذلك السند تام.

و منها ما رواه القاسم الصيقل، انّه كتب اليه أيضا: يا سيّدي رجل نذر أن يصوم يوما للّه تعالي فوقع في ذلك اليوم علي أهله ما عليه من الكفّارة؟ فأجابه: يصوم يوما بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة «3».

و الحديث ضعيف بالصيقل بل و بغيره علي تقدير.

و منها ما رواه حسين بن عبيدة قال: كتبت اليه يعني أبا الحسن الثالث عليه السّلام: يا سيّدي رجل نذر أن يصوم يوما للّه فوقع ذلك اليوم علي أهله ما عليه من الكفارة؟ فأجابه عليه السّلام: يصوم يوما بدل يوم

______________________________

(1) الكافي: ج 7 ص 456، الحديث 12، باب النذور.

(2) التهذيب: ج 8 ص 305، الحديث 1135.

(3) الوسائل: الباب 7، من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 228

______________________________

و تحرير رقبة «1».

و الحديث ضعيف بابن

عبيدة بل و بغيره علي تقدير.

و منها ما رواه عليّ بن مهزيار قال: كتب بندار مولي ادريس:

يا سيّدي نذرت ان أصوم كلّ يوم سبت فان أنا لم اصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب و قرأته: لا تتركه الّا من علة و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض الّا أن تكون نويت ذلك و ان كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كلّ يوم علي سبعة مساكين نسأل اللّه التوفيق لما يحبّ و يرضي «2».

و هذه الرواية غير قابلة للعمل بمفادها، فإنّ مفادها خلاف السيرة و الارتكاز و الاجماع.

و منها ما رواه حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن كفّارة النذر؟ فقال: كفّارة النذر كفارة اليمين و من نذر بدنة فعليه ناقة يقلّدها و يشعرها و يقف بها بعرفة و من نذر جزورا فحيث شاء نحره «3».

و الحديث ضعيف بقاسم بن محمد الواقع في السند ان كان المراد منه الجوهري و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال و وقوع الرجل في اسناد كامل الزيارات لا يكون دليلا علي وثاقته، و أمّا توثيق ابن داود

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 4.

(3) الوسائل: الباب 23، من أبواب الكفّارات، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 229

الرابع: صوم الاعتكاف و كفّارته مثل كفّارة شهر رمضان مخيّرة بين الخصال و لكن الأحوط الترتيب المذكور هذا (1).

______________________________

ايّاه فلا اثر له لا لكون ابن داود من المتأخرين كما في كلام سيدنا الاستاد، فانّا بنينا علي اعتبار توثيقات المتأخّرين بل لأنّ ابن داود بنفسه لم يوثّق.

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان قلت:

للّه عليّ فكفارة يمين «1».

و هذه الرواية تامّة سندا و المستفاد منها انّ كفارة حنث النذر كفارة حنث اليمين فيقع التعارض بين هذه الرواية و حديث ابن مهزيار الدّالّ علي وجوب تحرير رقبة مؤمنة و الترجيح من حيث الأحدثيّة مع حديث ابن مهزيار و الاحتياط طريق النجاة.

[الرابع: صوم الاعتكاف]

(1) قد وردت في المقام عدة نصوص:

الحديث الأول: ما رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المعتكف يجامع؟ قال: اذا فعل ذلك فعليه ما علي المظاهر «2».

و هذه الرواية ضعيفة بضعف اسناد الصدوق الي حسن بن محبوب و رواه الكليني و طريقه ضعيف بسهل و رواه الشيخ (قدّس سرّه) باسناده عن ابن الفضال و الطريق ضعيف.

الحديث الثاني: ما رواه عبد الأعلي بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل و وطئ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 6، من أبواب الاعتكاف، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 230

______________________________

رمضان؟ قال: عليه الكفّارة، قال: قلت: فإن وطأها نهارا؟ قال:

عليه كفارتان «1» و الحديث ضعيف بمحمد بن سنان.

الحديث الثالث: مرسل الصدوق قال: و قد روي انّه ان جامع بالليل فعليه كفارة واحدة، و ان جامع بالنهار فعليه كفّارتان «2» و المرسل لا اعتبار به.

الحديث الرابع: ما رواه سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن معتكف واقع أهله؟ قال: عليه ما علي الّذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستّين مسكينا «3».

و الحديث ضعيف بضعف اسناد الشيخ الي ابن الفضّال.

الحديث الخامس: ما رواه سماعة أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عن معتكف واقع أهله؟ قال: هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان «4».

و السند تامّ و المستفاد من الحديث انّ كفّارته كفّارة شهر رمضان.

الحديث السادس: ما رواه الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم و هي معتكفة باذن زوجها فخرجت حين

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 4.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 5.

(4) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 231

و كفّارة الاعتكاف مختصّة بالجماع فلا تعمّ سائر المفطرات (1) و الظاهر انّها لأجل الاعتكاف لا للصوم و لذا تجب في الجماع ليلا أيضا (2).

و أمّا ما عدا ذلك من أقسام الصوم فلا كفّارة في افطاره

______________________________

بلغها قدومه من المسجد (الي بيتها) فتهيّأت لزوجها حتّي واقعها؟

فقال: ان كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فانّ عليها ما علي المظاهر «1».

و السند تامّ و المستفاد من الحديث انّ كفّارته كفّارة الظهار فيقع التعارض بين الحديثين، فانّ مفاد احدهما وجوب العتق تعيينا و مفاد الآخر وجوب العتق اولا، و علي تقدير عدم الامكان صيام شهرين متتابعين، و علي تقدير عدم امكانه اطعام ستين مسكينا، و الأحدث منهما غير معلوم فيدخل في باب عدم تميز الحجّة عن غيرها.

فنقول: المكلف يعلم علما قطعيا بوجوب العتق علي كلا التقديرين و مع عدم الامكان يشكّ في تبدّله بتكليف آخر، و مقتضي البراءة عدمه كما انّ مقتضي الاستصحاب كذلك و طريق الاحتياط ظاهر فلاحظ.

(1) لعدم الدليل في غيره، و مقتضي البراءة عدم التكليف عند الشكّ كما هو المقرّر.

(2) اذ الموضوع المأخوذ في الدليل عنوان المعتكف لا الصائم فما أفاده

تامّ.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 232

واجبا كان كالنذر المطلق و الكفّارة أو مندوبا فانّه لا كفّارة فيها و ان أفطر بعد الزوال (1).

(مسألة 2) تتكرّر الكفارة بتكرّر الموجب في يومين و أزيد من صوم له كفّارة (2) و لا تتكرّر بتكرّره في يوم واحد في غير الجماع و ان تخلل التكفير بين الموجبين أو اختلف جنس الموجب علي الأقوي، و ان كان الأحوط التكرار مع احد الامرين، بل الاحوط التكرار مطلقا (3).

[مسألة 2 تتكرّر الكفارة بتكرّر الموجب في يومين و أزيد]

______________________________

(1) لعدم الدليل عليها و مع عدمه يكون المرجع اصل البراءة بل و الاستصحاب بلا فرق بين الواجب مضيّقا كان أو موسّعا و بين الواجب و المندوب.

(2) كما هو مقتضي القاعدة، اذ المستفاد من الدليل ترتب وجوب الكفارة علي الافطار و المفروض تحقّق الموضوع في يومين أو أزيد و من ناحية اخري تداخل المسببات كتداخل الاسباب علي خلاف الأصل الأولي فتعددها علي طبق القاعدة الاولية بلا فرق بين اتّحاد جنس المفطر و اختلافه و بلا فرق بين تخلّل التكفير و عدمه كلّ ذلك للإطلاق.

(3) و الوجه فيه: انّ الكفّارة في لسان الدليل رتّبت علي عنوان الافطار و هذا العنوان غير قابل للتكرار، فانّ تحصيل الحاصل محال و بعبارة واضحة: عنوان الافطار يضادّ عنوان الامساك و لا يجتمعان فبعد تحقق الافطار لا يعقل بقاء عنوان الامساك و مع انتفائه لا مجال لتحقّق الافطار فلا مجال لتعدده و تكرّره فلا موضوع للبحث.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 233

و أمّا الجماع فالأحوط بل الأقوي تكريرها بتكرره (1).

______________________________

و ربما يقال: بوجوب التكرار و ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجوه:

الوجه الأول:

انّ التداخل خلاف الأصل فيجب التكرار. و فيه انّه لا موضوع للتداخل و عدمه كما بيّنا.

الوجه الثاني: انّه يجب علي المكلف الامساك بعد الافطار كما كان كذلك قبله فتجب الكفّارة و يرد عليه انّ الكفارة مترتبة علي الافطار و تقدّم انّ العنوان المذكور غير قابل للتكرار.

الوجه الثالث: انّه لا دليل علي انتقاض الصوم بالافطار، بل من الجائز صحّة الصوم حتي بعد استعمال المفطر.

و فيه: اولا: ان الدليل قائم علي الانتقاض.

و ثانيا: انّه لا وجه للكفارة في الفرض، و ممّا ذكرنا يظهر انّه لا مجال للتفصيل بين اتّحاد الجنس و تعدّده و بين تخلّل التكفير و عدمه فانّه لا موضوع للبحث كما تقدّم فلاحظ.

(1) ما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول: ما رواه الفتح بن يزيد الجرجاني، انّه كتب الي أبي الحسن عليه السّلام يسأله عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات؟ قال: عليه عشر كفّارات لكلّ مرّة كفّارة، فان أكل أو شرب فكفّارة يوم واحد «1».

و الحديث ضعيف سندا لعدم ثبوت وثاقة رجاله.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 234

______________________________

الوجه الثاني: ما نقل عن كتاب شمس المذهّب، عنهم عليه السّلام: انّ الرجل اذا جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء و الكفارة فان عاود الي المجامعة في يومه ذلك مرّة أخري فعليه في كل مرة كفارة «1» و المرسل لا اعتبار به.

الوجه الثالث: مرسلة العلّامة قال: و روي عن الرضا عليه السّلام: ان الكفارة تتكرّر بتكرّر الوطء «2» و المرسلة لا اعتبار بها.

الوجه الرابع: النصوص الدالة علي وجوب

الكفارة باتيان الاهل و اطلاقها محكّم و هي عدة روايات.

الرواية الاولي: ما رواه سماعة «3» و الرواية مخدوشة من حيث الاضمار.

الرواية الثانية: ما رواه ابن سنان «4» و هذه الرواية لا ترتبط بالمقام بل المستفاد منها انّ الراوي قد فرض وجوب التصدق علي المكلف و يسئل الامام عليه السّلام عن صورة عجزه، و امّا في أيّ مورد يجب فلا يكون الحديث ناظرا اليه.

الحديث الثالث: ما رواه سماعة «5» و السند مخدوش بالاضمار.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) قد تقدم في ص 220.

(4) قد تقدم في ص 214.

(5) قد تقدّم في ص 216.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 235

______________________________

الحديث الرابع: ما رواه ادريس «1» و السند مخدوش بادريس.

الحديث الخامس: ما رواه ابن جعفر «2» و في الحديث قد فرض انّ الآتي أهله صائم و الكلام في تكرر الكفارة بتكرار الجماع.

الحديث السادس: ما رواه عبد المؤمن «3» و هذه الرواية أيضا قد فرض فيها عنوان الصائم.

الحديث السابع: ما رواه جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انه سئل عن رجل افطر يوما من شهر رمضان متعمّدا؟ فقال: انّ رجلا أتي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال: هلكت يا رسول اللّه، فقال: مالك؟ قال: النار يا رسول اللّه، قال: و مالك؟ قال: وقعت علي أهلي، قال: تصدّق و استغفر، فقال الرجل: فو الذي عظّم حقك ما تركت في البيت شيئا لا قليلا و لا كثيرا، قال: فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا، فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: خذ هذا التمر فتصدّق به، فقال: يا رسول

اللّه: علي من أتصدّق به؟ و قد اخبرتك انّه ليس في بيتي قليل و لا كثير؟ قال: فخذه و أطعمه عيالك و استغفر اللّه، قال: فلمّا خرجنا، قال أصحابنا: انّه بدأ بالعتق فقال:

أعتق أو صم أو تصدّق «4».

______________________________

(1) قد تقدم في ص 215.

(2) قد تقدم في ص 216.

(3) قد تقدم في ص 215.

(4) الوسائل: الباب 8، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 236

(مسألة 3) لا فرق في الافطار بالمحرّم الموجب لكفّارة الجمع بين أن يكون الحرمة اصليّة كالزنا و شرب الخمر أو عارضيّة كالوطئ حال الحيض أو تناول ما يضرّه (1).

______________________________

و في هذه الرواية قد سئل السائل عن حكم الافطار، و قد أجابه عليه السّلام بنقل واقعة عن النبي صلي اللّه عليه و آله، فيعلم انّ الرجل الذي أتي النبي قد أفطر فالحديث غير ناظر الي فرض التكرار.

الحديث الثامن: ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتي يمني؟ قال:

عليه من الكفّارة مثل ما علي الذي يجامع «1».

فانّ مقتضي اطلاق الحديث عدم الفرق بين المرّة الاولي و الثانية و اذا ثبت الحكم في الانزال يثبت في الجماع بالأولوية.

[مسألة 3 لا فرق في الافطار بالمحرّم الموجب لكفّارة الجمع بين أن يكون الحرمة اصليّة أو عارضيّة]

(1) و ذلك للإطلاق و لكن قد مرّ الاشكال في ثبوت الحكم اذ لم يقم دليل معتبر عليه فالحكم مبنيّ علي الاحتياط و يؤيّد ما قلنا ما رواه الجرجاني «2».

فانّه يفهم من الحديث عدم الفرق بين الافطار بالحلال و الحرام، و انّما عبّرنا بالتأييد لسقوط الحديث سندا عن الاعتبار و لا يخفي انّ حرمة الاضرار بالنّفس علي الاطلاق مبنيّة علي الاحتياط اذ لا

دليل عليها.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4، من أبواب ما يمسك عند الصائم، الحديث 1.

(2) قد تقدم في ص 233.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 237

(مسألة 4) من الافطار بالمحرّم الكذب علي اللّه و علي رسوله صلي اللّه عليه و آله، بل ابتلاع النخامة اذا قلنا بحرمتها من حيث دخولها في الخبائث لكنّه مشكل (1).

(مسألة 5) اذا تعذّر بعض الخصال في كفّارة الجمع وجب عليه الباقي (2).

(مسألة 6) اذا جامع في يوم واحد مرّات وجب عليه كفّارات بعددها و ان كان علي الوجه المحرّم تعدّد كفّارة الجمع بعددها (3).

[مسألة 4 من الإفطار بالمحرّم الكذب علي اللّه و علي رسوله صلي اللّه عليه و آله]

______________________________

(1) الأمر كما أفاده بالنسبة الي الكذب علي اللّه و رسوله فانّه حرام و الافطار به افطار بالحرام، و أمّا ما افاده بالنسبة الي ابتلاع النخامة فلا بدّ من التفصيل بأن نقول: إن عدّت في العرف من الخبائث و قلنا بحرمتها يترتّب عليها الحكم.

[مسألة 5 إذا تعذّر بعض الخصال في كفّارة الجمع وجب عليه الباقي]

(2) ربما يقال: انّ الواجب الجمع فالواجب عبارة عمّا يصدق عليه عنوان الجمع كما لو قيل يجب الجمع لكن الوارد في النصّ ليس كذلك، لاحظ حديث الهروي قال عليه السّلام: متي جامع الرجل حراما أو أفطر علي حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات، عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين و اطعام ستّين مسكينا و قضاء ذلك اليوم الحديث «1»

و مقتضي القاعدة الاوّلية عدم الارتباط بين الامور الواجبة عليه و عليه لو تعذّر البعض لا وجه لسقوط الوجوب عن الباقي لكن الذي يهوّن الخطب انّ الحديث ضعيف فلا يعتد به.

[مسألة 6 إذا جامع في يوم واحد مرّات وجب عليه كفّارات بعددها]

(3) علي ما تقرّر في محله من الأصول: أنّ التداخل علي خلاف

______________________________

(1) الوسائل: الباب 10، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 238

(مسألة 7) الظاهر انّ الأكل في مجلس يعدّ افطارا واحدا و ان تعدّدت اللقم فلو قلنا بالتكرار مع التكرّر في يوم واحد لا تتكرّر بتعددها و كذا الشرب اذا كان جرعة فجرعة (1).

(مسألة 8) في الجماع الواحد اذا أدخل و أخرج مرّات لا تتكرّر الكفارة و ان كان أحوط (2).

(مسألة 9) اذا أفطر بغير الجماع ثمّ جامع بعد ذلك يكفيه التكفير مرّة، و كذا اذا أفطر أوّلا بالحلال ثمّ أفطر بالحرام تكفيه كفّارة الجمع (3).

______________________________

القاعدة بلا فرق بين الأسباب و المسبّبات.

[مسألة 7 الظاهر أنّ الأكل في مجلس يعدّ افطارا واحدا]

(1) قد تقدّم: انّ مفهوم الافطار غير قابل للتكرار بلا فرق بين مجلس واحد و متعدّد، و لكن الذي يختلج بالبال أنّ ما أفاده الماتن تامّ، فانّ العرف يفهم من الدليل أنّ الأكل أو الشرب أو الجماع في مجلس واحد أكل واحد و شرب واحد و جماع واحد، و لذا لو ورد في دليل انّ شارب الخمر يجلّد كذا مقدار و شرب في مجلس واحد مقدارا من الخمر جرعة جرعة لا يعدّ مرتين أو مرّات بل يعدّ مرّة واحدة.

و لقائل أن ينقض بالانزال فلو انزل في مجلس واحد ثلاث مرات فهل يترتب عليه حكم انزال واحد؟ و علي كلّ في النفس شي ء.

[مسألة 8 في الجماع الواحد إذا أدخل و أخرج مرّات لا تتكرّر الكفارة]

(2) قد تكلمنا حوله آنفا فلا نعيد.

[مسألة 9 إذا أفطر بغير الجماع ثمّ جامع بعد ذلك يكفيه التكفير مرّة]

(3) لا وجه لما أفاده، فانّ الجماع له خصوصية خاصّة و لا يتوقف ترتّب الكفّارة عليه علي صدق الافطار و عليه نقول: اذا كان الاتيان

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 239

(مسألة 10) لو علم انه أتي بما يوجب فساد الصوم و تردّد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفّارة أيضا لم تجب عليه (1) و اذا علم أنّه أفطر ايّاما و لم يدر عددها يجوز له الاقتصار علي القدر المعلوم (2).

______________________________

بالمفطر ثانيا المفروض كونه محرّما بغير الجماع لا يترتّب عليه شي ء، اذ المفروض انّه لا يصدق الافطار بعد و ان كان بالجماع يترتّب عليه ما يترتّب عليه بحسب الدليل فلا بدّ من التفصيل فلاحظ.

[مسألة 10 لو علم أنه أتي بما يوجب فساد الصوم و تردّد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفّارة أيضا]

(1) اذ الشكّ في وجوب الكفّارة، و مقتضي البراءة عدم وجوبها كما انّ مقتضي الاستصحاب كذلك.

(2) بتقريب انّه يشكّ في الأقل و الأكثر و البراءة تنفي الوجوب عن الأكثر، كما أنّ الاستصحاب كذلك.

ان قلت: لا اشكال في تعلّق الوجوب اليه و يشكّ في سقوطه و المحكّم علي المشهور قاعدة الاشتغال و علي المسلك المنصور الاستصحاب

قلت: هذا البيان انما يتمّ علي تقدير القول بأنّ القضاء تابع للأداء و حيث انّ الحقّ انّ القضاء بأمر جديد يكون الشكّ في أصل التكليف لا في الامتثال فلا اشكال من هذه الجهة مضافا إلي أنّ مقتضي الأصل عدم الأمر بالقضاء المشكوك فيه.

و لكن يمكن توجّه الاشكال من ناحية اخري و هي انّه لو ثبت في الشرع الأقدس أنّ من لم يصم يجب عليه القضاء يجري الاستصحاب و يحكم بعدم الاتيان فيجب القضاء.

و ما أفاده سيدنا الاستاد من أنّ القضاء مترتب علي الفوت

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب

الصوم، ص: 240

و اذا شكّ في أنّه أفطر بالمحلّل أو المحرّم كفاه احدي الخصال (1)

و اذا شكّ في أنّ اليوم الّذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه و قد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفّارة (2) و ان كان قد أفطر بعد الزّوال كفاه اطعام ستّين مسكينا بل له الاكتفاء بعشرة مساكين (3).

______________________________

و الفوت أمر وجودي لا يثبت بالاستصحاب الّا علي القول بالاثبات الّذي لا نقول به، مندفع.

أولا: بأنّه ليس الأمر كذلك في الصوم.

و ثانيا: انّ الفوت ليس أمرا وجوديا بل أمر عدمي يثبت بالأصل و في باب الصوم لم تثبت لنا قاعدة الحيلولة كي ببركتها نحكم بالاتيان فيشكل الأمر فلا مناص عن الاحتياط.

لكنّ الانصاف انّ قاعدة الحيلولة لا تختصّ بالصلاة بل جارية في جميع الموقّتات، فانّ قوله عليه السّلام في حديث زرارة: و ان شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا اعادة عليك «1»، يدلّ علي اعطاء الميزان الكلي فلاحظ.

(1) ما أفاده ظاهر اذ الشكّ في الأقل و الأكثر، و البراءة و كذلك الاستصحاب تقتضيان عدم وجوبه.

(2) اذ يشكّ في وجوب الكفّارة و الأصل يقتضي عدم وجوبها.

(3) هذا مبني علي ما رامه من وجوب الكفارة للإفطار في قضاء شهر رمضان، و قد تقدّم انّه لا دليل معتبر عليه و انّ الحكم مبني

______________________________

(1) الوسائل: الباب 60، من أبواب المواقيت، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 241

(مسألة 11) اذا أفطر متعمّدا ثمّ سافر بعد الزوال لم تسقط عنه الكفّارة بلا اشكال (1).

و كذا اذا سافر قبل الزوال للفرار عنها (2).

______________________________

علي الاحتياط.

[مسألة 11 إذا أفطر متعمّدا ثمّ سافر بعد الزوال لم تسقط عنه الكفّارة]

(1) لا اشكال كما أفاده في هذه الصورة في عدم السقوط

اذ المفروض انّه بالسفر بعد الزوال لا يسقط الصوم و يكون كمن أفطر متعمّدا بلا أن يسافر.

(2) ادّعي عليه الاجماع و يمكن الاستدلال علي المدّعي بتقريبين:

التقريب الأول: الاستدلال بما رواه زرارة و محمد بن مسلم قالا:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أيّما رجل كان له مال حلّ عليه الحول فانّه يزكّيه، قلت له: فان وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟ قال: ليس عليه شي ء أبدا، قال: و قال زرارة عنه: انّه قال: انّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في اقامته ثمّ يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك ابطال الكفّارة التي وجبت عليه، و قال: انّه حين رأي الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة و لكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شي ء بمنزلة من خرج ثم أفطر انّما لا يمنع الحال عليه فأما ما لا يحلّ فله منعه- الحديث «1».

بتقريب: انّ المستفاد من الحديث انّ الامام روحي فداه في مقام بيان الضابط لسقوط الزكاة و سقوط الكفّارة فانّ الهبة قبل حولان الحول توجب سقوط الزكاة و أيضا السفر قبل الزوال و قبل الافطار

______________________________

(1) الوسائل: الباب 58. من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 242

بل و كذا لو بدا له السفر لا بقصد الفرار علي الاقوي (1).

______________________________

يقتضي جواز الافطار و سقوط الكفّارة.

و ان شئت قلت: يستفاد من الحديث انّ الميزان في سقوط الكفّارة جواز الافطار و حيث انّ الافطار في السفر قبل الزوال جائز فلا كفّارة عليه.

و بعبارة واضحة: ان العرف يفهم من الحديث انّ سقوط الكفّارة يتوقّف علي أنّ المكلف يسافر ثمّ يفطر، و من

ناحية اخري نعلم انّ السفر بعد الزوال لا يقتضي جواز الافطار و لا أثر للسفر.

و الظاهر انّ التقريب المذكور تامّ لإثبات المدعي.

التقريب الثاني: انّه قد ورد في جملة من النصوص ترتّب الكفّارة علي الافطار: منها ما رواه عبد اللّه بن سنان «1» و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «2» و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «3» أيضا، و منها ما رواه المشرقي «4».

و من الظاهر انّ الافطار مقابل الامساك، بل يمكن أن يقال: انّ المكلّف ما لم يأت بالمفطر يكون صائما و ممسكا غاية الأمر لا يكون صومه صحيحا مع عدم قصد الصوم أو مع نيّة الافطار فما أفاده تامّ لا غبار عليه.

(1) لعين الدليل فانّ مقتضي الاطلاق المستفاد منه عدم الفرق.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 213.

(2) قد تقدم في ص 214.

(3) قد تقدم في ص 214.

(4) قد تقدم في ص 214.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 243

و كذا لو سافر فأفطر قبل الوصول الي حد الترخّص (1).

و أمّا لو أفطر متعمّدا ثمّ عرض له عارض قهري من حيض أو نفاس أو مرض أو جنون أو نحو ذلك من الاعذار ففي السقوط و عدمه وجهان بل قولان: أحوطهما الثاني و أقواهما الأوّل (2).

______________________________

(1) اذ الميزان حرمة الافطار، و المفروض تحقّق الموضوع فيترتّب عليه الحكم و هي الكفارة.

(2) قد حكم (قدّس سرّه) بأنّ الأقوي سقوط الكفّارة بعروض عارض قهري يقتضي عدم الصوم و يمكن أن يرد عليه بأنّ المستفاد من الآية الشريفة أي قوله تعالي: كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَي اللَّيْلِ

«1» انّه يجب علي كلّ مكلف أن يصوم و يمسك عن الأكل و الشرب و بقيّة المفطرات من الفجر الي اللّيل الّا من خرج بالدليل كالمسافر و المريض، و من الظاهر انّ المستفاد من الدّليل انّه يشترط في جواز الافطار تحقّق العناوين الموجبة لجوازه، و أمّا قبل تحقّقها فلا يجوز الافطار بمقتضي الآية الشريفة.

كما انّ المستفاد من التلازم بين القصر و الافطار و الامساك و التمام كذلك، لاحظ ما رواه معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: هذا واحد اذا قصّرت أفطرت و اذا افطرت قصّرت «2».

______________________________

(1) البقرة: 187.

(2) الوسائل: الباب 4، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 244

______________________________

و أيضا المستفاد من النصوص الواردة في الحائض و النفساء كذلك، لا حظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن امرأة أصبحت صائمة فلمّا ارتفع النهار أو كان العشي حاضت أ تفطر؟

قال: نعم و ان كان وقت المغرب فلتفطر، قال: و سألته عن امرأة رأت الطهر في أول النهار من شهر رمضان فتغتسل و لم تطعم فما تصنع في ذلك اليوم؟ قال: تفطر ذلك اليوم فانّما فطرها من الدم «1».

و لا حظ ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة تلد بعد العصر أ تتمّ ذلك اليوم أم تفطر؟ قال: تفطر و تقضي ذلك اليوم «2».

فانّ المستفاد من هذه الطائفة وجوب الامساك قبل الحيض و النّفاس، و أيضا يستفاد وجوب الامساك علي من أكل بلا مراعاة الفجر و تبيّن بعده انّه أكل بلا مراعاة له.

لاحظ ما رواه الحلبي، عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه سئل عن رجل تسحّر ثم خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن؟ قال: يتمّ صومه ذلك ثمّ ليقضه «3».

فالنتيجة انّ الامساك واجب الّا علي جملة من الطوائف، فاذا ثبت وجوب الامساك يحرم الافطار، و اذا حرم الافطار يجب الكفّارة

______________________________

(1) الوسائل: الباب 25، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 26، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

(3) الوسائل: الباب 44، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 245

(مسألة 12) لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن انّه من شوّال فالأقوي سقوط الكفارة، و ان كان الأحوط عدمه و كذا لو اعتقد انّه من رمضان ثمّ أفطر متعمّدا فبان أنّه من شوّال أو اعتقد في يوم الشكّ في اوّل الشهر انّه من رمضان فبان أنّه من شعبان (1).

(مسألة 13) قد مرّ انّ من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا ان كان مستحلا فهو مرتدّ، بل و كذا ان لم يفطر و لكن كان مستحلا له و ان لم يكن مستحلا عزّر بخمسة و عشرين سوطا، فان عاد بعد التعزير عزّر ثانيا، فان عاد كذلك قتل في الثالثة و الأحوط قتله في الرابعة (2).

______________________________

بمقتضي اطلاق أدلّتها، فانّ جملة من النصوص تدلّ علي ترتب الكفارة علي الافطار و جملة من الروايات تدلّ علي ترتب الكفارة علي الجماع أو الانزال أو اتيان الأهل و جميع هذه النصوص تشمل باطلاقها من يجب عليه الامساك و لو مع تحقق جواز الافطار بعده بلحاظ عروض عنوان مجوّز للإفطار.

[مسألة 12 لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن أنّه من شوّال فالأقوي سقوط الكفارة]

(1) ما أفاده (قدّس سرّه) في هذه المسألة علي

مقتضي القاعدة، فانّ الكفّارة مترتّبة علي الافطار العمدي في شهر رمضان، و المفروض في الصور المذكورة عدم تحقق الموضوع المشار اليه و مع عدم الموضوع لا حكم و هذا واضح ظاهر.

[مسألة 13 قد مرّ أنّ من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا ان كان مستحلا فهو مرتدّ]

(2) قد مرّ الكلام حول ما أفاده فلا وجه للإعادة.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 246

(مسألة 14) اذا جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان مكره لها كان عليه كفّارتان و تعزيران خمسون سوطا فيتحمّل عنها الكفّارة و التعزير.

و أمّا اذا طاوعته في الابتداء فعلي كل منهما كفّارته و تعزيره و ان أكرهها في الابتداء ثمّ طاوعته في الأثناء فكذلك علي الأقوي، و ان كان الأحوط كفّارة منها و كفارتين منه، و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة (1).

[مسألة 14 إذا جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان مكره لها كان عليه كفّارتان و تعزيران]

اشارة

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: أنّه لو اكره زوجته بالجماع

فتارة نلاحظ مقتضي القاعدة الأوّلية و اخري نلاحظ النصّ الخاص الوارد في المقام، أمّا من حيث القاعدة فلا اثم علي الزوجة كما انّه لا كفّارة عليها، فانّ حديث الرفع يرفع الاكراه.

نعم لا اشكال في بطلان صومها كما تقدّم في هذا الشرح، اذ المفروض انّها أفطرت عمدا غاية الأمر كانت مكرهة و لا تكون كفّارتها علي عهدة زوجها لعدم الدليل عليه.

و أمّا من حيث النصّ فقد ورد في المقام ما رواه مفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في رجل أتي امرأته و هو صائم و هي صائمة؟

فقال: ان كان استكرهها فعليه كفارتان و ان كانت طاوعته فعليه كفارة و عليها كفارة، و ان كان اكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ و ان كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا و ضربت خمسة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 247

______________________________

و عشرين سوطا «1».

و هذه الرواية مخدوشة سندا، فان الصدوق رواها باسناده الي المفضّل و اسناده اليه ضعيف علي ما كتبه الحاجياني، و لها سند آخر و في ذلك السند ابراهيم بن اسحاق الاحمر و لم تثبت وثاقته و يكفي للإشكال عدم ثبوت وثاقة الرجل فلا مجال للاستناد اليها.

و أمّا اثبات الحكم بالإجماع فايضا مشكل، أمّا المنقول منه فليس حجّة، و أمّا المحصّل منه فعلي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يمكن الاستناد اليه في الجزم بالحكم الشرعي كما هو ظاهر فالحكم المذكور في المتن مبني علي الاحتياط.

الفرع الثاني: انّه لو اكرهها اولا ثمّ طاوعته أو بالعكس

تجب عليها الكفّارة. و الوجه فيه انّ مقتضي دليل وجوب الكفّارة وجوبها عليها و حديث الرفع لا يشمله لا من جهة انّ الحديث امتناني و لا امتنان مع عدم الاكراه و كيف لا

امتنان؟ فانّه امتنان بالضرورة.

مضافا الي كون الحديث امتنانا علي الامّة اوّل الكلام و الاشكال و لا دليل عليه، بل قلنا في محلّه انّه يمكن أن يكون امتنانا علي النبيّ الأكرم صلي اللّه عليه و آله حيث قال: «رفع عن أمّتي» أي يمكن أن المنّة علي الرسول الأعظم تقتضي رفع الكلفة عن امّته فعدم الشمول لا من هذه الجهة بل لعدم صدق الموضوع فان المفروض عدم الاكراه.

ان قلت: الجماع الواحد كيف يمكن أن يكون معنونا بالاكراه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 12، من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 248

______________________________

و بعدمه أ ليس هذا جمعا بين الضدّين؟

قلت: لا غرو فانّ الصدق العرفي ليس حكما عقليّا يلاحظ فيه الدقّة، فانّا ذكرنا و قلنا سابقا انّ الشرب المتعدد في المجلس الواحد لا يعدّ في نظر العرف موضوعا متعدّدا للحدّ و التعزير.

و ان شئت قلت: الدليل منصرف عنه و لكن لا اشكال في تعدّد الجرع، فاذا فرض انّ الجرعة الاولي كانت بالاكراه و الثانية بالاختيار أو بالعكس لا اشكال في صدق الاختيار بالنسبة الي الجرعة الاختياريّة فيترتب عليها الحكم و قس عليها الجماع المبحوث عنه في المقام.

و علي الجملة: ليس للفعل الواحد اضافتان بفاعله كما في عبارة تقرير بحث سيدنا الاستاد (قدّس سرّه)، بل يصدق الاكراه في حالة و عدم صدقه في حالة اخري فلاحظ.

الفرع الثالث: انّه لا فرق بين الزوجة الدائمة و المنقطعة

فانّها زوجة و يترتب عليها ما يترتب علي الزوجة الدائمة الّا أن يقوم دليل علي الاختصاص.

ثمّ انّ الماتن في صورة كون الاكراه الابتدائي و المطاوعة بقاء حكم باقوائيّة كون الكفارة علي الزوجة و احتاط استحبابا بالجمع بالنسبة الي الزوج و كفارة واحدة علي الزوجة.

و الظاهر انّه لا اشكال

في وجوبها علي الزوجة كما تقدّم، و أمّا بالنسبة الي الزوج فان تمّ الحديث المشار اليه سندا فلا بد من الالتزام بوجوب الجمع عليه، و أمّا لو لم يتمّ- كما هو كذلك- فان تمّ اجماع

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 249

(مسألة 15) لو جامع زوجته الصائمة و هو صائم في النوم لا يتحمل عنها الكفارة و لا التعزير، كما انّه ليس عليها شي ء و لا يبطل صومها بذلك (1).

و كذا لا يتحمّل عنها إذا أكرهها علي غير الجماع من المفطرات حتّي مقدّمات الجماع و ان أوجبت انزالها (2).

(مسألة 16) اذا اكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئا (3).

(مسألة 17) لا تلحق بالزوجة الأمة اذا أكرهها علي الجماع و هما صائمان فليس عليه الّا كفّارته و تعزيره، و كذا لا تلحق بها الاجنبيّة اذا أكرهها عليه علي الأقوي و ان كان الأحوط التحمّل

______________________________

تعبدي علي الحكم، يلزم الاقتصار علي القدر المتيقّن، لأنّ الاجماع دليل لبّي و ان لم يتمّ- كما هو كذلك- فمقتضي القاعدة كما تقدّم عدم كفّارة الزوجة علي الزوج فلاحظ.

و صفوة القول: انّه كما تقدّم عن قريب انّه تجب الكفارة علي الزوجة مع المطاوعة و لا تنافي بين كون الكفارة علي الزوج و علي الزوجة.

[مسألة 15 لو جامع زوجته الصائمة و هو صائم في النوم]

(1) لعدم الدليل علي التحمّل، كما انّه لا دليل علي بطلان صومها، بل لعدم الدليل عليه و مقتضي الأصل الجواز.

[مسألة 16 إذا اكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئا]

(2) لعدم الدليل و الأصل براءة و استصحابا يقتضي عدم التّحمّل.

[مسألة 17 لا تلحق بالزوجة الأمة إذا أكرهها علي الجماع]

(3) لعدم الدليل علي التّحمّل و مقتضي الأصل عدمه.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 250

عنها خصوصا اذا تخيّل انّها زوجته فأكرهها عليه (1).

(مسألة 18) اذا كان الزوج مفطرا بسبب كونه مسافرا أو مريضا أو نحو ذلك و كانت زوجته صائمة لا يجوز له إكراهها علي الجماع (2).

______________________________

(1) لعدم الدليل علي الالحاق، و مقتضي الأصل الاوّلي عدمه و هكذا بالنسبة الي الأجنبيّة.

[مسألة 18 إذا كان الزوج مفطرا بسبب كونه مسافرا أو مريضا أو نحو ذلك و كانت زوجته صائمة]

(2) لا بدّ من الحكم بالحرمة من الاستناد الي دليل، و استدل سيدنا الاستاد (قدّس سرّه) علي الحرمة بأنّ المولي اذا نهي عن شي ء يفهم من ذلك الدليل حرمة ذلك الشي ء مباشرة و تسبيبا، و لذا لا يجوز تقديم الطعام النّجس للغير المكلّف بعدم اكل النّجس، و حيث انّ الجماع حرام علي المرأة لا يجوز للزوج اكراهها عليه، اذ يستفاد من حرمته حرمة التسبيب أيضا.

و يرد عليه اوّلا بالنّقض بمورد الواجب فانّه علي التقريب المذكور يفهم من دليل الوجوب وجوب التسبيب، و هل يلتزم الاستاد بهذا اللازم؟

و ثانيا: انّه نورد عليه بالحلّ و هو انّه ايّ دليل دلّ علي المدّعي المذكور، فالتقريب المذكور غير تامّ، نعم لا بأس بالاستدلال علي المدّعي بالارتكاز المتشرعي فانّ مقتضاه الحرمة.

و ربما يستدلّ علي الجواز بكونه حقّا للزوج فيجوز احقاق حقّه، و يرد عليه انّه اوّل الكلام و الاشكال، اذ لا دليل علي كونه ذا حق و لو باستلزام الاحقاق ترك واجب أو فعل محرّم عليه.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 251

و ان فعل لا يتحمّل عنها الكفارة و لا التعزير (1) و هل يجوز له مقاربته و هي نائمة اشكال (2).

(مسألة 19) من عجز عن الخصال الثلاث في

كفّارة مثل شهر رمضان تخيّر بين أن يصوم ثمانية عشر يوما أو يتصدّق بما يطيق و لو عجز أتي بالممكن منهما و ان لم يقدر علي شي ء منهما استغفر اللّه و لو مرّة بدلا عن الكفّارة (3).

______________________________

إن قلت: مع الاكراه يرتفع الوجوب و الحرمة قلت: لا دليل علي توسعة الحق بهذا المقدار.

إن قلت: اذا لم يكن للزّوج هذا الحقّ فكيف يجوز له اكراه الزوجة و الحال ان اكراه الغير في غير مورد احقاق الحقّ حرام.

قلت: لا اصل لهذه الكلّية فانّه لم يدلّ دليل علي حرمة الاكراه علي الاطلاق، و لذا لو فرض انّ الزوجة تشتغل بشغل عبادي أو توصلي بحيث لا ينافي حقّ الزّوجة يجوز للزوج اكراهها علي تركه بأن يقول لها ان لم تتركي طلّقتك.

(1) لعدم الدليل علي التحمّل.

(2) الظاهر انّه لا مقتضي للحرمة اصلا فيجوز و لا شي ء لا عليه و لا عليها، أمّا عليه فلعدم المقتضي و أمّا عليها فكذلك.

[مسألة 19 من عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهر رمضان تخيّر بين أن يصوم ثمانية عشر يوما أو يتصدّق بما يطيق]

(3) قد ذكر في المقام حديثان:

الحديث الأول: ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل ظاهر من امراته فلم يجد ما يعتق و لا ما يتصدّق و لا يقوي علي الصيام؟ قال: يصوم ثمانية عشر يوما لكلّ عشرة مساكين

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 252

______________________________

ثلاثة أيام «1».

و هذه الرواية واردة في حكم الظهار فلا ترتبط بالمقام.

الحديث الثاني: ما رواه أبو بصير أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر علي الصيام و لم يقدر علي العتق و لم يقدر علي الصدقة؟ قال: فليصم ثمانية يوما عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيام «2».

و هذه

الرواية ضعيفة سندا، فان ابن مرّار و عبد الجبار لم يوثّقا في الرجال و مجرّد كون الراوي في أسناد كامل الزيارات أو تفسير القمي لا يفيد الّا أن يكون مرويا عنه للقمي أو لابن قولويه بلا واسطة، و في المقام ليس كذلك فالسّند ساقط عن الاعتبار هذا من حيث السند.

و أمّا من حيث الدلالة فلا ينطبق الحديث علي المقام، اذ قد فرض انّه علي المكلف صيام شهرين متتابعين و الحال انّ من أفطر في شهر رمضان ان كان افطاره بغير الجماع و الانزال يكون الواجب عليه عتق رقبة بمقتضي حديث المشرقي «3».

و ان كان بالجماع كان عليه عتق رقبة و مع عدم امكانه صيام شهرين متتابعين و مع عدم امكانه اطعام ستّين مسكينا و مع عدم امكانه الاستغفار بمقتضي حديث ابن جعفر «4».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 8، من أبواب الكفارات.

(2) الوسائل: الباب 9، من أبواب بقية صوم الواجب.

(3) قد تقدم في ص 214.

(4) قد تقدم في ص 216.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 253

و ان تمكّن بعد ذلك منها أتي بها (1).

______________________________

و علي فرض تسلّم شمول الحديث للمقام بالاطلاق لا بدّ من تقييده بحديث ابن جعفر المتقدّم ذكره آنفا.

و علي هذا الاساس لا مجال لما أفاده في المتن بقوله: «تخيّر بين أن يصوم» الي آخر كلامه، و علي فرض الاغماض عمّا ذكرنا لا يمكننا المساعدة معه، اذ الظاهر انّ الحكم بالتخيير من باب رفع اليد عن ظهور كلّ من المتعارضين بالنص الوارد في الدليل الآخر، و قد ذكرنا مرارا انّ هذا ليس جمع عرفيا، فانّ مثله يعدّ من موارد التعارض في نظر العرف.

و بعبارة واضحة: انّ النسبة بين دليلي الصوم و

الصدقة بما يطيق هو التباين و أيضا يرد عليه أنه لا وجه في صورة العجز عنهما لوجوب المقدار الممكن من الصوم علي العاجز فانّه لا دليل عليه.

و أيضا لا وجه لوجوب الاستغفار بعد العجز التام فانّ الدليل الدالّ علي وجوبه يعارضه ما يدلّ علي عدم الوجوب بعد العجز لا حظ ما روي عن أبي جعفر عليه السّلام «1» و اللّه العالم بحقائق الامور.

(1) ما أفاده علي طبق القاعدة اذ لو لم يكن الواجب موقّتا بل زمانه يكون موسّعا كما هو المفروض لا وجه للاجزاء.

و ان شئت قلت: البدار و الاكتفاء بالبدل إمّا من باب الاستصحاب الاستقبالي و إمّا من باب العلم بعدم حصول القدرة و مع حصول التمكّن ينكشف انّ الأمر بالبدل كان ظاهريا أو خياليا و علي أي تقدير لا وجه للاجزاء و الكفاية فلاحظ.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 215.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 254

(مسألة 20) يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت صوما كانت أو غيره (1).

[مسألة 20 يجوز التبرّع بالكفّارة عن الميّت صوما كانت أو غيره]

______________________________

(1) الظاهر انّ ما أفاده مبني علي أنّ المستفاد من الادلّة جواز التبرع عن الميت علي الاطلاق بلا فرق بين الكفارة و الصدقة و الامور الخيرية.

لكن الجزم بالكلية مشكل، اذ النيابة علي خلاف القاعدة و لا بدّ من قيام دليل عليها، و الظاهر عدم دليل معتبر علي الاطلاق، فان تمّ الأمر بالإجماع الكاشف عن رأي المعصوم فهو و الّا فيشكل، و لذا كتبنا في الهامش في بحث قضاء الصلاة في غير الموارد الخاصّة «يأتي به رجاء».

و في المراجعة الأخيرة ظفرنا علي جملة من النصوص الدالّة علي المدعي:

منها ما رواه علي بن موسي بن طاوس في كتاب غياث سلطان الوري لسكان الثري، عن

علي بن جعفر في كتاب مسائله عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال: سألت أبي جعفر بن محمّد عليهما السّلام، عن الرجل هل يصلح له أن يصلي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال: نعم فليصلّ علي ما احبّ و يجعل تلك للميّت فهو للميّت اذا جعل ذلك له «1».

و منها ما رواه عليّ بن جعفر قال: سألت أخي موسي بن جعفر عليه السّلام عن الرجل هل يصلح له أن يصوم عن بعض أهله بعد موته؟ فقال:

______________________________

(1) الوسائل: الباب 12، من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 255

______________________________

نعم يصوم ما احبّ و يجعل ذلك للميّت فهو للميّت اذا جعله له «1».

و منها المروي عن الصادق عليه السّلام، في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم هل يجوز له أن يقضيه غير عارف؟ قال: لا يقضيه الّا مسلم عارف «2».

و منها ما عن هشام بن سالم في أصله و هو من رجال الصادق و الكاظم عليهما السّلام قال هشام في كتابه: و عنه عليه السّلام قال: قلت له: يصل الي الميت الدعاء و الصدقة و الصوم و نحوها؟ قال: نعم، قلت: أو يعلم من يصنع ذلك به؟ قال: نعم، ثمّ قال: يكون مسخوطا عليه فيرضي عنه «3».

و منها ما عن الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن الصادق عليه السّلام قال: تدخل علي الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و البرّ و الدعاء و يكتب اجره للّذي فعله و للميّت «4».

و منها ما رواه عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن موسي عليه السّلام، في الرّجل يتصدّق عن الميّت أو يصوم و يصلّي و يعتق؟

قال: كلّ ذلك حسن يدخل منفعته علي الميّت «5».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 5.

(3) نفس المصدر، الحديث 7.

(4) نفس المصدر، الحديث 10.

(5) نفس المصدر، الحديث: 11.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 256

و في جواز التبرّع بها عن الحيّ اشكال و الأحوط العدم خصوصا في الصوم (1).

______________________________

و منها ما عن حمّاد بن عثمان في كتابه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

انّ الصلاة و الصوم و الصدقة و الحجّ و العمرة و كلّ عمل صالح ينفع الميّت حتّي انّ الميّت ليكون في ضيق فيوسّع عليه و يقال: هذا بعمل ابنك فلان و بعمل اخيك فلان اخوك في الدّين «1».

و منها ما عن العلاء بن رزين في كتابه و هو احد رجال الصادق عليه السّلام قال: يقضي عن الميّت الحج و الصوم و العتق و فعال الخير «2».

و منها ما عن حمّاد بن عثمان في كتابه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

من عمل من المؤمنين عن ميّت عملا أضعف اللّه له أجره و ينعم به الميت «3».

فانّ السيّد الجليل ابن طاوس قد نقل هذه الروايات عن اصولها، و ظاهر كلامه (قدّس سرّه) يقتضي انّ اخباره حسّي فتكون النصوص المشار اليها تامّة سندا و دلالتها علي المدّعي كما تري واضحة، فما أفاده في المتن تام.

(1) و وجه الاشكال ما ذكرنا من توقّف صحة النيابة علي قيام الدليل و مع عدمه لا يمكن الجزم بالصحّة، و مقتضي القاعدة عدمها الّا فيما ثبت جوازه بالدليل مثلا السيرة جارية علي النيابة في الزيارة عن الغير.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 15.

(2) نفس المصدر، الحديث 20.

(3) نفس المصدر، الحديث 24.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة

الوثقي - كتاب الصوم، ص: 257

(مسألة 21) من عليه الكفّارة اذا لم يؤدّها حتّي مضت عليه سنين لم تتكرّر (1).

(مسألة 22) الظاهر انّ وجوب الكفّارة موسّع فلا تجب المبادرة اليها (2) نعم لا يجوز التأخير الي حدّ التهاون (3).

(مسألة 23) اذا أفطر الصائم بعد المغرب علي حرام من زنا أو شرب الخمر أو نحو ذلك لم يبطل صومه و ان كان في أثناء النهار قاصدا لذلك (4).

(مسألة 24) مصرف كفّارة الاطعام الفقراء (5).

[مسألة 21 من عليه الكفّارة اذا لم يؤدّها حتّي مضت عليه سنين لم تتكرّر]

______________________________

(1) لعدم ما يقتضي التكرار و مقتضي الأصل عدمه.

[مسألة 22 الظاهر أنّ وجوب الكفّارة موسّع فلا تجب المبادرة اليها]

(2) فانّه قد ثبت في الاصول عدم دلالة الأمر لا علي الفور و لا علي التراخي و لا تقاس بالتوبة، فانّ التوبة ماحية للذنب فيمكن أن يقال: انّ العقل يلزم المكلف بفوريّتها لوجوب دفع الضرر المحتمل، فانّ الانسان معرض للفوت و الموت فيلزم عليه أن يتوب الي اللّه لدفع ضرر العقاب، و أمّا الكفارة فعلي القول بها تكون كبقيّة الواجبات و لا دليل علي فوريّتها.

(3) الميزان في وجوب الفوريّة الوثوق بالفوت، و الّا فما دام يكون بقائه ممكنا و من ناحية اخري لا تكون الكفارة موقّتة بوقت معيّن يجوز التأخير.

[مسألة 23 إذا أفطر الصائم بعد المغرب علي حرام من زنا أو شرب الخمر أو نحو ذلك لم يبطل صومه]

(4) ما أفاده تامّ، اذ لا مقتضي للفساد و لا أثر للقصد الواقع في اليوم فانّ نيّة الحرام لا تكون من المفطرات كما هو ظاهر واضح.

[مسألة 24 مصرف كفّارة الإطعام الفقراء]

(5) ربما يقال: الوارد في أدلّة الكفارة عنوان المسكين و المسكين

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 258

______________________________

بحسب المفهوم أسوأ حالا عن الفقير فلا يجوز اطعام الفقير الّا اذا كان مسكينا.

و يرد عليه اوّلا: انّه ادعي الاجماع علي اتّحادهما مفهوما عند استعمال كلّ منهما منفردا.

و عن محكي المبسوط: «انّه لا خلاف في أنّه لو أوصي للفقراء منفردين أو لمساكين كذلك جاز صرف الوصيّة في كل واحد من الصنفين»، و مثله ما عن نهاية الأحكام.

و عن محكي المسالك: «و اعلم انّ الفقراء و المساكين متي ذكر احدهما يدخل فيه الآخر بغير خلاف»، و عن الروضة: الاجماع عليه، و عن الحدائق: نفي الخلاف فيه.

و ثانيا: انّه يستفاد المدّعي من النص الخاصّ، لا حظ ما رواه اسحاق بن عمّار قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام، عن اطعام عشرة مساكين أو اطعام ستّين مسكينا أ يجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ قال:

لا و لكن يعطي انسانا انسانا كما قال اللّه تعالي، قلت: فيعطيه الرجل قرابته ان كانوا محتاجين؟ قال: نعم- الحديث «1».

فانّه يستفاد بالصراحة من الحديث عدم الفرق بين المسكين و الفقير و انّه يجوز اطعام الفقراء فيما يجب علي المكلف اطعام المساكين و انّ الميزان الحاجة.

و ثالثا: انّ السيرة المتشرعيّة جارية علي المنوال المذكور بلا نكير من

______________________________

(1) الوسائل: الباب 16، من أبواب الكفارات، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 259

إمّا باشباعهم (1).

و إمّا بالتسليم اليهم كل واحد مدا (1) و الاحوط مدّان (2)

من حنطة أو شعير أو أرز أو خبز أو نحو ذلك (3) و لا يكفي في كفّارة واحد اشباع شخص واحد مرّتين أو ازيد أو اعطاؤه مدّين أو أزيد بل لا بد من ستّين نفسا (4).

______________________________

أحد مضافا الي الارتكاز فلاحظ.

(1) لا اشكال في لزوم الاشباع، فانّ العرف هكذا يفهم من الدليل و لا يكفي مجرّد صدق المفهوم و لو باطعام لقمة مثلا، اضف الي ذلك ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام، عن أوسط ما تطعمون اهليكم؟ قال: ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك، قلت:

و ما أوسط ذلك؟ فقال: الخلّ و الزّيت و التمر و الخبز يشبعهم به مرّة واحدة، قلت: كسوتهم؟ قال: ثوب واحد «1».

فانّه قد صرّح في الحديث بلزوم الاشباع.

(1) لا حظ حديثي عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و سماعة «2».

(2) خروجا عن شبهة الخلاف و لا اشكال في حسن الاحتياط، و عن الشيخ في جملة من كتبه وجوب مدّين، و لا وجه له سيّما بعد التصريح الواقع في بعض النصوص علي كفاية مدّ.

(3) و الميزان الكلّي صدق الطعام فلا يختص الحكم بشي ء خاصّ.

(4) اذ المستفاد من النصّ خصوصيّة العدد الخاصّ فيلزم رعايته.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 14، من أبواب الكفارات، الحديث 5.

(2) قد تقدم في ص 214 و 216.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 260

نعم اذا كان للفقير عيال متعدّدون و لو كانوا اطفالا صغارا يجوز اعطاؤه بعدد الجميع لكلّ واحد مدّا (1).

______________________________

(1) اذ المفروض انّه يصدق عنوان الفقير و المسكين علي الصغير كما يصدق علي الكبير، فلا فرق من هذه الجهة بين الكبير و الصغير، مضافا الي دلالة النص الخاص علي المدعي.

لا حظ

ما رواه يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث الكفّارة قال: و يتمّم اذا لم يقدر علي المسلمين و عيالاتهم تمام العدّة التي تلزمه أهل الضعف ممن لا ينصب «1».

فانّه يستفاد من الحديث بوضوح جواز الاعطاء للصغار، فانّ لفظ العيالات يشملهم، و يؤيّد المدعي ما رواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه: أنّ عليا عليه السّلام قال: من أطعم في كفارة اليمين صغارا و كبارا فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير «2».

و يدل علي المدّعي بالصّراحة ما رواه يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل عليه كفارة اطعام عشرة مساكين أ يعطي الصغار و الكبار سواء و النساء و الرجال أو يفضّل الكبار علي الصغار و الرجال علي النساء؟ فقال: كلّهم سواء- الحديث «3».

و لكن يلزم رعاية أن يكون المتصدّي للأخذ وليا علي الصغار كي يصحّ و يصدق عنوان الاعطاء.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 18، من أبواب الكفارات، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 17، من أبواب الكفارات، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 261

(مسألة 25) يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر و حاجة (1) بل و لو كان للفرار من الصوم (2) لكنّه مكروه (3).

[مسألة 25 يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر و حاجة]

______________________________

(1) لعدم دليل علي الحرمة و مقتضي الأصل الأوّلي الجواز مضافا الي النصّ الدالّ علي المدعي، لا حظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان و هو مقيم لا يريد براحا ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر؟ فسكت، فسألته غير مرّة فقال: يقيم أفضل الّا أن يكون له حاجة لا

بد له الخروج فيها أو يتخوّف علي ماله «1».

(2) لعدم دليل علي المنع في الفرض المذكور.

(3) تدل علي عدم الجواز جملة من النصوص:

منها ما رواه أبو بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخروج اذا دخل شهر رمضان؟ فقال: لا الّا فيما أخبرك به خروج الي مكّة أو غزو في سبيل اللّه أو مال تخاف هلاكه أو أخ تخاف هلاكه و انّه ليس أخا من الأب أو الامّ «2».

و منها ما في الخصال، عن عليّ عليه السّلام، في حديث الأربعمائة قال: ليس للعبد أن يخرج الي سفر اذا حضر شهر رمضان لقول اللّه عزّ و جلّ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «3».

و منها ما رواه عليّ بن أسباط عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل: الباب 3، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 262

(مسألة 26) المدّ ربع الصاع و هو ستمائة مثقال و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال، و علي هذا فالمدّ مائة و خمسون مثقالا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و ربع ربع المثقال، و اذا اعطي ثلاثة أرباع الوقية من حقة النجف فقد زاد أزيد من واحد و عشرين مثقالا، اذ ثلاثة ارباع الوقية مائة و خمسة و سبعون مثقالا (1).

______________________________

قال: اذا دخل شهر رمضان فللّه فيه شرط، قال اللّه تعالي: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فليس للرجل اذا دخل شهر رمضان أن يخرج الّا في حجّ أو في عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه و ليس له أن يخرج في اتلاف مال أخيه،

فاذا مضت ليلة ثلاث و عشرين فليخرج حيث شاء «1».

و منها ما رواه الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا تخرج في رمضان الّا للحجّ أو العمرة أو مال تخاف عليه الفوت أو لزرع يحين حصاده «2».

و هذه النصوص كلّها ضعيفة، أما الثالث فبالبطائني، و أمّا الرابع فانّ سند حديث أربعمائة غير تامّ، و أما السادس فبالارسال و بسهل، و أمّا الثامن فبعلي بن سندي، فلا وجه للحكم بالكراهة و اللّه العالم.

[مسألة 26 المدّ ربع الصاع و هو ستمائة مثقال و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال]

(1) الظاهر انّ ما أفاده تامّ فلا حاجة الي البحث فيه و الحمد للّه.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 6.

(2) نفس المصدر، الحديث 8.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 263

[فصل يجب القضاء دون الكفارة في موارد]

اشارة

فصل يجب القضاء دون الكفارة في موارد:

احدها: ما مرّ من النوم الثاني بل الثالث و ان كان الأحوط فيهما الكفارة أيضا خصوصا الثالث (1).

الثاني: اذا أبطل صومه بالاخلال بالنيّة مع عدم الاتيان بشي ء من المفطرات أو بالرّياء أو بنيّة القطع أو القاطع كذلك (2).

[احدها: ما مرّ من النوم الثاني بل الثالث]

______________________________

(1) قد مرّ الكلام حول المسألة فلا وجه للإعادة.

[الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنيّة مع عدم الإتيان بشي ء من المفطرات]

(2) أمّا وجوب القضاء فلأنّ المفروض انّ الصوم ترك فيجب بدله، و بعبارة اخري: الصوم المأمور به متقوم بالقصد و النيّة و قد فرض الاخلال بهما، و أمّا عدم وجوب الكفارة فلعدم الدليل عليه فانّ الكفّارة مترتبة في النصوص علي الافطار أو اتيان الأهل أو النكاح و المفروض عدم تحقّقه.

و ان شئت قلت: انّ الصوم و الافطار متقابلان و ضدّان فلا يعقل

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 264

الثالث: اذا نسي غسل الجنابة و مضي عليه يوم أو ايّام كما مرّ (1).

الرابع: من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه و انّه كان في النهار سواء كان قادرا علي المراعاة أو عاجزا عنها لعمي أو حبس أو نحو ذلك أو كان غير عارف بالفجر (2).

______________________________

اجتماعهما و من ناحية اخري قد فرض تحقق الصوم غاية الأمر انّه اختلّ بالنيّة.

و بعبارة واضحة: انّ من لم يستعمل المفطر يكون صائما غاية الأمر ربما يكون صومه صحيحا و قد يكون فاسدا فلو فرضنا انّ المكلف لم يقصد الصوم من الليل و لم يكن قاصدا له للعصيان أو لعذر من الاعذار يكون صائما ما دام لم يتحقق منه الافطار بمفطر من المفطرات.

[الثالث: إذا نسي غسل الجنابة و مضي عليه يوم أو ايّام]

(1) و قد مرّ الكلام حول المسألة فراجع ما ذكرناه هناك.

[الرابع: من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثمّ ظهر سبق طلوعه و أنّه كان في النهار]

(2) أمّا عدم وجوب الكفارة عليه فلعدم المقتضي، و أمّا وجوب القضاء فلأنّ المفروض انّه لم يأت بالواجب و لم يصم مضافا الي النصّ الخاص الدالّ عليه.

لا حظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه سئل عن رجل تسحّر ثمّ خرج عن بيته و قد طلع الفجر و تبين؟ قال: يتمّ صومه ذلك ثمّ ليقضه «1».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 44، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 265

______________________________

و هذه الرواية باطلاقها تقتضي وجوب القضاء بلا فرق بين رعاية تحقق الفجر و عدمها، كما انّ مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين القادر علي الفحص و عدم كونه قادرا و بلا فرق بين العارف بالفجر و عدمه.

مضافا الي أنّ مقتضي القاعدة الأوّلية وجوب القضاء اذ المفروض عدم اتيانه بالصوم الواجب عليه و مجرّد كونه معذورا لأجل الجهل بتحقق الفجر لا يوجب عدم وجوب القضاء كما هو ظاهر عند التأمّل فلاحظ.

ان قلت: النصّ المشار اليه منصرف عن صورة عدم القدرة علي الفحص فلا مقتضي لوجوب القضاء.

قلت: مضافا الي أنّ الانصراف محل الكلام و الاشكال يكفي لوجوب القضاء الادلّة الاولية الدالّة علي وجوب القضاء بالنسبة الي من لم يأت بالصوم في شهر رمضان.

لاحظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا كان علي الرجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ الشهور شاء.

قال: قلت: أ رأيت ان بقي عليّ شي ء من صوم شهر رمضان اقضه في ذي الحجّة؟ قال: نعم «1».

ان قلت: يستفاد التفصيل بين مراعاة الفجر و عدمها بعدم وجوب القضاء

في الصورة الاولي و وجوبها في الثانية من حديث سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر

______________________________

(1) الوسائل: الباب 27، من أبواب احكام شهر رمضان، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 266

و كذا مع المراعاة و عدم اعتقاد بقاء الليل بأن شكّ في الطلوع أو ظنّ فأكل ثمّ تبين سبقه (1) بل الاحوط القضاء حتّي مع اعتقاد بقاء الليل (2).

______________________________

رمضان؟ فقال: ان كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأي الفجر فليتمّ صومه و لا اعادة عليه و ان كان قام فأكل و شرب ثمّ نظر الي الفجر فرأي انّه قد طلع الفجر فليتمّ صومه و يقضي يوما آخر لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الاعادة «1».

و من الظاهر انّه لا يمكن المراعاة في فرض وجود المانع.

قلت: يرد عليه أوّلا: انّ حديث سماعة مخدوش من حيث الاضمار، فانّ سماعة من الواقفة و لا دليل علي كون اضماره عن المعصوم عليه السّلام.

و ثانيا: انّ غاية ما في الباب انّ حديث سماعة لا يكون دالا علي وجوب القضاء لكن يكفي للوجوب القاعدة الاوّليّة فلاحظ.

(1) القاعدة الاوّلية تقتضي وجوب القضاء اذ المفروض انّه لم يصم و أفطر و لكن مقتضي حديث سماعة عدم الوجوب، اذ قد اخذ في موضوع عدم الوجوب عدم رؤية الفجر، لكن قد مرّ الاشكال في سند الحديث.

(2) الظاهر انّه لا وجه لإيجاب الاحتياط في هذه الصورة، اذ مضافا الي حديث سماعة يدلّ علي عدم الوجوب حديث معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم

______________________________

(1) الوسائل: الباب 44، من أبواب

ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 267

و لا فرق في بطلان الصوم بذلك بين صوم رمضان و غيره من الصوم الواجب و المندوب، بل الأقوي فيها ذلك حتّي مع المراعاة و اعتقاد بقاء الليل (1).

______________________________

لا؟ فتقول: لم يطلع بعد فآكل ثمّ انظر فاجد قد كان طلع حين نظرت، قال: اقضه أما انّك لو كنت انت الذي نظرت لم يكن عليك شي ء «1».

فانّ المستفاد من الحديث التفصيل بين صورة الاعتقاد بعدم الفجر من قول الغير و بين حصول الاعتقاد بالنظر و المراعاة مباشرة لوجوب القضاء في الصورة الاولي و عدمه في الصورة الثانية فالحقّ هو التفصيل.

(1) مقتضي القاعدة الاوّلية هو البطلان، اذ المفروض عدم تحقّق الصوم و الالتزام بصحته يتوقّف علي قيام دليل عليه، و من الظاهر انّ حديث سماعة لا يشمل غير صوم شهر رمضان اذ قد صرّح فيه بشهر رمضان.

و أمّا حديث ابن عمّار فيختصّ بشهر رمضان، حيث انّه صرّح فيه باتمام الصوم و اتمام الصوم بعد فرض البطلان يختصّ بشهر رمضان.

و الدليل عليه ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: فان تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر، ثمّ قال: انّ

______________________________

(1) الوسائل: الباب 46، من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 268

الخامس: الأكل تعويلا علي من أخبر ببقاء الليل و عدم طلوع الفجر مع كونه طالعا (1).

______________________________

أبي كان ليلة يصلّي و أنا آكل فانصرف، فقال: أمّا جعفر فأكل و شرب بعد الفجر فأمرني فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان «1».

بقي شي ء، و هو انّ حديث ابن عمّار

مختلف من حيث النسخة، فما وجه الترجيح؟ و يمكن أن يقال: انّ المرجّح مع نسخة الكافي حيث انّه أضبط- علي ما يقولون-.

و لقائل أن يقول: انّه لا وجه للالتزام بالمعارضة، اذ يمكن تعدّد الحديث و عليه يقع التعارض بين حديث ابن عمّار حسب نسخة الفقيه و حديث الحلبي «2» فانّ حديث الحلبي خاصّ من حيث اختصاصه بغير شهر رمضان و عامّ من حيث المراعاة و عدمها و حديث ابن عمّار «3» خاصّ من حيث المراعاة و عامّ من حيث شهر رمضان و غيره فيقع التعارض بين الطرفين فيما يكون الصوم قابلا للقضاء، فمقتضي حديث ابن عمّار عدم البطلان، و مقتضي حديث الحلبي البطلان و بعد التساقط بالمعارضة و عدم تميّز الاحدث تصل النوبة الي الأخذ بالقاعدة الاولية و مقتضاها وجوب القضاء فلاحظ.

[الخامس: الأكل تعويلا علي من أخبر ببقاء الليل و عدم طلوع الفجر مع كونه طالعا]

(1) أمّا عدم الكفارة فلعدم تعمّد الافطار، فانّ الافطار مستندا الي قول من يكون قوله حجة أو استصحاب بقاء الليل لا يكون مصداقا

______________________________

(1) الوسائل: الباب 45، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(2) قد تقدم في ص 267.

(3) قد تقدم في ص 266.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 269

السادس: الأكل اذا اخبر مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخريّة المخبر أو لعدم العلم بصدقه (1).

السابع: الافطار تقليدا لمن أخبر بدخول الليل و ان كان جائزا له لعمي أو نحوه (2).

و كذا اذا اخبره عدل بل عدلان (3) بل الاقوي وجوب

______________________________

لتعمّد الافطار فلا تجب الكفارة، و أمّا وجوب القضاء فهو علي طبق القاعدة الاوليّة، فانّ المفروض انّه لم يصم و من ناحية أخري قد ثبت وجوب القضاء بالنسبة الي من لم يصم.

[السادس: الأكل اذا اخبر مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخريّة المخبر أو لعدم العلم بصدقه]

(1) أمّا عدم وجوب الكفارة فلعدم صدق التعمّد، و أمّا وجوب القضاء فعلي القاعدة كما مرّ مضافا الي النصّ الخاص الوارد في المقام.

لا حظ حديث عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحّرون في بيت فنظر الي الفجر فناداهم انّه قد طلع الفجر فكفّ بعض و ظنّ بعض انّه يسخر فأكل؟ فقال: يتمّ و يقضي «1».

[السابع: الإفطار تقليدا لمن أخبر بدخول الليل]

(2) لا أدري متي يجوز التقليد؟ فانّ الظاهر عدم الدليل علي جوازه و عليه تجب الكفارة، مضافا الي وجوب القضاء، اللهمّ الّا أن يكون معذورا بأن يتصوّر انّه يجوز له أن يعوّل علي قول غيره و يستند اليه فلا تجب الكفارة لعدم صدق العمد، و أمّا القضاء فلا بدّ منه اذ المفروض بطلان الصوم و عدم قيام دليل علي عدم الوجوب.

(3) و الوجه في وجوب القضاء أنّه لم يصم و أفطر فيجب أن

______________________________

(1) الوسائل: الباب 47، من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 270

الكفّارة أيضا اذا لم يجز له التقليد (1).

الثامن: الافطار لظلمة قطع بحصول الليل منها فبان خطأه و لم يكن في السماء علّة (2) و كذا لو شكّ أو ظنّ بذلك منها (3)

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1417 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم؛ ص: 270

______________________________

يقضي، و أمّا عدم وجوب الكفارة فلعدم تعمّد الافطار.

(1) لتحقق موضوع وجوبها فلاحظ.

[الثامن: الإفطار لظلمة قطع بحصول الليل منها فبان خطأه و لم يكن في السماء علّة]

اشارة

(2) ما أفاده مقتضي القاعدة الاوّليّة و لكن في المقام حديث رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: وقت المغرب اذا غاب القرص فان رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة و مضي صومك و تكفّ عن الطعام ان كنت قد أصبت منه شيئا «1».

و مقتضاه عدم بطلان الصوم بالافطار في صورة القطع بسقوط القرص. و بعبارة واضحة: لا يعقل رؤية القرص بعد سقوطه بحسب الواقع فلا بدّ من حمل الكلام علي صورة الاعتقاد بسقوطه، فان تمّ اجماع تعبّدي علي

الخلاف فهو و الّا لا نري مانعا عن الالتزام بالصحة و عدم وجوب القضاء.

مضافا الي أنّ المستفاد من الحديث الآخر الذي نتعرّض له عن قريب كفاية الظن في عدم وجوب القضاء فيدلّ الحديث علي المدّعي في صورة القطع بالاوّلويّة.

(3) أمّا في صورة الشكّ فكما أفاده، اذ مقتضي القاعدة الاوّليّة وجوب القضاء و لا دليل علي سقوطه، و أمّا في صورة الظنّ فيشكل الجزم بالحكم، فان حديث زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، في حديث انّه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 51، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 271

بل المتجه في الأخيرين الكفارة أيضا لعدم جواز الافطار حينئذ (1) و لو كان جاهلا بعدم جواز الافطار فالأقوي عدم الكفارة (2).

______________________________

قال لرجل ظنّ ان الشمس قد غابت: فأفطر ثمّ أبصر الشمس، بعد ذلك؟ قال: ليس عليه قضاء «1»، يدل علي عدم وجوب القضاء.

و لا مجال لمعارضته بما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «2» لأنّ هذه الرواية مخدوشة بكلتا سنديها، أمّا السّند الأول فبالعبيدي اليونسي، و أمّا السند الثاني فباضمار سماعة الذي من الواقفة و لا دليل علي كون اضماره عن المعصوم عليه السّلام.

(1) أمّا في صورة الشكّ فكما أفاده فانّه لا يجوز له الافطار مع الشكّ، بل مقتضي الاستصحاب عدم الجواز، و أمّا في صورة الظنّ فيمكن أن يقال بعدم وجوب الكفّارة، اذ الظاهر من دليلها انّها مترتّبة علي ابطال الصوم.

فاذا فرضنا انّ المستفاد من حديث زرارة عدم بطلان الصوم لا وجه للكفارة، نعم لو قلنا: انّ المستفاد من حديث زرارة عدم وجوب القضاء و هذا اعمّ من أن يكون الصوم صحيحا.

و بعبارة اخري: لو قلنا:

انّ الصوم صار باطلا بالافطار لكن الشارع لم يوجب القضاء يمكن الالتزام بوجوب الكفارة لتحقق موضوعها.

(2) مقتضي اطلاق كلامه عدم الفرق بين الجهل القصوري

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) قد تقدم في ص 175.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 272

و ان كان الأحوط اعطاؤها (1).

نعم لو كانت في السماء علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ لم يكن عليه قضاء فضلا عن الكفّارة (2) و محصّل

______________________________

و التقصيري و الظاهر انّ الوجه في عدم وجوب الكفارة عدم صدق العمد في فرض الجهل.

مضافا الي دلالة حديث عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: من أحرم في قميصه، الي أن قال: أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه «1» علي المطلوب، لكن لا بدّ من فرض كون المكلف غافلا، اذ مع عدم الغفلة و احتمال الخلاف يصدق العمد.

و بعبارة اخري: لا بدّ من أن يكون السبب في الارتكاب جهله لا عدم المبالاة بالدّين.

(1) لا اشكال في حسن الاحتياط و به يخرج عن شبهة الخلاف.

(2) قد ظهر ممّا ذكرنا انّه لا فرق بين وجود العلّة في السماء و عدمها، مضافا الي أنّ المتعرض لوجود الغيم في السماء حديث الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل صام ثمّ ظنّ انّ الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر ثمّ انّ السحاب انجلي، فاذا الشمس لم تغب؟ فقال: قد تمّ صومه و لا يقضيه «2».

و لا مفهوم للحديث و لا تنافي بين المثبتات، مضافا الي الاشكال في سند الحديث و هو اشتراك ابن فضيل بين الموثّق و غيره، و قد تعرّض

______________________________

(1) الوسائل: الباب 45، من أبواب

تروك الاحرام، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 51، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 273

المطلب انّ من فعل المفطر بتخيّل عدم طلوع الفجر أو بتخيّل دخول الليل بطل صومه في جميع الصور الّا في صورة ظنّ دخول الليل مع وجود علّة في السماء من غيم أو غبار أو بخار أو نحو ذلك (1) من غير فرق بين شهر رمضان و غيره من الصوم الواجب و المندوب (2) و في الصور التي ليس معذورا شرعا في الافطار، كما اذا قامت البيّنة أنّ الفجر قد طلع و مع ذلك أتي بالمفطر أو شكّ في دخول الليل أو ظنّ ظنّا غير معتبر و مع ذلك أفطر يجب الكفّارة أيضا فيما فيه الكفّارة (3).

(مسألة 1) اذا أكل أو شرب مثلا مع الشكّ في طلوع الفجر و لم يتبيّن احد الأمرين لم يكن عليه شي ء (4).

______________________________

سيدنا الاستاد لهذه الجهة مفصّلا.

[مسألة 1 إذا أكل أو شرب مثلا مع الشكّ في طلوع الفجر و لم يتبيّن أحد الأمرين لم يكن عليه شي ء]

(1) قد علم بما ذكرنا انّه لا وجه للتفصيل الذي ذكره و انّ الميزان هو الظنّ.

(2) الجزم بعدم الفرق مشكل فانّ المتبادر من نصوص المقام خصوص شهر رمضان فلا بدّ في غيره من العمل علي طبق القواعد فلاحظ.

(3) الأمر كما أفاده و الوجه فيه ظاهر واضح.

(4) الأمر كما أفاده، فانّه مع الأصل يجوز له الأكل و غيره من المفطرات، هذا بالنسبة الي حرمة الأكل و جوازه، و أمّا من حيث وجوب القضاء فربما يقال: مقتضي استصحاب بقاء الأكل مثلا الي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 274

نعم لو شهد عدلان بالطلوع و مع ذلك تناول المفطر وجب عليه القضاء بل الكفّارة أيضا و ان لم

يتبيّن له ذلك بعد ذلك (1).

______________________________

طلوع الفجر وجوب القضاء.

لكن يرد عليه انّ الأصل المذكور يعارضه استصحاب بقاء الليل ما دام الأكل و بعد التعارض تصل النوبة الي البراءة عن وجوب القضاء.

اللهمّ الّا أن يقال: انّه بعد التعارض يشكّ المكلّف في أنّه هل تحقق الامتثال و هل تحقق الصوم المأمور به أم لا؟ و يكون مقتضي الأصل عدم تحققه فيجب القضاء فلا بدّ من التماس طريق يدفع هذه العويصة.

و يمكن دفعها بأن نقول: الشكّ في الاتيان بالمأمور به أي الصوم ناش و مسبّب عن تحقق الافطار و مقتضي الأصل عدمه و مع جريان الاصل في السبب لا تصل النوبة الي الأصل الجاري في المسبّب، بل مجرد الشكّ في تحقق الافطار في النهار موضوع لأصالة البراءة عن وجوب القضاء فلاحظ.

(1) الأمر كما أفاده، اذ يترتّب علي العلم التعبّدي ما يترتّب علي العلم الوجداني فمقتضي القاعدة ترتب القضاء و الكفارة و لو مع عدم تبيّن الافطار المفسد للصوم، اذ بالامارة ينكشف الواقع تعبّدا فلا مجال لملاحظة الشك.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 275

و لو شهد عدل واحد بذلك فكذلك علي الأحوط (1).

(مسألة 2) يجوز له فعل المفطر و لو قبل الفحص ما لم يعلم طلوع الفجر و لم يشهد به البيّنة و لا يجوز له ذلك اذا شكّ في الغروب عملا بالاستصحاب في الطرفين، و لو شهد عدل واحد بالطلوع أو الغروب فالأحوط ترك المفطر عملا بالاحتياط للإشكال في حجيّة خبر العدل الواحد و عدم حجيته الا أنّ الاحتياط في الغروب الزامي و في الطلوع استحبابي نظرا للاستصحاب (2).

______________________________

(1) بل علي الاقوي، بل الأمر كذلك بالنسبة الي شهادة الثقة الواحد، فان مقتضي السيرة

العقلائيّة الممضاة من قبل الشارع اعتبار شهادة الثقة بلا فرق بين الأحكام و الموضوعات كما تعرّضنا له في محلّه من الاصول.

[مسألة 2 يجوز له فعل المفطر و لو قبل الفحص ما لم يعلم طلوع الفجر و لم يشهد به البيّنة]

(2) للاستصحاب و من ناحية اخري قد ثبت في محلّه انّه لا يجب الفحص في الشبهات الموضوعيّة و المراد بالبيّنة ظاهرا شهادة عدلين و قد ظهر ممّا تقدم آنفا انّه يكفي شهادة ثقة واحد في الموضوعات.

نعم قد قام الدليل علي اشتراط العدالة و التعدّد في الشاهد في المرافعات كما هو محرّر في كتاب القضاء.

و علي الجملة: الاستصحاب مرجع في كلّ من الشكّ في الطلوع و الغروب ما دام لم يكن دليل علي الخلاف بلا فرق فانقدح بما ذكرنا فساد التفصيل المذكور في المتن بالحكم بوجوب الاحتياط في طرف و استحبابه في الطرف الآخر.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 276

التاسع: ادخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه و دخل الجوف فانّه يقضي و لا كفّارة عليه، و كذا لو أدخله عبثا فسبقه (1).

[التاسع: ادخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه و دخل الجوف]

اشارة

______________________________

(1) تارة يتكلّم حول المسألة علي طبق مقتضي القاعدة الاوّليّة و اخري يتكلّم علي ما يستفاد من نصوص الباب فيقع الكلام في موردين:

أما المورد الأوّل: فالظاهر انّ مقتضي القاعدة وجوب القضاء و عدم وجوب الكفارة، أمّا وجوب القضاء فلأنّه فرض تحقّق الشرب بالاختيار، و أمّا عدم وجوب الكفارة فلعدم العمد و لا تنافي بين تحقق الاختيار و عدم صدق العمد فانّ التعمّد انّما يصدق فيما يرتكب الفعل مع التفاته بتحقق ما يكون ممنوعا و عدم معذوريّته، و أمّا لو فرض انّه يعتقد لعدم ترتب النهي عنه أو فرض كونه غافلا أو فرض كونه معذورا شرعا فلا يصدق التعمّد.

و ان شئت قلت: الكفارة مترتّبة علي عنوان التمرّد و الخروج عن الجادّة و مع عدم صدق العنوان المذكور لا يصدق العمد فلا كفارة هذا تمام الكلام في المورد

الاول.

و أمّا المورد الثاني: فقد وردت في المقام جملة من النصوص:

منها ما رواه عمّار الساباطي «1» و مقتضي هذه الرواية عدم البطلان و عدم القضاء ما دام لم يتحقق التعمّد.

و منها ما رواه سماعة في حديث قال: سألته عن رجل عبث بالماء

______________________________

(1) قد تقدم في ص 175.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 277

و أمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه أيضا (1) و ان كان احوط (2) و لا يلحق بالماء غيره علي الأقوي و ان كان عبثا كما

______________________________

يتمضمض به من عطش فدخل حلقه؟ قال: عليه قضاؤه و ان كان في وضوء فلا بأس به «1».

و مقتضي هذه الرواية انّه لو كانت لأجل الوضوء لا قضاء عليه و بهذه الرواية تقيّد رواية عمّار و يحكم بالتفصيل بين ما تكون في وضوء فلا يجب القضاء و الّا يجب.

و منها ما رواه حمّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه؟ فقال: ان كان وضوءه لصلاة فريضة فليس عليه شي ء و ان كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء «2».

و مقتضي هذه الرواية تخصيص الحكم بالوضوء الذي لأجل صلاة فريضة و لكن في هذه الرواية لم تذكر المضمضة، بل المستفاد منها انّ الموضوع دخول الماء الحلق بالوضوء فتكون الرواية مباينة مع الحديث المذكور فيه عنوان المضمضة من حيث الموضوع.

و بعد ملاحظة النصوص المذكورة و تقييد مطلقها بمقيّدها تكون النتيجة انّه لو كانت المضمضة لأجل الوضوء فلا بأس و الّا فيجب هذا بالنسبة الي المضمضة، و أمّا اذا دخل الماء الحلق أثناء الوضوء فلا بدّ من التفصيل بين كون الوضوء لأجل صلاة الفريضة و غيرها.

(1) كما هو المستفاد من

النصّ بالنسبة الي الناسي.

(2) لا اشكال في حسن الاحتياط.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 23، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 4.

(2) نفس المصدر، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 278

لا يلحق بالادخال في الفم الادخال في الانف للاستنشاق أو غيره و ان كان احوط في الأمرين (1).

(مسألة 3) لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء لم يجب عليه القضاء سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة علي الأقوي بل لمطلق الطهارة (2) و ان كانت لغيرها من الغايات من غير فرق بين الوضوء و الغسل، و ان كان الأحوط القضاء فيما عدا ما كان لصلاة الفريضة خصوصا فيما كان لغير الصلاة من الغايات (3).

(مسألة 4) يكره المبالغة في المضمضة مطلقا (4) و ينبغي له

______________________________

(1) أي لا يوجب القضاء و لكن قد ظهر ممّا ذكرنا انّ القاعدة الاولية تقتضي البطلان و وجوب القضاء.

[مسألة 3 لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء لم يجب عليه القضاء]

(2) كما تقدّم و قلنا مقتضي الجمع بين النصوص كذلك.

(3) قد تقدم انّ مقتضي القاعدة الاوليّة البطلان و القضاء و المقدار الخارج بالنصّ ما كانت في الوضوء فما كان في الغسل لا يشمله دليل الاستثناء فيبقي تحت القاعدة كما انّ الأمر كذلك في الوضوء لغير الصلاة الفريضة.

[مسألة 4 يكره المبالغة في المضمضة مطلقا]

(4) لاحظ مرسل حمّاد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الصائم يتمضمض و يستنشق، قال: نعم و لكن لا يبالغ «1» و المرسل لا اعتبار به، و قاعدة التسامح علي فرض تماميّتها كما هي لا تكون بعيدة لا تنطبق

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 279

أن لا يبلع ريقه حتي يبزق ثلاث مرات (1).

(مسألة 5) لا يجوز التمضمض مطلقا مع العلم بأنّه يسبقه الماء الي الحلق أو ينسي فيبلعه (2).

العاشر: سبق المنيّ بالملاعبة أو الملامسة إذا لم يكن ذلك من قصده و لا عادته علي الأحوط، و ان كان الأقوي عدم وجوب القضاء أيضا (3).

______________________________

علي المكروهات.

(1) لا حظ ما رواه زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصائم يتمضمض؟ قال: لا يبلع ريقه حتّي يبزق ثلاث مرّات «1».

و الرواية ضعيفة سندا بابن مرّار، بل و بغيره فيلزم العمل علي طبق القاعدة و مقتضاها جواز المضمضة و الاستنشاق ما دام لا يثق بوصول الماء الي الجوف، و في فرض الاستنشاق أو المضمضة لا بدّ أن يتحفظ عن وصول الماء الي الجوف، و اللّه العالم.

[مسألة 5 لا يجوز التمضمض مطلقا مع العلم بأنّه يسبقه الماء إلي الحلق أو ينسي فيبلعه]

(2) و هذا ظاهر واضح، اذ مع العلم أو الوثوق أو قيام الدليل المعتبر علي السبق يكون من الافطار العمدي.

[العاشر: سبق المنيّ بالملاعبة أو الملامسة إذا لم يكن ذلك من قصده و لا عادته]

(3) اذ مع عدم القصد و عدم العادة لا يكون متعمدا للإنزال فلا وجه للكفارة، و أمّا القضاء فلافطاره بالانزال الاختياري، و لا فرق فيه بين احتمال السبق و بين الوثوق بعدمه، اذ العلم بالعدم لا يقتضي سلب الاختيار، مثلا لو كان المكلف معتقدا أو قاطعا بأنّ المائع الفلاني ماء و كان في الواقع خمرا فشربه لا يصدق انّ شربه كان بلا اختيار.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 31، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 280

______________________________

نعم لا اشكال في أنّه معذور أو اذا فرضنا أنّ المكلّف رأي شبحا عن بعيد و تيقن انّه حمار و الحال أنّه كان انسانا فرماه بالسهم و قتله لا اشكال في صدق انّ الرامي قتله و لكن لم يكن مقصّرا بل كان معذورا، و عليه يجب القضاء علي الاطلاق.

هذا بحسب القاعدة، و في المقام نصّ رواه زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، انّه سئل هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: انّي اخاف عليه فليتنزّه من ذلك الّا أن يثق أن لا يسبقه منيّه «1»، ربما يتوهّم دلالته علي عدم القضاء و الحال انّ الحديث لا يتعرّض للقضاء بل الحديث متعرض لجواز المباشرة و التقبيل في صورة الوثوق بعدم الانزال.

و بعبارة واضحة: انّ المستفاد من الحديث النهي عن المباشرة و التقبيل الّا في الصورة المفروضة فلا وجه للالتزام بعدم وجوب القضاء استنادا الي الحديث المذكور مع اقتضاء القاعدة الاوّلية وجوب القضاء.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 33، من

أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 13.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 281

[فصل في الزمان الّذي يصحّ فيه الصوم]

اشارة

فصل في الزمان الّذي يصحّ فيه الصوم و هو النهار (1) من غير العيدين (2) و مبدؤه طلوع الفجر الثاني (3) و وقت الافطار ذهاب

______________________________

(1) اجماعا بل ضرورة من المذهب، بل من الدّين هكذا عن الجواهر، و يدلّ علي المدّعي النصّ، لا حظ ما رواه أبو بصير قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت: متي يحرم الطعام و الشراب علي الصائم و تحلّ الصلاة، صلاة الفجر؟ فقال: اذا اعترض الفجر و كان كالقبطيّة البيضاء فثمّ يحرم الطعام و يحلّ الصيام و تحلّ الصلاة، صلاة الفجر «1».

فانّ المستفاد من الحديث انّ حليّة الصوم منوطة بتحقّق الفجر و علي الجملة الأمر أوضح من أن يخفي.

(2) فانّ حرمة الصوم فيهما اجماعيّة عند المسلمين.

(3) كما دلّ عليه رواية أبي بصير و غيرها.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 42، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 282

الحمرة من المشرق (1) و يجب الامساك من باب المقدّمة في جزء من الليل في كلّ من الطرفين ليحصل العلم بامساك تمام النهار (2).

______________________________

(1) المستفاد من الآية الشريفة و هي قوله تعالي: و أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَي اللَّيْلِ انّ نهايته تحقق الليل فيكون الميزان سقوط القرص فانّ الليل يتحقق به.

و يدل عليه جملة من النصوص:

لا حظ ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: وقت المغرب اذا غاب القرص، فان رأيت بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة و مضي صومك و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا «1».

لكن مقتضي الاحتياط رعاية ما ذهب اليه المشهور

كما في المتن.

(2) لو وجب علي المكلف عمل لا بد من احرازه بالعلم أو العلمي في مقام الامتثال بحكم العقل الحاكم في باب الاطاعة و العصيان فلو توقّف الاحراز علي شي ء خارج عن المأمور به يجب عقلا الاتيان به من باب المقدّمة العلميّة كما صرّح به الماتن في كلامه.

و لذا نقول: يجب الغسل في الوضوء مقدارا خارجا عن الحدّ كي يحصل العلم بغسل تمام ما في الحدّ و لولاه يكون مقتضي الاستصحاب عدم الاتيان بالمأمور به و علي المشهور بين القوم يكون مقتضي قاعدة الاشتغال لزوم الاحتياط، و لا اشكال في التقريب المذكور، غاية الامر علي مسلكنا يكون المقتضي للاحتياط الاستصحاب و علي مسلك

______________________________

(1) الوسائل: الباب 16، من أبواب المواقيت، الحديث 17.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 283

و يستحبّ تأخير الافطار حتي يصلّي العشاءين (1) لتكتب صلاته صلاة الصائم (2) الّا أن يكون هناك من ينتظره

______________________________

المشهور يكون المقتضي قاعدة الاشتغال.

و عليه لا بدّ في المقام من التفصيل بين الانتهاء و الابتداء أي اذا شكّ في بقاء النهار يلزم الامساك لاستصحاب بقاء النهار و عدم تحقق الليل، بل لا مجال لأن يعبّر بالوجوب المقدّمي اذ بالاستصحاب يحرز بقاء النهار فيجب نفسا لا مقدمة.

و أمّا في طرف الابتداء فمقتضي الاستصحاب بقاء اللّيل و يترتب عليه جواز الأكل و الشرب و لا وجه لوجوب الاحتياط ما دام الشكّ باقيا و بعد زواله و تبدّله بالعلم يجب الصوم نفسا لا مقدمة فلا تنطبق الكبري المذكورة علي المقام أصلا فلاحظ.

(1) لا حظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه سئل عن الافطار أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال: فقال: ان كان معه قوم

يخشي أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم و ان كان غير ذلك فليصلّ ثمّ ليفطر «1».

فان المستفاد من الحديث استحباب تأخير الافطار عن الصلاة التي حضر وقتها و من الظاهر انّه لا فرق بين صلاتي المغرب و العشاء من حيث انّ وقتهما واحد من حيث الابتداء غير انّ المغرب قبل العشاء فلا قصور في الحديث بالنسبة الي افادة المدّعي.

(2) لا حظ ما رواه زرارة و فضيل، عن أبي جعفر عليه السّلام، في

______________________________

(1) الوسائل: الباب 7، من أبواب آداب الصائم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 284

للإفطار (1) أو تنازعه نفسه علي وجه يسلبه الخضوع و الاقبال، و لو كان لأجل القهوة و التتن و الترياك، فانّ الأفضل حينئذ الافطار ثمّ الصلاة مع المحافظة علي وقت الفضيلة بقدر الامكان (2).

(مسألة 1) لا يشرع الصوم في الليل و لا صوم مجموع الليل

______________________________

رمضان تصلّي ثمّ تفطر الّا أن تكون مع قوم ينتظرون الافطار، فان كنت تفطر معهم فلا تخالف عليهم و أفطر ثمّ صلّ و الّا فابدأ بالصلاة، قلت: و لم ذلك؟ قال: لأنّه قد حضرك فرضان الافطار و الصلاة فابدأ بأفضلهما و أفضلهما الصلاة، ثمّ قال: تصلّي و انت صائم فتكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم احبّ إليّ «1» و الرواية مخدوشة سندا بضعف اسناد الشيخ الي ابن الفضال.

(1) كما صرّح به في حديث الحلبي.

(2) لا حظ مرسل المفيد قال: و روي أيضا في ذلك انّك اذا كنت تتمكّن من الصلاة و تعقلها و تأتي (علي جميع) حدودها قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلّي قبل الافطار، و ان كنت ممّن تنازعك نفسك للإفطار و تشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالافطار ليذهب عنك

وسواس النفس اللّوّامة غير انّ ذلك مشروط بأنّه لا يشتغل بالافطار قبل الصلاة الي أن يخرج وقت الصلاة «2» و المرسل لا اعتبار به.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 285

و النهار، بل و لا ادخال جزء من الليل فيه الا بقصد المقدّميّة (1).

[مسألة 1 لا يشرع الصوم في الليل و لا صوم مجموع الليل]

______________________________

(1) لا اشكال في عدم المشروعيّة انّما الكلام في أنّ الحرمة المذكورة حرمة ذاتيّة أو حرمة تشريعيّة، ربما يتوهم الاوّل استنادا الي حديث زرارة و فضيل «1» بتقريب: انّ المستفاد من الحديث انّ الافطار فرض واجب كما ان الصلاة كذلك، لكن قد تقدّم منّا انّ الحديث ضعيف فلا مجال للاستدلال به.

مضافا الي أنّه لو قلنا بوجوب الافطار نسأل هل هو واجب مضيق أو موسّع؟ و علي الثاني ايّ مقدار زمان الواجب؟ نعم لو أمسك الي السحر يمكن الالتزام بحرمته الذاتيّة لدخوله في صوم الوصال، و سيأتي الكلام فيه فالنتيجة انّ الحرمة المذكورة في المقام تشريعيّة فلو لاه لا يكون دليل علي الحرمة.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 283.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 286

[فصل في شرائط صحّة الصوم]

لشلزة

فصل في شرائط صحّة الصوم

[هي أمور]

[الأوّل: الإسلام]

و هي امور:

الأوّل: الإسلام (1).

______________________________

(1) لا اشكال في اشتراط الإسلام في صحّة الصوم، كما انّه كذلك بالنسبة الي بقيّة العبادات لا من باب انّ الكفار لا يكونون مكلّفين بالفروع كما في كلام سيدنا الاستاد.

اذ يرد عليه أوّلا: انّ الكفار مكلّفون بالفروع، و يدلّ علي المدعي قوله تعالي في سورة المدّثّر مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَ كُنّٰا نَخُوضُ مَعَ الْخٰائِضِينَ وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ «1».

و من الظاهر انّ تكذيب يوم الدّين يوجب الكفر و مع ذلك المستفاد من الآية انّهم كانوا مكلّفين بالصلاة و الزكاة كما انّ الادلّة

______________________________

(1) المدثر: 42- 46.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 287

و الايمان فلا يصح من غير المؤمن (1) و لو في جزء من

______________________________

الاوّليّة تقتضي كونهم مكلفين بالفروع كما انّهم مكلّفون بالاصول هذا أوّلا.

و ثانيا: انّه لا تنافي بين عدم كونهم مكلّفين بالفروع و بين صحّة عباداتهم، كما انّ غير البالغ لا يكون مكلّفا و مع ذلك تكون عبادته صحيحة، بل الوجه في الاشتراط المذكور، مضافا الي الاجماع المدّعي في المقام ارتكاز اهل الشرع بما هم كذلك، فان الارتكاز المذكور علي الاشتراط المشار اليه و يكون خلافه مستنكرا لديهم.

اضف الي ذلك الحديث الخاصّ الدالّ علي اشتراط الايمان في صحة العبادة، لا حظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: كل من دان اللّه عزّ و جلّ بعبادة يجهد فيها نفسه و لا امام له من اللّه فسعيه غير مقبول و هو ضالّ متحيّر و اللّه شانئ لأعماله، الي أن قال: و إن مات علي هذه

الحال مات ميتة كفر و نفاق، و اعلم يا محمّد انّ ائمّة الجور و اتباعهم لمعزولون عن دين اللّه قد ضلّوا و أضلّوا فاعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا علي شي ء ذلك هو الضلال البعيد «1».

فان الحديث المذكور بنحو الوضوح يدل علي شرطية الايمان، مضافا الي الإسلام فكيف يمكن أن تكون عبادة الكفار صحيحة؟ و ان شئت قلت: دلالة الحديث علي المدّعي بالأولويّة فلاحظ.

(1) مضافا الي الاجماع المدّعي يدلّ عليه الحديث الذي ذكرناه.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 29، من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 288

النهار (1) فلو اسلم الكافر في أثناء النهار و لو قبل الزوال لم يصحّ صومه، و كذا لو ارتدّ ثمّ عاد الي الإسلام بالتوبة، و ان كان الصوم معيّنا و جدّد النيّة قبل الزوال علي الأقوي (2).

الثاني: العقل فلا يصحّ من المجنون (3).

______________________________

(1) اذ المفروض انّ الصوم و هو الامساك طول النهار أمر واحد و المركّب من الخارج و الداخل خارج، و بعبارة واضحة: بعد فرض الاشتراط يكون ما أفاده ظاهرا، اذ فرض فقدان الشرط في جزء من الواجب و ذلك الجزء يعتبر كالعدم و المركّب ينتفي بانتفاء احد اجزائه أو أحد شرائطه.

(2) لعدم الدليل عليه، و لا وجه لقياس المقام علي المورد الّذي قام الدليل علي الصحّة.

[الثاني: العقل]

(3) لا من جهة انّه مرفوع عنه القلم و هو غير مكلّف كما في كلام سيّدنا الاستاد (قدّس سرّه) اذ لا تنافي بين الصحّة و عدم التكليف كما تقدّم منّا قريبا، بل لأجل انّ المجنون غير قابل لأن ينوي القربة المقوّمة للعباديّة بل غير قابل لأصل النيّة.

مضافا

الي النصّ الدالّ علي أنّ الميزان في ترتّب الأثر علي العمل العقل و ينوط الثواب و العقاب به، لاحظ ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا خلق اللّه العقل استنطقه، ثمّ قال له: أقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك و لا اكملتك الّا فيمن احبّ، أما انّي ايّاك آمر

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 289

و لو أدوارا و ان كان جنونه في جزء من النهار (1) و لا من السكران و لا من المغمي عليه و لو في بعض النهار و ان سبقت منه النية علي الأصحّ (2).

الثالث: عدم الاصباح جنبا أو علي حدث الحيض و النفاس

______________________________

و ايّاك أنهي و ايّاك اعاقب و ايّاك اثيب «1».

و مثله في المفاد ما رواه هشام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لمّا خلق اللّه العقل قال له: اقبل فأقبل، ثمّ قال له: أدبر فأدبر، ثمّ قال:

و عزّتي و جلالي ما خلقت خلقا هو احبّ إليّ منك، بك آخذ و بك اعطي و عليك اثيب «2».

فانّ المستفاد من الحديثين انّه لا يترتّب الأثر علي العمل الصادر عن غير العاقل.

(1) قد ظهر وجهه ممّا تقدم فلا نعيد.

(2) ان تمّ إجماع تعبّدي كاشف عن رأي المعصوم فهو و الّا فلا وجه لما أفاده، اذ لا دليل علي الاشتراط المذكور هذا من ناحية و من ناحية اخري الصوم لا ينافي السكر و الاغماء كما لا ينافي مع النوم فلو تحققت النية يمكن أن يقال بالصحّة و لو مع فرض كون الاغماء أو السكر مستوعبا لجميع الوقت فكيف

بما يكون كذلك في جزء من النهار فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 3، من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 290

بعد النقاء من الدم علي التفصيل المتقدّم (1).

الرابع: الخلو من الحيض (2) و النفاس في مجموع النهار فلا يصحّ من الحائض و النفساء اذا فاجأهما الدم و لو قبل

[الثالث: عدم الإصباح جنبا أو علي حدث الحيض و النفاس]

______________________________

(1) و تقدّم الكلام حول المسألة فراجع.

[الرابع: الخلو من الحيض و النفاس في مجموع النهار]

(2) لجملة من النصوص:

منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن امرأة أصبحت صائمة فلمّا ارتفع النهار أو كان العشيّ حاضت أ تفطر؟

قال: نعم و ان كان وقت المغرب فلتفطر، قال: و سألته عن امرأة رأت الطهر في أوّل النهار من شهر رمضان فتغتسل و لم تطعم فما تصنع في ذلك اليوم؟ قال: تفطر ذلك اليوم فانّما فطرها من الدم «1».

و في المقام حديث رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ان عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل و تشرب و ان عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل و لتعتد بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل و تشرب «2»، يستفاد منه التفصيل بين عروض الحيض قبل الزوال و بعده.

لكن الحديث مخدوش سندا لضعف اسناد الشيخ الي ابن الفضّال بالاضافة الي أنّ الظاهر انّ بطلان الصوم بالحيض عندهم من المسلّمات التي لا تكون قابلة للنقاش.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 25، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 28، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 291

الغروب بلحظة أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة (1).

و يصحّ من المستحاضة اذا أتت بما عليها من الأغسال النهاريّة (2).

الخامس: أن لا يكون مسافرا (3).

______________________________

(1) لا حظ ما رواه ابن الحجّاج «1» مضافا الي الاجماع القطعي بالنسبة الي ابطال الحيض و النفاس للصوم كما في بعض الكلمات و صفوة القول: انّ ما أفاده الماتن بتمامه مستفاد من نصوص المقام.

(2) تقدّم الكلام حول المسألة في المفطرات فراجع ما

ذكرناه هناك

[الخامس: أن لا يكون مسافرا إلا في ثلاثة مواضع]

(3) عن الجواهر: «انّ عليه الاجماع بقسميه» و الآية الشريفة و هو قوله تعالي: أَوْ عَليٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «2»، تدلّ علي عدم جواز الصوم في شهر رمضان في السفر.

و يستفاد المدّعي من جملة من النصوص:

منها ما رواه صفوان بن يحيي، عن أبي الحسن عليه السّلام، انّه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم؟ قال: ليس من البرّ الصوم في السفر «3».

و منها ما رواه محمد بن عليّ بن الحسين قال: قال الصادق عليه السّلام:

ليس من البرّ الصيام في السفر «4».

______________________________

(1) قد تقدم في ص 244.

(2) البقرة: 185.

(3) الوسائل: الباب 1، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 10.

(4) نفس المصدر، الحديث 11.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 292

سفرا يوجب قصر الصلاة (1) مع العلم بالحكم في الصوم الواجب (2) الّا في ثلاثة مواضع:

______________________________

و منها ما رواه السكوني عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السّلم) قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: انّ اللّه عزّ و جلّ أهدي إليّ و الي أمّتي هديّة لم يهدها الي أحد من الامم كرامة من اللّه لنا، قالوا: و ما ذلك يا رسول اللّه؟ قال: الافطار في السفر و التقصير في الصلاة، فمن لم يفعل ذلك فقد ردّ علي اللّه عزّ و جلّ هديّته «1».

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن الصيام في السفر؟ فقال:

لا صيام في السفر قد صام اناس علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فسمّاهم العصاة فلا صيام في السفر الّا ثلاثة ايّام التي قال اللّه عزّ و جلّ في الحج «2».

غاية الأمر بعض تلك النصوص يدلّ علي عدم

الجواز علي الاطلاق و قد دلت جملة اخري علي جوازه في موارد خاصّة فلاحظ

(1) للملازمة بين الأمرين المستفاد من النصّ الخاص، لا حظ حديثي ابن وهب «3» و سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث: و ليس يفترق التقصير و الافطار فمن قصّر فليفطر «4».

(2) و أمّا مع الجهل فالماتن يتعرّض لحكمه و نتكلّم حول المسألة

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 12.

(2) الوسائل: الباب 11، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

(3) قد تقدم في ص 243.

(4) الوسائل: الباب 4، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 293

احدها: صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع (1).

الثاني: صوم بدل البدنة ممّن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا و هو ثمانية عشر يوما (2).

______________________________

إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

(1) فانّه يدل علي المدعي الكتاب و السنّة، أمّا الكتاب فقوله تعالي: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ «1».

و أمّا السنة فتدلّ علي المقصود عدة نصوص:

منها ما رواه رفاعة بن موسي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن المتمتّع لا يجد الهدي؟ قال: يصوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قلت: فانّه قدم يوم التروية؟ قال: يصوم ثلاثة ايّام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جمّاله؟ قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت: و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره، قلت: يصوم و هو مسافر؟ قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا إنّا أهل بيت نقول ذلك، لقول اللّه عزّ و جلّ: فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ يقول في ذي الحجة «2».

(2) لاحظ ما رواه ضريس الكناسي، عن أبي جعفر عليه

السّلام قال:

سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في اهله «3».

______________________________

(1) البقرة: 196.

(2) الوسائل: الباب 46، من أبواب الذبح، الحديث 1.

(3) الوسائل: الباب 23، من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 294

______________________________

فانّ مقتضي اطلاق الحديث جواز الصوم و لو مع عدم قصد الاقامة. و ربما يقال انّ النسبة بين هذا الحديث و ما يدلّ علي المنع عموم من وجه، فانّ ما به الافتراق من أحد الطرفين صوم غير هذه الايّام المشار اليها و ما به الافتراق من الطرف الآخر الصوم مع قصد اقامة عشرة أيّام و محلّ المعارضة الصوم في هذه الأيام مع عدم قصد الاقامة و الترجيح بالأحدثيّة مع ما دلّ علي النهي عن الصوم في السفر لا حظ ما رواه صفوان «1».

لكن الحق أن يقال: النسبة بين المتعارضين بالعموم و الخصوص بتقريب: انّ المستفاد من حديث الكناسي مشروعيّة الصوم في هذه الأيّام في السفر، و مقتضي اطلاق الحديث عموم الحكم لصورتي قصد الاقامة عشرا و عدمه و الميزان في المخصّص اطلاقه.

و بعبارة واضحة: قد صرّح في حديث الكناسي بجواز صوم الأيّام المعهودة في مكّة أو في الطريق أو بعد الرجوع الي الأهل، و من الظاهر انّ المكلف في مكّة أو في الطريق مسافر، فامّا يكون الحديث نصّا أو ظاهرا في السفر الذي لا يقصد فيه الاقامة لقلّة وجود قصد الاقامة أثناء السفر في الطريق فيكون مخصّصا لعدم جواز الصوم في السفر، و إمّا مطلق من هذه الجهة أي يكون مفاده

تجويز الصوم في هذا السفر الخاصّ علي الاطلاق أي أعمّ من أن قصد فيه الاقامة أولا، و الميزان باطلاق المخصّص لا بعموم العامّ.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 291.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 295

الثالث: صوم النذر المشترط فيه سفرا خاصّة أو سفرا و حضرا (1) دون النذر المطلق (2).

______________________________

(1) بأن يقصد إمّا ايقاعه في السفر أو بقصد العموم بحيث يشمل قصده لصورة السفر.

و ان شئت قلت: يكون المنويّ الجمع بين الصور لا بنحو رفض القيود، و الظاهر انّه متسالم عليه كما في بعض الكلمات.

و يدلّ عليه ما رواه ابن مهزيار «1» و هذه الرواية؟؟؟

الدلالة علي المدّعي، و أمّا من حيث السند فايضا لا إشكال فيها؟؟؟

ابن مهزيار تقتضي أن لا يضمر الّا عن الامام عليه السّلام، و أما ذيل الحديث الدالّ علي كون التصدّق بالنحو المذكور في الرواية فعلي فرض عدم تسلّمه و ردّه، لا يوجب رفع اليد عنه بل غايته رفع اليد عن الذيل.

(2) لجملة من النصوص:

منها ما رواه عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل يقول: للّه عليّ أن اصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقلّ فيعرض له أمر لا بدّ له من أن يسافر يصوم و هو مسافر؟ قال: اذا سافر فليفطر لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره و الصوم في السفر معصية «2».

و منها ما رواه ابن أبي عمير عن كرام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

انّي جعلت علي نفسي ان أصوم حتي يقوم القائم؟ فقال: صم و لا تصم

______________________________

(1) قد تقدم في ص 227.

(2) الوسائل: الباب 10، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 8.

الغاية

القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 296

بل الأقوي عدم جواز الصوم المندوب في السفر أيضا (1)

______________________________

في السفر «1».

و منها ما رواه مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام في الرجل يجعل علي نفسه أيّاما معدودة مسمّاة في كلّ شهر ثمّ يسافر فتمرّ به الشهور انّه لا يصوم في السفر و لا يقضيها اذا شهد «2».

(1) و تدل عليه طائفة من الروايات:

منها ما رواه عمّار الساباطي «3» و منها ما رواه كرام «4» و منها ما رواه مسعدة بن صدقة و قد تقدّم آنفا.

و منها ما رواه أحمد بن محمد قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام، عن الصيام بمكّة و المدينة و نحن في سفر؟ قال: أ فريضة؟ فقلت: لا و لكنه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة، فقال: تقول اليوم و غدا؟ قلت: نعم، فقال: لا تصم «5».

و ربما يستدلّ بجملة من النصوص علي الجواز: منها ما رواه إسماعيل بن سهل، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام من المدينة في أيّام بقين من شعبان فكان يصوم ثمّ دخل عليه شهر رمضان و هو في السفر فأفطر، فقيل له: تصوم شعبان و تفطر

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 9.

(2) نفس المصدر، الحديث 10.

(3) قد تقدم في ص 295.

(4) قد تقدم في ص 295.

(5) الوسائل: الباب 12، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 297

إلّا ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة (1).

______________________________

شهر رمضان؟ فقال: نعم شعبان إليّ ان شئت صمت و ان شئت لا و شهر رمضان عزم من اللّه عزّ و

جلّ عليّ الافطار «1».

و منها ما رواه الحسن بن بسام الجمّال، عن رجل قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فيما بين مكّة و المدينة في شعبان و هو صائم ثمّ رأينا هلال شهر رمضان فافطر، فقلت له: جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر؟ فقال: انّ ذلك تطوّع و لنا أن نفعل ما شئنا و هذا فرض فليس لنا أن نفعل إلّا ما امرنا «2».

و منها ما رواه سليمان الجعفري قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: كان أبي عليه السّلام يصوم يوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف و يأمر بظلّ مرتفع فيضرب له «3».

لكن لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالجواز اذ الحديث الرابع و الخامس مخدوشان من حيث السند فانّهما مرسلان، مضافا الي الخدش في بعض المذكورين في السند، و أمّا الحديث الثالث فالظاهر انّه تام سندا لكن مع ذلك لا يكون تامّا دلالة علي المدّعي اذ نقل فعل عن الامام و يمكن انّه روحي فداه كان ناذرا للصوم في السفر الذي قد دلّ الدليل علي جوازه فلاحظ.

(1) بلا خلاف فيه كما في كلام بعض الأصحاب، و يدلّ عليه

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 4.

(2) نفس المصدر، الحديث 5.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 298

و الافضل اتيانها في الاربعاء و الخميس و الجمعة (1).

و أمّا المسافر الجاهل بالحكم لو صام فيصحّ صومه و يجزيه حسبما عرفته في جاهل حكم الصلاة اذ الافطار كالقصر و الصيام كالتمام في الصلاة (2).

______________________________

النصّ الخاصّ، لا حظ ما رواه معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

قال: ان كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيّام صمت أوّل يوم الأربعاء و تصلّي ليلة الأربعاء عند اسطوانة ابي لبابة و هي اسطوانة التوبة التي كان ربط اليها نفسه حتي نزل عذره من السماء و تقعد عندها يوم الاربعاء ثمّ تأتي ليلة الخميس التي تليها ما يلي مقام النبي صلي اللّه عليه و آله ليلتك و يومك و تصوم يوم الخميس ثمّ تأتي الاسطوانة التي تلي مقام النبي صلي اللّه عليه و آله و مصلّاه ليلة الجمعة فتصلّي عندها ليلتك و يومك و تصوم يوم الجمعة و ان استطعت أن لا تتكلم بشي ء في هذه الأيام الّا ما لا بدّ لك منه و لا تخرج من المسجد الّا لحاجة و لا تنام في ليل و لا نهار فافعل فانّ ذلك مما يعدّ فيه الفضل «1».

(1) بل الاظهر كذلك، اذ قد ذكر بهذا النحو في الحديث كما تري فلا بدّ من الاقتصار في الخروج عن القاعدة بمقدار دلالة الدليل.

(2) مقتضي اطلاق دليل عدم جواز الصوم في السفر عدم الفرق، لكن لا بدّ من رفع اليد عن الاطلاق بما دلّ علي التفصيل، لا حظ حديث الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل صام في السفر؟ فقال: ان كان بلغه انّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن ذلك فعليه

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 299

لكن يشترط أن يبقي علي جهله الي آخر النهار.

و أمّا لو علم بالحكم في الاثناء فلا يصحّ صومه (1).

______________________________

القضاء و ان لم يكن بلغه فلا شي ء عليه «1».

و لا حظ حديث البصري عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر؟ فقال:

ان كان لم يبلغه انّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن ذلك فليس عليه القضاء و قد أجزأ عنه الصوم «2».

و يدل علي المدعي ما دلّ من النصّ علي الملازمة بين الصلاة و الصوم من حيث القصر و الاتمام، كما انّه يدل علي المدعي أيضا حديث عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من صام في السفر بجهالة لم يقضه «3».

و حديث ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا سافر الرجل في شهر رمضان افطر و ان صامه بجهالة لم يقضه «4».

ان قلت: كيف يمكن أن يكون الحكم مشروطا بالعلم به و الحال أنّ الاشتراط المذكور يستلزم الدور؟

قلت: لا بدّ من أن يقال انّ العمل مع الجهل يفي بمقدار من الملاك الذي لا يمكن تدارك الباقي معه كما ذكرناه بالنسبة الي الصلاة.

(1) اذ مقتضي القاعدة الاوّلية البطلان و الخروج عن مقتضاها

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 5.

(4) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 300

و أمّا الناسي فلا يلحق بالجاهل في الصحة (1) و كذا يصحّ الصوم من المسافر اذا سافر بعد الزوال (2).

______________________________

يحتاج الي الدليل و المفروض انّ الدليل يختصّ بحال الجهل، فاذا علم و لو في اثناء النهار يبطل، أمّا بالنسبة الي زمان العلم فواضح، و أمّا بالنسبة الي زمان الجهل فلأنّ المفروض انّه عمل واحد ارتباطي و غير قابل للتبعيض، و لذا لو علم بالحكم اثناء الصلاة تكون صلاته باطلة.

(1)

لعدم الدليل علي الالحاق و الاصل الاوّلي يقتضي الفساد.

(2) مقتضي اطلاق الآية الشريفة فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَليٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1»، عدم الفرق بين السفر قبل الزوال و بعده، كما انّ مقتضي النص الخاصّ كذلك، لا حظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال: انّ الصلاة و الزكاة و الحجّ و الولاية ليس ينفع شي ء مكانها دون ادائها و انّ الصوم اذا فاتك أو قصّرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه ايّاما غيرها و جزيت ذلك الذنب بصدقة و لا قضاء عليك «2».

كما انّ المستفاد من الملازمة بين الصوم و الصلاة من حيث القصر و الافطار كذلك، لا حظ حديثي ابن وهب «3» و سماعة «4».

______________________________

(1) البقرة: 184.

(2) الوسائل: الباب 1، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

(3) قد تقدم في ص 243.

(4) قد تقدم في ص 292.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 301

كما انّه يصحّ صومه اذا لم يقصّر في صلاته كناوي الاقامة عشرة أيّام و المتردّد ثلاثين يوما و كثير السفر و العاصي بسفره و غيرهم ممّن تقدّم تفصيلا في كتاب الصلاة (1).

السادس: عدم المرض أو الرّمد الّذي يضرّه الصوم (2).

______________________________

و لكن لا بدّ من رفع اليد عن هذه الاطلاقات بعدّة من النصوص الدالّة علي التفصيل بين السفر قبل الزوال و السفر بعده، و من تلك النصوص: ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به من شهر رمضان «1» الي غيره من الروايات المذكورة في الباب المشار اليه فلاحظ.

(1)

للملازمة التي استفيدت من النصّ و القاعدة المضروبة بين الصلاة و الصوم من هذه الجهة، الّا ما خرج بالدليل كالسفر بعد الزوال، فانّه يجب الصوم و لا يجوز الافطار، و أمّا الصلاة فلا فرق فيها من هذه الناحية.

[السادس: عدم المرض أو الرّمد الّذي يضرّه الصوم]

(2) ربما يتوهّم انّ الموضوع قد أخذ في الدليل بعنوان المريض، لاحظ الآية المباركة، فانّ الموضوع فيها عنوان المريض و لكن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي اختصاص الحكم بالمريض الذي يضرّه الصوم لا أن يكون المريض بما هو مرفوعا عنه الحكم.

أضف الي ذلك انّ المستفاد من جملة من النصوص ما أفاده الماتن

______________________________

(1) الوسائل: الباب 5، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 302

______________________________

منها ما رواه محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، ما حدّ المريض اذا نقه في الصيام؟ فقال: ذلك اليه هو أعلم بنفسه اذا قوي فليصم «1».

و منها ما رواه ابن اذينة قال: كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السّلام، أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر فيه صاحبه؟ و المرض الّذي يدع صاحبه الصلاة (من قيام)؟ قال: بَلِ الْإِنْسٰانُ عَليٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ و قال: ذاك اليه هو أعلم بنفسه «2».

فلا اشكال في أصل الحكم انّما الكلام في أنّه يكفي صرف الضرر أو لا بدّ أن يكون معتدّا به قال سيّدنا الاستاد في منهاجه: «انّه يلزم كونه بمقدار معتدّ به».

و قد ذكرنا في شرح كلامه: لعلّه ناظر فيما أفاد الي حديث عمّار ابن موسي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يجد في رأسه وجعا من صداع شديد هل يجوز له الافطار؟ قال: اذا صدع صداعا شديدا و اذا حمّ حمّي

شديدة و اذا رمدت عيناه رمدا شديدا فقد حلّ له الافطار «3».

فانّ المستفاد من الحديث انّه لا بدّ أن يكون المرض شديدا فلا يكفي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 20، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 5.

(3) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 303

لا يجابه شدّته أو طول برئه أو شدّة ألمه أو نحو ذلك (1) سواء حصل اليقين بذلك أو الظنّ، بل أو الاحتمال الموجب للخوف (2) بل لو خاف الصحيح من حدوث المرض لم يصحّ

______________________________

صرف الوجود» و الظاهر ان العرف يفهم من الحديث هذا القيد.

(1) كلّ ذلك للإطلاق المنعقد في الكتاب و السنّة و يستفاد من حديث عقبة بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صام شهر رمضان و هو مريض قال: يتمّ صومه و لا يعيد، يجزيه «1»، جواز الصوم مع المرض.

لكن الرواية ضعيفة سندا و مجرّد كون الراوي في أسناد كامل الزيارات لا يفيد، مضافا الي أنّه يمكن تقييد المرض بما لا يكون الصوم مضرّا به.

(2) ما أفاده تامّ، فانّ المستفاد من النصّ كفاية الخوف، لا حظ ما رواه حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الصائم اذا خاف علي عينيه من الرمد أفطر «2».

و لا حظ ما رواه عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الرجل يصيبه العطاش حتّي يخاف علي نفسه؟ قال: يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لا يشرب حتي يروي «3». فيكفي مجرد الاحتمال الموجب للخوف

______________________________

(1) الوسائل: الباب 22، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 2.

(2) الوسائل: الباب 19، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

(3) الوسائل: الباب 16، من

أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 304

منه (1).

و كذا اذا خاف من الضرر في نفسه أو غيره أو عرضه أو عرض غيره (2).

______________________________

فضلا عن الظنّ و اليقين.

(1) فانّ المستفاد من حديث حريز انّ خوف حدوث المرض يكفي لجواز الافطار.

(2) أمّا علي مسلك القوم في مفاد حديث لا ضرر فالأمر ظاهر فانّه علي ذلك المسلك يكون الضرر رافعا للحكم الشرعي، و أما علي مسلكنا فلا بدّ من الاستدلال علي المدعي بوجه آخر و هو انّ العرف يفهم بالمناسبة من الادلّة كتابا و سنة انّ الميزان في جواز الافطار تحقّق الضرر و لذا لا يقتضي مجرد المرض جواز الافطار.

و صفوة القول: انّ الظاهر بحسب الفهم العرفي انّ الموضوع تحقق الضرر كما أفاده الماتن.

و بعبارة واضحة انّ المستفاد من حديث حريز «1» انّ خوف حدوث الرمد يوجب جواز الافطار، و هل يكون فرق بين الرمد و شي ء آخر من الاضرار؟

و لكن الانصاف انّ الجزم بما ذكر في غاية الاشكال، نعم لو كان الضرر المتوجّه اليه من قبل الصيام بنحو يكون موجبا للوقوع في العسر و الحرج لا يكون واجبا لقيام الدليل علي رفع الاحكام التي تكون

______________________________

(1) قد تقدم في ص 303.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 305

______________________________

موجبة للحرج.

و عليه نقول: اذا صار الصوم موجبا للحرج لإحداثه الضرر في نفسه أو في عرضه أو في ماله أو فيما يتعلّق به ممّا يهمّه و الجامع بين الجميع كون الصيام حرجيّا لا يجب، لكن اذا كان الجواز بهذا التقريب لا بعنوان المرض فبايّ دليل يمكن أن يقال انّ مجرّد الخوف يكون طريقا لإحرازه؟

اللهم الّا أن

يقال: انّ الخوف بنفسه لا يبعد أن يكون طريقا عقلائيا و الشارع أمضاه مضافا الي أنّه يستفاد كفاية الخوف لإحراز موضوع الحكم من بعض النصوص الواردة في باب التيمم، منها ما رواه ابن سنان يعني عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال في رجل أصابته جنابة في السفر و ليس معه إلّا ماء قليل و يخاف إن هو اغتسل أن يعطش؟ قال: إن خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة و ليتيمّم بالصعيد فانّ الصعيد أحبّ إليّ «1».

و منها ما رواه محمد الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمّم؟ فقال: بل يتيمّم و كذلك إذا أراد الوضوء «2».

و منها ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل

______________________________

(1) الوسائل: الباب 25، من أبواب التيمم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 306

أو في مال يجب حفظه و كان وجوبه أهمّ في نظر الشارع من وجوب الصوم، و كذا اذا زاحمه واجب آخر أهمّ منه (1) و لا يكفي الضعف و ان كان مفرطا ما دام يتحمّل عادة.

نعم لو كان ممّا لا يتحمّل عادة جاز الافطار (2).

______________________________

يكون معه الماء في السفر فيخاف قلّته؟ قال: يتيمّم بالصعيد و يستبقي الماء، فان اللّه عزّ و جلّ جعلهما طهورا الماء و الصعيد «1».

(1) هذا داخل في باب التزاحم و اللازم اجراء قانون ذلك الباب و العمل علي طبقه.

(2) تارة يصل حدّه الي تحقّق الحرج فلا اشكال في عدم الوجوب كما تقدّم قريبا، و أمّا مع عدم وصوله الي

الحدّ المذكور و عدم المرض كما هو المفروض فلا وجه للقول بعدم الوجوب مع اطلاق ادلّته.

و في المقام حديث عن سماعة قال: سألته ما حدّ المرض الذي يجب علي صاحبه فيه الافطار كما يجب عليه في السفر وَ مَنْ كٰانَ مَرِيضاً أَوْ عَليٰ سَفَرٍ؟ قال: هو مؤتمن عليه مفوّض اليه فان وجد ضعفا فليفطر و ان وجد قوّة فليصمه كان المرض ما كان «2»، ربما يستفاد منه جواز الافطار مع الضعف.

و لكن يرد علي التقريب المذكور أوّلا: أنّ الراوي للحديث سماعة و لا دليل علي اعتبار اضماره. و ثانيا: انّه فرض في الحديث الضعف

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 3.

(2) الوسائل: الباب 20، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 307

و لو صام بزعم عدم الضرر فبان الخلاف بعد الفراغ من الصوم ففي الصحّة اشكال فلا يترك الاحتياط بالقضاء (1).

و اذا حكم الطبيب بأنّ الصوم مضرّ و علم المكلّف من نفسه عدم الضرر يصحّ صومه (2) و اذا حكم بعدم ضرره و علم المكلّف أو ظنّ كونه مضرّا وجب عليه تركه و لا يصحّ منه (3).

______________________________

الناشي عن المرض لا الضعف و لو مع عدم المرض. و ثالثا: انه قوبل في الحديث بين الضعف و القوّة فما دام يقوي علي الصوم يجب عليه.

(1) الظاهر انّ مراده (قدّس سرّه) انّ المريض اذا كان معتقدا لعدم الضرر و صام تكون صحّة صومه مشكلة.

و الحق أن يقال: الأقوي هو البطلان اذ المفروض انّ المستفاد من الكتاب و السنّة تقسيم المكلّف الي المريض و غيره فلا يجب علي الأوّل بل يجب عليه القضاء فلا يكون في الواقع مأمورا بالصوم بل أمره

خيالي فلا دليل علي الصحّة و الاجزاء بل مقتضي القاعدة عدمها و وجوب القضاء فلا حظ.

(2) بلا اشكال و لا كلام اذا من الظاهر انّ قول الطبيب لا موضوعيّة له.

(3) ما أفاده تامّ اذ الميزان في جواز الافطار احراز الضرر و لو بالاحتمال الموجب للخوف و المفروض تحقّقه.

ان قلت: الطبيب الثقة عالم غير خائن، و مقتضي القانون العقلائي رجوع الجاهل الي العالم فكيف يجوز للمكلّف أن يترك

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 308

(مسألة 1) يصحّ الصوم من النائم و لو في تمام النهار اذا سبقت منه النيّة في الليل، و أمّا اذا لم تسبق منه النيّة فان استمرّ نومه الي الزوال بطل صومه و وجب عليه القضاء اذا كان واجبا و ان استيقظ قبله نوي و صحّ، كما انّه لو كان مندوبا و استيقظ قبل الغروب يصحّ اذا نوي (1).

______________________________

الصوم و الحال هذه؟

قلت: المفروض انّ المكلّف الخائف لا يكون جاهلا، بل محرز شرعا للواقع فلا مجال لرجوعه الي غيره فلاحظ.

[مسائل في شرائط صحة الصوم]

[مسألة 1 يصحّ الصوم من النائم و لو في تمام النهار إذا سبقت منه النيّة في الليل]

(1) لا اشكال في أنّ الامور العدميّة لا تكون مثل الامور الوجوديّة، و بعبارة اخري تارة يكون الواجب علي المكلّف الفعل و اخري يجب عليه الترك، أمّا الفعل فيلزم صدوره عن قصد و اختيار إذا كان عباديّا، و أمّا الترك العبادي فيكفي فيه تحقّقه مع نيّة القربة و لو علي نحو الارتكاز و لا يلزم الالتفات و القصد و هذا ظاهر.

مضافا الي أنّ تمامية المدّعي تتمّ بالسيرة و تسالم الاصحاب عليه فلا اشكال من هذه الناحية، و قد تقدّم في بحث النيّة ما أشار اليه الماتن هنا من الفرق بين الواجب و المندوب من تعيين وقت النيّة.

انّما الكلام و الاشكال

في أمر ذكره سيدنا الاستاد (قدّس سرّه) و هو انّه لو لم ينو و نام و استيقظ قبل الظهر في شهر رمضان فايّ دليل دلّ علي كفاية النيّة كما في المتن؟ و الحال انّ مقتضي القاعدة الاوّلية البطلان.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 309

(مسألة 2) يصحّ الصوم و سائر العبادات من الصبي المميّز علي الأقوي من شرعيّة عباداته (1).

______________________________

و صفوة القول: انّه لو نوي الصوم من قبل في شهر رمضان و نام تمام النهار يكون صومه تامّا، و أمّا لو لم ينو و نام يكون صومه باطلا لعدم الدليل علي الصحّة.

و للمناقشة فيما أفاده مجال، فانّه يمكن أن يستفاد من بعض النصوص جواز التجديد قبل الزوال و مقتضي اطلاقه شمول الحكم لشهر رمضان، لا حظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في حديث قال: قلت له: انّ رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أ يصوم؟

قال: نعم «1».

[مسألة 2 يصحّ الصوم و سائر العبادات من الصبي المميّز علي الأقوي من شرعيّة عباداته]

(1) الكلام يقع تارة بالنسبة الي الصوم و اخري بالنسبة الي ساير العبادات، و علي كلّ تقدير تارة يقع البحث من حيث القاعدة الاوّليّة و اخري من حيث النصوص الخاصّة فلا بدّ من التكلّم في هذه الموارد.

فنقول: المورد الاول: في مقتضي القاعدة الاوّلية بالنسبة الي الصوم و مقتضاها عدم المشروعيّة اذ هي تتوقف علي الأمر أو كون العمل محبوبا للمولي و لا طريق لا حراز المحبوبيّة الّا من ناحية الأمر و المستفاد من النصّ انّ قلم التكليف مرفوع عن غير البالغ.

لا حظ ما رواه عمار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة؟ فقال: اذا أتي عليه ثلاث عشرة

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2، من

أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 310

______________________________

سنة، فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جري عليه القلم، و الجارية مثل ذلك إن أتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم «1».

فانّ المستفاد من الحديث ببركة مفهوم الشرط انّ قلم التكليف مرفوع عنه فلا وجه للقول بالشرعيّة.

و أفاد سيد المستمسك في هذا المقام انّ رفع التكليف عن غير البالغ امتنانيّ و الامتنان يحصل بعدم الايجاب، و أمّا عدم المشروعيّة و الصحّة فهو خلاف الامتنان فالنتيجة انّ عبادته مشروعة.

و يرد عليه اولا: انّ ايّ دليل دلّ علي انّ رفع القلم عنه امتنانيّ اذ يمكن أن المقتضي يكون قاصرا في الوضع أو يكون مانع هناك و العلم عند اللّه.

و ثانيا: انّا نفرض انّ الرفع امتنانيّ، لكن بعد رفع القلم بلحاظ الامتنان لا دليل علي الطلب الندبي أو كون العمل محبوبا و مرغوبا فيه منه، و اذا كان مجرد الامتنان كافيا في الحكم بالصحّة، فلا بدّ أن نلتزم بكون معاملاته من العقود و الايقاعات الصادرة عنه تامّة و الّا يلزم خلاف الامتنان و هو كما تري.

و بعبارة اخري: هل يمكن أن يقال: انّ مجرّد كون حكم امتنانيّا يقتضي الالتزام به؟ و الحال انّه من غرائب الكلام، هذا تمام الكلام في

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4، من أبواب مقدمة العبادة، الحديث 12.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 311

______________________________

المورد الأول.

المورد الثاني: انّه هل هناك دليل يدلّ علي شرعيّة صومه؟ ما يمكن أن يذكر في المقام عدة نصوص:

منها ما رواه سماعة قال: سألته عن الصبيّ متي يصوم؟

قال: اذا قوي علي الصيام «1».

و هذه الرواية من حيث الدلالة علي المدّعي تامّة و لكن السند مخدوش باضمار سماعة، اذ لا دليل علي اعتبار اضماره.

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فان كان الي نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقلّ، فاذا غلبهم العطش و الغرث أفطروا حتّي يتعوّدوا الصوم و يطيقوه فمروا صبيانكم اذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما أطاقوا من صيام، فاذا غلبهم العطش أفطروا «2».

و هذه الرواية لا تدلّ علي المدّعي، اذ المستفاد منها الأمر بالامساك بالمقدار المقدور فيكون تمرينيّا و لا يكون الأمر متعلّقا بالصوم الشرعي.

و بعبارة اخري: الأمر بالأمر بشي ء، و ان كان أمرا بذلك الشي ء و لكن هذه الرواية لا تدلّ علي هذه الجهة بل قد صرّح في الحديث انّ ملاك أمرهم التعوّد فتكون الرواية أجنبيّة عن المقام.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 29، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 312

______________________________

و منها ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسي عليه السّلام قال: سألته عن الغلام متي يجب عليه الصوم و الصلاة؟ قال: اذا راهق الحلم و عرف الصلاة و الصوم «1».

و هذه الرواية ناظرة بالصراحة الي من يكون مراهقا و مقاربا للبلوغ فلا يمكن اثبات المدّعي بها الّا في الجملة.

و منها ما رواه سماعة، أنّه سأل الصادق عليه السّلام عن الصبي متي يصوم؟ قال: اذا قوي علي الصيام «2».

و هذه الرواية تامّة سندا، و الظاهر انّ دلالتها أيضا تامّة، اذ يستفاد منها انّ

الصوم مطلوب من الصبي و هذا هو المدعي.

و منها ما رواه معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال: ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة، فان هو صام قبل ذلك فدعه و لقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته «3».

و هذه الرواية تامة سندا، و الظاهر انّه يستفاد المدعي منها، اذ معني كلامه روحي فداه انّه لو صام لا تتعرّض له ودعه علي حاله و المفروض أنه صام.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 6.

(2) نفس المصدر، الحديث 10.

(3) نفس المصدر، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 313

و يستحبّ تمرينه عليها (1).

______________________________

و بعبارة اخري: يستفاد من الحديث انّه يجبر الصبي بالصيام في الرابع عشر من عمره، و أمّا قبله فهو بالخيار و عدم تماميّة صدر الحديث لا يقتضي رفع اليد عن ذيله فلاحظ.

المورد الثالث: انّه قد ظهر ما هو مقتضي القاعدة فلا وجه للإعادة.

و أمّا المورد الرابع فلا اشكال في تمامية الأمر بالنسبة الي الصلاة بحسب النص الخاص، لا حظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه قال: انّا نأمر صبياننا بالصلاة اذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين «1».

مضافا الي أنّ الأمر لو تمّ في الصوم يتمّ في الصلاة بالأولويّة فانّها عماد الدين و معراج المؤمن و ناهية عن الفحشاء، و أمّا بالنسبة الي بقية العبادات فان قام اجماع تعبّدي عليها كاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام فهو و الّا فيشكل الجزم و عدم الفصل و الخلاف لا يفيدان فانّ الاجماع المنقول، بل المحصّل لا يكون حجّة فكيف

بعدم الفصل و الخلاف؟ الّا أن يقال: انّ السيرة المتشرّعيّة جارية في مشروعيّة جميع عباداته.

(1) لا حظ ما رواه الحلبي «2».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 3، من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 5.

(2) قد تقدم في ص 311.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 314

بل التشديد عليه لسبع (1) من غير فرق بين الذكر و الانثي في ذلك كلّه (2).

(مسألة 3) يشترط في صحّة الصوم المندوب مضافا الي ما ذكر أن لا يكون عليه صوم واجب من قضاء أو نذر أو كفّارة أو نحوها (3).

______________________________

(1) لم أجد دليلا علي خصوصيّة السبع و اللّه العالم.

(2) العنوان المأخوذ في النصوص عنوان الصبي، و هل يمكن أن العنوان المذكور يشمل الانثي؟ قال الطريحي: «الصبي الصغير»، الي أن قال: «و في الصحاح الغلام و الجمع صبية و الصبيان» الي أن قال:

«و الصبيّة علي فعيلة الجارية و الجمع الصبايا» فالجزم بالحكم يحتاج الي قيام اجماع تعبّدي علي عدم الفرق، اللهم الّا أن يقال: انّ العرف يفهم عدم الفرق فتأمل.

[مسألة 3 يشترط في صحّة الصوم المندوب مضافا الي ما ذكر أن لا يكون عليه صوم واجب من قضاء أو نذر أو كفّارة أو نحوها]

(3) تارة يفع الكلام بالنسبة الي من يكون عليه القضاء من شهر رمضان و اخري بالنسبة الي مطلق الفرض، أمّا بالنسبة الي الأول فتدلّ علي المدعي جملة من النصوص:

منها ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن ركعتي الفجر؟ قال: قبل الفجر، إلي أن قال: أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟ فابدأ بالفريضة «1».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 28، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 315

مع التمكّن من ادائه، و أمّا مع عدم التمكّن منه كما اذا

كان مسافرا و قلنا بجواز الصوم المندوب في السفر أو كان في المدينة و أراد صيام ثلاثة أيّام للحاجة فالأقوي صحّته (1).

______________________________

و منها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوّع؟ فقال: لا حتي يقضي ما عليه من شهر رمضان «1».

و منها ما رواه الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل عليه من شهر رمضان أيام أ يتطوّع؟ فقال: لا حتّي يقضي ما عليه من شهر رمضان «2».

و يدل بالنسبة الي مطلق الفرض ما رواه الحلبي و أبو العبّاس جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: انّه لا يجوز أن يتطوّع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض «3».

لكن الظاهر من الحديث انّ المانع الصوم الواجب بعنوان الصوم لا بالعنوان الثانوي كالنذر فلا يتمّ ما أفاده بالنسبة الي النذر و أمثاله فلا تغفل.

(1) بدعوي الانصراف، و الظاهر أنّه لا وجه له و علي فرض تسلّمه بدويّ يزول بالتأمّل.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 316

و كذا إذا نسي الواجب و أتي بالمندوب، فانّ الأقوي صحّته؟؟؟ (1) و أمّا اذا تذكّر في الأثناء قطع (2).

؟؟؟ النيّة حينئذ للواجب مع بقاء محلها كما اذا كان قبل الزوال (3) و لو نذر التطوّع علي الاطلاق صحّ و ان كان عليه واجب فيجوز أن يأتي بالمنذور قبله بعد ما صار واجبا و كذا لو نذر أياما معيّنة يمكن اتيان الواجب قبلها، و أمّا لو نذر

______________________________

(1) إمّا لدعوي الانصراف و قد مرّ انّه لا وجه له، و إمّا لدعوي انّه

مع النسيان لا يصدق موضوع المنع، اذ ليس عليه شي ء فانّ النسيان يرفع الحكم واقعا.

و يرد عليه أوّلا: انّه علي هذا لا وجه للحكم بالبطلان إذا تذكّر بعد الزوال فانّه بعد الزوال لا يمكنه الاتيان به و لا يتوجّه اليه التكليف.

و ثانيا انّ الناسي و إن لم يكن التكليف متوجّها اليه حال النسيان لكن يصدق انّه عليه الصوم فانّ ذمّته مشغولة به.

(2) لصدق موضوع المنع عن الصوم المندوب فيلزم قطعه، بل التعبير الصحيح أن يقال: انقطع اذ المفروض انّ بطلانه بعد التذكّر ليس باختيار المكلف بل بحكم الشارع فلاحظ.

(3) اذ المستفاد من النص الخاصّ انّه إذا لم ينو و لم يحدث شيئا يجوز قصد الصوم الواجب عليه ما دام لم يتحقق الزوال، و قد تقدّم البحث تفصيلا في باب النيّة و اجمالا قريبا و مقتضي اطلاق دليل جواز التجديد شموله للمورد فيجوز له العدول من المندوب الي الواجب.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 317

أيّاما معيّنة لا يمكن اتيان الواجب قبلها ففي صحّته اشكال من أنّه بعد النذر يصير واجبا و من انّ التطوّع قبل الفريضة غير جائز فلا يصحّ نذره و لا يبعد أن يقال انّه لا يجوز بوصف التطوّع و بالنذر يخرج عن الوصف و يكفي في رجحان متعلق النذر رجحانه و لو بالنذر، و بعبارة اخري: المانع هو وصف الندب و بالنذر يرتفع المانع (1).

______________________________

(1) تعرّض الماتن (قدّس سرّه) لصور ثلاث:

الصورة الاولي: أن ينذر الصوم المندوب علي الاطلاق بحيث يمكنه أن يأتي بالفرض أوّلا ثمّ الاتيان بالمنذور.

الصورة الثانية: أن ينذر صوم يوم معيّن و لكن يمكنه الاتيان بالواجب قبله.

الصورة الثالثة: أن ينذر يوما معيّنا و لا يمكنه أن

يأتي بالواجب قبله و حكم بالصحة في الصورة الاولي و الثانية و تردّد في الثالثة و أخيرا لم يستبعد الصحة.

و قال سيدنا الاستاد (قدّس سرّه) في شرح كلام الماتن: «إنّ الاطلاق عبارة عن رفض القيود لا الجمع بينها، و من ناحية اخري انّ استحالة التقييد لا تستلزم استحالة الاطلاق فلا مانع من انعقاد النذر في الصورة الاولي و الثانية و بعد انعقاده ينقلب عنوان الندب بالواجب فيجوز ايقاعه قبل الفرض، و أمّا في الصورة الثالثة، فانّ المفروض انّ متعلّق النذر بنفسه أمر راجح، و إنّما الاشكال من ناحية المانع، فاذا

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 318

______________________________

فرض انّه بالنذر يرتفع المنع لا مانع من انعقاده و المفروض انّه بالنذر ينقلب المندوب الي الواجب فالمقتضي موجود و المانع مفقود.

و لذا لو نذر المريض في شهر رمضان صوم الغد و بنذره يرتفع مرضه يصحّ نذره و يجب عليه الصوم و الحال انّ الصوم غير مشروع بالنسبة الي المريض لكن الممنوع الصوم لا نذره.

أقول: لا اشكال في أنّ انعقاد النذر يتوقّف علي كون متعلّقه راجحا و محبوبا في حدّ نفسه و مع قطع النظر عن النذر، و بعبارة واضحة: النذر لا يكون مشرّعا، هذا من ناحية و من ناحية اخري انّ الاهمال في الواقع غير معقول، فاذا فرضنا انّ الصوم المندوب قبل الواجب مرجوح و مبغوض عند المولي و لا يكون قابلا لأن يتعلق به النذر، فعلي هذا الاساس لو فرضنا انّ متعلق نذره مطلق نسأل انّه بعد فرض استحالة الاهمال إمّا يقيد متعلق نذره بما بعد الفرض و إما يلاحظ اطلاقه و شموله لما قبله.

أمّا علي الأوّل فلا يكون الصوم الواقع قبل اداء

الفرض مصداقا للنذر و لا يكون وفاء به كما هو ظاهر فلا كلام في عدم جوازه.

و إمّا يقصد الاطلاق بمعني عدم الفرق بين البعديّة و القبليّة فيكون النذر باطلا اذ لم يراع الشرط اللازم في انعقاده و هل يمكن الالتزام بالصحة اذا نذر المكلّف ان يصلي صلاة الليل علي نحو الاطلاق بحيث يشمل اطلاقه ايقاعها في المكان الغصبي بدعوي انّ الاطلاق رفض

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 319

______________________________

القيود؟ كلّا ثمّ كلّا، فان رفض القيد عبارة عن عدم دخله في الاعتبار أي لا يختص الاعتبار به لا أن الاعتبار لا يشمله.

مثلا: لو أمر المولي بعتق رقبة لا يكون قيد الايمان دخيلا في المتعلق لا أن الحكم لا يشمله، فاذا فرضنا أنّ المولي قيّد المتعلق بقوله لا تعتق رقبة كافرة فهل يمكن أن يقال: انّ الاطلاق يشمله لأنّه رفض القيد.

و ممّا ذكرنا يظهر الفساد في الصور الثلاث و قياس المقام بنذر المريض مع الفارق، اذ المريض ينذر انّه إن صار صحيحا يصوم، فاذا صار النذر بنفسه سببا لصحّته ينعقد نذره، و لذا لو نذر علي نحو الاطلاق بأنّ يعتبر عدم الفرق بين وجود المرض و عدمه يكون نذره باطلا.

و ما أفاده في كلامه- من أنّ الصوم في حدّ نفسه راجح غاية الأمر مقرون بالمانع و النذر يرفع المانع- مدفوع بأنّ الصوم مع فرض الواجب في ذمّة المكلف محبوب أم لا؟

لا سبيل الي الأوّل، و علي الثاني فلا مجال لتعلق النذر به و الّا يلزم أن يكون النذر مشرّعا، أضف الي ذلك كله، انّ الظاهر من النص النهي عن الاتيان بالعمل الّذي يكون تطوّعا في نفسه فلا مجال لأن ينقلب الي الفرض فلا

يعقل اصلاحه بالنذر فلاحظ و اغتنم، و الّذي يهون الخطب انّ العصمة مخصوصة بأهلها.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 320

(مسألة 4) الظاهر جواز التطوّع بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استيجاريّا و ان كان الأحوط تقديم الواجب (1).

[مسألة 4 الظاهر جواز التطوّع بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استيجاريّا]

______________________________

(1) الأمر كما أفاده، فان الظاهر من دليل المنع انّ الصوم الّذي يكون واجبا بالعنوان الاوّلي يكون مانعا عن التطوّع لا علي الاطلاق فلا يكون الوجوب الثانوي الناشي عن النذر أو اليمين أو الاجارة كذلك، و اللّه العالم.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 321

[فصل في شرائط وجوب الصوم]

اشارة

فصل في شرائط وجوب الصوم و هي أمور:

الأوّل و الثاني: البلوغ و العقل، فلا يجب علي الصبيّ و المجنون (1).

[هي أمور:]

[الأوّل و الثاني: البلوغ و العقل]

______________________________

(1) أمّا اشتراط التكليف بالبلوغ فأوضح من أن يخفي، مضافا الي ارتكازه في أذهان عامّة المكلفين حتّي الساكنين في البوادي و الفلوات.

مضافا الي الاجماع المدّعي في المقام و بالاضافة الي النصّ الخاصّ لا حظ ما رواه عمّار «1».

و أمّا اشتراط العقل في توجّه التكليف فلعلّه أوضح و أظهر من البلوغ، مضافا الي أن المجنون لا يميّز و لا يشعر فكيف يمكن أن يكلّف.

و ان شئت قلت: الحاكم في باب الاطاعة و العصيان العقل، فمن

______________________________

(1) قد تقدم في ص 309.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 322

إلّا أن يكملا قبل طلوع الفجر (1) دون ما اذا كملا بعده فانّه لا يجب عليهما و ان لم يأتيا بالمفطّر (2) بل و ان نوي الصبيّ لصوم ندبا (3) لكنّ الاحوط مع عدم اتيان المفطّر الاتمام (4).

و القضاء إذا كان الصوم واجبا معيّنا (5).

و لا فرق في الجنون بين الاطباقيّ و الادواريّ إذا كان

______________________________

لا عقل له لا تتصور فيه الاطاعة و العصيان، أضف الي ذلك ما رواه ابن مسلم «1».

(1) كما هو ظاهر، اذ في الفرض المذكور يدخل من لم يكن في دائرة المكلفين فيها و ينقلب العنوان.

(2) فانّ ما أفاده مقتضي القاعدة الأوّليّة إذ الصوم مركّب اعتباري و أمر واحد و يرتبط بعضه ببعضه الآخر و المفروض انّه لم يكن واجبا في أوّل النهار فلا مجال للقول بوجوبه فانّ الشي ء الواحد امّا واجب أولا، بلا فرق بين الاتيان بالمفطّر و عدمه كما هو ظاهر بعد التأمّل.

(3) بعين التقريب و البيان.

(4) لا اشكال في حسن

الاحتياط عقلا و ان لم يكن عليه دليل شرعا، و لعلّ منشأ الاحتياط الخروج عن شبهة الخلاف.

(5) لا وجوب له نهائيّا اذ علي فرض عدم الوجوب كما هو الحقّ فظاهر، و أمّا علي تقدير الوجوب فقد فرض تحققه فلا موضوع للقضاء، و لعلّه اشتباه في الكتابة، و اللّه العالم.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 288.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 323

يحصل في النهار و لو في جزء منه (1).

و أمّا لو كان دور جنونه في اللّيل بحيث يفيق قبل الفجر فيجب عليه (2).

الثالث: عدم الاغماء فلا يجب معه الصوم و لو حصل في جزء من النهار (3).

______________________________

(1) فانّ حكم الامثال واحد كما انّ مقتضي اطلاق النصّ كذلك فلاحظ.

(2) و هذا ظاهر واضح لا يحتاج الي بيان و لا اقامة برهان.

[الثالث: عدم الاغماء]

(3) تارة نتكلّم حول المسألة مع قطع النظر عن الدليل الدالّ علي المدّعي، و اخري بلحاظ الدليل فيقع الكلام في موضعين:

امّا الموضع الأوّل فنقول: الظاهر انّه لا مقتضي في حدّ نفسه للشرط المذكور، اذ لا تنافي بين التكليف في أمثال ما نحن فيه و بين الاغماء.

توضيح المدّعي: انّ الامور الوجوديّة اذا فرض تعلق الامر العبادي بها لا بدّ في امتثالها من صدورها عن اختيار و قربة.

و أمّا العبادة إذا كانت أمرا عدميا و تركا فيكفي في تحقّقها النيّة القربيّة، و لا يلزم استنادها الي الاختيار و الارادة في كلّ جزء منها و لذا يصحّ الصوم من المحبوس الّذي لا يمكنه ارتكاب المفطر، بل يكفي في تحقق الصوم أن يتحقّق الاجتناب و لو تقديرا مع كون القصد قريبا و عليه لا نري مانعا عن صحّة الصوم بالنسبة الي المغمي عليه.

و أمّا الموضع

الثاني فما يمكن أن يقال أو قيل في تقريب

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 324

نعم لو كان نوي الصوم قبل الاغماء فالاحوط اتمامه (1).

الرابع: عدم المرض الّذي يتضرّر معه الصائم (2) و لو برئ بعد الزوال و لم يفطر لم يجب عليه النيّة و الاتمام، و أمّا لو برئ قبله و لم يتناول مفطّرا فالأحوط أن ينوي و يصوم، و ان

______________________________

الاشتراط وجوه:

الوجه الأول: انّه لا يمكن تكليف المغمي عليه لا وجوبا و لا ندبا فلا يصح منه الصوم.

و فيه انّه لا تلازم بين الأمرين فانّ النائم لا يصحّ تكليفه و مع ذلك صومه صحيح.

الوجه الثاني: انّ الاغماء في جميع اليوم يفسد الصوم فكذلك إذا كان في بعض اليوم كالحيض و الجنون و المرض.

و فيه انّ كون الاغماء المستوعب لجميع اليوم مفسدا أوّل الكلام و الاشكال.

الوجه الثالث: انّ القضاء عنه ساقط فكذلك الاداء. و فيه انه لا تلازم بين الأمرين هذا علي فرض تسليم سقوط القضاء و أمّا علي فرض عدم تماميّته فالأمر أوضح.

الوجه الرابع: انّ الاغماء كالجنون و فيه أنّه لا دليل عليه.

(1) بل الاظهر كذلك.

[الرابع: عدم المرض الّذي يتضرّر معه الصائم]

(2) كما هو ظاهر و دلّت عليه بالصراحة الآية الشريفة و أيضا النصوص دالّة علي المدّعي، و قد تقدّم الكلام حول خصوصيّات المسألة و لا وجه للإعادة.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 325

كان الاقوي عدم وجوبه (1).

الخامس: الخلوّ من الحيض و النفاس فلا يجب معهما (2) و ان كان حصولهما في جزء من النهار (3).

السادس: الحضر فلا يجب علي المسافر الّذي يجب عليه قصر الصلاة بخلاف من كان وظيفته التمام كالمقيم عشرا أو المتردّد ثلاثين يوما و المكاري و

نحوه و العاصي بسفره فانّه يجب عليه التمام اذ المدار في تقصير الصوم علي تقصير الصلاة فكلّ سفر يوجب قصر الصلاة يوجب قصر الصوم و بالعكس (4).

______________________________

(1) إذ كما تقدّم مرارا انّ الصوم واجب ارتباطي عباديّ و لا يتصوّر فيه التّبعيض فلا مقتضي للوجوب، و لا فرق بين تحقّق البرء بعد الزوال و قبله و لا اشكال في حسن الاحتياط الذي أشار اليه.

فلا وجه لما نسب الي المشهور من التفريق و امّا الحاق البرء قبل الزوال بقدوم المسافر قبله و صيرورته حاضرا فلا وجه له مع عدم الدليل عليه و من ناحية اخري انّ القياس باطل.

[الخامس: الخلوّ من الحيض و النفاس]

(2) كما هو ظاهر واضح عند أهل الشرع و النصوص دالّة علي المدعي، و قد سبق الاشارة اليها في فصل شرائط صحّة الصوم.

(3) كما اشير الي ما يدلّ عليه من النص في فصل شرائط الصحّة.

[السادس: الحضر]

(4) للتلازم المستفاد من النصّ و التسالم علي عدم الفرق بين الصوم و الصلاة في القصر و الافطار و كذلك في الاتمام و الصيام الّا ما خرج بالدليل في موارد خاصّة فما أفاده تامّ لا خدش فيه.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 326

(مسألة 1) إذا كان حاضرا فخرج الي السفر فان كان قبل الزوال وجب عليه الافطار و ان كان بعده وجب عليه البقاء علي صومه و اذا كان مسافرا و حضر بلده أو بلدا يعزم علي الاقامة فيه عشرة أيّام، فان كان قبل الزوال و لم يتناول المفطّر وجب عليه الصوم، و ان كان بعده أو تناول فلا و ان استحبّ له الامساك بقيّة النهار، و الظاهر انّ المناط كون الشروع في السفر قبل الزوال أو بعده لا الخروج عن حدّ الترخّص.

و كذا في الرجوع المناط دخول البلد لكن لا يترك الاحتياط بالجمع اذا كان الشروع قبل الزوال و الخروج عن حدّ الترخّص بعده.

و كذا في العود اذا كان الوصول الي حدّ الترخّص قبل الزوال و الدخول في المنزل بعده (1).

[مسائل في شرائط وجوب الصوم]

[مسألة 1 إذا كان حاضرا فخرج الي السفر]

اشارة

______________________________

(1) قد تعرض الماتن (قدّس سرّه) في هذه المسألة لعدّة فروع:

الفرع الأوّل: التفصيل بين السفر قبل الزوال

فيجب الافطار علي الاطلاق و السفر بعده فيجب الصيام كذلك و لا بدّ من ملاحظة الادلّة و استفادة الحكم الالهي منه.

فنقول و عليه التوكّل و التكلان: أمّا الآية الشريفة و هي قوله تعالي: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَليٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1» فتدلّ علي وجوب الافطار علي المسافر علي الاطلاق.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1417 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم؛ ص: 326

______________________________

(1) البقرة: 184.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 327

______________________________

و أمّا النصوص الواردة في المقام فعلي طوائف:

الطائفة الاولي: ما يدلّ علي وجوب الافطار علي نحو الاطلاق، و من تلك الطائفة ما رواه زرارة «1» و هذه الرواية كما تري تدلّ علي وجوب الافطار في السفر علي الاطلاق.

الطائفة الثانية: ما يدلّ علي التفصيل بين السفر قبل الزوال و بعده بايجاب الافطار في الأوّل و الصيام في الثاني، و من تلك الطائفة ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر و هو صائم؟ قال: فقال: ان خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و ان خرج بعد الزوال فليتمّ يومه «2» الي غيره الوارد في الباب المشار اليه.

الطائفة الثالثة: ما يدل علي التفصيل بين تبييت النيّة و عدمه بالافطار في الاول و الصيام في الثاني، و من تلك الطائفة: ما رواه رفاعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام،

عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح؟ قال: يتمّ صومه يومه ذلك «3».

و هذه الرواية ضعيفة بالوشاء اذ لم يوثّق.

ان قلت: يظهر من كلام المجلسي كونه ثقة.

قلت: و يظهر من كلامه أيضا انّ توثيقه مبنيّ علي الاجتهاد،

______________________________

(1) قد تقدم في ص 300.

(2) الوسائل: الباب 5، من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 328

______________________________

اضف الي ذلك ان غاية ما في الباب انّه يقع التعارض بينه و بين حديث الحلبي الدال علي التفصيل بين السفر قبل الزوال و بعده و كلاهما مرويان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و حيث لا مرجّح لأحدهما علي الآخر يدخل المقام تحت اشتباه الحجة بغيرها و مع رفع اليد عنهما تصل النوبة الي الاخذ بالاطلاق الكتابي الدال علي الافطار في السفر.

و منها ما رواه الجعفري قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام، عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح؟

قال: اذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم الّا أن يدلج دلجة «1».

و هذه الرواية ضعيفة بعلي بن أحمد بن أشيم، فانّه لم يوثّق، و قد قال العلامة (قدّس سرّه) في القسم الثاني من رجاله بأنّه مجهول.

و منها ما رواه عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن موسي عليه السّلام، في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله، و ان لم يحدّث نفسه من الليلة ثمّ بدا له في السفر من يومه أتمّ صومه «2».

و هذه الرواية ضعيفة بضعف إسناد الشيخ الي علي بن الحسن، و قد ذكرنا في مباني منهاج الصالحين «3» انّ سيّدنا

الاستاد صحّح

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 6.

(2) نفس المصدر، الحديث 10.

(3) ج 6 ص 182.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 329

______________________________

الطريق و أوردنا عليه و قلنا ما أفاده غير تامّ، و من أراد فليراجع ما ذكرناه هناك.

و منها ما رواه صفوان، عن الرضا عليه السّلام في حديث قال: لو انّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الافطار فان هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له من بعد أن اصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك «1».

و هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

و منها ما رواه أبو بصير قال: اذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر من الليل فاتمّ الصوم و اعتدّ به من شهر رمضان «2» و هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

و منها ما رواه أبو بصير أيضا قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

اذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل فان خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر و عليك قضاء ذلك اليوم «3» و الرواية مخدوشة بالارسال.

الطائفة الرابعة: ما يدلّ علي التفصيل بين تحقق السفر قبل الفجر و بعده بوجوب الافطار في الأوّل و الصيام في الثاني و من تلك الطائفة مضمرة سماعة قال: سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟

______________________________

(1) الوسائل: الباب 5، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 11.

(2) نفس المصدر، الحديث 12.

(3) نفس المصدر، الحديث 13.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 330

______________________________

قال: اذا طلع الفجر و لم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم، و ان خرج من أهله قبل طلوع الفجر فليفطر و لا

صيام عليه «1» و الرواية مخدوشة بالاضمار و ابن السندي.

و منها ما رواه سماعة أيضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من أراد السّفر في رمضان فطلع الفجر و هو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم إذا سافر لا ينبغي أن يفطر ذلك اليوم وحده و ليس يفترق التقصير و الافطار فمن قصّر فليفطر «2».

و هذه الرواية مجملة، اذ يناقض صدرها مع ذيلها فانّه يستفاد من صدرها انّ الميزان في الافطار تحقّق السفر قبل الفجر و يستفاد من ذيلها انّ الميزان في الافطار قصر الصلاة.

مضافا الي انّها قابلة للتقييد بما يدلّ علي وجوب الافطار إذا سافر قبل الزوال، فانّ الحديث المذكور مطلق من حيث السفر قبل الزوال و بعده فقابل لأن يقيّد بما دلّ علي وجوب الافطار اذا سافر قبل الزوال.

الطائفة الخامسة: ما يدلّ علي التخيير بين الصيام و الافطار بلا فرق بين كون السفر قبل الزوال أو بعده، لا حظ ما رواه رفاعة بن موسي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل يريد السفر في رمضان؟

قال: اذا أصبح في بلده ثمّ خرج فان شاء صام و ان شاء أفطر «3».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 8.

(2) نفس المصدر، الحديث 9.

(3) نفس المصدر، الحديث 7.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 331

______________________________

و هذه الرواية لا يمكن الالتزام بمفادها فانّ مفادها خلاف ارتكاز المتشرّعة و يقرع الاسماع فالحقّ هو التفصيل بين السفر قبل الزوال و بعده بوجوب الافطار في الأوّل و وجوب الصيام في الثاني.

الفرع الثاني: انّه لو صار المسافر حاضرا أو في حكمه كالمقيم عشرة أيّام و كان حضوره قبل الزوال

يجب عليه الصوم اذا لم يكن مفطرا قبل قدومه.

أقول: مقتضي القاعدة الاوّليّة انّه لا صوم عليه و يكون صومه باطلا، فانّ الدليل الدالّ علي عدم وجوب

الصوم علي المسافر و عدم جعله عليه يدلّ بالاطلاق علي عدم وجوبه علي من يكون مسافرا و لو بمقدار قليل من اليوم و لكن لا بدّ من رفع اليد عن مقتضي القاعدة بمقتضي النصّ الخاصّ.

لا حظ ما رواه يونس في حديث قال: قال في المسافر يدخل أهله و هو جنب قبل الزوال و لم يكن أكل فعليه أن يتمّ صومه و لا قضاء عليه يعني اذا كانت جنابته من احتلام «1».

و لا حظ ما رواه أبو بصير قال: سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان؟ فقال: إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم و يعتدّ به «2».

و في هذه الرواية لم يفرض انّ القادم لم يفطر، و مقتضي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 6، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 332

______________________________

الاطلاق انّه يجب عليه الصوم، و هل يمكن الالتزام به؟

و يجاب عن هذه الشبهة:

أوّلا: انّ من أفطر و تناول المفطّر يكون خارجا عن موضوع الصائم و مع فرض الافطار لا مجال لتحقّق الصيام.

و ثانيا: انّه عليه السّلام قال في الجواب: عليه صيام ذلك اليوم فيعلم انّ اليوم قابل لوقوع الصوم فيه.

و ثالثا: انّه نرفع اليد عن الاطلاق بالضرورة، و علي الجملة: انّ المستفاد من الحديثين انّ القادم قبل الزوال يجب عليه الصيام.

و ربما يتوهم من جملة من النصوص انّ المسافر اذا قدم قبل الزوال يكون مخيرا بين الافطار و الصيام.

منها ما رواه رفاعة بن موسي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتّي يري انّه سيدخل اهله ضحوة أو ارتفاع

النهار؟ قال: اذا طلع الفجر و هو خارج لم يدخل فهو بالخيار ان شاء صام و ان شاء افطر «1».

و هذه الرواية يستفاد منها بوضوح انّه بالخيار ما دام يكون خارجا لا انّه بالخيار بعد القدوم و الحضور و العرف ببابك.

و منها ما رواه محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار؟ قال: اذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل أهله فهو

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 333

______________________________

بالخيار ان شاء صام و ان شاء افطر «1» و الكلام هو الكلام فلاحظ.

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن الرجل كيف يصنع اذا أراد السفر؟ الي أن قال: إن قدم بعد زوال الشمس أفطر و لا يأكل ظاهرا و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ان شاء «2» و الحديث مخدوش بالاضمار و بعليّ بن السندي.

و منها ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: فاذا دخل ارضا قبل طلوع الفجر و هو يريد الاقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم و ان دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه و ان شاء صام «3».

و هذه الرواية يستفاد منها بوضوح عدم وجوب الصوم و كون المكلف مختارا في أن يصوم أو يفطر و لا يمكن الالتزام بمفادها، و قال البحراني في حدائقه «4» «أنّه لم يلتزم بهذا القول أحد».

الفرع الثالث: أنّه لو قدم بعد الزوال لا يصحّ منه الصوم

كما يستفاد من أحاديث الباب، فانّ مقتضي مفهوم الشرط كذلك، مضافا الي انّ القاعدة الأوّليّة تقتضي ذلك فعلي فرض عدم

دلالة النص تكفي القاعدة لإثبات المدعي فلاحظ.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 7.

(3) نفس المصدر، الحديث 1.

(4) ج 13 ص 399.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 334

الفرع الرابع: انّه إن قدم بعد الزوال أو إن قدم قبله و قد تناول المفطّر قبل قدومه

______________________________

يستحبّ له الامساك بقيّة النهار.

أقول: أمّا بالنسبة الي القدوم قبل الزوال فورد فيه حديث:

و هو ما رواه سماعة قال: سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس و قد أكل؟ قال: لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا و لا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل «1» و الحديث ضعيف بالاضمار.

و يدلّ علي المدّعي بالاطلاق ما رواه يونس قال: قال في المسافر الّذي يدخل أهله في شهر رمضان و قد أكل قبل دخوله، قال: يكفّ عن الأكل بقيّة يومه و عليه القضاء الحديث «2» و الحديث ضعيف بالعبيدي.

و أمّا بالنسبة الي ما بعد الزوال فلم نجد حديثا يدلّ علي المدّعي الّا أن يقال يكفي دليلا عليه اطلاق حديث يونس فالاشكال سندي.

و أمّا حديث سماعة «3» فغير مربوط بالمدعي، بل معناه عدم التظاهر بالافطار، مضافا الي كون السند مخدوشا بالاضمار و ابن السّندي.

ان قلت: بالنسبة الي ما قبل الزوال يمكن اتمام الامر بقاعدة التسامح.

قلت: الظاهر انّ مورد تلك القاعدة بلوغ الثواب علي عمل و الحال انّه ليس في الحديثين ذكر من الثواب.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 7، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) قد تقدم في ص 333.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 335

(مسألة 2) قد عرفت التلازم بين اتمام الصلاة و الصوم و قصرها و الافطار لكن يستثني من ذلك موارد:

احدها: الاماكن الأربعة فانّ المسافر يتخيّر فيها بين القصر

و التمام في الصلاة و في الصوم يتعيّن الافطار.

الثاني: ما مرّ من الخارج الي السفر بعد الزوال فانّه يتعيّن عليه البقاء علي الصوم مع انّه يقصّر في الصلاة.

الثالث: ما مرّ من الراجع من سفره فانّه ان رجع بعد الزوال يجب عليه الاتمام مع انّه يتعيّن عليه الافطار (1).

الفرع الخامس: انّ الميزان في الذهاب و الاياب هو البلد لا حدّ الترخّص

______________________________

و ما أفاده تامّ، فانّ المستفاد من الأدلّة الخروج من البلد و الرجوع اليه غاية الأمر لا يترتب اثر السفر و حكمه قبل التجاوز عن حدّ الترخّص.

و ان شئت قلت: دليل حكم الترخيص دليل علي تخصيص حكم المسافر و لا يكون محدّدا للموضوع، و صفوة القول: انّه قد علم من الدليل عدم جواز القصر في الصلاة قبل الوصول الي حدّ الترخص و من ناحية اخري علم التلازم بين الاتمام و الصيام و القصر و الافطار فلا يجوز للمسافر الافطار قبله. و الحاصل: انّ الميزان نفس البلد و لا اشكال في حسن الاحتياط بجعل الميزان حدّ الترخص.

[مسألة 2 قد عرفت التلازم بين اتمام الصلاة و الصوم و قصرها و الافطار]

(1) أقول: كلّ عامّ أو مطلق قابل لأن يخصّص أو يقيّد، و مقتضي قاعدة التلازم عدم الانفكاك بين الاتمام و الصوم و القصر و الافطار و لا ينافي الالتزام بالانفكاك مع قيام الدليل علي التخصيص

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 336

______________________________

كما انّه دلّ الدليل علي انّ المسافر مخيّر في الاماكن الاربعة بين القصر و الاتمام، و أمّا بالنسبة الي الصوم فلا يكون المكلّف مخيّرا بين الصيام و الافطار.

و يمكن أن يقال: انّ التلازم بين لزوم القصر و الافطار و في المواضع الاربعة الأمر متعلّق بالجامع بين القصر و الاتمام و لا الزام بالقصر فلا ينتقض التلازم.

و بعبارة اخري: المستفاد من النصّ التلازم بين لزوم القصر و الافطار و لكن الحقّ عندنا انّ الأمر دائما متعلق بالجامع بين القصر و الاتمام، غاية الأمر انّ القصر لا بدّ أن يكون في السفر و الاتمام في الحضر.

و أما بالنسبة الي الخارج الي السفر بعد الزوال فيجب القصر و لكن قد دلّ الدليل علي أنّه لا يجوز الافطار

فنلتزم بالتخصيص، و أمّا بالنسبة الي المسافر الذي يقدم من سفره و يصير حاضرا بعد الزوال فيجب عليه التمام و لا يصحّ منه الصوم و لم يدلّ دليل علي التلازم بين الاتمام و الصيام و انّما الدليل دل علي التلازم بين القصر و الافطار و بين الافطار و القصر.

لاحظ ما رواه معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: هذا واحد اذا قصّرت افطرت و اذا افطرت قصّرت «1».

و لكن يمكن أن يقال: انّ المستفاد من قوله عليه السّلام: اذا قصّرت

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 337

(مسألة 3) اذا خرج الي السفر في شهر رمضان لا يجوز له الافطار الّا بعد الوصول الي حدّ الترخّص و قد مرّ سابقا وجوب الكفّارة عليه إن افطر قبله (1).

(مسألة 4) يجوز السفر اختيارا في شهر رمضان، بل و لو كان للفرار من الصوم كما مرّ، و أمّا غيره من الواجب المعيّن فالأقوي عدم جوازه الّا مع الضرورة كما انّه لو كان مسافرا وجب عليه الاقامة لإتيانه مع الامكان (2).

______________________________

أفطرت، بمقتضي مفهوم الشرط انّه اذا انتفي القصر أي اذا اتممت لا يجوز الافطار.

[مسألة 3 إذا خرج الي السفر في شهر رمضان لا يجوز له الافطار الّا بعد الوصول الي حدّ الترخّص]

(1) الظاهر انّه لا خلاف فيه و السيرة من أهل الشرع جارية عليه و قاعدة التلازم تقتضيه و مقتضي اطلاق دليل وجوب الكفّارة علي المفطر وجوبها.

[مسألة 4 يجوز السفر اختيارا في شهر رمضان]

(2) هذا علي طبق القاعدة الاوّليّة فانّ وجوب الصوم مشروط بالحضور و لا يجب علي المكلّف ايجاد الشرط فيجوز السفر و لو لأجل الفرار من الصوم، و أمّا الواجب المعيّن غير صوم شهر رمضان فانّ الوجوب المتعلّق به مطلق، و ما أفاده في المتن متين اذ يجب بحكم العقل الاتيان بجميع شرائط الواجب فلو كان مسافرا يجب الحضور كما انّ الحاضر لا يجوز له السفر الّا مع الضرورة.

و كما انّ الأمر كذلك لو كان حرجيّا فانّ الضرورات تبيح المحظورات، و أمّا ان كان بنحو الواجب المشروط فلا يجب ايجاد الشرط كما لو نذر بأنّه لو كان حاضرا يوم الجمعة يصوم و هذا ظاهر عند الخبير

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 338

(مسألة 5) الظاهر كراهة السفر في شهر رمضان قبل أن يمضي ثلاثة و عشرون يوما الّا في حج أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه (1).

(مسألة 6) يكره للمسافر في شهر رمضان، بل كلّ من يجوز له الافطار التملّي من الطعام و الشراب، و كذا يكره له الجماع في النهار، بل الاحوط تركه و ان كان الاقوي جوازه (2).

______________________________

بالصناعة فلاحظ.

[مسألة 5 الظاهر كراهة السفر في شهر رمضان قبل أن يمضي ثلاثة و عشرون يوما الّا في حج أو عمرة]

(1) قد تقدّم الكلام حول المسألة في المسألة الخامسة و العشرين من فصل الكفّارة فراجع ما ذكرناه هناك.

[(مسألة 6 يكره للمسافر في شهر رمضان، بل كلّ من يجوز له الافطار التملّي من الطعام و الشراب]

اشارة

(2) تعرض (قدّس سرّه) في هذه المسألة لفرعين:

الفرع الأوّل: كراهة التملّي للمسافر في شهر رمضان

بل يكره بالنسبة الي كلّ من يجوز له الافطار و ما يمكن ان يستدلّ به علي المدّعي حديث ابن سنان يعني عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل يسافر في شهر رمضان و معه جارية له أ فله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال: سبحان اللّه أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان؟ انّ له في الليل سبحا طويلا. قلت: أ ليس له أن يأكل و يشرب و يقصّر؟

فقال: انّ اللّه تبارك و تعالي قد رخّص للمسافر في الافطار و التقصير رحمة و تخفيفا لموضع التّعب و النّصب و وعث السّفر و لم يرخّص له في مجامعة النساء في السّفر بالنهار في شهر رمضان و أوجب عليه قضاء الصيام و لم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة اذا آب من سفره، ثمّ

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 339

______________________________

قال: و السنّة لا تقاس، و انّي اذا سافرت في شهر رمضان ما آكل الّا القوت و ما أشرب كلّ الرّي «1».

بتقريب: انّه يستفاد من كلامه عليه السّلام في ذيل الخبر مرجوحيّة التملي من الطعام و الشراب و الانصاف انّه يستفاد من كلامه روحي فداه مرجوحيّة التّملّي.

الّا أن يقال: لو كان مكروها فما وجه عدم بيان الحكم و بايّ موجب لم يبيّن الشارع الاقدس كراهته، و لعلّه عليه السّلام انّما يحفظ حرمة الشهر بهذا النحو فيكون الامساك مستحبّا لا أنّ التملّي مكروه.

مضافا الي أنّ الحكم يختصّ بالمسافر فلا وجه لإسرائه الي كلّ من يجوز له الافطار.

الفرع الثاني: كراهة الجماع في نهار شهر رمضان

بالنسبة الي كلّ من يجوز له الافطار و النصوص الواردة مختلفة من حيث الدلالة علي الحرمة و عدم البأس به.

فالطائفة الاولي: ما يدلّ علي الحرمة، لاحظ

حديث ابن سنان المتقدم «2» آنفا.

و لاحظ ما رواه ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان فانّ ذلك محرّم عليه «3».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 13، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 5.

(2) قد تقدم في ص 338.

(3) الوسائل: الباب 13، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 8.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 340

______________________________

و الطائفة الثانية: تدلّ علي الجواز، لا حظ حديث داود بن الحصين قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل يسافر في شهر رمضان و معه جارية أيقع عليها؟ قال: نعم «1».

و حديث عليّ بن الحكم قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام، عن الرجل يجامع أهله في السفر في شهر رمضان؟ فقال: لا بأس به «2».

و حديث عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرّجل يسافر في شهر رمضان أله أن يصيب من النساء؟ قال: نعم «3».

و الترجيح بالأحدثيّة مع حديث الجواز، فانّ حديث علي بن الحكم، عن موسي بن جعفر عليه السّلام.

ان قلت: حديث الجواز مطلق من حيث النهار و اللّيل و حديث المنع يختص بالنهار كحديث ابن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و مقتضي القاعدة تخصيص العامّ بالخاصّ.

قلت: لا اشكال في جواز المقاربة في اللّيل و انّما الكلام فيها بالنسبة الي النهار.

و ان أبيت عمّا قلت أقول: لا إشكال في جوازها في النهار بالنسبة الي المفطر، و إبداء الشبهة يقرع الاسماع، فاذا لم يمكن الجمع بين النصّ الدالّ علي الحرمة و معارضه ترفع اليد عنه و يردّ علمه الي أهله.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث

7.

(2) نفس المصدر، الحديث 9.

(3) نفس المصدر، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 341

[فصل في موارد الرخصة في الإفطار]

اشارة

فصل وردت الرخصة في افطار شهر رمضان لأشخاص، بل قد يجب.

الأوّل و الثاني: الشيخ و الشيخة إذا تعذّر عليهما الصوم أو كان حرجيّا و مشقّة فيجوز لهما الافطار، لكن يجب عليهما في صورة المشقّة بل في صورة التعذّر أيضا التكفير بدل كلّ يوم بمدّ من طعام، و الأحوط مدّان و الأفضل كونهما من حنطة، و الأقوي وجوب القضاء عليهما لو تمكّنا بعد ذلك.

الثالث: من به داء العطش فانّه يفطر، سواء كان بحيث لا يقدر علي الصبر أو كان فيه مشقّة و يجب عليه التصدّق بمدّ، و الأحوط مدّان من غير فرق بين ما إذا كان مرجوّ الزوال أم لا، و الأحوط بل الأقوي وجوب القضاء عليه إذا تمكّن بعد ذلك، كما أنّ الاحوط أن يقتصر علي مقدار الضرورة.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 342

الرابع: الحامل المقرب التي يضرّه الصوم أو يضرّ حملها فتفطر و تتصدّق من مالها بالمدّ أو المدّين و تقضي بعد ذلك.

الخامس: المرضعة القليلة اللّبن إذا اضرّ بها الصوم أو أضرّ بالولد، و لا فرق بين أن يكون الولد له أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة و يجب عليها التصدّق بالمدّ أو المدّين أيضا من مالها و القضاء بعد ذلك، و الأحوط بل الأقوي الاقتصار علي صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرّعا أو بأجرة من أبيه أو منها أو من متبرع (1).

______________________________

(1) تعرّض الماتن (قدّس سرّه) في هذا الفصل لعدّة فروع:

الفرع الأوّل: انّ الشيخ و الشّيخة إذا تعذّر عليهما الصوم يجوز لهما الافطار،

و ما أفاده تامّ لا غبار عليه، اذ مع فرض التعذّر لا يكون الصوم مقدورا لهما و القدرة من الشرائط العامّة للتكاليف عقلا، أضف الي ذلك قوله تعالي: لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا «1».

الفرع الثاني: انّه لو كان الصوم حرجيّا لهما يجوز لهما الافطار،

اشارة

و يمكن الاستدلال علي المدّعي بوجوه:

الوجه الأوّل: قاعدة نفي الحرج،

فانّ مقتضاها عدم وجوب الصوم إذا كان حرجيا، فانّ القاعدة حاكمة علي أدلّة الاحكام، و مقتضي عدم جعل الوجوب عليهما عدم جواز الصوم بالنسبة اليهما، اذ الالتزام بكلّ حكم يتوقف علي قيام دليل عليه، و عليه لا يمكن الحكم

______________________________

(1) البقرة: 286.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 343

______________________________

بأنّ الصوم أحد فردي التخيير، و أيضا لا يمكن الالتزام باستحباب الصوم ما دام لم يقم عليه دليل.

الوجه الثاني: قوله تعالي: [أيّاما معدودات فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدّة من أيّام أخر]

أَيّٰاماً مَعْدُودٰاتٍ فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَليٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ «1».

فانّ المستفاد من الآية الشريفة انّه يجب علي المكلّف الحاضر الصحيح الصوم علي نحو التعيين، و يجب علي المريض و المسافر الافطار كذلك و يجب علي المكلّف الذي يطيق الصوم الفدية.

و نقل عن لسان العرب و غيره تفسير الاطاقة بالمرتبة الاخيرة من القدرة بحيث يكون التالي لها العجز.

و أيضا الراغب في مفرداته فسّرها بهذا النحو، و الحاصل انّ الطاقة غير الاطاقة.

و بعبارة واضحة: اشرب في مفهومها المشقّة و الحرج و علي فرض الشكّ يكون مقتضي القاعدة لحاظ القيد المذكور فيها، اذ ما لم يصل الأمر الي الحدّ المذكور لا يمكن الجزم بتحقّق المفهوم و ما لم يتحقّق بماله من القيد لا يترتّب عليه الحكم.

و ربما يتوهّم- كما عن صاحب الحدائق- انّ المستفاد من الآية الشريفة بحسب الصدر وجوب الصوم علي المكلّف غير المعذور و وجوب الافطار و القضاء علي المريض و المسافر و التخيير بين الصوم

______________________________

(1) البقرة: 184.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 344

______________________________

و الفداء لمن يطيق الصوم.

بدعوي انّ قوله تعالي: وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ متمّم للذيل فيكون اختيار الصوم

أفضل حيث عبّر عنه بالخير.

و يرد عليه انّه لو كان الامر كذلك كان المناسب أن يقال و أن يصوموا خير لهم، و الحال انّا نري انّ الحكم المذكور موجّه الي المكلّفين بصيغة الخطاب فيعلم انّ جملة وَ أَنْ تَصُومُوا متعرّضة لحكم آخر أي متعرضة للصوم الواجب علي المكلفين.

و بعبارة اخري: راجعة الي صدر الكلام و أمّا قوله تعالي:

وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فهي جملة واقعة بين الصدر و الذّيل، كما أنّ جملة فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ كذلك و العرف ببابك.

مضافا الي انّه لو كان الواجب علي الّذي يطيق الصوم الجامع بين الصوم و الفداء لم يكن مجال لا يجاب الفداء و الحال انّ المستفاد من الآية الشريفة بحسب الفهم العرفي تعيّن الفداء عليه، فان مقتضي ايجاب الفداء و اطلاقه وجوبه بلا فرق بين صورة ترك الصوم و عدم تركه.

و صفوة القول: انّ الصوم انّما يكون خيرا من الافطار في مورد يكون الصوم واجبا و وجوب الصوم منحصر بالحاضر المختار. فتحصّل انّ المستفاد من الآية الشريفة تقسيم المكلّف الي الصحيح الحاضر المختار و الي المسافر و المريض و الي الّذي يطيق الصوم فيجب علي الأوّل

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 345

______________________________

الصوم و علي الثاني الافطار و القضاء و علي الثالث الفدية فلاحظ.

الوجه الثالث: النصوص الخاصّة الواردة في المقام:

منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:

الشيخ الكبير و الّذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان و يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام و لا قضاء عليهما فان لم يقدرا فلا شي ء عليهما «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم أيضا قال: سمعت أبا

عبد اللّه عليه السّلام يقول: و ذكر مثله، الّا انّه قال: و يتصدّق كل واحد منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام «2».

و منها ما رواه أيضا عن أبي جعفر عليه السّلام، في قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ قال: الشيخ الكبير و الّذي يأخذه العطاش، و عن قوله عزّ و جلّ: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً قال: من مرض أو عطاش «3».

و منها ما رواه عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الشيخ الكبير و العجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان؟ قال: تصدّق في كل يوم بمدّ حنطة «4».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 15، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

(4) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 346

______________________________

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان؟ قال: يتصدّق كلّ يوم بما يجزي من طعام مسكين «1».

و منها ما رواه ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ قال: الّذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مدّ «2».

و منها ما رواه أبو بصير قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ؟ قال: هو الشيخ الكبير الّذي لا يستطيع و المريض «3».

و منها ما رواه رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ:

وَ عَلَي الَّذِينَ

يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ» قال: المرأة تخاف علي ولدها و الشيخ الكبير «4».

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان؟ فقال: يتصدّق بما يجزي عنه طعام مسكين لكل يوم «5».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

(3) نفس المصدر، الحديث 7.

(4) نفس المصدر، الحديث 8.

(5) نفس المصدر، الحديث 9.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 347

______________________________

و منها ما رواه ابراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، رجل شيخ لا يستطيع القيام الي الخلاء (لضعفه به) و لا يمكنه الركوع و السجود؟ فقال: ليومئ برأسه إيماء الي أن قال:

قلت: فالصيام؟ قال: اذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّه عنه فان كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ و إن لم يكن له يسار ذلك فلا شي ء عليه «1».

و منها ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له:

الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم؟ فقال: يصوم عنه بعض ولده، قلت:

فان لم يكن له ولد؟ قال: فأدني قرابته، قلت: فان لم يكن قرابة؟

قال: يتصدّق بمدّ في كلّ يوم، فان لم يكن عنده شي ء فليس عليه «2».

و منها ما رواه أبو بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ايّما رجل كان كبيرا لا يستطيع الصيام أو مرض من رمضان الي رمضان ثمّ صحّ فانّما عليه لكلّ يوم أفطر فيه فدية طعام و هو مدّ لكل مسكين «3» فانّ المدعي يستفاد من النصوص المشار اليها، فلاحظ.

الفرع الثالث: انّه يجب عليهما في صورة المشقّة الفداء

و هو مدّ من الطعام فنقول: يدلّ علي المدعي ما

رواه محمد بن مسلم «4».

الفرع الرابع: انّ الأحوط كونه مدّين

و حيث انّ الاحتياط المذكور

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 10.

(2) نفس المصدر، الحديث 11.

(3) نفس المصدر، الحديث 12.

(4) قد تقدم في ص 345.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 348

______________________________

واقع بعد الفتوي بكفاية المدّ يكون مستحبا و الدليل علي المدّين ما رواه ابن مسلم «1».

فيقع التعارض بين الحديث المذكور و ما يدلّ علي كفاية المدّ الواحد و هو ما رواه ابن بكير، انه سئل الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عز و جلّ: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ؟ قال: علي الذين كانوا يطيقون الصوم ثم أصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكلّ يوم مدّ «2».

و بنائهم علي الجمع في أمثال المقام بحمل أحد المتعارضين علي الاستحباب، و قد ذكرنا مرارا انّ الجمع المذكور تبرّعي لا عرفي فلا اعتبار به، و لذا ذكرنا في كتابنا مباني المنهاج: انّ الترجيح مع الحديث الدال علي كفاية المدّ الواحد لكونه موافقا مع الاطلاق الكتابي، لكن رجعنا عن ذلك المسلك و قلنا: انّ الترجيح منحصر في الأحدثيّة، مضافا الي أنّ كلّ واحد من طرفي المعارضة موافق مع الاطلاق الكتابي، اذ المستفاد من الكتاب وجوب التصدّق بالطعام و الطعام بمفهومه و اطلاقه يشمل المدّ و المدّين فما الحيلة و ما الوسيلة في رفع التنافي بين الدليلين؟

و الذي يختلج بالبال أن يقال: انّ المقام يدخل في باب اشتباه الحجّة بغيرها و النتيجة عدم وجوب الأزيد عن المدّ الواحد.

و بعبارة اخري: وجوب المدّ الواحد قطعي و أمّا الزائد علي المقدار المذكور فوجوبه منفيّ بالأصل.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 345.

(2) الفقيه: ج 2 ص 84، الباب 41، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق

علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 349

الفرع الخامس: انّ الأفضل كونه من الحنطة

______________________________

و الدليل عليه ما رواه عبد الملك «1» و الحديث ضعيف بالهاشمي فلا وجه للجزم بالأفضليّة، نعم الاحتياط حسن عقلا.

الفرع السادس: انّه لو تعذّر عليهما الصوم تجب الفدية

كما تجب في صورة المشقّة، و لا يخفي انّه لا مجال للاستدلال بالآية علي المدعي، فانّ الموضوع فيها عنوان الاطاقة لا التعذّر فلا بدّ من ملاحظة النصوص كي نري انّه هل فيها ما يمكن الأخذ به و جعله مدركا لهذا الحكم؟

و من تلك النصوص: ما رواه ابن مسلم «2» فانّ هذه الرواية باطلاقها تشمل المقام، فانّ اطلاق الشيخ يقتضي شمول الحكم لمورد التعذّر.

الفرع السابع: انّهما لو تمكّنا بعد ذلك من القضاء يجب عليهما

و الظاهر انّه لا يمكن مساعدته.

امّا أولا: فلعدم المقتضي، اذ المفروض انّه لم يتعلق بهما وجوب الصيام و أيضا لا دليل في النصوص علي وجوبه.

و ثانيا: انّ الآية الكريمة بنفسها تدلّ علي عدم الوجوب، اذ المستفاد منها كما تقدّم تقسيم المكلف الي أقسام ثلاثة: قسم يجب عليه الصوم و قسم يجب عليه الافطار و القضاء بعد ذلك و قسم يجب عليه الفداء و التقسيم قاطع للشركة.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 345.

(2) قد تقدم في ص 345.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 350

______________________________

و ثالثا: انّ النصّ الخاصّ قد دلّ علي عدم وجوبه بالصراحة لاحظ ما رواه ابن مسلم «1».

و حمل الحديث علي من لا يتمكّن الي شهر رمضان الآتي علي خلاف القاعدة فالحقّ عدم وجوب القضاء و الاحتياط حسن.

الفرع الثامن: انّه لا يجب الصوم علي من به داء العطش

من غير فرق بين من لا يقدر علي الصبر و من يقدر لكن مع المشقّة، و ما أفاده تامّ، أمّا بالنسبة الي الأول فلا يمكن تعلّق التكليف به، اذ فرض عدم تمكّنه من الصبر، مضافا الي الآية الدالة علي عدم تكليف غير القادر، و أمّا بالنسبة الي من يقدر مع المشقّة فالكلام فيه هو الكلام في الشيخ و الشيخة فلا يلزم الاعادة.

الفرع التاسع: انّه تجب عليه الفدية بلا فرق بين صورتي التعذّر و التعسّر

و يمكن الاستدلال بالنسبة الي الصورة الاولي باطلاق حديث محمد بن مسلم «2».

فان مقتضي اطلاق الحديث عدم الفرق بين الصورتين، و ممّا ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال بالنسبة الي الصورة الثانية بالاضافة الي بقيّة النصوص الدالة علي المدعي، و أمّا الاحتياط بتصدّق مدّين فقد مرّ انّه حسن و غير لازم و لا فرق فيما ذكر بين كونه مرجوّ الزوال و أن لا يكون كذلك لإطلاق الادلة كتابا و سنّة.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 345.

(2) قد تقدم في ص 345.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 351

الفرع العاشر: انّه يجب القضاء اذا تمكّن

______________________________

و قد مرّ الكلام حول هذه الجهة في الشيخ و الشيخة و قلنا لا مقتضي للوجوب بل الدليل قائم علي عدمه.

و صفوة القول: انّه مع عدم وجوب الصوم كما هو المفروض لا وجه لوجوب القضاء الّا مع قيام الدليل عليه و ليس دليل، فلا يجب مضافا الي حديث ابن مسلم المنصوص فيه عدم وجوب القضاء.

الفرع الحادي عشر: انّ مقتضي الاحتياط أن يقتصر علي مقدار الضرورة،

و الظاهر انّ منشأ الاحتياط المذكور حديث عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الرّجل يصيبه العطاش حتي يخاف علي نفسه؟ قال:

يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لا يشرب حتّي يروي «1».

و هذا الحديث لا يرتبط بالمقام، فانّ الموضوع المبحوث عنه في المقام من به داء العطش و مقتضي الادلّة عدم وجوب الصوم عليه كما تقدّم، و عليه لا وجه للاحتياط المذكور، و أمّا الحديث فالظاهر انّه ناظر الي من يبتلي من باب الصدفة و الاتفاق بالعطاش و يشرف علي الموت فيجوز، بل يجب عليه الافطار لحفظ نفسه، لكن احتراما لشهر رمضان لا يشرب الماء الّا بقدر الضرورة و هذا كبقية الموارد التي يجب الامساك فيها احتراما فلاحظ.

الفرع الثاني عشر: انّ الحامل المقرب التي يضرّها الصوم يجوز أن لا يصوم،

لاحظ ما رواه محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل: الباب 16، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 352

______________________________

يقول: الحامل المقرب و المرضع القليلة اللّبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان لأنّهما لا يطيقان الصوم و عليهما أن يتصدق كلّ واحد منهما في كل يوم يفطر فيه بمدّ من طعام و عليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد «1».

الفرع الثالث عشر: أن تتصدق لكلّ يوم بمدّ من الطعام،

لاحظ الحديث المشار اليه.

الفرع الرابع عشر: انّ الحامل اذا فرض انّ الصوم يضرّ بحملها يجوز له الافطار

و تتصدق لكلّ يوم بمدّ من الطعام، فانّ الاضرار بالحمل اضرار بالحامل فيمكن الاستدلال بالحديث المتعرّض لجواز الافطار مع فرض الاضرار فلاحظ.

الفرع الخامس عشر: انّه يجب عليها القضاء

كما صرّح به في حديث ابن مسلم.

الفرع السادس عشر: انّ المرضعة القليلة اللّبن إذا اضرّ بها الصوم أو أضرّ بالولد يجوز لها الافطار

و يجب عليها القضاء و الفداء، فان حديث ابن مسلم يدلّ علي جميع الأحكام الثلاثة.

الفرع السابع عشر: انّه لا فرق بين أن يكون الولد لها أو متبرّعة برضاعه أو مستأجرة

و ذلك لإطلاق النصّ الدال علي الأحكام المذكورة.

الفرع الثامن عشر: انّ جواز الافطار متوقّف علي عدم المندوحة،

______________________________

(1) الوسائل: الباب 17، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 353

______________________________

و أمّا مع وجود من يقوم مقامها في الرضاع فلا يجوز الافطار، اذ قد صرّح في حديث ابن مسلم انّ ملاك الجواز عدم طاقتها للصوم و مع وجود المندوحة لا يصدق عدم الطاقة.

و بعبارة واضحة: مع وجود المندوحة لا يتحقّق موضوع الجواز.

الفرع التاسع عشر: انّه قد يجب الافطار كما لو لم يفطر ينجرّ الي موته

لكن في الفرض المذكور الامساك حرام أو انّ الافطار واجب؟

يمكن أن يقال: انّ المستفاد من قوله تعالي: وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ «1» انّ الامساك حرام اذ هو مصداق لإلقاء النفس في الهلكة.

بقي شي ء، و هو انّه ما المراد بالطعام؟ فان الطعام علي ما يستفاد من اللغة كل ما يؤكل، و عليه اذا لم يكن دليل علي التقييد يكفي التصدّق بكل ما يصدق عليه المأكول.

______________________________

(1) البقرة: 195.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 354

[فصل في طرق ثبوت الهلال]

اشارة

فصل في طرق ثبوت الهلال:

هلال رمضان و شوّال للصوم و الافطار و هي امور:

الأوّل: رؤية المكلّف نفسه (1).

الثاني: التواتر (2).

الثالث: الشياع المفيد للعلم (3) و في حكمه كلّ ما يفيد العلم و لو بمعاونة القرائن فمن حصل له العلم باحد الوجوه المذكورة وجب عليه العمل به و ان لم يوافقه أحد، بل و ان شهد و ردّ الحاكم شهادته (4).

[هي أمور]

[الأوّل: رؤية المكلّف نفسه]

______________________________

(1) اذ لا يبقي مجال بعد الرؤية للشكّ و الترديد.

[الثاني: التواتر]

(2) فانّه يفيد القطع و القطع حجّة عقلا.

[الثالث: الشياع المفيد للعلم]

(3) فانّ العلم حجّة بلا فرق بين أسبابه و مناشئه.

(4) الأمر كما أفاده، فانّ الحجيّة و الطريقيّة ذاتيّة للقطع بلا فرق بين أسبابه و لا أثر لقبول شهادته و ردّها و لذا يكون حجّة و لو مع

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 355

الرابع: مضيّ ثلاثين يوما من هلال شعبان أو ثلاثين يوما من هلال رمضان فانّه يجب الصوم معه في الأوّل و الافطار في الثاني (1).

الخامس: البيّنة الشرعيّة و هي خبر عدلين سواء شهدا عند الحاكم و قبل شهادتهما أو لم يشهدا عنده أو شهدا و ردّ شهادتهما فكلّ من شهد عنده عدلان يجوز بل يجب عليه ترتيب الأثر من الصوم أو الافطار، و لا فرق بين أن تكون البيّنة من البلد أو من خارجه و بين وجود العلّة في السماء و عدمها.

نعم يشترط توافقهما في الأوصاف فلو اختلفا فيها لا اعتبار بها، نعم لو أطلقا أو وصف أحدهما و أطلق الآخر كفي و لا يعتبر اتّحادهما في زمان الرؤية مع توافقهما علي الرؤية في الليل (2).

______________________________

مخالفة جميع آحاد المكلّفين، مثلا إذا قطع أحد بأنّ المائع الفلاني خمر و اعتقد باقي الناس بأنّه ماء يحرم علي القاطع شربه و هذا ظاهر واضح.

[الرابع: مضيّ ثلاثين يوما من هلال شعبان أو ثلاثين يوما من هلال رمضان]

(1) اذا قد فرض تحقّق الموضوع و بعد تحقّقه يترتب عليه الحكم بلا كلام.

[الخامس: البيّنة الشرعيّة]

(2) فانّها حجة شرعا بلا كلام و لا اشكال، قال الشيخ في الخلاف: «ثبوت الهلال بشهادة عدلين مجمع عليه» «1».

______________________________

(1) الخلاف: ج 1 ص 394.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 356

______________________________

و تدلّ علي المدّعي جملة من النصوص.

منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: انّ عليّا عليه السّلام كان يقول: لا اجيز في الهلال الّا شهادة رجلين عدلين «1».

و منها ما رواه حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تجوز شهادة النساء في الهلال، و لا يجوز الّا شهادة رجلين عدلين «2».

و منها ما رواه عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال علي عليه السّلام: لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال الّا شهادة رجلين عدلين «3».

و منها ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه سئل عن اليوم الذي يقضي من شهر رمضان؟ فقال: لا يقضه الّا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متي كان رأس الشهر- الحديث «4».

و منها ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: انّ عليّا عليه السّلام كان يقول: لا اجيز في رؤية الهلال الّا شهادة رجلين عدلين «5».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 7.

(4) نفس المصدر، الحديث 5.

(5) نفس المصدر، الحديث 8.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 357

______________________________

و منها ما رواه داود بن الحصين، عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل قال: لا تجوز شهادة النساء في الفطر الّا شهادة رجلين عدلين و لا بأس في الصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سمعته يقول: لا تصم الّا للرؤية أو يشهد شاهدا عدل «2».

و منها ما رواه أحمد بن محمد بن عيسي في (نوادره) عن أبيه رفعه قال: قضي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بشهادة الواحد و اليمين في الدّين، و أمّا الهلال فلا الّا بشاهدي عدل «3».

و ربما يتوهّم انّه يعارض هذه النصوص ما رواه الخرّاز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال: انّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه فلا تؤدّوا بالتظنّي و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد قد رأيته و يقول الآخرون لم نره اذا رآه واحد، رآه مائة و اذا رآه مائة، رآه ألف و لا يجزي في رؤية الهلال اذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين و اذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر «4».

بتقريب انّه لو لم تكن في السماء علّة لا تكفي الّا شهادة

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 15.

(2) نفس المصدر، الحديث 16.

(3) نفس المصدر، الحديث 17.

(4) نفس المصدر، الحديث 10.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 358

______________________________

خمسين، و يمكن أن يقال: انّ الامام عليه السّلام في مقام بيان أمر طبيعيّ خارجيّ و هو انّه لو لم تكن في السماء علّة لا يختصّ واحد بالرؤية دون آخر، بل مقتضي الطبع الاوّلي أن

يراه كلّ احد هذا اوّلا.

و ثانيا: انّه لو اغمض عمّا ذكرنا نقول: الرواية جمعت بين المتناقضين اذ صدرها يدلّ علي عدم اعتبار الشهادة و ذيلها يدلّ علي الاعتبار اذا كان عدد الشهود خمسين.

و ثالثا: انّ ثبوت الهلال بشهادة عدلين أمر واضح لا غبار عليه و السيرة جارية عليه.

و ان شئت قلت: هو أظهر من أن يخفي.

و رابعا: انّ الشهود اذا كانت خمسين يكون إخبارهم معنونا بالخبر المتواتر فيكون معناه الغاء الشهادة في باب ثبوت شهر رمضان و يتوقّف ثبوته علي العلم و هذا يقرع الاسماع.

و خامسا: انّا لو فرضنا التعارض يدخل المقام في اشتباه الحجّة بغيرها و من البديهيّ انّ احدهما متأخّر فيكون أحدث و علي كلا التقديرين يدل الأحدث علي عدم الاعتبار بشهادة شخص واحد، و أمّا اعتبار شاهدين عدلين فيكون محلّ الكلام و الاشكال و السيرة العقلائية قائمة علي اعتبار البيّنة أي شاهدين عدلين و هذه السيرة ممضاة من قبل الشارع بلا كلام.

و أفاد سيدنا الاستاد في المقام بأنّه يستفاد من حديث مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: كلّ شي ء هو لك

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 359

______________________________

حلال حتّي تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك و هي اختك أو رضيعتك و الأشياء كلّها علي هذا حتّي يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة «1» اعبتار شهادة عدلين.

بدعوي انّه تستفاد من الحديث حجية البيّنة و البيّنة ما يتبيّن به و من ناحية اخري

عن النبي صلي اللّه عليه و آله، انّه قال انّما أقضي بينكم بالأيمان و البينات، و المراد شهادة عدلين فيعلم الصغري من كلامه صلي اللّه عليه و آله، و الكبري من حديث مسعدة فقول العدلين حجة علي الاطلاق الّا أن يقوم علي خلافه دليل.

و يرد عليه انّ حديث مسعدة ضعيف سندا، اذ هو لم يوثّق و كونه في أسناد كامل الزيارات لا يفيد فلا تغفل فما أفاده غير تامّ.

و ممّا ذكرنا في الجواب عن المعارضة يظهر الجواب عن معارضة حديث آخر و هو ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: اذا رأيتم الهلال فصوموا و اذا رأيتموه فأفطروا و ليس بالرأي و لا بالتظنّي و لكن بالرؤية و الرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا و ينظر تسعة فلا يرونه اذا رآه واحد رآه عشرة آلاف و اذا كان علة فأتمّ شعبان ثلاثين «2».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4، من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

(2) الوسائل: الباب 11، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 360

______________________________

و أما أحاديث أبي العباس، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الصوم للرؤية و الفطر للرؤية و ليس الرؤية أن يراه واحد و لا اثنان و لا خمسون «1».

و الخزاعي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة و انّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر و كان بالمصر علّة فاخبرا أنهما رأياه و أخبر عن قوم صاموا للرؤية و أفطروا للرؤية «2».

و ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

قال: صم للرؤية و أفطر للرؤية و ليس رؤية الهلال أن يجي ء الرجل و الرجلان فيقولان: رأينا انّما الرؤية أن يقول القائل رأيت فيقول القوم صدق «3».

فكلها ضعيفة سندا، أما الاوّل: فبقاسم بن عروة، و أما الثاني:

فبابن مرّار بل و بغيره، و أمّا الثالث: فبضعف أسناد الشيخ الي ابن فضّال.

فتحصّل: انّ الحقّ اعتبار شهادة عدلين علي نحو الاطلاق أي أعمّ من أن تكون عند الحاكم أو لم تكن، و علي الأول لا فرق بين كونها مقبولة عنده و أن تردّ و أيضا لا فرق بين وجود علة في السماء و عدمه و لا يلزم توافقهما في زمان الرؤية، نعم يلزم أن لا تكون شهادة احدهما

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 12.

(2) نفس المصدر، الحديث 13.

(3) نفس المصدر، الحديث 14.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 361

______________________________

مخالفة مع شهادة الآخر في الاوصاف.

و صفوة القول: انّه يلزم توافقهما علي شي ء واحد فلو شهد أحدهما بأنّه رآه مطوّقا و الآخر بلا تطويق يشكل اذ يلزم اجتماعهما علي أمر واحد و المفروض في المثال لا يكون كذلك.

لا يقال: انّهما و إن اختلفا في المدلول المطابقي و لكن متّفقان في المدلول الالتزامي و هو أصل الرؤية.

فانّه يقال: الدلالة الالتزاميّة كما انّه تابعة للدلالة المطابقيّة وجودا كذلك تابعة لها حجّية و السرّ فيه انّ اخبار المخبر باللازم لا يكون استقلاليا بل بالتبع، مثلا: اذا أخبر بأنّ البول أصاب ذلك المكان الفلاني فقد أخبر بنجاسة المكان بالنجاسة البوليّة، فاذا فرضنا انّ شهادته بطلت بالمعارضة، لا مجال للعمل بقوله بالنسبة الي النجاسة، اذ ليس له إلّا إخبار واحد و لازمه ذلك المعني، فاذا فرض سقوط اخباره عن درجة الاعتبار لا يبقي

موضوع للأخبار.

و ان شئت قلت: في مورد المثال اذا قال الآخر أصاب الموضع الدّم فقد أنكر بالالتزام النجاسة البوليّة ففي الحقيقة كلّ من الدّلالتين معارض بالأخبار المعارض.

و في المقام شبهة و هي انّه لو أطلق كلّ واحد في شهادته أو لو قيّد أحدهما مورد شهادته بقيد و الآخر أطلق لا يمكن ترتيب الأثر، اذ لا ندري اتّفاقهما علي أمر واحد، مثلا: اذا رآه أحدهما مطوقا و الآخر لم يره كذلك لا يكونان متّفقين في إخبارهما، فاذا شكّ في الاتّفاق

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 362

______________________________

و عدمه كيف يمكن ترتيب الأثر فانّه مع الشكّ في الموضوع و المصداق لا مجال للأخذ بالدليل، بل مقتضي الأصل عدم وحدة مورد الشهادة.

ان قلت: لا تعارض بين الاطلاق و التقييد، و لذا يحمل المطلق علي المقيّد.

قلت: لا مجال لهذا البيان في المقام، اذ تارة يطلب طبيعة من المكلّف و يمكن بحسب الواقع ارادة المقيّد منها و حيث انّ الآمر شخص واحد و المفروض وحدة المطلوب يكون المقيّد قرينة علي المطلق، و أمّا في المقام فالاطلاق غير معقول اذ المخبر يخبر عن شخص خارجي و الشخص الخارجي غير قابل لأن ينطبق علي كثيرين.

مضافا الي أنّ المتكلّم لا يكون واحدا بل المتكلّم شخصان كما هو المفروض فلا مجال لحمل أحدهما علي الآخر.

و بعبارة واضحة: انّه بالضرورة كل واحد رأي الهلال بخصوصية خاصة فلا بدّ من احراز انّ كل واحد يطابق اخباره إخبار الآخر فلو لم يكن كذلك بل شكّ في المطابقة يكون مقتضي الأصل عدمها.

ان قلت: فعلي ذلك كيف يمكن الاعتماد علي شهادة عدلين؟

و مرجع الاشكال المزبور الغاء الشهادة الّا في موارد قليلة جدّا اذ المتعارف من

الشهادة في الخارج انّ الشاهدين يشهدان برؤية الهلال و كذلك في بقية الموضوعات الخارجية.

قلت: يمكن أن يقال: انّ المستفاد من جملة من النصوص الواردة في المقام انّه يترتب الاثر علي شهادة عدلين بالهلال و هذا العنوان

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 363

و لا يثبت بشهادة النساء (1) و لا بعدل واحد و لو مع ضمّ اليمين (2).

______________________________

يصدق إذا فرضنا انّ الشاهدين شهدا برؤية الهلال علي نحو الاطلاق و بلا قيد فيؤخذ باطلاق كلام الامام عليه السّلام و يرتب الأثر علي شهادتهما فلاحظ.

(1) يمكن الاستدلال علي المدعي بوجهين:

الوجه الأول: الحصر المستفاد من النصوص الدالة علي حصر طريق اثبات الهلال في شهادة رجلين عدلين لاحظ ما رواه الحلبي «1».

الوجه الثاني: النّصّ الدالّ علي عدم اعتبار شهادتهنّ، لاحظ حديثي حمّاد «2» و الحلبي «3»، و في المقام حديث «4» يستفاد منه التفصيل بين هلال شوال و هلال شهر رمضان بالنفي بالنسبة الي الأوّل و اثبات اعتبار شهادتها و إن كانت امرأة واحدة إلي الثاني و الحديث تامّ سندا ببعض طرقه لكن كيف يمكن العمل بمفاده.

(2) فانّه استفيد من جملة من النصوص اشتراط عدلين، و في المقام حديث رواه محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: اذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من

______________________________

(1) قد تقدم في ص 356.

(2) قد تقدم في ص 356.

(3) قد تقدم في ص 356.

(4) قد تقدم في ص 357.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 364

السادس: حكم الحاكم الّذي لم يعلم خطاؤه و لا خطاء مستنده كما اذا استند الي الشياع الظنّي (1).

______________________________

المسلمين، الي أن قال: و

ان غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمّ أفطروا «1»، يستفاد منه كفاية عدل واحد و النسخة و ان كانت مختلفة لكن علي كلا التقديرين يكون مفاد الحديث قابلا للتقييد بالنصوص الدالّة علي اشتراط عدلين فلاحظ.

[السادس: حكم الحاكم الّذي لم يعلم خطاؤه و لا خطاء مستنده]

(1) مقتضي القاعدة الأوّليّة عدم اعتبار حكم الحاكم، فانّ الالتزام باعتبار حكمه و ترتيب الأثر عليه يحتاج الي الدليل، فما لم يقم عليه دليل لا مجال للقول بنفوذ حكمه، بل مقتضي الاستصحاب عدم اعتباره، إذ هو من الأحكام الحادثة فينفي باستصحاب عدم اعتباره في وعاء الشريعة.

و في قبال القاعدة ما يمكن أن يستدلّ به علي اعتباره و نفوذه عدّة نصوص:

منها ما رواه محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: اذا شهد عند الامام شاهدان انّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الامام بالافطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس و ان شهدا بعد زوال الشمس أمر بافطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة الي الغد فصلّي بهم «2».

بتقريب: انّ المستفاد من الحديث انّ الامام عليه السّلام إذا أمر بالافطار يجب و في زمن الغيبة يكون الحاكم نائبا للإمام.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 5، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11.

(2) الوسائل: الباب 6، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 365

______________________________

و فيه أولا: انّه لا دليل علي كون الحاكم نائبا للإمام في جميع شئونه و قوله، قوله بل الدليل قائم علي عدمه و هو الاستصحاب كما تقدّم.

و بعبارة واضحة: انّ الحديث في نفسه يختص بامام الامّة أي المعصوم عليه السّلام و لا دليل علي كون الحاكم قائما مقامه.

و ثانيا: انّ المستفاد من الحديث انّ الامام اذا أمر بالافطار يجب،

و من الظاهر انّ اطاعة الامام واجبة بالكتاب و السنّة و الاجماع و الضرورة، و ليس في الحديث تعرض للحكم، فانّ الحكم عبارة عن الاعتبار الخاصّ و هو اعتبار كون اليوم الفلاني عيد الفطر أو غيره من الموضوعات و ليس في الحديث اشارة الي هذه الجهة بل التعرّض لأمره و من الظاهر الواضح انّ أمر الحاكم كأمر الواحد السوقي و هذا ظاهر واضح.

و منها ما رواه اسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السّلام: أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبّتك، الي أن قال: و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانّهم حجّتي عليكم و أنا حجة اللّه، و أمّا محمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه و عن أبيه من قبل فانّه ثقتي و كتابه كتابي «1».

بتقريب انّ موضوع الهلال حادث من الحوادث فلا بدّ من الرجوع

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11، من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 366

______________________________

فيها الي الحاكم.

و فيه اوّلا: انّ السند مخدوش بمحمّد بن محمّد بن عصام و باسحاق.

و ثانيا: انّ الظاهر من الحديث الارجاع في حكم الحوادث لا الرجوع في نفس الموضوع و ما نحن فيه من قبيل الثاني.

و ثالثا: انّه عليه السّلام أرجع الي الرواة لا الي المجتهدين. و منها ما رواه عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي السلطان و الي القضاة أ يحلّ ذلك؟ قال: من تحاكم اليهم في حقّ

أو باطل فانّما تحاكم الي الطاغوت و ما يحكم له فانّما يأخذ سحتا و ان كان حقّا ثابتا له لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، و ما أمر اللّه أن يكفر به، قال اللّه تعالي:

يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ قلت:

فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممّن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فانّي قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانّما استخفّ بحكم اللّه و علينا ردّ، و الرادّ علينا الرادّ علي اللّه و هو علي حدّ الشرك باللّه- الحديث «1».

بتقريب: انّ اللّه تعالي جعل من يعرف الحلال و الحرام حاكما.

و فيه اوّلا: انّ السند مخدوش بابن حنظلة.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 367

و لا يثبت بقول المنجّمين (1) و لا بغيبوبة الشفق في الليلة

______________________________

و ثانيا: انّ الظاهر بل الصريح انّ الشارع الأقدس جعل العارف بالأحكام حاكما بين المتخاصمين و لا دلالة في الحديث علي اعتبار حكمه في الموضوعات علي نحو الاطلاق.

و منها ما رواه أبو خديجة سالم بن مكرم الجمّال قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام: ايّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا الي أهل الجور و لكن انظروا الي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فانّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه «1».

بتقريب: انّ المستفاد من الحديث انّ من يعرف شيئا من القضايا يكون قاضيا من قبل الشارع و حكمه نافذ و هذا هو المدّعي.

و فيه اولا: ان السند ضعيف بضعف اسناد الصدوق الي أحمد بن عائذ بالوشاء، مضافا الي النقاش في أبي

خديجة.

و ثانيا: انّ المستفاد من الحديث جعل حكم قاضي التحكيم معتبرا فلا يرتبط الحديث بالمقام، أضف الي ذلك كلّه انّ مقتضي حصر ثبوت الهلال في شهادة عدلين بالنصوص عدم اعتبار حكم الحاكم، إلّا أن يدلّ عليه دليل معتبر كي يخصّص به عموم عدم اعتبار غير شهادة العدلين فلاحظ.

(1) مقتضي القاعدة الاوّليّة جواز الاعتماد بقولهم لأنّهم من أهل الخبرة و رجوع الجاهل الي العالم أمر علي طبق القاعدة لكن قد ثبت بالنصوص عدم اعتبار قول المنجّم، مضافا الي أنّه يستفاد من جملة من

______________________________

(1) الوسائل: الباب 1، من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 368

الاخري (1) و لا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال فلا يحكم بكون ذلك اليوم اوّل الشهر (2).

______________________________

النصوص انّه لا يثبت الهلال الّا بقول عدلين كما تقدّم.

(1) مقتضي القاعدة الاوليّة نصّا و أصلا عدم الاعتبار، فإنّ المستفاد من النصوص انحصار الطريق في شهادة عدلين، كما انّ مقتضي الاستصحاب عدم الاعتبار بما ذكر.

و الحديث الوارد في المقام عن اسماعيل بن الحرّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته، و اذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين «1»، لا اعتبار بسنده.

(2) يستفاد من طائفة من النصوص التفصيل بين رؤية الهلال قبل الزوال و بعده بكون الأوّل دليلا علي كون اليوم من الشهر القادم، و الثاني كونه من الشهر السابق، لا حظ خبر عبيد بن زرارة و عبد اللّه بن بكير قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، و اذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان «2».

و خبر حمّاد بن عثمان،

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية و اذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة «3».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 9، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3.

(2) الوسائل: الباب 8، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5.

(3) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 369

و لا بغير ذلك ممّا يفيد الظنّ و لو كان قويّا (1).

______________________________

و مقتضي القاعدة العمل بالحديثين و الالتزام بالتفصيل المذكور و بهما يقيّد ما يدلّ بالاطلاق علي عدم الاعتبار كحديث جرّاح المدائني قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من رأي هلال شوّال بنهار في شهر رمضان فليتمّ صيامه «1».

و حديث عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: انّ المغيريّة يزعمون انّ هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة فقال: كذبوا هذا اليوم للّيلة الماضية انّ اهل بطن نخلة حيث رأوا الهلال قالوا قد دخل الشهر الحرام «2».

مضافا الي الاشكال في سنديهما، و أمّا حديث ابن عيسي قال:

كتبت اليه عليه السّلام جعلت فداك ربما غمّ علينا هلال شهر رمضان فنري من الغد الهلال قبل الزوال، و ربّما رأيناه بعد الزوال فتري أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ و كيف تأمر في ذلك؟ فكتب عليه السّلام: تتمّ الي اللّيل فانّه ان كان تامّا رؤي قبل الزوال «3» فلا اعتبار بسنده.

(1) فانّ الظن لا يغني عن الحقّ شيئا، مضافا الي أنّ الاستصحاب يقتضي عدم الاعتبار، أضف الي ذلك انّ المستفاد من نصوص الانحصار عدم اعتبار غير شهادة عدلين الّا مع دليل معتبر دالّ علي اعتبار غيره فلاحظ.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 7.

(3) نفس

المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 370

الّا للأسير و المحبوس (1).

(مسألة 1) لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية بل شهدا شهادة علمية (2).

(مسألة 2) اذا لم يثبت الهلال و ترك الصوم ثمّ شهد عدلان برؤيته يجب قضاء ذلك اليوم، و كذا اذا قامت البيّنة علي هلال شوّال ليلة التاسع و العشرين من هلال رمضان أو رآه في تلك الليلة بنفسه (3).

[مسائل في طرق ثبوت الهلال]

[مسألة 1 لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية]

______________________________

(1) نتعرّض ان شاء اللّه لشرح كلام الماتن عند تعرّضه لحكمهما بعد ذلك فانتظر.

[مسألة 2 إذا لم يثبت الهلال و ترك الصوم ثمّ شهد عدلان برؤيته يجب قضاء ذلك اليوم]

(2) قد ثبت في كتاب الشهادات انّه يعتبر في الشهادة أنّ تكون عن حسّ، مضافا الي أنّ صدق الشهود و الشهادة بمجرد الاعتقاد أوّل الكلام و الاشكال.

بالاضافة الي أنّ المدعي يستفاد من جملة من النصوص:

منها ما رواه منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه قال:

صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته فان شهد عندكم شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه «1».

و منها ما رواه حبيب الخزاعي «2».

(3) اذ مع قيام الدليل علي الفوت يجب القضاء، مضافا الي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

(2) قد تقدم في ص 360.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 371

(مسألة 3) لا يختصّ اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه بل هو نافذ بالنسبة الي الحاكم الآخر أيضا إذا لم يثبت عنده خلافه (1).

(مسألة 4) اذا ثبت رؤيته في بلد آخر و لم يثبت في بلده، فان كانا متقاربين كفي و الّا فلا الّا اذا علم توافق افقهما و ان كانا متباعدين (2).

______________________________

دلالة حديث منصور بن حازم علي المدعي بالصراحة، و منه يظهر الوجه في الشقّ الثاني فانه يعلم انّه قد فات منه يوم من شهر رمضان فيجب القضاء فلاحظ.

[مسألة 3 لا يختصّ اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه]

(1) قد تقدم انّه لا دليل علي اعتبار حكم الحاكم، بل الدليل اجتهادا و فقاهة قائم علي عدم اعتباره و لكن إذا قلنا باعتباره يكون حكمه نافذا بالنسبة الي جميع المكلّفين و ذلك لإطلاق دليل الاعتبار علي القول به.

نعم هذا فيما لا يقطع باشتباهه، و أمّا مع احراز الخلاف فلا أثر لحكمه حتّي بالنسبة الي مقلّديه لأنّ حكم الحاكم علي القول باعتباره حكم ظاهري و الواقع محفوظ بحاله و الحكم الظاهري مترتب علي الشكّ

و الجهل، و اللّه العالم.

[مسألة 4 إذا ثبت رؤيته في بلد آخر و لم يثبت في بلده]

(2) لا أدري ما الوجه في التفصيل بين المتقاربين من البلدان و المتباعدين منها، فانّ المتقاربين إمّا يكونان متّفقين في الافق و إمّا مختلفين فيه.

و كيف كان، قد صارت المسألة مورد الخلاف بين الأعلام و المشهور انّه لا أثر لرؤيته في بلد آخر الّا مع اتّفاق الافق و لكن جملة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 372

______________________________

من الأكابر و منهم سيدنا الاستاد ذهبوا الي الكفاية علي الاطلاق و منشأ الخلاف اختلاف النصوص فاللازم ملاحظة كلّ واحدة من الروايات و استفادة الحكم منها بمقتضي الصناعة.

فنقول: من تلك النصوص: ما رواه أبو الجارود زياد بن المنذر العبدي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن عليّ عليه السّلام يقول: صم حين يصوم الناس و أفطر حين يفطر الناس، فان اللّه عزّ و جلّ جعل الاهلّة مواقيت «1» و هذه الرواية ضعيفة بمحمّد بن سنان، مضافا الي ضعف اسناد الشيخ الي ابن فضّال.

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان؟ فقال:

لا تصم إلّا أن تراه فان شهد أهل بلد آخر فاقضه «2».

و الظاهر من الحديث انّ طريق الاثبات منحصر في الرؤية ثمّ فرّع عليه السّلام بأنّه إن شهد أهل بلد آخر فاقضه فلا بدّ من كون البلد الآخر مثل هذا البلد من حيث الافق و الّا فكيف يكون الطريق منحصرا في الرؤية و هذا العرف ببابك.

و بعبارة اخري: الفاء للتفريع أي بعد ما ثبت انّ الطريق لمعرفة الهلال عبارة عن الرؤية فقط يتفرّع عليه أنّ الرؤية في بلدة اخري يكون كرؤيتك

و هذا يتوقّف علي اتّحاد الافق.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 12، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 4.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 373

______________________________

و ببيان أوضح: نقول: نسأل انّه هل يستفاد الترتيب من الرواية أو يستفاد التخيير؟ أي لا فرق بين رؤيتك في بلدك و رؤية غيرك في بلده أمّا علي الأول فلا بدّ من الالتزام بانّه يلزم في الدرجة الاولي الاستهلال و ان لم يتحقق بأن استهللت و لم تر يكون شهادة غيرك مؤثّرة و هل يمكن القول به و هل يلتزم مثل سيدنا الاستاد به؟

و أمّا علي الثاني فلا ترتيب بين الأمرين بل أحدهما بدل عن الآخر و تكون الرؤية في بلد آخر سببا لإمكان رؤيته في بلدك.

و منها ما رواه ابن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان؟ فقال: لا تصمه الّا أن تراه، فان شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه و إذا رأيته من وسط النهار فاتمّ صومه الي الليل «1» و الكلام فيه هو الكلام.

و منها ما رواه هشام بن حكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه قال:

فيمن صام تسعة و عشرين، قال: ان كانت له بيّنة عادلة علي أهل مصر انّهم صاموا ثلاثين علي رؤية قضي يوما «2» و مقتضي اطلاق هذه الرواية كفاية الرؤية علي الاطلاق.

و منها ما رواه منصور بن حازم «3» و هذه الرواية يستفاد منها انّ الميزان رؤية الهلال و يقوم مقام الرؤية شهادة شاهدين مرضيّين.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 8، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 3.

(2) الوسائل: الباب 5، من أبواب أحكام شهر رمضان،

الحديث 13.

(3) قد تقدم في ص 370.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 374

______________________________

و بعبارة اخري: يكفي أحد الأمرين رؤية نفس المكلّف و شهادة شاهدين و بالمفهوم يدلّ علي عدم الاعتبار بغير النحوين المذكورين و بهذا المفهوم يقيّد ما يدلّ باطلاقه علي كفاية مطلق الرؤية.

و منها ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه سئل عن اليوم الّذي يقضي من شهر رمضان؟ فقال: لا تقضه الّا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متي كان رأس الشهر، و قال: لا تصم ذلك اليوم الذي يقضي الّا أن يقضي أهل الأمصار فان فعلوا فصمه «1».

و هذه الرواية تدلّ علي وجوب قضاء اليوم الذي أفطر الصوم اذا كان الأمر ثابتا عند جميع أهل الأمصار و بالمفهوم يدلّ علي عدم الاعتبار بقضاء بعضهم.

و بعبارة واضحة: علي فرض تماميّة المقتضي للقول المخالف مع المشهور لا بدّ من تقييده بالمقيّد.

اللهمّ الّا أن يقال: لا تعارض علي هذا بين النصوص، اذ بمنطوق واحد من الطرفين يخصّص مفهوم الطرف الآخر و تكون النتيجة انّ المثبت للموضوع أحد الامور إمّا الرؤية و إمّا شهادة عدلين و إمّا قضاء جميع أهل الامصار فلاحظ.

و ان أبيت و قلت: تكون الادلة متعارضة نقول: يدخل المقام تحت كبري اشتباه الحجة بغيرها و تصل النوبة الي استصحاب عدم الاعتبار

______________________________

(1) الوسائل: الباب 12، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 375

______________________________

و اطلاق ما دلّ علي انّ الميزان شهادة عدلين بالرؤية.

ان قلت: يمكن الاستدلال علي القول المقابل للقول المشهور باطلاق النصوص الدالّة علي اعتبار قول شاهدين عادلين في اثبات الهلال، فان الاطلاق

يقتضي عدم الفرق بين صورتي اختلاف الافق و اتّحاده.

قلت: لا مجال لهذا التقريب، إذ تلك النصوص في مقام بيان ما يلزم في الشاهد من حيث العدد و العدالة و الرجوليّة و لا تكون في مقام بيان غير هذه الجهات.

بقي الكلام في المؤيّدات التي ذكرها سيّدنا الاستاد لهذا القول الشاذ النادر.

المؤيد الأول: ما ورد في خطبة صلاة الفطر و الاضحي و هو قوله عليه السّلام: اسألك في هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا «1».

فيفهم انّ يوم العيد واحد فيكون عيدا للمسلمين.

و يرد عليه اولا: انّه كيف ينطبق علي ما لا اشتراك بينه و البلاد الاخر كالولايات المتّحدة حيث انّ اليوم و الليلة علي العكس بالنسبة الي بلادنا و كيف ينطبق علي بعض المناطق؟ حيث يقال: الليل هناك ستّة أشهر و كذلك اليوم؟

و ثانيا: انّ المستفاد من كلامه عليه السّلام انّ اوّل شوّال عيد و العاشر من ذي الحجّة كذلك و هذا بنحو القضيّة الحقيقيّة فكما لو قال عليه السّلام يستحبّ

______________________________

(1) الوسائل: الباب 26، من أبواب صلاة العيد، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 376

______________________________

في ليلة الجمعة كذا أو يستحب الدعاء عند زوال الشمس، ففي كل مورد يتحقق الموضوع يترتب عليه الحكم المذكور.

المؤيّد الثاني: قوله تعالي في سورة القدر: إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بتقريب انّ ليلة القدر ليلة واحدة و هي خير من ألف شهر و فيها يفرق كل أمر حكيم، و أيضا قد دلّ بعض النصوص انّه يكتب في تلك الليلة البلايا و المنايا و الارزاق، و من الظاهر انّ هذا لجميع أهل الأرض لا لبعضهم.

و يرد عليه، انّ المستفاد من الآية الكريمة انّ القرآن نزل علي قلب الرسول

صلي اللّه عليه و آله في ليلة القدر، و لا يدلّ هذه الجملة علي كون تلك الليلة واحدة أم لا، و لا تعرض في الآية لهذه الجهة و هذا نظير أن يقال: قتل عليّ عليه السّلام في مسجد الكوفة ما بين الطلوعين، فهل يتوهّم احد انّ ما بين الطلوعين واحد.

و أمّا قوله تعالي: فِيهٰا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ و أيضا قولهم عليهم السّلام يكتب فيه البلايا و المنايا فلا يستفاد منه الّا وقوع ما ذكر في تلك اللّيلة، و أمّا كونها واحدة أو متعدّدة فلا تعرّض له.

و الّذي يدلّ علي ما نقول انّه كيف يتصوّر المعني المذكور بالنسبة الي مكان يكون نهارا في تلك الليلة؟

المؤيّد الثالث: انّ الائمّة عليهم السّلام لم يتعرّضوا لوحدة الافق و الاختلاف فهذا يكشف عن انّه لا فرق من هذه الجهة.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1417 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم؛ ص: 376

و يرد عليه اوّلا: انّ جملة من الأحكام مترتّبة علي الفجر و الزوال

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 377

(مسألة 5) لا يجوز الاعتماد علي البريد البرقي المسمّي بالتلگراف في الاخبار عن الرؤية إلّا اذا حصل منه العلم بأن كان البلدان متقاربين و تحقّق حكم الحاكم أو شهادة العدلين برؤيته هناك (1).

(مسألة 6) في يوم الشكّ في أنّه من رمضان أو شوّال

______________________________

و لا تعرّض لحكم اختلاف البلدان من هذه الجهة.

و ثانيا: انّه لا وجه للاستدلال المذكور فانّهم عليهم صلوات اللّه بيّنوا حكم ثبوت الهلال و بأنّه بأيّ شي ء يتحقق و

مقتضي القاعدة العمل بهذه القاعدة في كل مكان بحسب افقه فأي ملزم لبيان اختلاف الافق و التعرّض له و الحال انّ مقتضي القاعدة العمل بالميزان المذكور علي نحو الاطلاق، و ان شئت فقل انّهم تعرضوا لحكم الاختلاف و هو الرؤية أو قيام الشاهدين عدلين فلا حظ.

[مسألة 5 لا يجوز الاعتماد علي البريد البرقي المسمّي بالتلگراف في الاخبار عن الرؤية]

(1) الأمر كما أفاده، فانّ البريد بما هو بريد و أمثاله لا يكون من الامارات المعتبرة فلا بدّ من إحراز الموضوع إمّا بالرؤية أو بالتواتر المفيد للعلم أو الاطمينان أو شهادة عدلين.

نعم الظاهر انّه يمكن القول باحراز شهادة العدلين باخبار ثقة بأن يخبر بقيام شهادتهما علي رؤية الهلال، و هل يمكن الاكتفاء باخبار الثقة أو شهادة عدل أو عدلين علي تحقق التواتر؟

الظاهر لا، اذ التواتر بما هو لا يكون دليلا و انّما يترتّب عليه العلم بالموضوع و العلم حجّة، و أمّا شهادة عدلين فهي بنفسها دليل شرعي فلو احرزت بالوجدان أو بالطريق الشرعي يترتّب عليه الأثر.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 378

يجب أن يصوم و في يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان يجوز الافطار و يجوز أن يصوم لكن لا بقصد انّه من رمضان كما مرّ سابقا تفصيل الكلام فيه.

و لو تبيّن في الصورة الأولي كونه من شوّال وجب الافطار سواء كان قبل الزوال أو بعده.

و لو تبيّن في الصورة الثانية كونه من رمضان وجب الإمساك و كان صحيحا اذا لم يفطر و نوي قبل الزوال و يجب قضاؤه اذا كان بعد الزوال (1).

(مسألة 7) لو غمّت الشهور و لم ير الهلال في جملة منها أو في تمامها حسب كلّ شهر ثلاثين ما لم يعلم النقصان عادة (2).

[مسألة 6 في يوم الشكّ في أنّه من رمضان أو شوّال]

______________________________

(1) قد تعرّض الماتن في فصل النيّة للفروع المذكورة في هذه المسألة و شرحنا كلامه و لا وجه للإعادة.

و بالمناسبة نتعرّض لنكتة و هي انّهم بنوا علي عدم جواز صوم يوم الشكّ بعنوان صوم شهر رمضان، فلو أتي المكلّف به و لو رجاء يكون صومه باطلا فنقول: هل يعقل ما

افيد في مقام الثبوت و الواقع؟

و بعبارة واضحة: نسأل هل يكون الأمر بالصوم بالنسبة الي ذلك اليوم متوجها الي المكلّف حين كونه جاهلا بكونه شهر رمضان أم لا؟

لا سبيل الي الثاني، و علي الأوّل هل يمكن بعث المولي عبده نحو عمل و مع ذلك يمنعه عن الامتثال و الحال انّ الأمر بداعي امكان الداعويّة أ ليس مرجعه الي التناقض؟

[مسألة 7 لو غمّت الشهور و لم ير الهلال في جملة منها أو في تمامها]

(2) ما أفاده علي طبق القاعدة، فانّ الاستصحاب يقتضي البقاء

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 379

(مسألة 8) الأسير و المحبوس إذا لم يتمكّنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظنّ (1) و مع عدمه تخيّرا في كلّ سنة بين الشهور

______________________________

ما لم يحصل العلم بالخلاف مضافا الي جملة من النصوص الدالة علي المدعي المذكور.

منها ما رواه اسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في كتاب عليّ عليه السّلام: صم لرؤيته و أفطر لرؤيته و ايّاك و الشكّ و الظنّ فان خفي عليكم فاتمّوا الشهر الأول ثلاثين «1».

و منها ما رواه أبو خالد الواسطي، عن أبي جعفر عليه السّلام، عن أبيه، عن عليّ عليهم السّلام في حديث: انّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لما ثقل في مرضه قال:

ان السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، قال: ثمّ قال: بيده فذاك رجب مفرد و ذو القعدة و ذو الحجّة و المحرّم ثلاثة متواليات ألا و هذا الشهر المفروض رمضان فصوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته، فاذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين يوما و صوموا الواحد و ثلاثين- الحديث «2».

[مسألة 8 الأسير و المحبوس إذا لم يتمكّنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظنّ]

(1) هذا هو المشهور بين القوم و ادّعي عليه الاجماع، و يدلّ عليه من النصوص:

ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قلت له: رجل أسرته الروم و لم يصح له شهر رمضان و لم يدر أيّ شهر هو؟ قال: يصوم شهرا يتوخّي و يحسب فان كان الشهر الذي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 3، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11.

(2) نفس المصدر، الحديث 17.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص:

380

فيعيّنان شهرا له (1).

و يجب مراعاة المطابقة بين الشهرين في سنتين بأن يكون بينهما أحد عشر شهرا (2).

______________________________

صامه قبل شهر رمضان لم يجزه و ان كان بعد شهر رمضان أجزأه «1».

فانّ مورد السؤال و ان كان عنوان الاسير و لكن العرف يفهم عدم الفرق، و بعبارة اخري: المستفاد من الحديث انّ الموضوع من لا يتمكّن من معرفة انّ شهر رمضان متي و أيّ شهر من الشهور.

(1) بتقريب: انّ المكلّف مكلّف بالتكليف الواقعي، و من ناحية اخري لا يمكن الاحتياط بالنسبة الي جميع الاطراف أو يكون عسرا فلا يجب الاحتياط التامّ قطعا و حيث انّ متعلق الوجوب شخص شهر و هو شهر رمضان و لكن الاضطرار متعلّق بالجامع لا ينحلّ العلم الإجمالي فيجب التبعيض و هو التخيير.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: انّ العلم الإجمالي إمّا منجّز علي الاطلاق كما هو المشهور و إمّا لا كما هو المنصور، أمّا علي الأول فلا وجه للتخيير، بل لا بدّ من الاحتياط الي حدّ عدم الامكان أو مع العسر الرافع للتكليف كما هو المقرّر في الاصول، و أمّا علي الثاني فلا مقتضي للاحتياط، بل يكفي الامتثال الاحتمالي و هو يحصل باختيار شهر مخيّرا بين الشهور.

(2) الظاهر انّ الوجه فيما ذكر انّه مع عدم المراعاة يعلم اجمالا

______________________________

(1) الوسائل: الباب 7، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 381

و لو بان بعد ذلك انّ ما ظنّه أو اختاره لم يكن رمضان، فان تبيّن سبقه كفاه لأنّه حينئذ يكون ما أتي به قضاء، و ان تبيّن لحوقه و قد مضي قضاه و ان لم يمض أتي به (1).

و يجوز له في صورة

عدم حصول الظن أن لا يصوم حتّي يتيقّن انّه كان سابقا فيأتي به قضاء (2).

______________________________

بتعلق وجوب القضاء عليه، اذ يعلم بعدم كون احدهما شهر رمضان فيجب عليه قضائه، لكن لو قلنا بأنّ الاجمال و عدم الظنّ و تعذّر الاحتياط التامّ أو تعسّره توجب الغاء الخصوصيّة، و الذي يجب علي المكلّف الاتيان بصيام شهر في كل سنة، لا يبقي مجال لما افيد.

و العمدة انّ المبني غير تام، اذ مع عدم الظنّ يلزم الاحتياط بقدر الامكان علي ما هو المقرّر عندهم من كون العلم الإجمالي منجّزا و مع انكشاف الخلاف لا وجه للاجزاء.

(1) أمّا بالنسبة الي صورة الظن فما أفاده مستفاد من النصّ الوارد في المقام، و أمّا بالنسبة الي اختيار شهر من الشهور فالحكم بالاجزاء في صورة تقدّم شهر رمضان مشكل اذ المفروض انّه قصد عنوان شهر رمضان، فما قصده لم يكن له واقع و الواقع لم يقصده.

نعم لو قلنا عند الشكّ و العلم الإجمالي بعدم وجوب الاحتياط و يكون الواجب الاتيان بصوم شهر لا يجب القضاء اذ المفروض أنّ ما أتي به المكلّف هو الواجب و لكن هذا فرض و خيال و لا دليل معتبر عليه فلا حظ.

(2) بتقريب انّه لا يكون عالما بالوجوب الّا بعد العلم بمضيّ

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 382

و الأحوط إجراء أحكام شهر رمضان علي ما ظنّه من الكفّارة و المتابعة و الفطرة و صلاة العيد و حرمة صومه ما دام الاشتباه باقيا و ان بان الخلاف عمل بمقتضاه (1).

(مسألة 9) اذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر مثلا فالأحوط صوم الجميع و ان كان لا يبعد اجراء حكم الاسير و المحبوس (2)

و أمّا ان اشتبه الشهر المنذور صومه بين

______________________________

رمضان فيعلم بوجوب القضاء، و فيه انّه لو قلنا انّ العلم الإجمالي في التدريجيّات منجّز، كيف يمكن اجراء البراءة و عدم الاتيان بالصيام؟

(1) مقتضي الانصاف عدم ترتّب الأحكام المذكورة علي المظنون، فانّ المستفاد من كلامه روحي فداه مجرّد الاجزاء و عدمه، و أمّا تنزيل المظنون منزلة الواقع كي يقال: انّ مقتضي التنزيل ترتيب جميع الأحكام كما في تقرير سيدنا الاستاد، فغير تامّ و العرف ببابك.

و بعبارة واضحة: المناط كلام المعصوم عليه السّلام لا سؤال الراوي.

[مسألة 9 إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر مثلا]

(2) مقتضي القاعدة الاوليّة الاحتياط التامّ علي القول بكون العلم الإجمالي منجزا علي الاطلاق و علي القول بعدم تنجّزه كذلك بل كونه منجزا في الجملة يكفي الامتثال الاحتمالي هذا بحسب القاعدة الاوّليّة، و أمّا بحسب النصّ الوارد في الأسير فكما أفاد يمكن أن يقال:

انّ العرف يفهم انّ الميزان عدم تشخيص شهر رمضان بلا فرق بين أسباب عدم تميّزه.

هذا من ناحية و من ناحية اخري انّ التوخّي الوارد في النصّ عبارة عن التحرّي و يكون المراد طلب الشي ء و الأخذ بالأحري، و من

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 383

شهرين أو ثلاثة فالظاهر وجوب الاحتياط ما لم يستلزم الحرج و معه يعمل بالظنّ و مع عدمه يتخيّر (1).

(مسألة 10) اذا فرض كون المكلّف في المكان الذي نهاره ستّة أشهر و ليله ستّة أشهر أو نهاره ثلاثة و ليله ستّة أو نحو ذلك فلا يبعد كون المدار في صومه و صلاته علي البلدان المتعارفة المتوسّطة مخيرا بين أفراد المتوسّط.

و أمّا احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد كاحتمال سقوط الصوم و كون الواجب صلاة يوم واحد و ليلة واحدة و يحتمل كون المدار

بلده الذي كان متوطّنا فيه سابقا ان كان له بلد سابق (2).

______________________________

الظاهر انّ الأحري و الأنسب الأخذ بجانب المظنون.

و لو وصلت النوبة الي الشكّ نقول: لا إشكال في صدق عنوان التوخّي علي المظنون، و أمّا صدقه علي غيره فهو محل الشكّ و الترديد فلا بدّ فيه من العمل علي طبق القاعدة فما أفاده في المتن لا بأس به.

(1) لا وجه للعمل بالظنّ فانّه لا يغني عن الحقّ شيئا و النصّ الوارد في الاسير لا يشمل المقام بلا إشكال فلا بدّ من العمل علي طبق القواعد فان قلنا يجب الاحتياط التام في موارد العلم الإجمالي يجب كذلك إلّا فيما ينتهي الي التعذّر أو التعسّر، و أمّا ان لم نقل به و قلنا بكفاية الامتثال الاحتمالي فيكفي الاتيان ببعض أطراف العلم فلاحظ.

[مسألة 10 إذا فرض كون المكلّف في المكان الذي نهاره ستّة أشهر و ليله ستّة أشهر أو نهاره ثلاثة و ليله ستّة أو نحو ذلك]

(2) أري أن عدم التعرّض لهذه المسألة أولي بل متعيّن، اذ بيان ما هو مقتضي الصناعة لعلّه يقرع الاسماع، و من ناحية اخري لا يكون محل الابتلاء الّا في الجملة و الاحتياط في ترك السكني هناك، و علي تقديره يأتي بما يقطع بالعمل بالوظيفة و اللّه الهادي.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 384

[فصل في أحكام القضاء]

اشارة

فصل في أحكام القضاء يجب قضاء الصوم ممّن فاته بشروط و هي: البلوغ و العقل و الإسلام، فلا يجب علي البالغ ما فاته أيّام صباه، نعم يجب قضاء اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجر أو بلغ مقارنا لطلوع إذا فاته صومه.

و أمّا لو بلغ بعد الطلوع في أثناء النهار فلا يجب قضاؤ و ان كان الأحوط و لو شكّ في كون البلوغ قبل الفجر أو بعد فمع الجهل بتاريخهما لم يجب القضاء و كذا مع الجهل بتاريخ البلوغ.

و أمّا مع الجهل بتاريخ الطلوع بأن علم انّه بلغ قبل ساعة مثلا و لم يعلم انّه كان قد طلع الفجر أم لا، فالأحوط القضاء و لكن في وجوبه اشكال.

و كذا لا يجب علي المجنون ما فات منه أيّام جنونه من غير

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 385

فرق بين ما كان من اللّه أو من فعله علي وجه الحرمة أو علي وجه الجواز، و كذا لا يجب علي المغمي عليه سواء نوي الصوم قبل الاغماء أم لا.

و كذا لا يجب علي من أسلم عن كفر إلّا اذا أسلم قبل الفجر و لم يصم ذلك اليوم فانّه يجب عليه قضاؤه.

و لو أسلم في أثناء النهار لم يجب عليه صومه و ان لم يأت بالمفطر و

لا عليه قضاؤه من غير فرق بين ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده و ان كان الأحوط القضاء اذا كان قبل الزوال (1).

تعرض الماتن (قدّس سرّه) لعدّة فروع:

الفرع الأوّل: انّه لا يجب علي البالغ ما فاته من الصوم أيّام صباه،

______________________________

(1) و يمكن الاستدلال علي المدّعي بوجوه:

الوجه الأول: الاجماع بل الضرورة.

الوجه الثاني: انّه لو كان واجبا لشاع و ذاع و لكان الاتقياء يأمرون أولادهم بعد البلوغ بالقضاء.

الوجه الثالث: انّ المستفاد من تقسيم الآية الشريفة انّ قسما من المكلّفين يجب عليهم الصوم و قسم منهم يجب عليهم القضاء و قسم منهم يجب عليهم الفدية و غير البالغ خارج عن الأقسام المذكورة، و بعبارة واضحة: انّه يفهم من الآية الحصر.

الوجه الرابع: البراءة عن الوجوب.

الفرع الثاني: انّه لو بلغ قبل طلوع الفجر أو مقارنا له يجب عليه قضاء ذلك اليوم.

و الوجه فيه انّ المفروض شمول دليل الوجوب ايّاه

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 386

______________________________

و بعبارة واضحة: قد فرض دخوله في دائرة المكلّفين بالصوم فيشمله دليل الاداء و القضاء بلا إشكال و لا كلام.

الفرع الثالث: انّه لو بلغ بعد طلوع الفجر أو في أثناء النهار و لم يصم لا يجب عليه القضاء،

و ان كان أحوط و الوجه فيه انّ الصوم واجب ارتباطي و لا مجال لأن يكون جزئه واجبا و جزئه الآخر مستحبّا و المفروض انّه لا يجب عليه قبل بلوغه فلا يجب بعده و مع عدم الوجوب لا مقتضي لوجوب القضاء.

و ان شئت فقل: انّ الواجب الامساك من اوّل الفجر الي الغروب أو المغرب، و المفروض أنّه لا يجب عليه كذلك فلا قضاء عليه لكن مع ذلك كلّه لا اشكال في حسن الاحتياط عقلا.

الفرع الرابع: انّه لو شك في كون البلوغ قبل الفجر أو بعده لا يجب القضاء،

اذ مقتضي استصحاب عدم البلوغ حين طلوع الفجر عدم وجوب الصوم عليه فلا قضاء عليه و استصحاب عدم الطلوع الي حين البلوغ لا يقتضي تحقق البلوغ في زمان الطلوع الّا علي القول بالاثبات الذي لا نقول به و هذا الذي نقول: لا فرق فيه بين جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ كما هو الحقّ و عدم جريانه، اذ لو فرض العلم بتاريخ البلوغ و الجهل بتاريخ الطلوع و استصحب عدم الطلوع الي ما بعد البلوغ لا يترتب عليه الأثر اذ الأثر مترتب علي البلوغ في زمان الطلوع لا علي عدم الطلوع حين البلوغ فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 387

الفرع الخامس: انّه لا يجب علي المجنون قضاء ما فاته من الصوم حال جنونه.

______________________________

تارة ادّعي عليه الاجماع و اخري عدم الخلاف، و يمكن الاستدلال علي المدّعي بوجهين:

الوجه الأول: التقسيم المستفاد من الآية الشريفة فانّ المجنون غير داخل في الأقسام المذكورة.

الوجه الثاني: اصالة البراءة عن وجوب القضاء فانّ القضاء بالأمر الجديد و المفروض انه لم يثبت في حقّه شي ء لا خطابا و لا ملاكا أمّا الأوّل فلأنّ المفروض عدم تعلّق الوجوب به و أمّا الثاني فلأنّه لا دليل عليه بل الدليل قائم علي عدمه نصّا و أصلا.

أمّا النصّ فيستفاد منه انّ ملاك التكاليف العقل، و أمّا الأصل فإنّ الاستصحاب يقتضي عدم الملاك فلاحظ، و لا فرق فيما ذكر بين حدوثه بالاختيار و ما يكون بلا اختيار اذ الميزان تحقّق الموضوع و لا دليل علي التفريق بين الصورتين.

الفرع السادس: انّه لا يجب القضاء علي المغمي عليه

للنصّ الخاصّ الوارد في المقام، لاحظ ما رواه ايّوب بن نوح قال: كتبت الي أبي الحسن الثالث عليه السّلام أسأله عن المغمي عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب عليه السّلام: لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة «1».

و ما رواه علي بن محمد القاساني قال: كتبت اليه عليه السّلام و أنا بالمدينة أسأله عن المغمي عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته؟

______________________________

(1) الوسائل: الباب 24، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 388

______________________________

فكتب عليه السّلام: لا يقضي الصوم «1».

و لا فرق من هذه الجهة بين سبق النيّة منه و عدمه و ذلك لإطلاق الدليل الدالّ علي عدم الوجوب.

و ربما يقال: بأنّ المغمي عليه داخل في عنوان المريض و المريض يجب عليه القضاء.

و يرد عليه: انّ الاغماء عنوان في قبال المرض مضافا الي أنّ النصّ دالّ

علي عدم الوجوب فلا مجال للتوهّم المذكور.

و ما رواه عليّ بن مهزيار قال: سألته عن المغمي عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب: لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة «2».

و في المقام حديثان يدلان علي وجوب القضاء عليه، لا حظ ما رواه منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه سأله عن المغمي عليه شهرا أو أربعين ليلة؟ قال: فقال: ان شئت أخبرتك بما آمر به نفسي و ولدي أن تقضي كل ما فاتك «3».

و ما رواه حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يقضي المغمي عليه ما فاته «4».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) الوسائل: الباب 3، من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 18.

(3) الوسائل: الباب 24، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 4.

(4) نفس المصدر، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 389

______________________________

و كلا الحديثين ضعيفان، أمّا الأوّل: فبالارسال اذ عنوان غير واحد لا يكون معنونا بعنوان المتواتر، و أمّا الثاني: فبضعف إسناد الشيخ الي حفص.

ثمّ إنّه لا فرق فيما قلنا بين كونه بلا اختيار و كونه مع الاختيار حلالا أو حراما و ربما يقال: بأنّه يستفاد من حديث ابن مهزيار، انّه سأله يعني أبا الحسن الثالث عليه السّلام عن هذه المسألة يعني مسألة المغمي عليه؟ فقال: لا يقضي الصوم و لا الصلاة و كلّما غلب اللّه عليه فاللّه أولي بالعذر «1»، التفصيل بين ما لا يكون بالاختيار و ما يكون به.

و يمكن أن يقال: انّ غاية ما يستفاد منه عدم شموله لمورد الاختيار، لكن لا ينفي الحكم عن مورده فالمحكّم اطلاق دليل عدم الوجوب.

اللّهمّ الّا أن

يقال: انّه يرد علي التقريب المذكور انّ المستفاد من الحديث نفي الحكم بمقتضي المفهوم عن مورد العذر الاختياري فلا بدّ من الاحتياط.

الفرع السابع: انّه لا يجب القضاء من أسلم عن كفر،

و قد دلّت جملة من النصوص علي الحكم المذكور:

منها ما رواه عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضي منه أيام هل عليهم أن يصوموا ما مضي منه أو يومهم الّذي أسلموا فيه؟ فقال: ليس عليهم قضاء

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 390

______________________________

و لا يومهم الّذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر «1».

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه؟ قال: ليس عليه الّا ما أسلم فيه «2».

و منها ما رواه مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام انّ عليا عليه السّلام كان يقول: في رجل أسلم في نصف شهر رمضان: انّه ليس عليه الّا ما يستقبل «3».

و منها مرسل الصدوق قال: ليس عليه أن يصوم الّا ما أسلم فيه و ليس عليه أن يقضي ما مضي منه «4».

و يعارض النصوص المشار إليها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل أسلم بعد ما دخل شهر رمضان أيّام؟ فقال:

ليقض ما فاته «5».

و الحديث ضعيف سندا بقاسم بن محمّد، اذ يمكن أن يكون المراد منه الجوهري و لم يوثّق و توثيق ابن داود ايّاه لا أثر له، اذ هو بنفسه غير

______________________________

(1) الوسائل: الباب 22، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث

2.

(3) نفس المصدر، الحديث 4.

(4) نفس المصدر، الحديث 3.

(5) نفس المصدر، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 391

(مسألة 1) يجب علي المرتدّ قضاء ما فاته ايّام ردّته سواء كان عن ملّة أو فطرة (1).

______________________________

موثّق، كما انّه لا أثر لكون الرجل في أسناد كتاب كامل الزيارات فالمرجع النصوص النافية للقضاء.

الفرع الثامن: انّه اذا أسلم قبل الفجر يجب عليه قضاء ذلك اليوم إن فاته صومه

و هذا مقتضي القاعدة الأوّليّة مضافا الي النصّ عليه في حديث العيص.

الفرع التاسع: انّه لو أسلم أثناء نهار شهر رمضان لم يجب عليه صومه

و ان لم يأت بالمفطر و لا يجب عليه قضائه بلا فرق بين كون اسلامه قبل الزوال أو بعده، لا حظ حديث عيص، فان مقتضاه عدم الوجوب لا أداء و لا قضاء بلا فرق بين الإسلام قبل الزوال و بعده و بلا فرق بين الاتيان بالمفطر قبل الإسلام و عدم الاتيان به فانّ المستفاد من الحديث باطلاقه عدم الوجوب إلّا فيما اذا أسلم قبل طلوع الفجر.

نعم لا إشكال في حسن الاحتياط الّذي ذكره في المتن للخروج عن شبهة الخلاف حيث انّه نسب الي الطوسي (قدّس سرّه) القول بوجوب الصوم فيما يكون اسلامه قبل الزوال.

[مسائل في أحكام القضاء]

[مسألة 1 يجب علي المرتدّ قضاء ما فاته ايّام ردّته]

(1) بلا خلاف كما عن الذخيرة و عن المدارك انّه قطعي، و يمكن الاستدلال علي المدّعي بكونه قسما من المكلّفين فدليل وجوب القضاء يشمله كدليل الاداء فالأمر بحسب القواعد ظاهر واضح.

نعم لقائل أن يقول: النصوص الدالّة علي عدم الوجوب بعد الإسلام باطلاقها يشمل اسلام المرتدّ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 392

(مسألة 2) يجب القضاء علي من فاته لسكر من غير فرق بين ما كان للتداوي أو علي وجه الحرام (1).

______________________________

لكن يرد عليه أنّ الظاهر من هذه النصوص انّ المراد منها الإسلام الحادث فلا يشمل المرتدّ و لا أقلّ من عدم امكان الجزم بالاطلاق و أمّا حديث جبّ الإسلام عما قبله فلا سند له.

ان قلت: المرتد الفطري محكوم بالقتل و لا يرتفع عنه الحكم المذكور بالتوبة فكيف يحكم بوجوب القضاء؟

قلت: يمكن فرض الموضوع علي نحو لا ينكشف الأمر عند الحاكم كي يجري عليه الحكم، كما انّه يمكن أن لا يقدر الحاكم علي الاجراء فالاشكال المذكور ساقط عن درجة الاعتبار.

[مسألة 2 يجب القضاء علي من فاته لسكر من غير فرق بين ما كان للتداوي أو علي وجه الحرام]

(1) اذا قلنا انّ السكر كالنوم فكما يكون صوم النائم مع سبق النيّة صحيحا كذلك الصوم مع السكر، و أمّا ان لم نقل بذلك و انّما التزمنا بالصحّة في النوم من باب السيرة يشكل الالتزام بالصحّة، اذ السيرة تختصّ بالنوم.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الاكتفاء بالنيّة السابقة يقتضي الحكم بالصحّة في النوم و السكر و أمثالهما، و الانصاف انّ القول بالكفاية لا يكون جزافا فانّه يكفي في الأمور العدمية العباديّة قصدها قربة الي اللّه و بقاء ذلك القصد في خزانة النفس بنحو الارتكاز بحيث لو سئل يمكنه الجواب و هذا قدر مشترك بين النوم و السكر و الاغماء و أمثالها فلاحظ.

ثمّ

أنّه لا فرق بين أقسامه كما في المتن، فان قلنا بعدم وجوب

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 393

(مسألة 3) يجب علي الحائض و النفساء قضاء ما فاتهما حال الحيض و النفاس (1).

______________________________

القضاء نقول به علي الاطلاق، و إن قلنا بوجوبه كما في المتن فايضا لا فرق بين أقسامه.

[مسألة 3 يجب علي الحائض و النفساء قضاء ما فاتهما حال الحيض و النفاس]

(1) إجماعا كما في بعض الكلمات، و تدلّ علي المدّعي جملة من النصوص:

منها ما رواه أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: انّ السنّة لا تقاس، ألا تري انّ المرأة تقضي صومها و لا تقضي صلاتها؟

الحديث «1».

و منها ما رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام، عن قضاء الحائض الصلاة ثمّ تقضي الصيام؟ قال: ليس عليها أن تقضي الصلاة و عليها أن تقضي صوم شهر رمضان ثمّ أقبل عليّ فقال: انّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كان يأمر بذلك فاطمة عليها السّلام و كان يأمر بذلك المؤمنات «2».

و منها ما رواه الحسن بن راشد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، الحائض تقضي الصلاة؟ قال: لا، قلت: تقضي الصوم؟ قال: نعم، قلت: من أين جاء هذا؟ قال: إنّ أول من قاس ابليس- الحديث «3».

و منها ما رواه أبان عمّن أخبره، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليه السّلام قالا: الحائض تقضي الصيام و لا تقضي الصلاة «4».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 41، من أبواب الحيض، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

(4) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 394

و أمّا المستحاضة فيجب عليها الاداء و إذا فات منها فالقضاء (1)

(مسألة 4) المخالف إذا استبصر يجب عليه

قضاء ما فاته، و أمّا ما أتي به علي وفق مذهبه فلا قضاء عليه (2).

______________________________

و منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج «1».

(1) لاحظ ما رواه عليّ بن مهزيار قال: كتبت إليه عليه السّلام: امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفسها في أوّل يوم من شهر رمضان ثمّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب عليه السّلام: تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، لأنّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك «2».

[مسألة 4 المخالف إذا استبصر يجب عليه قضاء ما فاته]

(2) كما هو مقتضي القاعدة الأوّليّة، فانّه يجب علي كلّ مكلّف قضاء ما فاته من الصوم، و يستفاد من حديث عمّار الساباطي قال:

قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه عليه السّلام و أنا جالس: إنّي منذ عرفت هذا الأمر اصلّي في كلّ يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي، قال: لا تفعل فانّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة «3»، عدم وجوب قضاء ما فاته.

لكن السند ضعيف فانّ الرجال الواسطة بين سعد و عمّار مجهولة و للحديث سند آخر و ذلك السند أيضا مخدوش بعدم ثبوت وثاقة

______________________________

(1) قد تقدم في ص 244.

(2) الوسائل: الباب 18، من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3) الوسائل: الباب 31، من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 395

(مسألة 5) يجب القضاء علي من فاته الصوم للنوم بأن كان نائما قبل الفجر الي الغروب من غير سبق نيّة، و كذا من فاته للغفلة كذلك (1).

(مسألة 6) اذا علم

انّه فاته أيّام من شهر رمضان و دار بين الأقلّ و الأكثر يجوز له الاكتفاء بالأقلّ و لكن الأحوط قضاء الأكثر خصوصا اذا كان الفوت لمانع من مرض أو سفر أو نحو ذلك و كان شكّه في زمان زواله كأن يشكّ في أنّه حضر من سفره بعد أربعة أيّام أو بعد خمسة أيّام مثلا من شهر رمضان (2).

______________________________

بعض رجاله فلاحظ فالمرجع القواعد العامّة و هي تقتضي الوجوب.

نعم، ما أتي به في زمان خلافه علي طبق مذهبه الباطل لا يجب قضائه للنصّ الخاصّ الدالّ عليه، لا حظ ما رواه بريد بن معاوية العجلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في حديث قال: كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمّ منّ اللّه عليه و عرّفه الولاية فانّه يؤجر عليه الّا الزكاة فانّه يعيدها لأنّه يضعها في غير مواضعها لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحج و الصيام فليس عليه قضاء «1».

[مسألة 5) يجب القضاء علي من فاته الصوم للنوم بأن كان نائما قبل الفجر الي الغروب من غير سبق نيّة]

(1) ما أفاده تامّ، اذ المفروض انّ المكلّف لم يأت بما عليه من الصوم فيجب قضائه بمقتضي دليل وجوب قضاء ما فات من الصوم، و بعبارة واضحة: الصوم واجب عبادي و يتوقف تحقّقه علي القصد و النيّة القربيّة، و من ناحية اخري فرض عدم النيّة فيجب القضاء.

[مسألة 6 إذا علم أنّه فاته أيّام من شهر رمضان و دار بين الأقلّ و الأكثر يجوز له الاكتفاء بالأقلّ]

(2) الّذي يختلج بالبال أن يقال: تارة يكون الشكّ في وجوب

______________________________

(1) الوسائل: الباب 3، من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 396

______________________________

القضاء ناشئا عن احتمال عدم امتثال التكليف في ظرفه و اجتماع شرائطه، و اخري يكون ناشئا من الشكّ في بقاء موضوع وجوب القضاء، كما لو شكّ في بقاء عنوان السفر أو المرض.

أمّا علي الأوّل فلا يجب القضاء، فانّ مقتضي القاعدة الحيلولة المستفادة من حديث زرارة و الفضيل، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال: متي استيقنت أو شككت في وقت فريضة انّك لم تصلّها أو في وقت فوتها انّك لم تصلّها صلّيتها و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا اعادة عليك من شكّ حتّي تستيقن، فان استيقنت فعليك ان تصلّيها في أيّ حالة كنت «1»، الحكم بتحقّق الامتثال.

فانّ الحديث و ان كان واردا في الشكّ في الاتيان بالصلاة و لكن الظاهر انّ العرف يفهم عدم الخصوصية و انّها قاعدة مضروبة لكلّ موقّت يشكّ فيه بعد مضيّ وقته.

و أمّا علي الثاني فيجب، فانّ الأصل الجاري في السّبب حاكم علي الأصل المسببي و قد استفيد من التقسيم في الآية الشريفة، انّ المريض و كذلك المسافر يجب عليهما القضاء، فاذا ثبت بالاستصحاب بقاء السفر أو المرض يترتّب عليه وجوب القضاء، مضافا الي أنّ الشكّ

في الاتيان بالمأمور به موضوع لاستصحاب عدم الاتيان به و يترتب

______________________________

(1) الوسائل: الباب 60، من أبواب المواقيت، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 397

(مسألة 7) لا يجب الفور في قضاء (1) و لا التتابع، نعم يستحبّ التتابع فيه و ان كان اكثر من ستّة لا التفريق فيه مطلقا أو في الزائد علي الستّة (2).

______________________________

عليه وجوب القضاء فلاحظ.

[مسألة 7 لا يجب الفور في قضاء و لا التتابع]

(1) فانّه قد قرّر في الاصول عدم دلالة الأمر لا علي الفور و لا علي التراخي، و بعبارة اخري: مقتضي الاطلاق عدم وجوب الفور كما أفاد في المتن مضافا الي النصّ الخاصّ الدالّ علي المدّعي.

لاحظ حديث الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا كان علي الرّجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ الشهور شاء الحديث «1».

و حديث حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كنّ نساء النبي صلي اللّه عليه و آله اذا كان عليهنّ صيام أخّرن ذلك إلي شعبان، الي أن قال: فاذا كان شعبان صمن و صام معهنّ- الحديث «2».

(2) يستفاد من مجموع النصوص الواردة في المقام:

منها ما رواه محمّد يعني ابن الحسن الصفار، انّه كتب الي الأخير عليه السّلام، رجل مات و عليه قضاء من الشهر عشرة ايّام، الي أن قال: فوقّع عليه السّلام: يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة ايّام ولاء إن شاء اللّه «3».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 27، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 4.

(3) الوسائل: الباب 26، من أبواب احكام شهر رمضان، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 398

______________________________

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عمّن يقضي شهر رمضان متقطّعا؟ قال:

اذا حفظ ايّامه فلا بأس «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كلّ صوم يفرق الّا ثلاثة ايّام في كفّارة اليمين «2».

و منها ما رواه ابن سنان يعني عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فان قضاه متتابعا فهو أفضل و ان قضاه متفرّقا فحسن «3».

و منها ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا كان علي الرجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ شهر شاء ايّاما متتابعة فان لم يستطع فليقضه كيف شاء و ليحص الأيّام، فان فرق فحسن فان تابع فحسن- الحديث «4».

و منها ما رواه عمّار بن موسي الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل تكون عليه أيّام من شهر رمضان كيف يقضيها؟

فقال: إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما، و ان كان عليه خمسة أيّام فليفطر بينها ايّاما و ليس له أن يصوم أكثر من ستة ايام متوالية، و ان كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينها يوما «5».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 4.

(4) نفس المصدر، الحديث 5.

(5) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 399

______________________________

و منها ما رواه أحمد بن الحسن مثله، الّا أنّه قال: و ان كان عليه خمسة أيام فليفطر بينها يومين، و ان كان عليه شهر فليفطر بينها ايّاما و ليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيّام يعني متوالية- الحديث «1».

و منها ما رواه سليمان بن جعفر الجعفري، انّه سأل أبا الحسن الرضا عليه السّلام

عن الرّجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان أ يقضيها متفرّقة؟ قال: لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان انّما الصيام الّذي لا يفرّق صوم كفارة الظهار و كفارة الدم و كفارة اليمين «2».

و منها ما رواه الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام في كتابه الي المأمون قال: و إن قضيت فوائت شهر رمضان متفرّقا أجزأ «3».

و منها ما رواه في المقنع قال: روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قضاء رمضان انّه قال: يصوم ثلاثة أيّام ثمّ يفطر «4».

و منها ما رواه الأعمش عن جعفر بن محمد عليه السّلام في حديث شرائع الدين قال: و الفائت من شهر رمضان أن قضي متفرّقا جاز و ان قضي متتابعا كان أفضل «5» انّ التتابع في القضاء أفضل لكن يستفاد

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 7.

(2) نفس المصدر، الحديث 8.

(3) نفس المصدر، الحديث 9.

(4) نفس المصدر، الحديث 10.

(5) نفس المصدر، الحديث 11.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 400

(مسألة 8) لا يجب تعيين الايّام فلو كان عليه أيّام فصام بعددها كفي، و ان لم يعيّن الأوّل و الثاني و هكذا (1).

بل لا يجب الترتيب أيضا فلو نوي الوسط أو الأخير تعيّن و يترتّب عليه أثره (2).

(مسألة 9) لو كان عليه قضاء من رمضانين فصاعدا يجوز قضاء اللاحق قبل السابق (3).

______________________________

من حديث عليّ بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عمّن كان عليه يومان من شهر رمضان كيف يقضيهما؟ قال: يفصّل بينهما بيوم و ان كان أكثر من ذلك فليقضها متوالية «1».

التفصيل بين قضاء يومين من شهر رمضان و أكثر بالتفريق في الأول و التتابع في الثاني.

[مسألة 8 لا يجب تعيين الايّام]

(1) لعدم دليل عليه،

مضافا الي أنّه لا ميز بين الافراد كي يشار اليه الّا أن يكون في حدّ نفسه متميّزا بلحاظ أثر مخصوص و حكم خاصّ.

(2) لعدم الدليل عليه أيضا فلا وجه لرعايته و يترتّب عليه ما أفاده من انّه لو قصد الوسط أو الأخير و كان المقصود متميّزا عن غيره يسقط عن الذمة.

[مسألة 9 لو كان عليه قضاء من رمضانين فصاعدا يجوز قضاء اللاحق قبل السابق]

(3) فانّه كما سبق علي طبق القاعدة أي حيث لا دليل علي الترتيب فيجوز الاتيان باللاحق قبل السابق.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 12.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 401

بل إذ تضيّق اللاحق بأن صار قريبا من رمضان آخر كان الأحوط تقديم اللاحق (1).

و لو أطلق في نيّته انصرف الي السابق و كذا في الأيّام (2).

(مسألة 10) لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب كالكفارة و النذر و نحوهما (3).

نعم لا يجوز التطوّع بشي ء لمن عليه صوم واجب كما مرّ (4).

______________________________

(1) فانّ الوجه في الاحتياط احتمال وجوبه و تضيّقه كما ذهب اليه بعض و لكن الحقّ عدم الوجوب اذ لا دليل عليه و مجرّد وجوب الفدية لا يقتضي الوجوب التكليفي و لذا نري وجوب الفدية في موارد اخر مع عدم صدور خلاف عن المكلّف. و بعبارة واضحة: وجوب الفدية لا يستلزم تضيّق الواجب.

(2) الظاهر انّ المراد من الانصراف انّه لو كان لأحد الافراد أثر يختصّ به دون غيره يسقط غيره لأنّ ماله الأثر ما لم يقصد بالخصوص لا يسقط، و لذا لو فرض الأثر المختصّ للسابق يسقط اللاحق.

و عليه لو استدان في يوم الجمعة مائة تومان مع الرّهن و في يوم السبت استدان أيضا مأئة بلا رهن و في يوم الاحد أدّي دينه بلا قصد يسقط اللاحق

و يبقي الدين الرهني بحاله.

[مسألة 10 لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب كالكفارة و النذر و نحوهما]

(3) لعدم الدليل عليه و مقتضي الاطلاق عدم الاشتراط كما انّ مقتضي الأصل العملي كذلك.

(4) و قد تقدّم الكلام حول الفرع عند تعرّض الماتن له فراجع.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 402

و أمّا لو ظهر له في الأثناء فان كان بعد الزوال لا يجوز العدول الي غيره و ان كان قبله فالأقوي جواز تجديد النيّة لغيره و ان كان الأحوط عدمه (1).

(مسألة 12) اذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس و مات فيه لم يجب القضاء عنه و لكن يستحبّ النيابة عنه في أدائه و الاولي أن يكون بقصد اهداء الثواب (2).

(مسألة 13) اذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر و استمرّ

______________________________

(1) ما أفاده علي طبق القاعدة الاوّليّة، فانّ جملة من الأمور قوامها بالقصد، فاذا فرض تعلق القصد بأمر لا واقع له يكون إجزائه عن غيره بلا وجه و العدول مطلقا علي خلاف القاعدة و يحتاج الي الدليل و هذا فيما يكون الانكشاف بالليل أو بعد الزوال ظاهر واضح.

و أمّا لو انكشف قبل الزوال فببركة جملة من النصوص يمكن تجديد النيّة و تقدّم البحث حول المسألة في فصل النيّة.

[مسألة 12 إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس و مات فيه لم يجب القضاء عنه]

(2) لا يعقل أن يجب عليه القضاء اذ المفروض انّه مات في شهر رمضان و لا مجال لأن يعصي و العجب انّه أفتي باستحباب النيابة عنه مع عدم دليل عليه، بل الدليل قائم علي عدمه، لاحظ ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوّال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال: هل برئت من مرضها؟ قلت: لا ماتت فيه، قال: لا تقضي عنها فان اللّه

لم يجعله عليها، قلت: فانّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك.

قال: كيف تقضي شيئا لم يجعله اللّه عليها؟ فان اشتهيت أن تصوم

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 403

الي رمضان آخر فان كان العذر هو المرض سقط قضاؤه علي الأصحّ و كفّر عن كلّ يوم بمدّ و الأحوط مدّان و لا يجزي القضاء عن التكفير.

نعم الأحوط الجمع بينهما و ان كان العذر غير المرض كالسفر و نحوه فالأقوي وجوب القضاء و ان كان الأحوط الجمع بينه و بين المدّ، و كذا ان كان سبب الفوت هو المرض و كان العذر في التأخير غيره مستمرّا من حين برئه الي رمضان آخر أو العكس فانّه يجب القضاء أيضا في هاتين الصورتين علي الأقوي و الأحوط الجمع خصوصا في الثانية (1).

______________________________

لنفسك فصم «1».

[مسألة 13 إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر و استمرّ إلي رمضان آخر]

اشارة

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: انّه لو فاته شهر رمضان أو بعضه للمرض،

فان استمرّ الي شهر رمضان الآتي سقط عند القضاء و كفّر عن كلّ يوم بمدّ و الاحوط مدّان و تدل عليه جملة من النصوص:

منها ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قال: سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّي أدركه رمضان آخر؟

فقالا: ان كان برأ ثمّ تواني قبل أن يدركه الرّمضان الآخر صام الّذي أدركه و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام علي مسكين و عليه قضاؤه، و ان كان لم يزل مريضا حتّي أدركه رمضان آخر صام الّذي أدركه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 23، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 12.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 404

______________________________

و تصدّق عن الأوّل لكلّ يوم، مدّ علي مسكين و ليس عليه قضاؤه «1»

و منها ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام، في الرّجل يمرض فيدركه شهر رمضان و يخرج عنه و هو مريض و لا يصحّ حتّي يدركه شهر رمضان آخر؟ قال: يتصدّق عن الأوّل و يصوم الثاني، فان كان صحّ فيما بينهما و لم يصم حتّي أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا و تصدّق عن الأوّل «2».

و منها ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل تتابع عليه رمضانان لم يصحّ فيهما ثمّ صحّ بعد ذلك كيف يصنع؟ قال: يصوم الاخير و يتصدّق عن الأوّل بصدقة لكلّ يوم مدّ من طعام لكلّ مسكين «3».

و نسب الي جملة من الاعلام أنّه عليه القضاء فقط، و ربما يستدلّ عليه بما رواه أبو الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل

عليه من شهر رمضان طائفة ثمّ أدركه شهر رمضان قابل؟ قال:

عليه أن يصوم و أن يطعم كلّ يوم مسكينا، فان كان مريضا فيما بين ذلك حتّي أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه الّا الصيام إن صحّ و إن تتابع المرض عليه فلم يصحّ فعليه أن يطعم لكلّ يوم مسكينا «4».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 25، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 9.

(4) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 405

______________________________

و يرد عليه انّ الحديث ضعيف سندا، فان محمد بن فضيل المذكور في السند مشترك بين الثقة و الضعيف فلا يعتدّ بالرواية.

و نسب الي بعض وجوب القضاء و الكفارة كليهما، و يمكن الاستدلال عليه بما رواه سماعة قال: سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه؟ فقال: يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الّذي كان عليه بمدّ من طعام و ليصم هذا الذي أدرك، فاذا أفطر فليصم رمضان الّذي كان عليه فانّي كنت مريضا فمرّ عليّ ثلاث رمضانات لم أصحّ فيهن ثمّ أدركت رمضانا آخر فتصدّقت يدل كلّ يوم مما مضي بمدّ من طعام ثمّ عافاني اللّه تعالي و صمتهن «1».

و يرد عليه، انّ سماعة من الواقفة و لا دليل علي عدم اضماره عن غير المعصوم عليه السّلام فانقدح انّ النتيجة عدم وجوب القضاء و يجب عليه الفداء بمدّ، و أمّا وجه الاحتياط بمدّين فهو اشتمال حديث سماعة في بعض نسخه علي كلمة مدّين علي ما قيل.

و فيه أولا: انّه لا اعتبار باضمار سماعة.

و ثانيا: انّه مع اختلاف النسخة لا مجال للجزم بأحد الطرفين، اللهم الّا أن يقال: انّه

عند دوران الأمر بين الزيادة و النقيصة يكون الرجحان مع الزيادة فلاحظ.

الفرع الثاني: انّ القضاء لا يجزئ عن التكفير

لظهور الأمر بالفدية في التعيين و جعلها عدلا للقضاء لا دليل عليه و الاحتياط يقتضي

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 406

______________________________

الجمع بين الأمرين خروجا عن شبهة الخلاف و لا اشكال في حسن الاحتياط عقلا.

الفرع الثالث: انّ العذر المستمرّ ان كان غير المرض كالسفر و نحوه فالأقوي وجوب القضاء

و القاعدة تقتضي ما أفاده، فانّ بدليّة الفدية عن القضاء تحتاج الي الدليل و لا دليل عليها، و أمّا حديث ابن شاذان عن الرضا عليه السّلام في حديث قال: ان قال فلم اذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يقو من مرضه حتّي يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل و سقط القضاء، و اذا أفاق بينهما أو أقام و لم يقضه وجب عليه القضاء و الفداء؟ قيل: لأنّ ذلك الصوم انّما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر، فأمّا الذي لم يفق فانّه لمّا مرّ عليه السنة كلّها و قد غلب اللّه عليه فلم يجعل له السبيل الي أدائها سقط عنه و كذلك كلّ من غلب اللّه عليه مثل المغمي الذي يغمي عليه في يوم و ليلة فلا يجب عليه قضاء الصلوات كما قال الصادق عليه السّلام: كلّ ما غلب اللّه علي العبد فهو أعذر له لأنّه دخل الشهر و هو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره و لا في سنته للمرض الذي كان فيه و وجب عليه الفداء لأنّه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم يستطع اداه فوجب عليه الفداء كما قال اللّه تعالي: فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً و كما قال: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فأقام الصدقة مقام الصيام اذا عسر

عليه فان قال: فان لم يستطع اذ ذاك فهو الآن يستطيع، قيل لأنّه لمّا دخل عليه

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 407

______________________________

شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي لأنّه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفّارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء، و اذا وجب عليه الفداء سقط الصوم و الصوم ساقط و الفداء لازم، فان أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه و الصوم لاستطاعته «1»، فساقط سندا و الظاهر انّ وجه الاحتياط الحديث المذكور.

الفرع الرابع: انّه لو كان سبب الافطار المرض و لكن لم يستمرّ و كان سبب الفوت بحسب الاستمرار غير المرض

كما لو كان مسافرا يجب القضاء و ذلك لأنّ القاعدة الأوّليّة تقتضي القضاء و دليل البدليّة لا يشمل المقام.

الفرع الخامس: انّه لو كان الموجب للإفطار غير المرض و لكن المرض صار سببا لتأخير القضاء

فقد حكم الماتن بوجوب القضاء و احتاط في كلتا الصورتين بالجمع بين القضاء و الفداء.

و الظاهر انّ المنشأ للاحتياط ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم فأمّا أنا فانّي صمت و تصدّقت «2»

و هذه الرواية باطلاقها تعارض اطلاق الكتاب و النسبة بين الآية و الرواية عموم من وجه، فانّ ما به الافتراق من طرف الآية ما يكون العذر بين رمضانين غير المرض و ما به الافتراق من طرف الرواية ما إذا

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 8.

(2) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 408

(مسألة 14) اذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر، بل كان متعمّدا في الترك و لم يأت بالقضاء الي رمضان آخر وجب عليه الجمع بين الكفّارة و القضاء بعد الشهر، و كذا ان فاته لعذر و لم يستمرّ ذلك العذر بل أرتفع في اثناء السنة و لم يأت به الي رمضان آخر متعمّدا و عازما علي الترك أو متسامحا و اتّفق العذر عند الضيق فانّه يجب حينئذ أيضا الجمع.

و أمّا ان كان عازما علي القضاء بعد ارتفاع العذر فاتّفق عند الضيق فلا يبعد كفاية القضاء، لكن لا يترك الاحتياط بالجمع أيضا، و لا فرق فيما ذكر بين كون العذر هو المرض أو غيره فتحصّل مما ذكر في هذه المسألة و سابقتها انّ تأخير القضاء الي رمضان آخر إمّا يوجب الكفّارة فقط و

هي الصورة الاولي المذكورة في المسألة السابقة، و إمّا يوجب القضاء فقط و هي بقية الصور المذكورة فيها و إمّا يوجب الجمع بينهما و هي الصور المذكورة في هذه المسألة، نعم الأحوط الجمع في الصور

______________________________

كان الافطار في شهر رمضان غير المرض و السفر كما لو كان مكرها علي الافطار و محل التعارض ما لو كان سبب الافطار في شهر رمضان السفر أو المرض و يكون العذر في عدم القضاء طول السنة المرض، فانّ مقتضي الاطلاق الكتابي وجوب القضاء و مقتضي الاطلاق الروائي وجوب الفدية.

فانّ قلنا بالتساقط يكون المرجع أصل البراءة من وجوب القضاء

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 409

المذكورة في السابقة أيضا كما عرفت (1).

______________________________

في مورد التعارض، و أمّا إن لم نقل بذلك بل قلنا ما خالف الكتاب زخرف كما هو المقرّر عندهم يكون المرجع اطلاق الكتاب.

و علي كلا التقديرين فيما يفترق عن الكتاب كما لو أفطر للإكراه و لم يقض للمرض تجب الفدية، و ممّا ذكرنا ظهر وجه الاحتياط فيما يكون الاستمرار للمرض، و أمّا في الصورة الاخري فلا أدري ما الوجه في الاحتياط بالفدية، اذ المفروض انّ السّبب المستمرّ غير المرض فلا يشملها حديث ابن سنان.

[مسألة 14 إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر، بل كان متعمّدا في الترك و لم يأت بالقضاء إلي رمضان آخر]

اشارة

(1) قد تعرض في هذه المسألة لفروع:

الفرع الأوّل: انّه لو فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر و لم يأت بالقضاء وجب عليه القضاء و الكفارة.

و اثبات الكفارة في الصورة المذكورة مشكل، اذ ليس في نصوص الباب ما يدلّ عليه.

نعم حديث سماعة باطلاقه يدلّ عليه اذ المأخوذ في الموضوع المذكور في عنوان «لم يصمه» و هذا العنوان يشمل الافطار من غير عذر لكن الحديث مضمر و مرجع الضمير غير معلوم و يؤيّد عدم وجوب الفدية انّ المتعمّد للإفطار يجب عليه الكفارة لعصيانه فيناسب أن لا تجب عليه الفدية الّا أن يقال: لا يرتبط احد المقامين بالآخر فانّ تلك الكفارة لعصيانه و الفدية لتأخير القضاء.

و لقائل أن يقول: اذا كانت الكفارة ثابتة فيما يكون الافطار لعذر ففيما لا يكون معذورا و يكون عاصيا، تجب بالاولوية فتأمّل.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 410

الفرع الثاني: انّه لو فاته لعذر و لكنّ العذر ارتفع و لم يأت بالقضاء متعمّدا أو متسامحا

______________________________

و اتّفق العذر عند الضيق فانّه يجب عليه الجمع بين القضاء و الفداء.

لا أدري علي أيّ مدرك استند في الحكم المذكور و الحال انّ الوارد في نصوص الباب عنوان المرض، نعم في حديث ابن سنان يكون الموضوع مطلق العذر لكن الاستمرار في ترك القضاء مستند الي المرض بالصراحة، فاذا فرضنا انّ العذر كان السفر أو الاكراه و أمثاله من الاضطرار و ارتفع العذر بعد ذلك و لم يأت بالقضاء، فما الوجه في وجوب الفداء مضافا الي القضاء.

الفرع الثالث: انّه لو كان عازما علي القضاء بعد ارتفاع العذر لكن اتّفق العذر عند ضيق الوقت يجب القضاء فقط.

و يمكن أن يكون المدرك في نظره حديث أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا مرض الرجل من رمضان الي رمضان ثمّ صحّ فانّما عليه لكلّ يوم أفطره فدية طعام و هو مدّ لكلّ مسكين قال:

و كذلك أيضا في كفارة اليمين و كفّارة الظهار مدّا مدّا و ان صحّ فيما بين الرمضانين فانّما عليه أن يقضي الصيام فان تهاون به، و قد صحّ فعليه الصدقة و الصيام جميعا لكلّ يوم مدّ اذا فرغ من ذلك الرمضان «1».

بتقريب: انّ الموضوع لوجوب الصدقة و القضاء عنوان التهاون فلو كان عازما و لم يكن متهاونا لا تجب الصدقة.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 25، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 411

(مسألة 15) اذا استمرّ المرض الي ثلاث سنين يعني الرمضان الثالث وجبت كفّارة للأولي و كفّارة اخري للثانية و يجب عليه القضاء للثالثة اذا استمرّ الي آخرها ثمّ برئ، و اذا استمرّ الي أربع سنين وجبت للثالثة أيضا و يقضي للرابعة اذا استمرّ الي آخره أي الرمضان الرابع، و أمّا اذا أخّر قضاء السنة الاولي الي سنين عديدة فلا تتكرّر

الكفّارة بتكرّرها بل تكفيه كفّارة واحدة (1).

(مسألة 16) يجوز اعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد فلا يجب اعطاء كلّ فقير مدّا واحدا

______________________________

و يرد عليه: انّ الحديث ضعيف سندا بالبطائني الكذّاب الملعون، مضافا الي أنّه يمكن أن يقال: انّ التهاون عبارة اخري عن التأخير المجامع مع العزم علي الاتيان بالاضافة الي بقيّة النصوص الدالة علي انّه لو لم يأت بالقضاء مع فرض زوال العذر تجب الفدية.

[مسألة 15 إذا استمرّ المرض الي ثلاث سنين يعني الرمضان الثالث]

(1) المستفاد من النصوص انّ استمرار المرض من كلّ رمضان الي رمضان الآتي يوجب الكفارة و أيضا المستفاد منها انّ تأخير القضاء الي رمضان الآتي يوجب الكفّارة و يترتّب علي هذين الأمرين انّه كلّما صدق العنوان الأوّل تجب الكفارة، و من الواضح انّ العنوان المذكور قابل للتكرار و التعدّد و أمّا الموضوع الثاني فغير قابل للتكرار فلا تجب الكفارة الّا مرة واحدة.

و بعبارة واضحة: الموضوع للكفّارة تأخير القضاء عن السنة الاولي و هذا العنوان لا يعقل أن يتعدّد فلاحظ.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 412

ليوم واحد (1).

(مسألة 17) لا تجب كفّارة العبد علي سيّده من غير فرق بين كفّارة التأخير و كفّارة الافطار (2) ففي الاولي ان كان له مال و اذن له السيّد أعطي من ماله و الّا استغفر بدلا عنها (3) و في كفّارة الافطار يجب عليه اختيار صوم شهرين مع عدم المال و الاذن من السيّد و ان عجز فصوم ثمانية عشر يوما و ان عجز

[مسألة 16 يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد]

______________________________

(1) و الوجه فيه: انّ مقتضي الاطلاق رفض جميع القيود و الميزان صدق المامور به و من الظاهر انّه لا يتوقف صدقه في المقام علي تعدّد الفقير، و ان شئت قلت: العدد في المقام معتبر في الكفارة، و أمّا في إطعام ستّين مسكينا فالعدد معتبر في الفقير فلا يعقل صدقه علي الواحد و لو بتكرّر الكفارة مأئة مرّة و هذا ظاهر واضح.

[مسألة 17 لا تجب كفّارة العبد علي سيّده]

(2) لعدم الدليل عليه و مقتضي البراءة عدمه و لا فرق من هذه الجهة بين كفّارة التأخير و كفّارة الافطار فما أفاده تامّ.

(3) فانّ العبد محجور عن التصرف في ماله فلا يمكنه ان يتصدّق بلا اذن سيّده، فان اذن له يتصدق و الّا تصل النوبة الي الاستغفار.

لاحظ ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا يجب علي صاحبه فيه الكفّارة فالاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار فانّه اذا لم يجد ما يكفّر به حرم عليه أن يجامعها و فرّق بينهما الّا أن ترضي المرأة أن يكون معها و لا يجامعها «1».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 6، من أبواب الكفارات، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 413

فالاستغفار (1).

(مسألة 18) الأحوط عدم تأخير القضاء الي رمضان آخر مع التمكّن عمدا و ان كان لا دليل علي حرمته (2).

______________________________

(1) اذ مع عدم امكان بعض الأطراف يتعيّن الطرف الممكن، و أمّا تعيّن صوم ثمانية عشر يوما في المقام فلا دليل عليه فتصل النوبة مع عدم اذن المولي و عدم امكان الصوم أو كونه حرجيّا الي

الاستغفار و اللّه العالم.

[مسألة 18 الأحوط عدم تأخير القضاء إلي رمضان آخر مع التمكّن عمدا]

(2) مقتضي القاعدة الاولية عدم وجوب التقديم، و ربما يقال:

بعدم جواز التأخير و ما يمكن أن يقال في تقريبه و جهان:

الوجه الأول: انّه لو لم يقدّم تجب الفدية فيعلم انّ التقديم واجب.

و فيه انّ وجوب الفدية أعمّ، و لذا نري انّها تجب فيمن يستمرّ مرضه الي رمضان الثاني.

الوجه الثاني: انّه قد عبّر في بعض النصوص بالتواني، لا حظ ما رواه محمد بن مسلم «1» و في بعضها الآخر بالتهاون، لا حظ ما رواه أبو بصير «2» فيفهم انّ التأخير غير جائز و الّا لم يصحّ مثل التعبير المذكور.

و فيه: انّ التهاون و التواني عبارة اخري عن التأخير فلا يفهم من التقريب المذكور وجوب البدار.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 403.

(2) قد تقدم في ص 410.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 414

______________________________

و ممّا ذكر يظهر الجواب عن الاستدلال علي المدّعي بما ورد في حديث العياشي عن أبي بصير قال: سألته عن رجل مرض من رمضان الي رمضان قابل و لم يصحّ بينهما و لم يطق الصوم؟ قال: يتصدّق مكان كل يوم أفطر علي مسكين بمدّ من طعام، و ان لم يكن حنطة فمدّ من تمر هو قول اللّه فِدْيَةٌ طَعٰامُ مِسْكِينٍ فان استطاع أن يصوم الرمضان الّذي استقبل و الّا فليتربّص الي رمضان قابل فيقضيه فان لم يصحّ حتّي رمضان قابل فليتصدّق كما تصدّق مكان كلّ يوم أفطر مدّا مدّا فان صحّ فيما بين الرمضانين فتواني أن يقضيه حتّي جاء الرمضان الآخر فانّ عليه الصوم و الصدقة جميعا يقضي الصوم و يتصدّق من أجل أنه ضيّع ذلك الصيام «1»، من التعبير بالتضييع فانّ حرمة التضييع أوّل الكلام و

الاشكال.

أضف الي ذلك انّ حديثي أبي بصير و العياشي ضعيفان، مضافا الي انّ المستفاد من النصّ جواز التاخير لاحظ ما رواه سعد بن سعد مرسلا عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثمّ يصحّ بعد ذلك فيؤخّر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر ما عليه في ذلك؟ قال: احبّ له تعجيل الصيام فان كان أخّره فليس عليه شي ء «2».

و صفوة القول: انّ الكلام في دليل حرمة التهاون و التواني فلاحظ

______________________________

(1) الوسائل: الباب 25، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 11.

(2) نفس المصدر، الحديث 7.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 415

(مسألة 19) يجب علي وليّ الميّت قضاء ما فاته من الصوم لعذر من مرض أو سفر أو نحوهما لا ما تركه عمدا أو أتي به و كان باطلا من جهة التقصير في أخذ المسائل، و ان كان الأحوط قضاء جميع ما عليه و ان كان من جهة الترك عمدا.

نعم يشترط في وجوب قضاء ما فات بالمرض أن يكون قد تمكّن في حال حياته من القضاء و أهمل و الّا فلا يجب لسقوط القضاء حينئذ كما عرفت سابقا.

و لا فرق في الميّت بين الأب و الأمّ علي الأقوي، و كذا لا فرق بين ما اذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عند عدمه و ان كان الأحوط في الأوّل الصدقة عنه برضا الوارث مع القضاء و المراد بالولي هو الولد الأكبر و ان كان طفلا أو مجنونا حين الموت بل و ان كان حملا (1).

[مسألة 19 يجب علي وليّ الميّت قضاء ما فاته من الصوم لعذر من مرض أو سفر أو نحوهما لا ما تركه عمدا]

اشارة

______________________________

(1) يقع البحث في هذه المسألة من جهات:

الجهة الاولي: انّه هل يجب أن يصام عنه أو الواجب أن يتصدّق عنه؟

نسب القول الثاني الي ابن أبي عقيل في مقابل القول الأول و هو المشهور بين القوم و ما يمكن أن يستدلّ به علي القول الثاني حديثان:

الحديث الأوّل: ما روي عن ابن بزيع، عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام قال: قلت له: رجل مات و عليه صوم يصام عنه أو يتصدّق؟ قال:

يتصدّق عنه فانّه أفضل «1».

______________________________

(1) الفقيه: ج 3 ص 236، الحديث 50.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 416

______________________________

و هذه الرواية ساقطة عن الاعتبار سندا اذ الحديث مرسل.

الحديث الثاني: ما رواه أبو مريم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان فلم يزل مريضا حتّي يموت فليس عليه شي ء، و إن صحّ ثمّ مرض حتّي يموت و كان له مال، تصدّق عنه فان لم يكن له مال تصدّق عنه وليه «1».

و هذه الرواية يستفاد منها وجوب التصدّق عن مال الميت ان كان له مال و ان لم يكن له مال تصدّق وليّه عنه بمال نفسه.

و مضمون الحديث في الفقيه نحو آخر قال: عن أبي مريم الانصاري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا صام الرّجل شيئا من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضا حتّي مات فليس عليه قضاء، و ان صحّ ثمّ مرض ثمّ مات و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ فان لم يكن له مال صام عنه وليّه «2».

و المستفاد منه انّ الواجب ابتداء التصدق عن مال الميّت و ان لم يكن له مال يصوم عنه وليّه.

و يستفاد من طائفة اخري من النصوص انّ الواجب ابتداء علي الوليّ أن يصوم عنه،

منها ما رواه حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرّجل يموت و عليه صلاة أو صيام؟ قال: يقضي عنه أولي الناس بميراثه، قلت: فان كان أولي الناس به امرأة؟ فقال: لا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 248، الحديث 9.

(2) الفقيه: ج 2 ص 98، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 417

______________________________

الّا الرجال «1».

و منها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال: يقضيه أفضل أهل بيته «2».

فيقع التعارض بين النصوص و الأحدث منها غير معلوم فيدخل المقام تحت كبري اشتباه الحجّة بغيرها و النتيجة يتشكّل العلم الإجمالي.

لكن الظاهر انّه لا يصل الأمر الي الإجمال فانّه وردت رواية عن العسكري عليه السّلام و هي ما رواه الصفّار قال: كتبت الي الأخير عليه السّلام: رجل مات و عليه من شهر رمضان عشرة أيّام و له وليّان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيّام أحد الوليّين و خمسة أيام الآخر؟ فوقّع عليه السّلام: يقضي عنه أكبر وليّه عشرة أيّام ولاء أن شاء اللّه «3».

فانّ المستفاد من الحديث انّ المكلّف بالصيام عن الميّت أكبر الورّاث.

ان قلت: انّ المستفاد من حديث الصفار لزوم الولاء و لم يقل به أحد و أيضا سؤال الراوي عن الجواز لا الوجوب فانّه لا اشكال في جواز القضاء بالنسبة الي غير الأكبر.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 23، من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 11.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 418

______________________________

قلت: رفع اليد، عن بعض موارد الحديث لا

يقتضي رفع اليد عن جميعها، اللهمّ الّا أن يقال: انّ هذا مقطوع العدم و خلاف ما عليه الجريان في السيرة لكن مرجع الاشكال المزبور الي رفع اليد عن القاعدة و العمل بالسيرة.

الجهة الثانية: في تعيين من يجب عليه القضاء عنه

و المشهور فيما بينهم انّ المكلف بهذه المهمّة الولد الذكر الأكبر و ما يمكن أن يستدلّ به علي المدعي المذكور حديثان:

الحديث الأول: ما رواه حفص «1» بتقريب: أنّ المستفاد من الحديث انّ القاضي أولي الناس بالميّت ميراثا علي نحو الاطلاق و هذا العنوان منحصر في الذكر الأكبر حيث انّ حصته اكثر بلحاظ اختصاص الحبوة به.

و يرد عليه أوّلا: انّ الظاهر من العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام الفعليّة، و بعبارة واضحة: ليس المراد، الأولي بحسب الجعل الالهيّ، بل الظاهر من يكون حظّه أكثر بالفعل و هذا يختلف بحسب اختلاف الموارد فربما يكون مصداقه الذّكر الأكبر و اخري يكون غيره.

و ثانيا: انّه يستفاد من نفس الحديث خلاف القول المذكور حيث انّ الراوي يفرض انّه لو كان الاولي بالميراث امرأة و يسأل من الحكم الامام عليه السّلام و هو روحي فداه يقرّره علي ما في ذهنه من إمكان كون الأولي امرأة لكن يأمر بأنّه لا بدّ أن يكون رجلا فلا يكون المراد من

______________________________

(1) قد تقدم في ص 416.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 419

______________________________

الأولي المذكور في الحديث الذكر الأكبر.

الحديث الثاني: ما رواه أبو بصير «1» بدعوي انّ المستفاد من الحديث انّ القاضي أفضل أهل بيته و المراد الأفضليّة من حيث الارث و مصداق الأفضل من حيث الارث منحصر في الذكر الاكبر بالتقريب المتقدّم.

و الكلام فيه هو الكلام و انّ الأفضليّة بالمعني المذكور تختلف حسب اختلاف الموارد، مضافا الي أنّه أيّ دليل

دلّ علي أنّ المراد الأفضليّة من حيث الارث و عليه كيف يمكن الجزم بالمدعي.

و من الغريب انّ سيدنا الاستاد (قدّس سرّه) استدلّ علي المدّعي المذكور مضافا الي ما سبق بحديث الصفّار و الحال انّه لا يستفاد منه ما ذكر فلاحظ.

الجهة الثالثة: في أنّه هل يختصّ الحكم بالفوت العذري كما في المتن أو يعمّ التقصيري؟

الانصاف انّه لا قصور في شمول جملة من النصوص باطلاقها الفوت التقصيري لاحظ حديثي الصفار «2» و حفص «3».

نعم، لا بدّ في تعلّق وجوب القضاء من ثبوته في ذمّة الميّت، اذ لا دليل علي وجوبه مع عدم وجوبه علي المنوب عنه بل الدليل قائم

______________________________

(1) قد تقدم في ص 417.

(2) قد تقدم في ص 417.

(3) قد تقدم في ص 416.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 420

______________________________

علي عدمه لاحظ ما رواه أبو بصير «1».

الجهة الرابعة: انّه هل يختصّ الحكم بالأب أو يعمّ الامّ؟

النصوص الواردة في المقام يكون المذكور فيها عنوان الرّجل فلا مجال لشموله للمرأة.

و لا مجال أيضا للتوسّل بقاعدة الاشتراك فانّ المستفاد من تلك القاعدة انّ الحكم الثابت علي الرّجل يكون ثابتا علي المرأة، لا انّ كلّ موضوع لحكم اذا كان عنوان الرّجل يكون ثابتا للمرأة أيضا، فانّ القاعدة اجنبيّة عنه مثلا لو ورد في دليل إذا جاءك رجل يوم الجمعة أكرمه، هل يمكن أن يقال: انّ الحكم المذكور يشمل ما لو كان الجائي امرأة؟ كلّا.

الجهة الخامسة: انّه لا فرق في الحكم المذكور بين ما إذا ترك الميّت شيئا للتصدّق به و عدمه،

و قد ذكرنا انّ حديث الأنصاري يعارض بقيّة النصوص و بنينا علي أنّ المتيقّن الأخذ بحديث الصفّار لكونه أحدث.

الجهة السادسة: انّه لا فرق في الحكم المذكور بين كون الوليّ حين موت المورّث بالغا عاقلا و بين ما لم يكن كذلك

كما لو كان طفلا أو مجنونا أو حملا فانّه الموضوع غاية الأمر تارة يتوجّه اليه التكليف حين الموت لاجتماع الشرائط و اخري لا يكون كذلك، بل التكليف المتوجّه اليه مشروط بشرائط و بعد تحقّقها يتحقّق الحكم.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 402.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 421

(مسألة 20) لو لم يكن للميّت ولد لم يجب القضاء علي أحد من الورثة و ان كان الأحوط قضاء أكبر الذكور من الأقارب عنه (1).

(مسألة 21) لو تعدّد الوليّ اشتركا و ان تحمّل أحدهما كفي عن الآخر كما انّه لو تبرّع أجنبيّ سقط عن الولي (2).

[مسألة 20 لو لم يكن للميّت ولد لم يجب القضاء علي أحد من الورثة]

______________________________

(1) لانتفاء الموضوع و مع فرض عدم الموضوع لا مجال لتحقّق الحكم، فانّ وجود المشروط متقوّم بوجود الشرط و هذا واضح ظاهر علي مسلك القوم و قد تقدّم ما ذكرنا حول الفرع.

[مسألة 21 لو تعدّد الوليّ اشتركا و ان تحمّل أحدهما كفي عن الآخر]

(2) قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: «انّ الوليّ طبيعيّ الاولي بالميراث و هذا العنوان قد يكون واحدا و قد يكون متعدّدا».

و يرد عليه: انّ العنوان المذكور لا يعقل انطباقه علي المتعدّد، اذ لو قلنا انّ المستفاد من الدليل انّ المراد من الوليّ من يكون أولي علي نحو الاطلاق لا يمكن أن يصدق علي المتعدد، اذ الأولي علي الاطلاق يضادّ التعدّد، مثلا: لو ترتّب حكم علي الأعلم علي الاطلاق فهل يمكن ترتّبه علي المتساويين في العلم؟ كلّا فلا بدّ من الالتزام في مفروض الكلام بعدم كون القضاء واجبا كما لو لم يكن له ولد ذكر الّا أن يتمّ الأمر بالإجماع التعبّدي و التسالم.

و أمّا ما أفاده من كفاية اتيان احدهما عن الآخر و كذلك لو تبرّع شخص آخر سقط عن الوليّ فالأمر كما أفاده بلا اشكال، اذ لا اشكال و لا كلام في جواز التبرّع عن الميّت و بعد التبرّع لا يبقي موضوع الوجوب.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 422

(مسألة 22) يجوز للوليّ أن يستأجر من يصوم عن الميّت و أن يأتي به مباشرة و اذا استأجر و لم يأت به المؤجر أو أتي به باطلا لم يسقط عن الوليّ (1).

(مسألة 23) اذا شك الوليّ في اشتغال ذمّة الميّت و عدمه لم يجب عليه شي ء و لو علم به اجمالا و تردّد بين الأقلّ و الأكثر جاز له الاقتصار علي الأقلّ (2).

[مسألة 22 يجوز للوليّ أن يستأجر من يصوم عن الميّت و أن يأتي به مباشرة]

______________________________

(1) اذ المفروض جواز النيابة تبرّعا و بعد فرض جواز التبرّع يجوز الاستيجار بلا اشكال، و بعبارة واضحة: انّ المطلوب إفراغ ذمة الميّت بالنيابة و لا موضوعيّة للوارث من هذه الجهة نعم يجب عليه علي نحو التعيّن و

لذا لو لم يأت به المؤجر أو أتي به لكن فاسدا يجب علي الوارث الاتيان به و لا يسقط عنه كما في المتن.

[مسألة 23 إذا شك الوليّ في اشتغال ذمّة الميّت و عدمه لم يجب عليه شي ء]

(2) بتقريب: انّ الوليّ يشكّ في الوجوب و مقتضي البراءة عدمه و يرد عليه انّ الاستصحاب يقتضي عدم اتيان المورث بما وجب عليه و به يحرز موضوع وجوب القضاء.

و الاشكال في التقريب المذكور بأنّ القضاء مترتّب علي الفوت و الفوت أمر وجوديّ لا يحرز بالاستصحاب الّا علي القول بالاثبات الّذي لا نقول به، مدفوع بأنّ الفوت ليس أمرا وجوديّا.

إن قلت: حديث انّ الوقت حائل «1» يقتضي عدم الوجوب فانّ المستفاد من ذلك الحديث انّ كلّ موقّت اذا شكّ فيه بعد مضيّ وقته يحكم بتحقّقه.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 240.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 423

(مسألة 24) اذا أوصي الميّت باستيجار ما عليه من الصوم أو الصلاة سقط عن الوليّ بشرط اداء الاجير صحيحا و الّا وجب عليه (1).

(مسألة 25) انّما يجب علي الوليّ قضاء ما علم اشتغال ذمّة الميّت به أو شهدت به البيّنة أو أقرّ به عند موته (2).

و أما لو علم انّه كان عليه القضاء و شكّ في إتيانه حال حياته أو بقاء شغل ذمّته فالظاهر عدم الوجوب عليه

______________________________

قلت: قاعدة الحيلولة تقتضي رفع الوجوب عن المكلّف و لا يستفاد منها جعل ضابط كلّي لكلّ احد و لو بالنسبة الي غيره فالنتيجة انّه لو شكّ الولي في أصل اشتغال ذمّة الميّت أو في مقداره يكون مقتضي الأصل وجوب القضاء الّا أن يقال: هذا خلاف الارتكاز المتشرعي.

[مسألة 24 إذا أوصي الميّت باستيجار ما عليه من الصوم أو الصلاة سقط عن الوليّ]

(1) فانّ الدليل قد دلّ علي وجوب القضاء علي الوليّ فاذا برئت ذمة الميّت بالتبرّع أو بالايصاء فلا يبقي مجال للوجوب كما هو ظاهر و الّا فيجب عليه أن يأتي بما لم يجب عليه و هو كما تري.

و أمّا اذا لم يأت به

الوصيّ أو أتي به فاسدا، يجب علي الوليّ الاتيان به اذ المفروض بقاء اشتغال ذمّة الميّت.

[مسألة 25 إنّما يجب علي الوليّ قضاء ما علم اشتغال ذمّة الميّت به أو شهدت به البيّنة أو أقرّ به عند موته]

(2) ثبوت الموضوع بالعلم و بالبيّنة علي طبق القاعدة و أمّا اثباته بالاقرار فلا وجه له فانّ الاقرار بالنسبة الي النفس لا بالنسبة الي الغير و الاقرار في المقام يوجب الكلفة بالنسبة الي الوارث فلا يؤثّر لكن قد ذكرنا انّ مجرّد الشكّ يكفي لإثبات الوجوب من باب الاستصحاب.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 424

باستصحاب بقائه (1).

نعم لو شكّ هو في حال حياته و أجري الاستصحاب أو قاعدة الشغل و لم يأت به حتّي مات فالظاهر وجوبه علي الولي (2).

(مسألة 26) في اختصاص ما وجب علي الوليّ بقضاء شهر رمضان أو عمومه لكلّ صوم واجب قولان مقتضي اطلاق بعض الاخبار الثاني و هو الأحوط (3).

______________________________

(1) قد علم ممّا ذكرنا أنّ مقتضي الأصل هو الوجوب.

(2) ان كان الاستصحاب مؤثّرا في اثبات الوجوب يكفي اجرائه كما سبق منّا و لو مع عدم جريانه بالنسبة الي نفس المكلّف و ان لم يكن مؤثرا فلا يثبت به المدّعي، و أمّا قاعدة الشغل فلا أثر لها بالنسبة الي الوارث اذ الموضوع لوجوب القضاء عليه عدم اتيان المورّث بالصيام في ظرفه.

[مسألة 26 في اختصاص ما وجب علي الوليّ بقضاء شهر رمضان أو عمومه لكلّ صوم واجب قولان]

(3) ان قلنا بأنّ مقتضي التعارض بين النصوص الأخذ بحديث الصفّار، يكون الحكم مختصّا بصوم شهر رمضان اذ المذكور فيه لا اطلاق فيه و إن عملنا بحديث حفص لا بدّ من الالتزام بالاطلاق اذ المذكور فيه عنوان الصوم و هو باطلاقه يشمل جميع أنواع الصيام الّتي تكون علي الميّت.

بل يمكن أن يقال بشموله لما عليه بالعناوين الثانويّة كالاستئجار و نحوه بل يشمل ما كان عليه من قضاء صيام والده و لا نري وجها للانسباق أو الانصراف.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص:

425

(مسألة 27) لا يجوز للصائم قضاء شهر رمضان اذا كان عن نفسه الافطار بعد الزوال، بل تجب عليه الكفّارة به و هي كما مرّ اطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ و مع العجز عنه صيام ثلاثة أيّام، و أمّا اذا كان عن غيره باجارة أو تبرّع فالأقوي جوازه و ان كان الأحوط الترك، كما أنّ الأقوي الجواز في سائر أقسام الصوم الواجب الموسّع، و إن كان الأحوط الترك فيها أيضا، و أمّا الافطار قبل الزوال فلا مانع منه حتّي في قضاء شهر رمضان عن نفسه الّا مع التعيّن بالنذر أو الاجارة أو نحوهما أو التضيّق بمجي ء رمضان آخر إن قلنا بعدم جواز التأخير اليه كما هو المشهور (1).

______________________________

مضافا الي أنّه لم نفهم الفارق بين الانسباق و الانصراف. و عليه لا بدّ من الالتزام بوجوب القضاء علي الاطلاق بلحاظ حديث حفص و لا تعارض بينه و بين حديث الصفار أو غيره اذ حديث حفص مطلق و حديث الصفار و غيره مقيّدان بخصوص صوم رمضان و لا تعارض بين الاطلاق و التقييد فلاحظ.

[مسألة 27 لا يجوز للصائم قضاء شهر رمضان إذا كان عن نفسه الافطار بعد الزوال]

اشارة

(1) في هذه المسألة فروع:

الفرع الأوّل: انّ الصائم قضاء شهر رمضان عن نفسه لا يجوز له الافطار بعد الزوال،

عن المدارك انّه مذهب الاصحاب لا أعلم فيه خلافا.

و تدلّ علي المدّعي جملة من النصوص:

منها: ما رواه ابن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال في الذي

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 426

______________________________

يقضي شهر رمضان: انّه بالخيار الي زوال الشمس فان كان تطوعا فانّه الي الليل بالخيار «1».

فانّه يفهم المدعي من الحديث بتقريبات:

التقريب الأول: مفهوم الغاية، فانّ المستفاد من الحديث انّ جواز الافطار الي الزّوال و بتحقق الزوال ينتهي أمد الترخيص.

التقريب الثاني: التقابل بينه و بين الصوم المندوب، فانّه يفهم من التقابل انّ الفارق انتهاء زمان الرخصة في القضاء، الزوال.

التقريب الثالث: انّ المدعي يفهم من مفهوم الشرط فانّ تعليق الجواز الي الغروب علي كونه تطوّعا يدلّ بالمفهوم علي عدم الجواز اذا كان واجبا.

و يعارضه ما رواه ابن الحجّاج قال: سألته عن الرّجل يقضي رمضان أ له أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال اذا بدا له؟ فقال: اذا كان نوي ذلك من الليل و كان من قضاء رمضان فلا يفطر و يتمّ صومه «2».

فانّ النسبة بين الحديثين عموم من وجه، فانّ ما به الافتراق من طرف حديث جميل الافطار قبل الزوال مع عدم النيّة من الليل و ما به الافتراق من قبل حديث ابن الحجاج الافطار بعد الزوال و محلّ التعارض بين الطرفين الافطار قبل الزوال مع نيّة الصيام من الليل.

و حيث انّ الأحدث غير معلوم يتساقطان بعد التعارض و المرجع

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4، من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 4.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 427

______________________________

حديث الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام قال: سألته عن الرجل يصبح و هو يريد الصيام ثمّ يبدو له فيفطر؟ قال: هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار، قلت: هل يقضيه اذا افطر؟ قال: نعم لأنّها حسنة أراد أن يعملها فليتمّها، قلت: فان رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أ يصوم؟ قال: نعم «1».

حيث انّه فرض فيه النيّة من الليل و مع ذلك فصّل الامام عليه السّلام بين الافطار قبل الزوال و بعده فلا يكون طرف المعارضة و مع الاغماض عنه تصل النوبة الي البراءة المقتضية لجواز الافطار قبل الزوال فلاحظ.

الفرع الثاني: انّه تجب عليه الكفّارة،

مضافا الي القضاء و قد مرّ الكلام حول هذه الجهة في فصل وجوب الكفّارة و قلنا: النصوص الدالة عليها بالنسبة الي محلّ الكلام ضعيفة سندا، و مقتضي الصناعة عدم الوجوب الّا أن يتمّ الأمر بالإجماع و التسالم.

الفرع الثالث: انّه هل يختصّ الحكم المذكور بقضاء الصوم عن نفسه أو يشمل جميع أقسام الصوم الواجب؟

يمكن ان يقال: انّ مقتضي البراءة عدم الوجوب في غير قضاء الصوم عن النفس و لكنّ الانصاف انّ الجزم بالعدم مشكل لا حظ ما رواه سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله: الصائم بالخيار الي زوال الشمس قال: انّ ذلك في الفريضة، و أمّا النافلة فله أن يفطر أي

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 13.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 428

______________________________

وقت شاء الي غروب الشمس «1».

فانّ قوله عليه السّلام فانّ ذلك في الفريضة باطلاقه يشمل جميع الفرائض الّا أن يقال: انّ المتبادر من لفظ الفريضة ما يكون واجبا بالعنوان الاولي و أمّا الواجب بالاجارة مثلا فليس واجبا بالعنوان الاوّلي.

لكن يرد عليه انّه علي فرض التسليم يختصّ الاشكال بما يكون واجبا بالاجارة و نحوها و أمّا اذا كان واجبا بعنوان الكفّارة أو بعنوان القضاء عن الوالد و أمثالهما فلا وجه لانصراف الدليل عنها.

الفرع الرابع: أنّه لو كان واجبا مضيّقا لا يجوز الافطار قبل الزوال

و هذا واضح اذ المفروض انّ زمانه مضيّق فلا مجال لجواز الافطار.

الفرع الخامس: انّه لا يجري الحكم المذكور في الصوم المندوب

و الوجه فيه انّ المفروض انّه مندوب و انقلاب الندب الي الفرض يحتاج الي الدليل و لا دليل عليه بل الدليل قائم علي عدمه لاحظ ما رواه سماعة مضافا الي أصل البراءة.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 8.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 429

[فصل في صوم الكفارة]

اشارة

فصل في صوم الكفارة و هو أقسام: منها: ما يجب فيه الصوم مع غيره و هي كفّارة قتل العمد.

و كفّارة من أفطر علي محرّم في شهر رمضان فانّه تجب فيهما الخصال الثلاث.

و منها: ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره و هي كفّارة الظهار.

و كفّارة قتل الخطاء فان وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق.

و كفّارة الافطار في قضاء رمضان، فانّ الصوم فيها بعد العجز عن الاطعام كما عرفت.

و كفّارة اليمين و هي عتق رقبة أو اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم و بعد العجز عنها فصيام ثلاثة أيّام.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 430

و كفّارة صيد النعامة، و كفّارة صيد البقر الوحشي، و كفّارة صيد الغزال، فانّ الأوّل تجب فيه بدنة و مع العجز عنها صيام ثمانية عشر يوما، و الثاني يجب فيه ذبح بقرة و مع العجز عنها صوم تسعة أيّام، و الثالث يجب فيه شاة و مع العجز عنها صوم ثلاثة أيّام.

و كفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامدا و هي بدنة و بعد العجز عنها صيام ثمانية عشر يوما.

و كفّارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّي أدمته و نتفها رأسها فيه.

و كفّارة شقّ الرجل ثوبه علي زوجته أو ولده فانّهما ككفّارة اليمين.

و منها: ما يجب فيه الصوم مخيّرا بينه و بين غيره و هي كفّارة الإفطار في شهر رمضان

و كفّارة الاعتكاف و كفّارة النذر و العهد و كفّارة جزّ المرأة شعره في المصاب، فانّ كلّ هذه مخيّرة بين الخصال الثلاث علي الأقوي.

و كفّارة حلق الرأس في الاحرام و هي دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام أو التصدّق علي ستّة مساكين لكلّ واحد مدّان.

و منها: ما يجب فيه الصوم مرتّبا علي غيره مخيّرا بينه و بين غيره و هي كفّارة الواطئ أمته المحرمة باذنه فانّها بدنة أو

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 431

بقرة و مع العجز فشاة أو صيام ثلاثة أيّام (1).

قد تعرّض الماتن في المقام لفروع:

الفرع الأوّل: انّه يترتّب علي قتل العمد الصوم مع غيره ادّعي عليه الاجماع.

______________________________

(1) و يدل عليه النصّ الخاص لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان و ابن بكير جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّدا هل له توبة؟ فقال: إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، و ان كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فانّ توبته أن يقاد منه و إن لم يكن علم به انطلق الي أولياء المقتول فاقرّ عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستّين مسكينا توبة الي اللّه عزّ و جلّ «1».

الفرع الثاني: انّ كفّارة من أفطر في شهر رمضان علي محرّم كفارة الجمع

و تقدّم الاشكال في مستند الحكم فراجع ما ذكرناه سابقا.

الفرع الثالث: انّ كفارة الظهار الصوم بعد العجز عن غيره،

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1417 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم؛ ص: 431

و يدلّ علي المدعي قوله تعالي: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ «2».

و تدل علي المدّعي أيضا جملة من النصوص:

منها ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول:

جاء رجل الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه ظاهرت من امرأتي؟

______________________________

(1) الوسائل: الباب 9، من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(2) المجادلة: 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 432

______________________________

قال: اذهب فأعتق رقبة، قال: ليس عندي، قال: اذهب فصم شهرين متتابعين، قال: لا أقوي، قال: اذهب فاطعم ستّين مسكينا، قال:

ليس عندي، قال: فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: أنا أتصدق عنك فأعطاه تمرا لإطعام ستّين مسكينا، قال: اذهب فتصدق بها، فقال: و الّذي بعثك بالحقّ ما أعلم بين لابتيها أحدا أحوج اليه منّي و من عيالي، قال:

فاذهب فكل و أطعم عيالك «1».

و منها ما رواه حمران، عن أبي جعفر عليه السّلام، في حديث الظهار قال: و ندم الرجل علي ما قال لامرأته و كره اللّه ذلك للمؤمنين بعد فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا يعني ما قال الرجل الأوّل لامرأته أنت عليّ كظهر أمي قال: فمن قالها بعد ما عفا اللّه و غفر للرجل الأول فان عليه فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا يعني مجامعتها ذٰلِكُمْ

تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً فجعل اللّه عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا «2».

و منها ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: جاء رجل الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه ظاهرت من امرأتي؟ قال: اذهب فأعتق رقبة، قال: ليس عندي، قال: اذهب فصم

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2، من أبواب الكفارات، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 1، من أبواب الكفارات، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 433

______________________________

شهرين متتابعين، قال: لا أقوي، قال: اذهب فاطعم ستين مسكينا «1».

و يستفاد من بعض الروايات التخيير بين الخصال: لا حظ ما رواه معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل يقول لامرأته: هي عليه كظهر أمّه؟ قال: فتحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا- الحديث «2».

و لا بدّ من رفع اليد عنه لكونه مخالفا مع الكتاب، و يمكن تقريب المدعي ببيان آخر و هو: انّ الدال علي التخيير يعارض الحديث الدال علي الترتيب، و حيث انّه لا يميّز الأحدث يكون المرجع الكتاب الدالّ علي الترتيب

الفرع الرابع: انّ كفارة قتل الخطاء، الصوم بعد العجز عن العتق،

و تدلّ علي المدّعي قوله تعالي: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّٰهِ وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلِيماً حَكِيماً «3».

و يدلّ عليه أيضا بعض النصوص:

منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كفارة الدم إذا قتل الرجل مؤمنا متعمّدا، الي أن قال: و اذا قتل خطأ ادّي ديته الي أوليائه ثمّ أعتق رقبة، فان لم يجد صام

شهرين متابعين، فان لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدّا مدّا و كذلك اذا وهبت له دية المقتول فالكفّارة عليه فيما بينه و بين ربّه لازمة «4».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) النساء: 92.

(4) الوسائل: الباب 10، من أبواب الكفارات.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 434

______________________________

و المستفاد من الحديث انّه تصل النوبة الي الاطعام بعد العجز عن الصوم.

الفرع الخامس: انّ كفّارة الافطار في قضاء شهر رمضان الصوم بعد العجز عن الاطعام،

و تقدّم الكلام حول الفرع قريبا فلا وجه للإعادة.

الفرع السادس: انّ كفّارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم

و بعد العجز عنها تصل النوبة الي صوم ثلاثة ايّام و يدلّ علي المدعي قوله تعالي: فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ أَيْمٰانِكُمْ «1».

و يدلّ علي المدعي أيضا بعض النصوص:

لاحظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في كفّارة اليمين يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ من حنطة أو مدّ من دقيق و حفنة أو كسوتهم لكلّ انسان ثوبان أو عتق رقبة و هو في ذلك بالخيار ايّ ذلك شاء صنع، فان لم يقدر علي واحدة من الثلاث فالصيام عليه ثلاثة أيّام «2».

الفرع السابع: انّ كفّارة صيد النعامة بدنة و مع العجز عنها صوم ثمانية عشر يوما،

و يدلّ علي أصل المدعي قوله تعالي:

______________________________

(1) المائدة: 89.

(2) الوسائل: الباب 12، من أبواب الكفارات، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 435

______________________________

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بٰالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّٰارَةٌ طَعٰامُ مَسٰاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيٰاماً لِيَذُوقَ وَبٰالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّٰهُ عَمّٰا سَلَفَ وَ مَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقٰامٍ «1».

و يدلّ عليه أيضا بعض النصوص:

لاحظ ما رواه حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في قول اللّه عزّ و جلّ فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، قال: في النعامة بدنة، و في حمار وحش بقرة، و في الظبي شاة، و في البقرة بقرة «2».

هذا في صورة امكان البدنة، و أمّا مع العجز عنها فتصل النوبة الي التصدّق علي ستين مسكينا و مع العجز عنه تصل النوبة الي الصوم.

و الدليل عليه

ما رواه عليّ بن جعفر في كتابه، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟ قال:

عليه بدنة فان لم يجد فليتصدّق علي ستّين مسكينا، فان لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما «3».

الفرع الثامن: انّه في صيد البقر الوحشي بقرة و مع العجز عنه صوم تسعة أيّام،

أمّا بالنسبة الي الحكم الأوّل فيدلّ عليه ما رواه

______________________________

(1) المائدة: 95.

(2) الوسائل: الباب 1، من أبواب كفارات الصيد، الحديث 1.

(3) الوسائل: الباب 2، من أبواب كفارات الصيد، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 436

______________________________

حريز «1».

و يدلّ علي كلا الحكمين ما رواه علي بن جعفر قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة ما عليه؟ قال: عليه بقرة فان لم يجد فليتصدّق علي ثلاثين مسكينا فان لم يجد فليصم تسعة أيّام «2».

الفرع التاسع: انّه في صيد الغزال شاة

و ان لم يتمكّن يصوم ثلاثة أيّام و يدلّ علي المدعي ما رواه عليّ بن جعفر قال: و سألته عن محرم أصاب ظبيا ما عليه؟ قال: عليه شاة فان لم يجد فليتصدّق علي عشرة مساكين فان لم يجد فليصم ثلاثة أيّام «3».

الفرع العاشر: انّه لو أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا يجب عليه بدنة

و ان لم يقدر يصوم ثمانية عشر يوما و يدل عليه ما رواه الكناسي «4».

الفرع الحادي عشر: انّ كفّارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّي أدمته و نتفها رأسها فيه

و شقّ الرجل ثوبه علي زوجته أو ولده كفارة اليمين.

و الدليل علي المدّعي حديث خالد بن سدير أخي حنّان بن سدير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل شقّ ثوبه علي أبيه أو علي امّه

______________________________

(1) قد تقدم في ص 435.

(2) الوسائل: الباب 2، من أبواب كفارات الصيد، الحديث 7.

(3) نفس المصدر، الحديث 8.

(4) قد تقدم في ص 293.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 437

______________________________

أو علي أخيه أو علي قريب له؟ فقال: لا بأس بشقّ الجيوب قد شقّ موسي بن عمران علي أخيه هارون و لا يشقّ الوالد علي ولده و لا زوج علي امرأته و تشقّ المرأة علي زوجها، و اذا شقّ زوج علي امرأته أو والد علي ولده فكفّارته حنث يمين و لا صلاة لهما حتّي يكفّرا أو يتوبا من ذلك، فاذا خدشت المرأة وجهها أو جزّت شعرها أو نتفته ففي جزّ الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا، و في الخدش اذا دميت، و في النتف كفّارة حنث يمين، و لا شي ء في اللطم علي الخدود سوي الاستغفار و التوبة، و لقد شققن الجيوب و لطمن الخدود الفاطميات علي الحسين بن عليّ عليه السّلام و علي مثله تلطم الخدود و تشقّ الجيوب «1» و الحديث ضعيف بخالد.

الفرع الثاني عشر: انّ كفّارة الافطار في شهر رمضان و كفّارة الاعتكاف و كفّارة النذر و العهد و كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب

مخيّرة بين الخصال الثلاث.

فنقول: أمّا كفّارة الافطار في شهر رمضان فقد تقدّم الكلام حولها و لا نعيد، و أمّا بالنسبة الي الاعتكاف فالنصوص مختلفة، منها ما رواه سماعة «2».

و المستفاد من الحديث التخيير بين الخصال الثلاث لكنّه ضعيف سندا بضعف اسناد الشيخ الي ابن فضّال.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 31، من أبواب الكفارات.

(2) قد تقدّم في ص

230.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 438

______________________________

و منها حديثا زرارة «1» و الحناط «2» فالحقّ أن يقال إنّ كفّارته كفارة الظهار.

و أمّا كفارة النذر فتدلّ جملة من النصوص علي انّها ككفارة اليمين منها ما رواه الحلبي «3».

و منها ما رواه صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: بأبي انت و امّي انّي جعلت علي نفسي مشيا الي بيت اللّه، قال:

كفّر يمينك فانّما جعلت علي نفسك يمينا و ما جعلته للّه فف به «4».

و منها ما رواه حفص بن غياث «5».

و منها ما رواج جميل بن صالح، عن أبي الحسن موسي عليه السّلام، انّه قال: كلّ من عجز عن نذر نذره فكفارته كفارة يمين «6».

و منها ما رواه عمرو بن خالد، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: النذر نذران فما كان للّه فف به و ما كان لغير اللّه فكفّارته كفارة يمين «7».

و في قبال هذه النصوص حديثان:

احدهما مروي عن ابن مهزيار قال: و كتب اليه يسأله: يا سيّدي

______________________________

(1) قد تقدم في ص 229.

(2) قد تقدم في ص 230.

(3) قد تقدم في ص 229.

(4) الوسائل: الباب 23، من أبواب الكفارات، الحديث 3.

(5) قد تقدم في ص 228.

(6) الوسائل: الباب 23، من أبواب الكفارات، الحديث 5.

(7) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 439

______________________________

رجل نذر أن يصوم يوما فوقع ذلك اليوم علي أهله ما عليه من الكفارة؟

فكتب اليه: يصوم يوما بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة «1».

و يستفاد منه انّ كفّارة النذر عتق رقبة.

ثانيهما: ما رواه عبد الملك بن عمرو «2» و المستفاد منه التخيير بين عتق رقبة و إطعام ستّين

مسكينا و صوم شهرين متتابعين، فان قلنا بامكان التخصيص نلتزم به في موردهما و ان لم نقل به و قلنا إنّ مفادهما عامّ لجميع الموارد يقع التعارض و لا بدّ من الأخذ بالأحدث و الظاهر انّ الأحدث حديث ابن مهزيار مضافا الي ضعف حديث عبد الملك بن عمرو سندا به.

و أمّا كفارة العهد ففيها حديثان:

احدهما ما رواه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل عاهد اللّه في غير معصية ما عليه ان لم يف بعهده؟ قال: قال: يعتق رقبة أو يتصدّق بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين «3».

ثانيهما ما رواه أبو بصير، عن أحدهما عليه السّلام قال: من جعل عليه عهد اللّه و ميثاقه في أمر اللّه طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا «4» و كلا الحديثين ضعيفان

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 2.

(2) قد تقدم في ص 226.

(3) الوسائل: الباب 24، من أبواب الكفارات، الحديث 1.

(4) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 440

______________________________

سندا الّا أن يتمّ الأمر بالإجماع التعبّدي الكاشف.

و أمّا جزّ المرأة شعرها في المصاب فالدليل علي المدعي ما رواه خالد بن سدير «1» و الحديث ضعيف الّا إن يتمّ بالإجماع.

الفرع الثالث عشر: انّ كفارة حلق الرأس في الاحرام دم شاة أو صيام ثلاثة أيّام أو التصدّق علي ستّة مساكين.

لاحظ ما رواه حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: مرّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله علي كعب بن عجرة الأنصاري و القمّل يتناثر من رأسه فقال: أ تؤذيك هو امّك؟ فقال: نعم، قال: فانزلت هذه الآية: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فأمره رسول اللّه صلي اللّه عليه و

آله بحلق رأسه و جعل عليه الصيام ثلاثة أيّام و الصدقة علي ستّة مساكين لكلّ مسكين مدّان و النسك شاة قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

و كلّ شي ء في القرآن أَوْ* فصاحبه بالخيار يختار ما شاء و كل شي ء في القرآن فَمَنْ لَمْ يَجِدْ* فعليه كذا فالأول بالخيار «2».

الفرع الرابع عشر: انّ كفارة الواطئ امته المحرمة باذنه بدنة أو بقرة

و مع العجز شاة أو صيام ثلاثة أيّام.

و الدليل عليه ما رواه ابن عمار قال: قلت لأبي الحسن موسي عليه السّلام أخبرني عن رجل محلّ وقع علي أمة له محرمة، قال: موسرا أو معسرا؟ قلت: أجبني فيهما، قال: هو أمرها بالاحرام أو لم يأمرها أو أحرمت من قبل نفسها؟ قلت: أجنبي فيهما فقال: ان كان موسرا

______________________________

(1) قد تقدم في ص 436.

(2) الوسائل: الباب 14، من أبواب بقية كفارات الاحرام، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 441

(مسألة 1) يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع أو كفّارة التخيير، و يكفي في حصول التتابع فيهما صوم الشهر الأوّل و يوم من الشهر الثاني (1).

______________________________

و كان عالما انّه لا ينبغي له و كان هو الذي أمرها بالاحرام فعليه بدنة و ان شاء بقرة و ان شاء شاة و ان لم يكن أمرها بالاحرام فلا شي ء عليه موسرا كان أو معسرا و ان كان أمرها و هو معسر فعليه دم شاة أو صيام «1».

لكن المذكور في الحديث مطلق الصيام فالالتزام بالثلاثة مبنيّ علي الاحتياط.

و أمّا ما أفاده سيدنا الاستاد (قدّس سرّه) من أنّ لزوم صوم ثلاثة أيّام يستفاد من حديث زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا احصر الرّجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فانّه يذبح

شاة في المكان الّذي احصر فيه أو يصوم أو يتصدق علي ستّة مساكين و الصوم ثلاثة أيّام و الصدقة نصف صاع لكلّ مسكين «2» حيث قال الامام عليه السّلام و الصوم ثلاثة أيام، و مثل هذا التعبير في غير الحديث المذكور، فلا يرجع الي محصل، اذ المستفاد من هذه الطائفة بحسب المتفاهم العرفي الصوم الواجب لأجل الحلق.

و بعبارة اخري: الظاهر من كلامهم عليهم السّلام انّ اللام للعهد الذكري فلا يرتبط الحكم بالمقام.

[مسائل في صوم الكفارة]

[مسألة 1 يجب التتابع في صوم شهرين من كفّارة الجمع أو كفّارة التخيير]

(1) تارة يبحث في لزوم التتابع و اخري في أنّه بايّ نحو يحصل،

______________________________

(1) الوسائل: الباب 8، من أبواب كفارات الاستمتاع، الحديث 2.

(2) الوسائل: الباب 14، من أبواب بقية كفارات الاحرام، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 442

و كذا يجب التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين (1) بل هو الأحوط في صيام سائر الكفّارات و ان كان في وجوبه فيها تامّل و اشكال (2).

______________________________

أمّا اشتراط التتابع فقد تقدّم الكلام حوله في بحث الكفارة و انّه مستفاد من الادلّة، لاحظ ما رواه ابن سنان «1» مضافا اي انّه يمكن أن يقال:

عنوان شهرين و أمثاله ظاهر في التتابع.

و أمّا الجهة الثانية: و هي تحقق التتابع بصوم يوم من الشهر الثاني فيما يكون الواجب صوم شهرين متتابعين، فيدلّ علي المدعي ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن قطع صوم كفّارة اليمين و كفارة الظهار و كفارة القتل؟ فقال: إن كان علي رجل صيام شهرين متتابعين و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر شيئا أو ايّاما منه، فان عرض له شي ء يفطر منه أفطر ثمّ يقضي ما بقي عليه و إن صام شهرا ثمّ عرض له شي ء

فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع أعاد الصوم كلّه الحديث «2».

(1) الظاهر انّه لا دليل عليه، و مقتضي القاعدة الاوّليّة البراءة، و عن صاحب الجواهر: انّ المفروض انّه بدل عن الشهرين المفروض لزوم التتابع فيه فيلزم في بدله.

و يرد عليه انّه لا دليل علي المدعي المذكور، و بعبارة اخري:

لا دليل علي القيد المذكور في البدل.

(2) ما يمكن أن يستدلّ به علي المدعي أمران:

______________________________

(1) قد تقدم في ص 213.

(2) الوسائل: الباب 3، من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 9.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 443

______________________________

الاول: حديث الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السّلام في حديث قال: إنّما وجب الصوم في الكفارة علي من لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحجّ و الصلاة و غيرهما من الأنواع، لأنّ الصلاة و الحج و أنواع الفرائض مانعة للإنسان من التقلّب في أمر دنياه و مصلحة معيشته مع تلك العلل التي ذكرناها في الحائض الّتي تقضي الصيام و لا تقضي الصلاة، و انّما وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاث أشهر لأنّ الفرض الذي فرض اللّه تعالي علي الخلق هو شهر واحد فضوعف هذا الشهر في الكفارة توكيدا و تغليظا عليه و انّما جعلت متتابعين لئلا يهون عليه الأداء فيستخف به لأنّه اذا قضاه متفرقا هان عليه القضاء و استخفّ بالأيمان «1».

بتقريب انّ المستفاد من الحديث بعموم العلّة اسراء الحكم الي بقيّة الموارد.

و يرد عليه انّ الحديث ضعيف سندا لضعف اسناد الصدوق الي الفضل.

الأمر الثاني: انصراف الدليل الي صورة التتابع، كما أن الأمر كذلك بالنسبة الي عشرة أيّام في قصد الاقامة و ثلاثة أيّام في الحيض

و أمثالهما.

و يمكن أن يقال: تارة يعبّر عن المدّة بالشهر أو السنة و اخري يعبّر بعدد الأيّام، ففي الصورة الاولي يمكن أن يقال: انّ اللفظ منصرف الي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2، من أبواب بقية الصوم الواجب.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 444

(مسألة 2) اذا نذر صوم شهر أو أقلّ أو أزيد لم يجب التتابع الّا مع الانصراف أو اشتراط التتابع فيه (1).

______________________________

التوالي، و أمّا في الصورة الثانية: فليس الأمر كذلك، بل الاطلاق يقتضي جواز ترك التتابع.

أضف الي ذلك: انّ النصّ الخاصّ يدل علي جواز التفريق، لا حظ ما رواه ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كلّ صوم يفرق الّا ثلاثة أيّام في كفارة اليمين «1».

فلا وجه للزوم الاحتياط، و أمّا مسألة الحيض و كذا قصد العشرة فالتتابع يفهم من القرائن الخارجية، فانّ الاتصال في تحقق الحيض شرط أي الاستمرار، كما انّ المستفاد من دليل الاقامة انّ المكلف يعلم باقامته في سفره الكذائي عشرة أيّام فلاحظ.

[مسألة 2 اذا نذر صوم شهر أو أقلّ أو أزيد لم يجب التتابع]

(1) لا إشكال في أنّ النذر بايّ نحو تعلّق بالمنذور يلزم الاتيان به، و بعبارة اخري: المنذور تابع لقصد الناذر، فاذا فرضنا انّ نذره تعلّق بصوم أيّام متتابعة يجب التتابع، و اذا فرض انّ الناذر اعتبر الاطلاق لا يجب، نعم اذا قصد مفهوم لفظ و ذلك اللفظ منصرف الي التتابع يجب و هذا كلّه ظاهر.

و أمّا حديث الفضيل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثمّ عرض له أمر، فقال:

إن كان صام خمسة عشرة يوما فله أن يقضي ما بقي، و إن كان أقلّ من خمسة عشر يوما لم يجزه حتي يصوم

شهرا تامّا «2»، فهو ضعيف سندا.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 10، من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 5، من أبواب بقية الصوم الواجب.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 445

(مسألة 3) اذا فاته النذر المعين أو المشروط فيه التتابع فالأحوط في قضائه التتابع أيضا (1).

(مسألة 4) من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع لا يجوز أن يشرع فيه في زمان يعلم انّه لا يسلم له بتخلّل العيد أو تخلّل يوم يجب فيه صوم آخر من نذر أو إجارة أو شهر رمضان، فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يجوز له أن

______________________________

و ربما يقال: انّه يجب التتابع لقوله تعالي: لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ و حيث انّ التفريق يوجب بطلان العمل فهو حرام.

و يرد عليه أوّلا: انّه لا يكون ابطال العمل حراما، و ليس المراد من الآية هذا المعني و الّا يلزم تخصيص الأكثر، اذ لا اشكال في جواز ابطال الصلوات المندوبة و الصيام كذلك و كذلك بقيّة الأعمال المندوبة من الأدعية و الزيارات الي بقيّة الموارد، بل حرمة الابطال حتّي في الواجبات تختصّ بموارد خاصّة.

و ثانيا: انّ بطلان الصوم بالتفريق أول الكلام و الاشكال، بل يجوز رفع اليد حتّي فيما قصد التتابع، اذ مع عدم حرمة الابطال لا مانع من رفع اليد عن فرد و الاتيان بفرد آخر و أمّا الآية الشريفة فالظاهر انّ المراد من الابطال المنهي عنه حبط العمل بما يوجب حبطه.

[مسألة 3 إذا فاته النذر المعين أو المشروط فيه التتابع]

(1) اذا لم نقل بوجوب قضاء ما فات من النذر فلا تصل النوبة الي البحث المذكور، و أمّا ان قلنا بوجوبه فلا وجه لما أفاده اذ المفروض انّ القضاء بأمر جديد و مقتضي الاطلاق أوّلا و البراءة ثانيا عدم

الوجوب.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 446

يبتدئ بشعبان، بل يجب أن يصوم قبله يوما أو أزيد من رجب، و كذا لا يجوز أن يقتصر علي شوال مع يوم من ذي القعدة أو علي ذي الحجة مع يوم من المحرّم لنقصان الشهرين بالعيدين.

نعم لو لم يعلم من حين الشروع عدم السلامة فاتّفق فلا بأس علي الأصحّ، و ان كان الأحوط عدم الاجزاء، و يستثني ممّا ذكرنا من عدم الجواز مورد واحد و هو صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتع إذا شرع فيه يوم التروية فانّه يصحّ و إن تخلّل بينها العيد فيأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل أو بعد أيّام التشريق بلا فصل لمن كان بمني، و أمّا لو شرع فيه يوم عرفة أو صام يوم السابع و التروية و تركه في عرفة لم يصحّ و وجب الاستئناف كسائر موارد وجوب التتابع (1).

[مسألة 4 من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع لا يجوز أن يشرع فيه في زمان يعلم انّه لا يسلم له بتخلّل العيد]

اشارة

______________________________

(1) تعرّض الماتن في هذه المسألة لفروع:

الفرع الأول: انّه لو وجب علي المكلّف الصوم الّذي يجب فيه التتابع

لا يجوز له أن يشرع فيه في زمان يعلم انّه لا يسلم له و يصادف المحذور كما لو صام في زمان يصادف أحد العيدين الفطر و الأضحي و أمثاله.

و الوجه فيه: انّه لو كان متوجّها الي هذه الجهة لا يمكن أن يأتي بالصوم قربة الي اللّه الّا مع قصد التشريع المحرّم، اذ كيف يمكن أن يقصد الاتيان بالمتعلق المقيّد بالتتابع و الحال انّ التتابع ممنوع شرعا، فاذا

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 447

______________________________

لم يقصد التتابع لم يكن قاصدا للواجب، فانّ المقيّد ينهدم بانهدام قيده و إن قصد التتابع يكون مشرّعا في قصده فيكون محرّما تكليفا و لا يكون مجزيا كما هو ظاهر.

بقي شي ء: و هو انّ الماتن ذكر في عداد موارد عدم صلاحيّة الزمان للصوم المشروط فيه التتابع تخلّل يوم يجب فيه الصوم كما لو نذر انّ اليوم الفلاني يصوم و الحال انّ وجوب صوم يوم فلاني لا يوجب عدم جواز الاتيان بالصوم الذي يشترط فيه التتابع، فانّه تارة الشارع الأقدس يشترط في صحة الصوم أن لا يكون في السفر أو حال المرض أو الحيض أو غيرها و اخري يوجب صوما في يوم علي المكلّف لعلّة.

أما علي الأوّل: فلا يكون الزمان قابلا لايقاع الصوم فيه و بعبارة اخري: الشارع حبس المكلّف عن الصوم.

و أمّا علي الثاني: فليس الأمر كذلك، لأنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه، و لذا لقائل أن يقول: انّ المكلّف اذ نوي صوما غير صوم شهر رمضان فيه يصحّ بالترتب فلا بدّ من التفصيل فيما أفاده في المتن.

الفرع الثاني: انّه يجب علي من شرع بالثلاثة يوم التروية أن يأتي باليوم الثالث بعد العيد بلا فصل

أو بعد أيام التشريق بلا فصل لمن كان بمني، و الحقّ انه لا وجه له و لا دليل

علي الفوريّة المذكورة.

الفرع الثالث: أنّه لو شرع فيه يوم عرفة أو صام يوم السابع و التروية و تركه في عرفة لم يصحّ

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 448

______________________________

و التروية و تركه في عرفة لم يصحّ، و الوجه فيه انّه لم يأت بالمأمور به لا أصلا و لا بدلا فلا بدّ من الاستيناف كي يتحقق المأمور به في الخارج.

الفرع الرابع: انّه لو لم يكن عالما بطروّ العذر

بأن يكون قاطعا بعدمه أو كان غافلا يجوز و يجزي عنه، لا حظ ما رواه رفاعة قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا و مرض؟ قال: يبني عليه اللّه حبسه، قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت و أفطرت ايّام حيضها؟ قال: تقضيها، قلت:

فانّها قضتها ثمّ يئست من الحيض؟ قال: لا تعيدها أجزأها ذلك «1».

و ما رواه سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة و عشرين يوما ثمّ مرض فاذا برأ يبني علي صومه أم يعيد صومه كلّه؟ قال: بل يبني علي ما كان صام، ثمّ قال: هذا مما غلب اللّه عليه و ليس علي ما غلب اللّه عزّ و جلّ عليه شي ء «2».

بتقريب: انّ المستفاد من الخبرين انّ طروّ العذر لا يوجب بطلان الصوم و الوجه في التفصيل المذكور في المتن انّه مع العلم بالطرو أو الاحتمال و الالتفات لا يصدق ما قاله روحي فداه من كونه محبوسا من قبل اللّه.

و في المقام شبهة: و هي انّه لو قلنا: بأنّ المستفاد من الحديث كون

______________________________

(1) الوسائل: الباب 3، من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 10.

(2) نفس المصدر، الحديث 12.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 449

______________________________

المكلّف معذورا ما الفرق بين صورة العلم بطرو العذر و الجهل به؟

و بعبارة اخري:

انّ المستفاد من الحديث انّ عدم التتابع اذا كان بغير اختيار المكلف لا يكون مضرّا بالامتثال فلا وجه للتفريق.

ان قلت: يلزم عليه أن يختار زمانا لا يصادف العذر.

قلت: المستفاد من الحديث انّ التصادف المذكور لا يضرّ فلاحظ فانّه دقيق.

الفرع الخامس: انّه يجوز ترك التتابع في صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع اذا شرع فيه يوم التروية

و هذا هو المشهور بين القوم، و يدلّ عليه من النصوص ما رواه يحيي الأزرق، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتّعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة؟ قال: يصوم يوما آخر بعد أيّام التشريق «1».

و الظاهر انّه لا اشكال في السند من جهة يحيي الأزرق اذ المنصرف منه الي الذهن ابن عبد الرحمن الّذي وثّق لابن حسان الذي لم يوثّق.

و نقل الشيخ حديثا بسنده عن يحيي بن عبد الرحمن الأزرق «2» و لا حديث منقول عن يحيي بن حسان- علي ما قاله سيدنا الاستاد في رجاله-.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 52، من أبواب الذبح، الحديث 2.

(2) التهذيب: ج 5 ص 157، الحديث 520.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 450

______________________________

و يؤيّد المدعي ما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر «1».

و حيث انّ سند الحكم المشهور معتبر يقيّد به ما رواه حماد بن عيسي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال عليّ عليه السّلام: صيام ثلاثة أيّام في الحجّ قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة يعني ليلة النفر و يصبح صائما و يومين بعده و سبعة اذا رجع «2».

فانّ المستفاد من الحديث لزوم كون الثلاثة

المعهودة قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، و من فاته ذلك يلزم عليه أن يصوم يوم النفر و يومين بعده و سبعة اذا رجع، و حيث انّ التخصيص علي القاعدة نخصّص حديث حمّاد بحديث الأزرق فلاحظ.

و أيضا نخصّص بحديث الأزرق حديث ابن الحجّاج، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سأله عبّاد البصري، عن متمتّع لم يكن معه هدي؟

قال: يصوم ثلاثة أيّام قبل يوم التروية، قال: فان فاته صوم هذه الأيّام؟ فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة و لكن يصوم ثلاثة أيّام متتابعات بعد أيّام التشريق «3».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 52، من أبواب الذبح، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 53، من أبواب الذبح، الحديث 3.

(3) الوسائل: الباب 52، من أبواب الذبح، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 451

(مسألة 5) كلّ صوم يشترط فيه التتابع اذا أفطر في أثنائه لا لعذر اختيارا يجب استئنافه و كذا اذا شرع فيه في زمان يتخلّل فيه صوم واجب آخر من نذر و نحوه و أمّا ما لم يشترط فيه التتابع و ان وجب فيه بنذر أو نحوه فلا يجب استئنافه و إن اثم بالافطار كما اذا نذر التتابع في قضاء رمضان فانّه لو خالف و أتي به متفرّقا صحّ و ان عصي من جهة خلف النذر (1).

______________________________

ان قلت: انّ حديث الأزرق معارض بحديث عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: سألته عن متمتّع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي؟ قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحّر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده «1».

قلت: الترجيح مع حديث

الأزرق حيث انّه أحدث.

[مسألة 5 كلّ صوم يشترط فيه التتابع اذا أفطر في أثنائه لا لعذر اختيارا يجب استئنافه]

اشارة

(1) تعرض (قدّس سرّه) في هذه المسألة لفرعين:

الفرع الأول: انّ الصوم الذي يشترط فيه التتابع اذا لم يراع المكلّف التتابع فيه

و لم يكن في عدم رعايته معذورا لا يصحّ و يلزم استئنافه، بل لو أتي به كذلك مع الالتفات يكون مشرّعا.

و الوجه فيه انّه استفيد من الدليل تقيّده بقيد التتابع و المقيّد ينتفي بانتفاء قيده، كما انّ المركّب ينتفي بانتفاء جزئه فانّ ترك التتابع في مفروض الكلام بالنسبة الي الصوم كترك الطهارة في الصلاة.

و صفوة القول: انّ إجزاء غير المأمور به عنه يتوقف علي الدليل

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 452

(مسألة 6) اذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار كالمرض و الحيض و النفاس و السفر الاضطراري دون الاختياري لم يجب استئنافه، بل يبني علي ما مضي و من

______________________________

و هذا واضح ظاهر.

الفرع الثاني: انّه لو لم يكن التتابع شرطا في صوم

كقضاء شهر رمضان لو وجب التتابع فيه لوجه كالنذر مثلا لو أتي به المكلّف بلا رعاية التتابع يكون مجزيا و ان كان عاصيا لترك واجب و هو التتابع.

و بعبارة اخري: تارة يكون التتابع لونا للواجب الصومي فلا بدّ من رعايته و اخري يكون واجبا في واجب ففي الأوّل لو لم يراع لا يجزي و في الثاني يجزي مع تحقّق الاثم.

ان قلت: بعد النذر يجب أن يصوم متتابعا فكيف يجوز له أن يأتي به مع عدم التتابع؟

قلت: علي المكلّف واجبان أحدهما الصوم أعمّ من التتابع.

ثانيهما الاتيان به متتابعا و الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه، مثلا: لو نذر شخص أن يصلي صلاة الظهر في المسجد يجب عليه أمران: أحدهما: صلاة الظهر، ثانيهما: ايقاع صلاة الظهر في المسجد، فلو صلّي في الدار يجزي لكن يكون آثما في تركه المأمور به بالأمر النذري. لكنّ الذي قلناه يتوقف علي كون التتابع راجحا في

نفسه كي يكون النذر المتعلّق به منعقدا، و أمّا لو لم نقل بذلك و قلنا لا وجه لرجحانه فلا ينعقد النذر لعدم رجحان متعلّقه علي الفرض.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 453

العذر ما اذا نسي النيّة حتّي فات وقتها بأن تذكّر بعد الزوال، و منه أيضا ما اذا نسي فنوي صوما آخر و لم يتذكّر الّا بعد الزوال، و منه أيضا ما اذا نذر قبل تعلق الكفارة صوم كلّ خميس، فانّ تخلّله في أثناء التتابع لا يضرّ به و لا يجب عليه الانتقال الي غير الصوم من الخصال في صوم الشهرين لأجل هذا التعذر.

نعم لو كان قد نذر صوم الدهر قبل تعلق الكفّارة اتّجه الانتقال الي سائر الخصال (1).

[مسألة 6 إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار]

اشارة

______________________________

(1) قد تعرّض (قدّس سرّه) للتفصيل بين انقطاع التتابع لعذر كالحيض و المرض و بين الانقطاع بلا عذر فحكم بعدم البأس في الصورة الاولي و بطلانه في الصورة الثانية و فرّع علي ما أفاده فروعا فيقع الكلام في مقامات ثلاثة:

أما المقام الأول: فنقول: قد دلّ النصّ علي انّ انهدام التتابع بالعذر لا يضرّ به لاحظ ما رواه رفاعة «1» فإنّ المستفاد من الحديث انّ المكلّف اذا كان محبوسا عن الصوم و ممنوعا عنه من قبل الشارع الأقدس لا يضرّ به.

و يؤيده ما رواه سليمان بن خالد «2» و انّما عبّرنا بالتأييد لأنّ سند الحديث مخدوش، فانّ ابني المرّار و المبارك لم يوثّقا، و كون

______________________________

(1) قد تقدم في ص 448.

(2) قد تقدم في ص 448.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 454

______________________________

الراوي في أسناد كامل الزيارات أو تفسير القمي لا يكفي، و لكن في اثبات المطلوب يكفي الحديث

الأوّل أي حديث رفاعة.

و يؤيد المدعي ما رواه رفاعة بن موسي أيضا، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن امرأة تجعل للّه عليها صوم شهرين متتابعين فتحيض؟

قال: تصوم ما حاضت فهو يجزيها «1».

و انّما عبّرنا بالتأييد لصدور الحكم في مورد خاصّ، و يعارض ما دلّ علي الاجتزاء بما رواه الحلبي «2» بتقريب انّ المستفاد من الحديث التفصيل بين أن يصوم شيئا من الشهر الثاني فلا يضرّ الاخلال بالتتابع و بين ما لا يكون كذلك فيضرّ بلا فرق بين تحقّق العذر و عدمه.

و لكن يمكن أن يقال: أنّه لا تعارض بين الحديثين، اذ حديث الحلبي أعمّ من أن يكون العذر الموجب للإفطار عذرا شرعيّا أو عرفيّا أو شخصيّا و حديث رفاعة مخصوص بصورة العذر الشرعي فيكون خاصّا بالنسبة الي حديث الحلبي، و مقتضي القاعدة تخصيص حديث الحلبي بما رواه رفاعة.

و في المقام حديث رواه جميل و ابن حمران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الرجل الحرّ يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثمّ يمرض؟ قال: يستقبل فان زاد علي الشهر الآخر يوما أو يومين بني علي ما بقي «3» يستفاد منه انّ عروض العذر في صوم شهرين متتابعين لكفّارة الظهار يضرّ بالتتابع و لا بد من الاستيناف.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 3، من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 7.

(2) قد تقدم في ص 442.

(3) الوسائل: الباب 3، من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 3.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 455

______________________________

و مقتضي القاعدة تخصيص الكبري الكليّة المستفادة من حديث رفاعة بهذه الرواية، و لكن الحديث في مورده معارض بما رواه رفاعة أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المظاهر

اذا صام شهرا ثمّ مرض اعتدّ بصيامه «1».

و حيث انّ الأحدث من المتعارضين غير معلوم لا مجال لرفع اليد عن الكبري الكليّة المستفادة من حديث رفاعة فالحقّ ما أفاده في المتن.

ان قلت: لا تعارض بين الحديثين اذ قد اخذ في أحدهما عنوان الحرّ و في الآخر عنوان المظاهر الشامل باطلاقه الحرّ و العبد و مقتضي القاعدة تقييد المطلق بالمقيّد.

قلت: كفّارة العبد في الظهار شهر واحد فيكون كلا الحديثين متعرّضين لحكم الحرّ فلاحظ.

و في المقام فروع فرّعها الماتن علي أصل الحكم:
الفرع الأول: أنّه لو سافر اختيارا هل يكون مخلّا بالتتابع أم لا،

مقتضي القاعدة الحاق السفر الاختياري بالاضطراري، اذ المستفاد من قوله عليه السّلام و روحي فداه، اللّه حبسه، انّ الحبس الالهي يوجب عدم الاخلال بالتتابع، و مقتضي إطلاق كلامه عدم الفرق بين السفر الاضطراري و الاختياري، و بعبارة واضحة: لا نري وجها للقيد المذكور

و ان شئت قلت: المستفاد من الدليل انّ حكم الشارع بعدم الاخلال مترتب علي الموضوع الخاصّ، فاذا تحقق الموضوع بأيّ نحو فرض يترتب عليه الحكم.

و لتوضيح المدعي نقول: تارة الشارع الأقدس يكلّف المكلّف

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 13.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 456

______________________________

بتكليف ثمّ يرفع ذلك الحكم بعروض الاضطرار أو الاكراه، مثلا يكلّف المكلّف بحرمة شرب التتن و بعد ذلك يحكم بارتفاع الحرمة بالاضطرار أو الاكراه و اخري يجعل حكما و يرتّبه علي موضوع كما في تكليف صوم شهر رمضان و يرفع الحكم عن المسافر ففي القسم الأوّل لا مجال لأن يقال يجوز للمكلّف أن يجعل نفسه مضطرّا أو مكرها، فانّ المتفاهم العرفي يستنكره و الّا يلزم جواز وصول المكلف الي ارتكاب جميع المحرمات بجعل نفسه مضطرّا أو مكرها و هو كما تري و العرف ببابك، و أما في القسم الثاني فلا مانع من ايجاد الموضوع.

الفرع الثاني: انّه لو نسي النيّة و لم يتذكّر الّا بعد الزوال لا يضرّ بالتتابع

بتقريب: انّه مصداق للحبس الالهي فلا يكون مخلا بالتتابع.

و للمناقشة فيه مجال، اذ المستفاد من قوله عليه السّلام اللّه حبسه بحسب المتفاهم العرفيّ انّ اللّه منعه عن الصوم أي اشترط في الصوم شرطا لا يمكن الاتيان به مع الشرط المشار اليه.

و أمّا اذا لم يكن كذلك بأن كان الزمان قابلا لوقوع الصوم فيه غاية الأمر انّ المكلف لم يأت به إمّا متعمّدا و إمّا غفلة فلا يشمله الحديث. و بعبارة واضحة: الظاهر

من الرواية انّ الحبس عبارة عن اعتبار الشارع ذلك الزمان غير قابل للصوم.

الفرع الثالث: انّه لو نذر قبل تعلق الكفّارة أن يصوم كلّ خميس يكون عذرا.

بتقريب: انّ وجوب الصوم في كلّ خميس يكون حبسا الهيّا عن

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 457

(مسألة 7) كلّ من وجب عليه شهران متتابعان من كفّارة معيّنة أو مخيّرة اذا صام شهرا و يوما متتابعا يجوز له التفريق في البقيّة و لو اختيارا لا لعذر، و كذا لو كان من نذر أو عهد لم يشترط فيه تتابع الأيّام جميعها و لم يكن المنساق منه ذلك

______________________________

صوم الكفّارة فلا يكون قابلا لوقوع الصوم للكفّارة فيه.

و يرد عليه انّ نذر صوم كلّ خميس لا يوجب عدم قابليّة الزمان لصوم الكفّارة و بعبارة اخري: لا يكون المكلّف محبوسا من قبل الشارع الأقدس عن ايقاع الصوم في الخميس، و انّما الشارع أمره باتيان صوم يوم الخميس بذلك العنوان الّذي قصده و الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه فالمكلّف يمكنه أن يأتي بصوم الكفارة متتابعا و ان كان عاصيا في ترك امتثال الأمر النذري و عليه العقل يلزم المكلّف باختيار الفرد الآخر من الخصال، هذا فيما يكون النذر متعلّقا بعنوان يضادّ صوم الكفّارة.

و أمّا اذا كان قصده الصوم بأيّ عنوان كان، لا يكون تضادّ بين الامتثالين.

الفرع الرابع: أنّه لو نذر صوم الدهر ينتقل الوظيفة الي اختيار فرد آخر من الخصال

اذ المفروض انّه لا يمكنه الاتيان بصوم الكفّارة.

و يرد عليه ما قلناه آنفا نقول لا بدّ من التفصيل، فلو لم يكن تعاند بين الامتثالين يتحقّقان بفعل واحد و مع التعاند يمكن اختيار الصوم من الخصال، غاية ما في الباب تحقق العصيان بترك امتثال الأمر النذري.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 458

و ألحق المشهور بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع، فقالوا اذا تابع في خمسة عشر يوما منه يجوز له التفريق في البقيّة اختيارا و هو

مشكل فلا يترك الاحتياط فيه بالاستئناف مع تخلّل الافطار عمدا و إن بقي منه يوم، كما لا إشكال في عدم جواز التفريق اختيارا مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المتتابع (1).

[مسألة 7 كلّ من وجب عليه شهران متتابعان من كفّارة معيّنة أو مخيّرة إذا صام شهرا و يوما متتابعا]

اشارة

______________________________

(1) ذكر الماتن (قدّس سرّه) في هذه المسألة فروعا:

الفرع الأوّل: انّ المكلف اذا كان عليه صوم شهرين متتابعين من كفارة معيّنة أو مخيّرة

اذا صام شهرا و يوما متتابعا لا بأس في التفريق بالنسبة الي الباقي و لو اختيارا.

و ادعي عليه الاجماع، و يدلّ علي المدعي ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: صيام كفّارة اليمين في الظهار شهران متتابعان و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر أيّاما أو شيئا منه، فان عرض له شي ء يفطر منه أفطر ثمّ قضي ما بقي عليه، و ان صام شهرا ثمّ عرض له شي ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع فليعد الصوم كلّه و قال: صيام ثلاثة أيام في كفّارة اليمين متتابعات و لا يفصل بينهنّ «1».

فانّه يستفاد من الحديث ميزان كلّي و هو انّ التتابع في صوم شهرين أن يصوم شهرا و شيئا من الشهر الثاني، مثلا لو قال المولي: اذا جاءك زيد أكرمه، و الاكرام عبارة عن الاطعام يفهم من كلامه انّ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام: ج 4 ص 283، الحديث 856.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 459

______________________________

الميزان في تحقّق الاكرام الاطعام، و يؤيد المدّعي طائفة اخري من الروايات.

الفرع الثاني: انّه لو نذر أو عاهد أن يصوم شهرين

فتارة لا يشترط التتابع فيه و اخري يشترطه حتّي في الشهر الثاني و ثالثة يقصد التتابع الشرعي.

فعلي الأوّل: لا يلزم التتابع حتّي في الشهر الأوّل و هذا واضح.

و علي الثاني: يلزم التتابع علي الاطلاق و لا مجال للقول بكفاية التتابع في الشهر الأوّل و شي ء من الشهر الثاني، فانّ دليل الكفاية لا يشمل مثله.

و ان شئت فقل: انّ دليل الكفاية منصرف عن المقام هذا و لكن للنقاش فيما افيد مجال اذ الحكومة تارة تكون ظاهريّة و اخري واقعيّة، أما الحكومة الظاهريّة فقوامها بالشك و عدم احراز الواقع فلو احرز

الواقع لا مجال للحكومة.

و أمّا في الحكومة الواقعيّة فليس الأمر كذلك و عليه يمكن أن يقال: انّه يكفي لتحقق التتابع صوم شهر و شي ء من الشهر الثاني.

و أما علي الثالث: فالأمر ظاهر واضح أي يكفي الاتيان بشي ء من الشهر الثاني فلاحظ.

الفرع الثالث: انّ المشهور الحقوا بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع

فقالوا: اذا تابع خمسة عشر يوما منه يجوز له التفريق في البقيّة

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 460

(مسألة 8): اذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة فهي صحيحة و ان لم تكن امتثالا للأمر الوجوبي و لا الندبي لكونها محبوبة في حدّ نفسها من حيث أنّها صوم، و كذلك الحال في الصلاة اذا بطلت في الأثناء فانّ الاذكار و القراءة صحيحة في حدّ نفسها من حيث محبوبيّتها لذاتها (1).

______________________________

و ما يمكن أن يستدل به علي الحكم المذكور ما رواه فضيل «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا بموسي بن بكر، حيث انّه لم يوثّق فلا يعتدّ بالحديث، و مقتضي القاعدة وجوب رعاية التتابع مطلقا.

الفرع الرابع: انّه لا يجوز التفريق مع تجاوز النصف في ساير أقسام الصوم المتتابع

و هذا علي طبق القاعدة الاوّليّة.

[مسألة 8: اذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة فهي صحيحة]

(1) يرد علي ما أفاده أوّلا: انّه مع فرض عدم الأمر بعمل كيف يكون محبوبا و الحال انّ احراز المحبوبيّة من ناحية تعلّق الأمر بفعل.

و ثانيا: انّه كيف يحكم بالصحة مع انّها تنتزع من انطباق المأمور به علي المأتيّ به و مع عدم الأمر الوجوبي و الاستحبابي لا موضوع للصحّة فالحقّ أن يقال: انّ الثواب انقيادي، و الوجه فيه انّ المكلّف قصد الصوم بقيد كونه شهرين متتابعين و المفروض عدم تحقّقه فما قصده غير متحقق و ما تحقّق لم يقصده.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 444.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 461

[فصل في أقسام الصوم]

اشارة

فصل أقسام الصوم أربعة:

واجب و ندب و مكروه كراهة عبادة و محظور (1).

[أما الواجب منه]

و الواجب أقسام: صوم شهر رمضان، و صوم الكفارة، و صوم القضاء، و صوم بدل الهدي في حجّ التمتع، و صوم النذر و العهد (2) و اليمين، و الملتزم بشرط أو اجارة و صوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف.

أما الواجب فقد مرّ جملة منه.

[أمّا المندوب منه]

اشارة

و أمّا المندوب منه فأقسام: منها ما لا يختصّ بسبب

______________________________

(1) قد ذكرنا سابقا في أوّل كتاب الصوم في بحث النيّة انّ الكراهة في العبادة عبارة عن قلّة الثواب لا الكراهة الحقيقيّة فراجع ما ذكرناه هناك.

(2) ذكر صوم العهد في عداد الصيام الواجبة مبنيّ علي وجوب العمل بالعهد و هو أوّل الكلام.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 462

مخصوص و لا زمان معيّن كصوم أيّام السنة عدا ما استثني من العيدين و أيّام التشريق لمن كان بمني (1) فقد وردت الاخبار الكثيرة في فضله من حيث هو و محبوبيّته و فوائده (2).

و يكفي فيه ما ورد في الحديث القدسي: الصوم لي و أنا أجازي به. و ما ورد: من أنّ الصوم جنّة من النار، و انّ نوم الصائم عبادة و صمته تسبيح و عمله متقبّل و دعاؤه مستجاب، و نعم ما قال بعض العلماء: من أنّه لو لم يكن في الصوم الا الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيميّة الي ذروة التشبّه

______________________________

(1) لا إشكال في كون صوم أيّام السنة محبوبا الّا في ايّام مخصوصة.

(2) لا حظ الباب الأوّل من أبواب الصوم المندوب، و لكن هذه النصوص لا تفي باثبات استحباب صوم كلّ يوم من أيّام السنة، اذ ليس المولي في مقام بيان الاجزاء و الشرائط و الموانع، بل في مقام بيان الآثار المترتبة علي الصوم بما هو صوم مجعول

من قبل الشارع الأقدس.

و بعبارة واضحة: تارة يأمر المولي بشي ء أو ينهي عنه و يكون في مقام بيان خصوصيّات المأمور به أو النهي عنه فلا اشكال في أنّ المرجع عند الشكّ الاطلاق.

و اخري يكون في مقام بيان الآثار المترتبة علي العمل الواجب أو المندوب فلا مجال للأخذ بالاطلاق في ظرف الشكّ، و علي هذا الاساس لا مجال للاستدلال علي المدعي بالنصوص المشار اليها في كلامه.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 463

بالملائكة الروحانيّة لكفي به فضلا و منقبة و شرفا (1).

و منها ما يختص بسبب مخصوص و هي كثيرة مذكورة في كتب الادعية، و منها ما يختصّ بوقت معيّن و هو في مواضع:

منها و هو آكدها صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر، فقد ورد: انّه يعادل صوم الدهر و يذهب بوحر الصدر و أفضل كيفيّاته ما عن المشهور، و يدلّ عليه جملة من الأخبار: هو أن يصوم اوّل خميس من الشهر و آخر خميس منه و أوّل أربعاء في العشر

______________________________

(1) لا حظ ما رواه الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: قال اللّه عزّ و جلّ: الصوم لي و أنا أجزي به «1».

و ما رواه محمد بن عليّ بن الحسين قال: قال عليه السّلام، قال اللّه عزّ و جلّ: الصوم لي و أنا أجزي به «2».

و ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بني الإسلام علي خمسة أشياء: علي الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ و الولاية، و قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: الصوم جنّة من النار «3».

و ما رواه الحسين بن أحمد، عن أبيه، عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

نوم الصائم عبادة و صمته تسبيح و عمله متقبّل و دعاؤه مستجاب «4».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 1، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 15.

(2) نفس المصدر، الحديث 16.

(3) نفس المصدر، الحديث 1.

(4) نفس المصدر، الحديث 24.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 464

الثاني (1) و من تركه يستحبّ له قضاؤه (2).

و مع العجز عن صومه لكبر و نحوه يستحبّ أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو بدرهم (3).

______________________________

(1) لاحظ ما رواه حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

صام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حتّي قيل ما يفطر ثمّ أفطر حتّي قيل ما يصوم، ثم صام صوم داود عليه السّلام يوما و يوما لا، ثمّ قبض عليه السّلام علي صيام ثلاثة أيّام في الشهر، و قال: يعدلنّ صوم الدهر و يذهبنّ بوحر الصدر، و قال حماد: الوحر الوسوسة، قال حمّاد: فقلت: و ايّ الأيّام هي؟ قال:

اول خميس في الشهر و أول أربعاء بعد العشر منه و آخر خميس فيه، فقلت: و كيف صارت هذه الأيّام الّتي تصام؟ فقال: لأنّ من قبلنا من الامم كانوا اذا نزل علي أحدهم العذاب نزل في هذه الأيّام فصام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله هذه الأيّام لأنها الايّام المخوفة «1».

(2) لا حظ ما رواه ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرجل يصوم صوما و قد وقّته علي نفسه أو يصوم من أشهر الحرم فيمرّ به الشهر و الشهران لا يقضيه؟ قال: فقال: لا يصوم في السفر و لا يقضي شيئا من صوم التطوّع الّا الثلاثة الأيّام الّتي كان يصومها في كلّ

شهر لا يجعلها بمنزلة الواجب الّا أني أحبّ لك أن تدوم علي العمل الصالح قال: و صاحب الحرم الّذي كان يصومها يجزيه أن يصوم مكان كلّ شهر من أشهر الحرم ثلاثة أيّام «2». و الحديث بكلا سنديه ضعيف.

(3) لا حظ ما رواه عيص بن القاسم قال: سألته عمن لم يصم

______________________________

(1) الوسائل: الباب 7، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 10 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 465

و منها ايّام البيض من كلّ شهر و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر علي الأصحّ المشهور (1).

و عن العماني أنّها الثلاثة المتقدمة (2) و منها صوم يوم مولد النبي صلي اللّه عليه و آله (3).

______________________________

الثلاثة الأيّام من كلّ شهر و هو يشتدّ عليه الصيام هل فيه فداء؟ قال:

مدّ من طعام في كلّ يوم «1».

و لاحظ ما رواه ابراهيم بن المثنّي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

انّه قد اشتدّ عليّ صوم ثلاثة ايّام في كلّ شهر فما يجزي عنّي أن أتصدّق مكان كلّ يوم بدرهم؟ فقال: صدقة درهم أفضل من صيام يوم «2».

(1) لا حظ ما رواه الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه: انّ عليا عليه السّلام كان ينعت صيام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: صام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الدهر كلّه ما شاء اللّه ثمّ ترك ذلك فصام صيام داود عليه السّلام يوما للّه و يوما له ما شاء اللّه، ثمّ ترك ذلك فصام الاثنين و الخميس ما شاء اللّه، ثمّ ترك ذلك و صام البيض ثلاثة أيّام من كلّ شهر، فلم يزل

ذلك صيامه حتّي قبضه اللّه اليه «3».

(2) و لا وجه لما أفاده و نقل عن العلّامة انّه ردّه في المختلف.

(3) لاحظ ما رواه أبو اسحاق بن عبد اللّه العلوي العريضي قال:

______________________________

(1) الوسائل: الباب 11، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 5.

(3) الوسائل: الباب 12، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 466

و هو السابع عشر من ربيع الأوّل علي الأصحّ، و عن الكليني

______________________________

و حك في صدري ما الايّام التي تصام، فقصدت مولانا أبا الحسن عليّ ابن محمّد عليهما السّلام و هو بصريا و لم ابد ذلك لأحد من خلق اللّه فدخلت عليه فلمّا أبصر بي، قال عليه السّلام: يا أبا اسحاق جئت تسالني عن الايّام التي يصام فيهنّ، و هي أربعة أوّلهنّ يوم السابع و العشرين من رجب يوم بعث اللّه تعالي محمّدا صلي اللّه عليه و آله الي خلقه رحمة للعالمين، و يوم مولده صلي اللّه عليه و آله و هو السابع عشر من شهر ربيع الأوّل، و يوم الخامس و العشرين من ذي القعدة فيه دحيت الكعبة، و يوم الغدير فيه أقام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أخاه عليا عليه السّلام علما للناس و اماما من بعده، قلت: صدقت جعلت فداك لذلك قصدت أشهد انّك حجة اللّه علي خلقه «1» و الحديث ضعيف سندا.

و لا حظ ما ذكره في المقنعة قال: قد ورد الخبر عن الصادقين عليهما السّلام بفضل صيام أربعة أيّام في السنة، الي أن قال: يوم السابع عشر من ربيع الأول و هو اليوم الذي ولد فيه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، فمن صامه كتب

اللّه له صيام ستّين سنة، و يوم السابع و العشرين من رجب و هو اليوم الذي بعث فيه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و من صامه كان صيامه كفارة ستين شهرا و يوم الخامس و العشرين من ذي القعدة فيه دحيت الارض و يوم الغدير فيه نصب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أمير المؤمنين عليه السّلام اماما «2».

و هذا الحديث يعدّ عندهم من المرسل، و لكن لقائل أن يقول: قد

______________________________

(1) التهذيب: ج 4 ص 305، الحديث 4.

(2) الوسائل: الباب 19، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 467

انّه الثاني عشر منه (1) و منها صوم يوم الغدير و هو الثامن عشر من ذي الحجّة (2).

______________________________

أخبر المفيد بورود الخبر المذكور عنهم و ظاهر الاخبار حسّي الا أن يقال: ان كان كذلك فما الوجه في عدم وصول الخبر المذكور الي غيره مع انّ الموضوع له أهميّة خاصّة فتأمل.

و يمكن أن يقال: ان قوله (قدّس سرّه) قد ورد لا يكون إخبارا عن صدور الخبر عن الامام عليه السّلام بل إخبار بصدور خبر دالّ علي المعني الكذائي.

و بعبارة واضحة: انه لم يقل قال المعصوم، لكن الظاهر انّ النقاش المذكور موهون، فان معني الجملة المذكورة أنّهم أخبروا بكذا، و يمكن أن يرد علي التقريب المذكور انّ ديدن المحدّث في نقل الخبر عن المعصوم ذكر السند لا حذفه فيكون الخبر مرسلا لكن يمكن اتمام الأمر ببركة قاعدة التسامح بالتقريب الّذي بيّناه اخيرا و جعلناه في عداد الفوائد الّتي ذكرناها في الجزء الرابع من كتابنا «عمدة المطالب».

و بما ذكرنا يظهر تقريب الاستحباب في جملة من الموارد المذكورة فلاحظ.

(1) يدلّ

علي المشهور خبر المقنعة، و أمّا القول الآخر فقال في الحدائق: «و أمّا ما يدلّ علي انّ مولده الثاني عشر من الشهر المذكور فلم أقف عليه في أخبارنا، و لعلّ ما ورد بذلك انما هو من طرق العامّة» الي آخر كلامه.

(2) تدلّ علي المدعي جملة من النصوص:

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 468

______________________________

منها ما رواه عبد الرحمن بن سالم، عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة و الأضحي و الفطر؟

قال: نعم أعظمها حرمة، قلت: و ايّ عيد هو جعلت فداك؟

قال: اليوم الذي نصب فيه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أمير المؤمنين عليه السّلام و قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، قلت: و ايّ يوم هو؟ قال: و ما تصنع باليوم انّ السنة تدور و لكنّه يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة، فقلت: و ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ قال: تذكرون اللّه عزّ ذكره فيه بالصيام و العبادة و الذكر لمحمّد و آل محمّد، فانّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أوصي أمير المؤمنين عليه السّلام أن يتّخذ ذلك اليوم عيدا و كذلك كانت الانبياء تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتّخذونه عيدا «1».

و منها ما رواه الحسن بن راشد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت:

جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم يا حسن أعظمهما و أشرفهما، قال: قلت: و ايّ يوم هو؟ قال: يوم نصب أمير المؤمنين عليه السّلام فيه علما للناس، قلت: جعلت فداك و ايّ يوم هو؟ قال: ان الايام تدور و هو يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة، قلت: جعلت فداك

و ما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال: تصومه يا حسن و تكثر الصلاة علي محمّد و آله و تبرأ إلي اللّه ممّن ظلمهم، فانّ الأنبياء كانت تأمر الاوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصيّ أن يتّخذ عيدا، قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال: صيام ستّين شهرا- الحديث «2».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 14، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 469

و منها صوم مبعث النبي صلي اللّه عليه و آله و هو السابع و العشرون من رجب (1).

______________________________

و منها ما رواه أبو اسحاق بن عبد اللّه العلوي العريضي قال: وجد في صدري ما الايام التي تصام فقصدت مولانا أبا الحسن عليّ بن محمّد عليه السّلام و هو بصريا و لم أبد ذلك لأحد من خلق اللّه فدخلت عليه فلما بصر بي قال: يا أبا اسحاق جئت تسألني عن الايّام التي يصام فيهن، و هي أربعة، الي أن قال: و يوم الغدير فيه أقام النبي صلي اللّه عليه و آله أخاه عليا عليه السّلام علما للناس و اماما من بعده، قلت: صدقت جعلت فداك لذلك قصدت اشهد انّك حجّة اللّه علي خلقه «1».

و منها ما رواه علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام يقول: صيام يوم غدير خمّ، الي أن قال: يعدل عند اللّه عزّ و جلّ في كل عام مائة حجّة و مائة عمرة مبرورات متقبّلات و هو عيد اللّه الأكبر- الحديث «2».

(1) و تدل عليه جملة من النصوص:

منها ما رواه الحسن بن راشد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و لا تدع صيام يوم

سبعة و عشرين من رجب فانّه هو اليوم الّذي انزلت فيه النبوة علي محمّد صلي اللّه عليه و آله و ثوابه مثل ستّين شهرا لكم «3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن طلحة، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 4.

(3) الوسائل: الباب 15، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 470

و منها يوم دحو الارض من تحت الكعبة و هو اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة (1).

______________________________

قال: من صام يوم سبعة و عشرين من رجب كتب اللّه له صيام سبعين سنة «1».

و منها ما رواه سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال: بعث اللّه عزّ و جلّ محمدا صلي اللّه عليه و آله رحمة للعالمين في سبع و عشرين من رجب، فمن صام ذلك اليوم كتب اللّه له صيام ستّين شهرا- الحديث «2».

و منها ما رواه كثير النواء، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: في اليوم السابع و العشرين منه يعني من رجب نزلت النبوّة علي رسوله صلي اللّه عليه و آله من صام هذا اليوم كان ثوابه ثواب من صام ستّين شهرا «3».

(1) لا حظ ما رواه الوشاء قال: كنت مع أبي و أنا غلام فتعشّينا عند الرضا عليه السّلام ليلة خمس و عشرين من ذي القعدة، فقال له: ليلة خمس و عشرين من ذي القعدة ولد فيها ابراهيم عليه السّلام و ولد فيها عيسي بن مريم و فيها دحيت الأرض من تحت الكعبة، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستّين شهرا «4».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث

3.

(2) نفس المصدر، الحديث 5.

(3) نفس المصدر، الحديث 4.

(4) الوسائل: الباب 16، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 471

و منها يوم عرفة لمن لا يضعفه الصوم عن الدعاء (1).

و منها يوم المباهلة و هو الرابع و العشرون من ذي الحجّة (2).

و منها كلّ خميس و جمعة معا (3)

______________________________

(1) لا حظ ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: صوم عرفة يعدل السنة، و قال: لم يصمه الحسن و صامه الحسين عليهما السّلام «1».

و لا حظ ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

سألته عن صوم يوم عرفة؟ فقال: من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء فانه يوم دعاء و مسألة فصمه و ان خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه «2».

(2) قال في الحدائق: «لم اقف فيه علي نص» و يمكن اتمام الأمر فيه بقاعدة التسامح، و لكن يتوقف الاستدلال بتلك القاعدة علي بلوغ الثواب و مع عدمه لا مجال للاستدلال بتلك القاعدة.

(3) لا حظ أحاديث دارم بن قبيصة، عن الرضا عليه السّلام، عن آبائه قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لا تفردوا الجمعة بصوم «3».

و أبي هريرة عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: لا تصوموا يوم الجمعة إلّا أن تصوموا قبله أو بعده «4».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 23، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 4.

(3) الوسائل: الباب 5، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 3.

(4) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 472

أو الجمعة فقط (1).

______________________________

و المصباح قال: روي

الترغيب في صومه الا أن الأفضل أن لا ينفرد بصومه الّا بصوم يوم قبله «1».

و الروايات المذكورة ضعيفة سندا.

و استدل في الجواهر علي المدعي بأنّهما من اشرف الأيّام التي ينبغي فيهما الصيام و هو كما تري.

(1) لاحظ حديث الزهري، عن عليّ بن الحسين عليه السّلام قال: و أمّا الصوم الّذي يكون صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة و الخميس و الاثنين و صوم البيض و صوم ستّة أيّام من شوّال بعد شهر رمضان و صوم يوم عرفة و يوم عاشوراء كلّ ذلك صاحبه فيه بالخيار ان شاء صام و ان شاء افطر «2».

و ما في عيون الأخبار، عن الرضا عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من صام يوم الجمعة صبرا و احتسابا اعطي ثواب صيام عشرة أيّام غرّ زهر لا تشاكل أيام الدنيا «3».

و حديث هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في الرّجل يريد أن يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة و الصوم و نحو هذا؟ قال: يستحبّ أن يكون ذلك اليوم الجمعة فان العمل يوم الجمعة يضاعف «4».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 7.

(2) نفس المصدر، الحديث 1.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

(4) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 473

و منها اوّل ذي الحجّة بل كل يوم من التسع فيه (2).

و منها يوم النيروز (2).

و منها صوم رجب و شعبان كلّا أو بعضا و لو يوما من كلّ منهما (3).

______________________________

و حديث ابن سنان يعني عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

رأيته صائما يوم الجمعة، فقلت له: جعلت فداك انّ الناس يزعمون انّه يوم عيد، فقال: كلّا انّه يوم خفض

و دعة «1».

(1) لاحظ حديث الطوسي، عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام قال: من صام أوّل يوم من العشر ذي الحجّة كتب اللّه له صوم ثمانين شهرا «2».

و حديث الصدوق عن موسي بن جعفر عليه السّلام مثله و زاد: فان صام التسع كتب اللّه عزّ و جلّ له صوم الدهر «3».

(2) لاحظ ما روي في المصباح، عن المعلّي بن خنيس، عن الصادق عليه السّلام، في يوم النيروز قال: اذا كان يوم النيروز فاغتسل و ألبس انظف ثيابك و تطيّب بأطيب طيبك و تكون ذلك اليوم صائما الحديث «4» و الحديث ضعيف سندا.

(3) لا حظ حديث المبارك، عن أبي الحسن موسي عليه السّلام قال: انّ

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) الوسائل: الباب 18، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

(4) الوسائل: الباب 24، من أبواب الصوم المندوب.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 474

______________________________

نوحا ركب السفينة أوّل يوم من رجب فأمر عليه السّلام من معه أن يصوموا ذلك اليوم و قال: من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة و من صام سبعة أيّام اغلقت عنه أبواب النيران السبعة و من صام ثمانية أيّام فتحت له أبواب الجنان الثمانية و من صام خمسة عشر يوما اعطي مسألته و من زاد زاده اللّه عزّ و جلّ «1».

و حديث ابان بن عثمان نحوه الّا أنّه قال: و من صام عشرة ايّام أعطي مسألته و من صام خمسة و عشرين يوما منه، قيل له: استأنف العمل فقد غفر لك و من زاد زاده اللّه «2».

و حديث الصدوق قال: و قال أبو الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام رجب نهر في

الجنّة أشدّ بياضا من اللّبن و أحلي من العسل فمن صام يوما من رجب سقاه اللّه من ذلك النهر «3».

و قال: و قال أبو الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام رجب شهر عظيم يضاعف اللّه فيه الحسنات و يمحو فيه السيئات من صام يوما من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة و من صام ثلاثة أيّام وجبت له الجنّة «4».

و حديث سلام الخثعمي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل: الباب 26، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

(4) نفس المصدر، الحديث 4.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 475

______________________________

قال: من صام من رجب يوما واحدا من أوّله أو وسطه أو آخره أوجب اللّه له الجنّة و جعله معنا في درجتنا يوم القيامة، و من صام يومين من رجب قيل له: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضي، و من صام ثلاثة أيّام من رجب قيل له قد غفر لك ما مضي و ما بقي فاشفع لمن شئت من مذنبي اخوانك و أهل معرفتك و من صام سبعة أيّام من رجب اغلقت عنه أبواب النيران السبعة و من صام ثمانية أيّام من رجب فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخلها من ايّها شاء «1».

و حديث انس قال: سمعت النبيّ صلي اللّه عليه و آله يقول: من صام يوما من رجب ايمانا و احتسابا جعل اللّه بينه و بين النار سبعين خندقا عرض كلّ خندق ما بين السماء الي الأرض «2».

و حديث سالم قال: دخلت علي الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام في رجب و قد بقيت منه ايّام، فلمّا نظر إليّ قال

لي يا سالم هل صمت في هذا الشهر شيئا؟ قلت: لا و اللّه يا بن رسول اللّه، فقال لي: لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه الّا اللّه عزّ و جلّ، انّ هذا شهر قد فضّله اللّه و عظّم حرمته و أوجب للصائم فيه كرامته، قال: فقلت:

يا بن رسول اللّه: فان صمت مما بقي شيئا هل أنال فوزا ببعض ثواب الصائمين فيه؟ فقال: يا سالم من صام يوما من آخر هذا الشهر كان ذلك امانا له من شدّة سكرات الموت و أمانا له من هول المطّلع و عذاب

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 476

و منها أوّل يوم من المحرم (1) و ثالثه (2) و سابعه (3).

______________________________

القبر و من صام يومين من آخر هذ الشهر كان له بذلك جواز علي الصراط، و من صام ثلاثة أيّام من آخر هذا الشهر أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله و شدائده و اعطي براءة من النار «1».

و حديث سليمان المروزي، عن الرّضا عليه السّلام قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يكثر الصيام في شعبان، الي أن قال: و كان يقول: شعبان شهري و هو أفضل الشهور بعد شهر رمضان، فمن صام فيه يوما كنت شفيعه يوم القيامة «2»

و لاحظ بقيّة الأحاديث الواردة في الباب المشار إليه و الباب السابق.

(1) لاحظ ما رواه الصدوق قال: روي أنّ في أوّل يوم من المحرّم دعا زكريّا عليه السّلام ربّه عزّ و جلّ، فمن صام ذلك اليوم استجاب اللّه له كما استجاب لزكريّا عليه السّلام «3».

و غيره مما ورد في الباب المشار اليه.

(2) لاحظ ما عن

النبيّ صلي اللّه عليه و آله: أنّ من صام اليوم الثالث من المحرّم استجيبت دعوته «4».

(3) لم أظفر علي مدركه الّا أن يتمّ الأمر بقاعدة التسامح لا حظ ما روي في كتاب الاقبال عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: من صام يوما من المحرّم فله بكلّ يوم ثلاثون يوما «5» فانّ اليوم باطلاقه يشمل اليوم السابع المذكور في المتن.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 8.

(2) الوسائل: الباب 28، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 12.

(3) الوسائل: الباب 25، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 1.

(4) الوسائل: الباب 25، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 9.

(5) نفس المصدر، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 477

و منها التاسع و العشرون من ذي القعدة (1).

و منها صوم ستّة أيّام بعد عيد الفطر بثلاثة أيّام أحدها العيد (2).

و منها يوم النصف من جمادي الأولي (3).

(مسألة 1) لا يجب اتمام صوم التطوع بالشروع فيه، بل يجوز له الافطار الي الغروب، و ان كان يكره بعد الزوال (4).

______________________________

(1) لاحظ ما رواه الصدوق (قدّس سرّه) قال: روي انّ في تسع و عشرين من ذي القعدة أنزل اللّه عزّ و جلّ الكعبة و هي اوّل رحمة نزلت، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة «1».

(2) نقل عن أبي أيّوب في سنن البيهقي، عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من صام شهر رمضان و اتبعه بستّ من شوال فكأنّما صام الدهر «2».

و هذه الرواية مضافا الي انّها عاميّة غير معتبرة لا تنطبق علي ما في المتن و أمّا حديث الزهري «3» فلا ينطبق علي المقصود.

(3) في هذه العجالة لم أظفر علي مدرك الحكم المذكور.

[مسألة 1 لا يجب اتمام صوم التطوع بالشروع فيه]

(4) لعدم الدليل عليه،

و مقتضي القاعدة الاوّليّة جواز الافطار الي الغروب، مضافا الي النصّ الخاصّ، لا حظ ما رواه جميل بن درّاج «4».

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: ج 7 ص 520، الباب 13، من أبواب الصوم المندوب و الوسائل: الباب 17، من هذه الأبواب، الحديث 1.

(2) الحدائق: ج 13 ص 386.

(3) قد تقدم في ص 472.

(4) قد تقدم في ص 425.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 478

(مسألة 2) يستحبّ للصائم تطوّعا قطع الصوم اذا دعاه أخوه المؤمن الي الطعام (1).

بل قيل بكراهته حينئذ (2) و أمّا المكروه منه بمعني قلّة

______________________________

و ربما يستدلّ علي الكراهة المذكورة في كلامه بما رواه مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه، انّ عليا عليه السّلام قال: الصائم تطوّعا بالخيار ما بينه و بين نصف النهار، فاذا انتصف النهار فقد وجب الصوم «1».

و الرواية ضعيفة بمسعدة بن صدقة.

[مسألة 2 يستحبّ للصائم تطوّعا قطع الصوم إذا دعاه أخوه المؤمن إلي الطعام]

(1) لجملة من النصوص:

منها ما رواه نجم بن حطيم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من نوي الصوم ثمّ دخل علي أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر فليدخل عليه السرور فانّه يحتسب له بذلك اليوم عشرة أيّام و هو قول اللّه عزّ و جلّ:

مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا «2».

و منها ما رواه صالح بن عبد اللّه الخثعمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن الرّجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي هو علي أمره أ يفطر؟

قال: ان كان تطوّعا أجزأه و حسب له و ان كان قضاء فريضة قضاه «3».

(2) اذا قلنا بأنّ المستفاد من النصوص أرجحيّة الافطار فالصوم

______________________________

(1) الوسائل: الباب 4، من أبواب وجوب الصوم و نيته، الحديث 11.

(2) الوسائل: الباب 8، من أبواب آداب الصائم، الحديث

1.

(3) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 479

الثواب ففي مواضع أيضا منها صوم عاشوراء (1).

______________________________

مكروه أي يكون أقلّ ثوابا.

(1) قد دلّت جملة من النصوص علي استحباب صوم عاشوراء منها ما رواه مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن أبيه: انّ عليا عليه السّلام قال: صوموا العاشوراء التاسع و العاشر فانه يكفّر ذنوب سنة «1».

و منها ما رواه أبو همّام، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: صام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يوم عاشوراء «2».

و منها ما رواه عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام قال: صيام يوم عاشوراء كفارة سنة «3».

و منها ما رواه كثير النواء، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لزقت السفينة يوم عاشوراء علي الجودي فأمر نوح عليه السّلام من معه من الجنّ و الانس ان يصوموا ذلك اليوم، قال أبو جعفر عليه السّلام: أ تدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب اللّه عزّ و جلّ فيه علي آدم و حواء، و هذا اليوم الذي فلق اللّه فيه البحر لبني اسرائيل فأغرق فرعون و من معه، و هذا اليوم الذي غلب فيه موسي عليه السّلام فرعون، و هذا اليوم الذي ولد فيه ابراهيم عليه السّلام، و هذا اليوم الذي تاب اللّه فيه علي قوم يونس و هذا اليوم الذي ولد فيه عيسي بن مريم عليه السّلام، و هذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه السّلام «4».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 20، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 1.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

(4) نفس المصدر، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي -

كتاب الصوم، ص: 480

______________________________

و منها ما رواه الزهري، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام: انّ في الصوم الذي صاحبه فيه بالخياران شاء صام و ان شاء أفطر صوم عاشوراء «1».

و هذه النصوص ضعيفة سندا، لكن يتمّ الأمر بالتقريب الذي ذكرنا، و قلنا يمكن اثبات الاستحباب بقاعدة التسامح.

و في قبال هذه الطائفة طائفة اخري تدلّ علي حرمة الصوم في عاشوراء، منها ما رواه عبد الملك قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن صوم تاسوعاء و عاشوراء من شهر المحرّم؟ فقال: تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه السّلام و أصحابه (رضي اللّه عنهم) بكربلاء و اجتمع عليه خيل أهل الشام و اناخوا عليه و فرح ابن مرجانة و عمر بن سعد بنوافل الخيل و كثرتها و استضعفوا فيه الحسين عليه السّلام و أصحابه (كرم اللّه وجوههم) و ايقنوا أن لا يأتي الحسين عليه السّلام ناصر و لا يمدّه اهل العراق بأبي المستضعف الغريب.

ثم قال: و أمّا يوم عاشوراء فيوم اصيب فيه الحسين عليه السّلام صريعا؟؟؟

بين أصحابه و أصحابه صرعي حوله أ فصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلا؟؟؟

و ربّ البيت الحرام ما هو يوم صوم و ما هو الّا يوم حزن و مصيبة دخلت علي أهل السماء و أهل الأرض و جميع المؤمنين و يوم فرح و سرور لابن مرجانة و آل زياد و أهل الشام غضب اللّه عليهم و علي ذرّياتهم و ذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صامه أو تبرّك به حشره اللّه مع آل زياد ممسوخ القلب

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 481

______________________________

مسخوط عليه، و من ادّخر الي منزله فيه

ذخيرة أعقبه اللّه تعالي نفاقا في قلبه الي يوم يلقاه و انتزع البركة عنه و عن أهل بيته و ولده و شاركه الشيطان في جميع ذلك «1».

و منها ما رواه محمد بن عيسي بن عبيد، عن جعفر بن عيسي أخيه قال: سألت الرضا عليه السّلام عن صوم يوم عاشوراء و ما يقول الناس فيه؟ فقال: عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الادعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السّلام و هو يوم يتشاءم به آل محمّد و يتشاءم به أهل الإسلام و اليوم الذي يتشاءم به اهل الإسلام لا يصام و لا يتبرّك به و يوم الاثنين يوم نحس قبض اللّه فيه نبيّه صلي اللّه عليه و آله، و ما اصيب آل محمّد الّا في يوم الاثنين فتشاءمنا به و تبرّك به عدونا و يوم عاشوراء قتل الحسين عليه السّلام و تبرّك به ابن مرجانة و تشاءم به آل محمّد صلي اللّه عليه و آله فمن صامهما أو تبرّك بهما لقي اللّه تبارك و تعالي ممسوخ القلب و كان محشره مع الّذين سنّوا صومهما و التبرّك بهما «2».

و منها ما رواه زيد النرسي قال: سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: من صامه كان حظّه من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة و آل زياد، قال: قلت: و ما كان حظّهم من ذلك اليوم؟ قال: النار أعاذنا اللّه من النار و من عمل يقرّب من النار «3».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 21، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) نفس المصدر، الحديث 4.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي -

كتاب الصوم، در يك جلد، انتشارات محلاتي، قم - ايران، اول، 1417 ه ق الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم؛ ص: 482

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 482

______________________________

و منها ما رواه نجيّة بن الحارث العطار قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام، عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: صوم متروك بنزول شهر رمضان و المتروك بدعة، قال: نجية، فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من بعد أبيه عليه السّلام عن ذلك؟ فأجابني بمثل جواب أبيه، ثمّ قال: أما انّه صوم يوم ما نزل به كتاب و لا جرت به سنّة الّا سنة آل زياد بقتل الحسين بن علي عليهما السّلام «1».

و منها ما رواه زرارة، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا:

لا تصم في يوم عاشوراء و لا عرفة بمكّة و لا في المدينة و لا في وطنك و لا في مصر من الامصار «2».

و منها ما رواه الحسين بن أبي غندر، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن صوم يوم عرفة؟ فقال: عيد من أعياد المسلمين و يوم دعاء و مسألة، قلت: فصوم عاشوراء؟ قال: ذاك يوم قتل فيه الحسين عليه السّلام، فان كنت شامتا فصم، ثمّ قال: انّ آل اميّة نذروا نذرا إن قتل الحسين عليه السّلام أن يتّخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا و يفرحون أولادهم فصارت في آل أبي سفيان سنّة الي اليوم فلذلك يصومونه و يدخلون علي عيالاتهم و اهاليهم الفرح ذلك اليوم، ثمّ قال: انّ الصوم لا يكون للمصيبة و لا يكون الّا شكرا للسلامة، و انّ الحسين عليه السّلام أصيب يوم عاشوراء،

فان كنت فيمن اصيب به فلا تصم

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 5.

(2) نفس المصدر، الحديث 6.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 483

______________________________

و ان كنت شامتا ممّن سرّه سلامة بني امية فصم شكرا للّه تعالي «1».

و هذه الأخبار كلها ضعيفة سندا، فالمرجع تلك الاخبار الدالة علي ترتّب الثواب علي صوم ذلك اليوم بالتقريب الذي ذكرناه.

و في المقام حديث رواه عبد اللّه بن سنان قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام يوم عاشوراء و دموعه تنحدر علي عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: ممّ بكاؤك؟ فقال: أ في غفلة أنت أما علمت انّ الحسين عليه السّلام اصيب في مثل هذا اليوم، فقلت: ما قولك في صومه؟ فقال لي صمه من غير تبييت و أفطره من غير تشميت و لا تجعله يوم صوم كملا و ليكن افطارك بعد صلاة العصر بساعة علي شربة من ماء، فانّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله- الحديث «2»، يستفاد منه المنع عن صوم عاشوراء و السند تامّ فلا بدّ من العمل به، فعلي هذا الاساس لا يمكن العمل بتلك النصوص بل المرجع هذا الحديث

لكن لنا أن نقول: اذا تمّت دلالة حديث من بلغ علي الاستحباب صوم عاشوراء نقول: من جملة ما يدلّ علي الاستحباب حديث ابي همّام، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: صام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يوم عاشوراء «3».

و هذا احدث من حديث ابن سنان، فالترجيح مع حديث أبي همام لكونه احدث لكنّ الحديث المذكور ضعيف سندا و لم يذكر فيه ثواب حتّي يتمّ الأمر بذلك التقريب.

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 7.

(2) الوسائل:

الباب 20، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 7.

(3) نفس المصدر، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 484

و منها صوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء الّذي هو أفضل من الصوم (1).

و كذا مع الشك في هلال ذي الحجّة خوفا من أن يكون يوم العيد (2).

و منها صوم الضيف بدون اذن مضيفه (3) و الأحوط تركه

______________________________

(1) قد مرّ الكلام حوله فانّ الجمع بين نصوص الباب يقتضي التفصيل المذكور في المتن.

(2) لاحظ ما رواه سدير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن صوم يوم عرفة، فقلت: جعلت فداك انّهم يزعمون انّه يعدل صوم سنة؟ فقال: كان أبي لا يصومه، قلت: و لم ذاك جعلت فداك؟ قال: انّ يوم عرفة يوم دعاء و مسألة و اتخوّف أن يضعفني عن الدعاء و أكره أن أصومه و أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم اضحي و ليس بيوم صوم «1» و السند مخدوش.

(3) لاحظ ما رواه الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اذا دخل رجل بلدة فهو ضيف علي من بها من أهل دينه حتّي يرحل عنهم و لا ينبغي للضيف أن يصوم الّا باذنهم لئلّا يعملوا الشي ء فيفسد و لا ينبغي لهم أن يصوموا الّا باذن الضيف لئلّا يحتشم فيشتهي الطعام فيتركه لهم «2» و في السند إشكال.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 23، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 6.

(2) الوسائل: الباب 9، من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 485

مع نهيه، بل الأحوط تركه مع عدم اذنه أيضا (1) و منها صوم

الولد بدون اذن والده (2).

بل الأحوط تركه (3) خصوصا مع النهي (4) بل يحرم اذا

______________________________

(1) لاحظ ما عن الصادق عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام، في وصية النبيّ صلي اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام قال: يا عليّ لا تصوم المرأة تطوّعا الّا باذن زوجها، و لا يصوم العبد تطوّعا الّا باذن مولاه، و لا يصوم الضيف تطوّعا الّا باذن صاحبه «1» و الحديث ضعيف سندا.

(2) لاحظ ما رواه هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعا الّا باذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعا الّا باذنه و أمره، و من صلاح العبد و طاعته و نصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعا الّا باذن مولاه و أمره، و من برّ الولد أن لا يصوم تطوّعا الّا باذن أبويه و أمرهما و الّا كان الضيف جاهلا و كانت المرأة عاصية و كان العبد فاسدا عاصيا و كان الولد عاقا «2» و الحديث ضعيف سندا.

(3) لا اشكال في حسن الاحتياط، و يستفاد من حديث هشام انّه اذا صام بدون اذنه يكون عاقا فبمقتضي هذه الرواية انّه يحرم عليه و لكنه قد مرّ آنفا ضعف سند الحديث.

(4) اذ لو لم يجز مع عدم الاذن فمع النهي يكون عدم الجواز أولي.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 10، من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 4.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 486

كان ايذاء له من حيث شفقته عليه (1).

و الظاهر جريان الحكم في ولد الولد بالنسبة الي الجدّ (2) و الأولي مراعاة اذن

الوالدة (3) و مع كونه ايذاء لها يحرم كما في الوالد (4).

[أمّا المحظور منه]

[أحدها صوم العيدين الفطر و الأضحي]

و أمّا المحظور منه ففي مواضع أيضا، احدها صوم العيدين الفطر و الأضحي (5).

______________________________

(1) اذ يجب عليه أن يصاحبهما بالمعروف.

(2) لصدق الولد عليه.

(3) لا فرق بين الوالد و الوالدة، اذ قد صرّح في الخبر بعنوان أبويه.

(4) اذ الواجب علي الولد مصاحبتهما بالمعروف.

(5) ادّعي عليه اجماع علماء الإسلام، مضافا الي أنّ حرمة صوم هذين اليومين من الواضحات عند أهل الشرع.

اضف الي ذلك انّ جملة من النصوص تدل علي المدّعي، منها ما رواه الزهري، عن علي بن الحسين عليه السّلام، في حديث قال: و أمّا الصوم الحرام فصوم يوم الفطر و يوم الاضحي و ثلاثة أيّام من أيّام التشريق و صوم يوم الشكّ أمرنا به و نهينا عنه، الي أن قال: و صوم الوصال حرام و صوم الصمت حرام و صوم نذر المعصية حرام و صوم الدهر حرام «1» و منها ما رواه سدير «2».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 1، من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 1.

(2) قد تقدم في ص 484.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 487

______________________________

و منها ما عن الصادق عليه السّلام، عن آبائه عليهم السّلام في وصية النبيّ صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام قال: يا علي صوم الفطر حرام و صوم يوم الأضحي حرام «1».

و منها ما عن الصادق أيضا، عن آبائه عليهم السّلام: انّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن صيام ستّة أيّام يوم الفطر و يوم الشك و يوم النحر و أيّام التشريق «2».

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن صيام يوم الفطر؟ فقال:

لا ينبغي صيامه و لا صيام

أيّام التشريق «3».

و منها ما رواه القاسم الصيقل، انّه كتب اليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحي أو أيّام التشريق، الي أن قال: فكتب اليه: قد وضع اللّه عنك الصيام في هذه الأيّام كلها و تصوم يوما بدل يوم «4».

و منها ما رواه قتيبة الاعشي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام، نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن صوم ستّة أيّام العيدين و أيّام التشريق و اليوم الذي تشكّ فيه من شهر رمضان «5».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 1، من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، الحديث 4.

(3) نفس المصدر، الحديث 5.

(4) نفس المصدر، الحديث 6.

(5) نفس المصدر، الحديث 7.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 488

و ان كان عن كفّارة القتل في أشهر الحرم و القول بجوازه للقاتل شاذ و الرواية الدالّة عليه ضعيفة سندا و دلالة (1).

______________________________

و منها ما رواه كرام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اني جعلت علي نفسي أن أصوم حتي يقوم القائم، فقال: صم و لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيّام التشريق و لا اليوم الذي تشكّ فيه من شهر رمضان «1»

و منها ما رواه أيضا قال: حلفت فيما بيني و بين نفسي أن لا آكل طعاما بنهار أبدا حتي يقوم قائم آل محمّد، فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقلت له: رجل من شيعتكم جعل للّه عليه أن لا آكل طعاما بنهار أبدا حتي يقوم قائم آل محمّد، قال: فصم يا كرام و لا تصم العيدين و لا ثلاثة أيّام

التشريق و لا اذا كنت مسافرا و لا مريضا- الحديث. «2».

(1) الانصاف أنّ ما أفاده من ضعف السند و الدلالة غير تامّ لاحظ ما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل قتل رجلا في الحرم، قال: عليه دية و ثلث و يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم و يعتق رقبة و يطعم ستّين مسكينا، قال: قلت: يدخل في هذا شي ء، قال: و ما يدخل؟ قلت: العيدان و أيّام التشريق، قال: يصوم فانّه حق لزمه «3».

______________________________

(1) نفس المصدر، الحديث 8.

(2) نفس المصدر، الحديث 9.

(3) الوسائل: الباب 8، من أبواب بقية الصوم الواجب، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 489

[الثاني: صوم أيّام التشريق]

الثاني: صوم أيّام التشريق و هي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من ذي الحجة

______________________________

و علي الجملة: ان الحديث تامّ سندا و دلالة.

و من ناحية اخري ان التخصيص ليس عزيزا فالقاعدة تقتضي القول بالجواز، إلّا أن يقوم علي المنع إجماع تعبّديّ كاشف.

ان قلت: الحديث مرسل اذ من حيث الطبقة لا يمكن لابن أبي عمير أن يروي عن أبان بلا واسطة و مع الواسطة تصير الرواية مرسلة اذ لا نعرف الواسطة.

قلت: بعد البناء علي كون الاخبار ظاهرا في الحسّ، و من ناحية اخري يمكن ان يكون الخبر واصلا الي ابن ابي عمير بواسطة كابر أو كابرين أو أزيد فلا وجه لرفع اليد عن الحديث.

و بعبارة اخري: انّ ابن أبي عمير يخبر جزما عن أبان فيكون المقام مثل التوثيقات الصادرة عن المتأخّرين بالنسبة الي المتقدّمين.

و لما انجرّ الكلام الي هنا نقول: يمكن تصحيح جملة من المرسلات بالبيان المذكور و هذه فائدة مهمّة تترتّب عليه آثار كثيرة فاغتنم.

لكن الانصاف انّ

الجزم بهذه المقالة و المعاملة مع المرسلات التي تكون بهذا النحو معاملة المسند في غاية الاشكال، و الوجه فيه انّه لو كان للمحدّث طريق حسّي الي المعصوم عليه السّلام أو الي الراوي الفلاني لم يكن وجه لعدم ذكره و الحال انّا نري ان الطوسي، و كذلك الصدوق يذكران طرقهما الي الرواة ففي كلّ مورد لم يذكر الطريق يكشف عن انّه لا طريق للمحدّث الي الراوي الفلاني مثلا نري انّ الصدوق لم

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 490

لمن كان بمني و لا فرق علي الأقوي بين الناسك و غيره (1).

[الثالث: صوم يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان بنيّة انّه من رمضان]

الثالث: صوم يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان بنيّة انّه من رمضان، و أمّا بنية انّه من شعبان فلا مانع منه كما مرّ (2).

[الرابع: صوم وفاء نذر المعصية]

الرابع: صوم وفاء نذر المعصية بأن ينذر الصوم اذا تمكّن من الحرام الفلاني أو اذا ترك الواجب الفلاني يقصد بذلك

______________________________

يذكر طريقا الي نشيط بن صالح فنعلم انّه لا طريق له الي الرجل فطبعا لا يكون إخباره عنه عن حسّ فلا يكون نقله عنه معتبرا.

و صفوة القول: انّه فرق بين باب الروايات و باب التوثيقات، فانّ ديدنهم في الاولي علي ذكر الطريق اذا كان عندهم، و أمّا ديدنهم في الثانية فعلي خلاف الاولي أي بنائهم علي حذف الوسائط فلا وجه للمقايسة و المقارنة بين المقامين.

(1) لاحظ حديث معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن صيام أيّام التشريق؟ فقال: أمّا بالأمصار فلا بأس به و أمّا بمني فلا «1».

و ما رواه أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن صيام أيّام التشريق فقال: انّما نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن صيامها بمني فأمّا بغيرها فلا بأس «2».

و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين الناسك و غيره.

(2) و قد مرّ الكلام حول الفرع فراجع ما ذكرناه هناك.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 2، من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 491

الشكر علي تيسّره و أمّا اذا كان بقصد الزجر عنه فلا بأس به (1).

نعم يلحق بالأوّل في الحرمة ما إذ نذر الصوم زجرا عن طاعة صدرت منه أو عن معصية تركها (2).

[الخامس: صوم الصمت]

الخامس: صوم الصمت بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيّته من قيود صومه، و أمّا إذا لم يجعله قيدا و ان صمت فلا بأس به و ان كان في

حال النيّة بانيا علي ذلك اذا لم يجعل الكلام جزء من المفطرات و تركه قيدا في صومه (3).

______________________________

(1) و الوجه فيه: انّ متعلّق النذر يلزم أن يكون راجحا فكيف يمكن تحقّق نذر المعصية أي يصوم شكرا لصدورها عنه أو لترك الطاعة، بل النذر بهذا النحو نحو تجرّ و طغيان بالنسبة الي المولي.

و يؤيّد المدّعي حديث الزهري، عن علي بن الحسين عليهما السّلام، في حديث قال: و صوم نذر المعصية حرام «1».

و حديث محمد، عن الصادق، عن آبائه عليهم السّلام في وصيّة النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام قال: و صوم نذر المعصية حرام «2». نعم نذر الصوم بعنوان الزجر عن المعصية لا بأس به.

(2) و الوجه فيه عين ما تقدّم منّا قريبا.

(3) فانّه تشريع محرّم، و يدلّ علي المدّعي حديث الزهري، عن

______________________________

(1) الوسائل: الباب 6، من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 492

[السادس: صوم الوصال]

السادس: صوم الوصال (1) و هو صوم يوم و ليلة الي السحر أو صوم يومين بلا افطار في البين، و أمّا لو أخّر الافطار الي السحر أو الي الليلة الثانية مع عدم قصد جعل تركه جزءا من الصوم فلا بأس به، و ان كان الأحوط عدم التأخير الي السحر مطلقا (2).

______________________________

علي بن الحسين عليه السّلام، في حديث قال: و صوم الصمت حرام «1».

و الحديث المرويّ عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السّلام في وصيّة النبيّ صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام قال: و لا صمت يوما الي الليل، الي أن قال:

و صوم الصمت حرام «2».

هذا فيما يجعل الصمت جزءا من الصوم،

و أمّا إن لم يكن كذلك فلا بأس به و ان صمت، و الوجه فيه ظاهر فانّ الحرام التشريع و إدخال ما ليس من الدّين فيه، و أمّا ان لم يكن كذلك فلا وجه لحرمته فلاحظ.

(1) قال في الحدائق: الظاهر انه لا خلاف بينهم في التحريم، و تدلّ عليه جملة من النصوص:

منها ما رواه زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في حديث قال: لا وصال في صيام «3».

(2) و المنشأ للترديد اختلاف النصوص:

______________________________

(1) الوسائل: الباب 5، من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 2.

(2) نفس المصدر، الحديث 3.

(3) الوسائل: الباب 4، من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 493

[السابع: صوم الزوجة مع المزاحمة لحقّ الزوج]

السابع: صوم الزوجة مع المزاحمة لحقّ الزوج و الأحوط تركه بلا اذن منه، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه عنه و ان لم يكن مزاحما لحقّه (1).

______________________________

لاحظ ما رواه سليمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في الرجل يصوم شعبان و شهر رمضان؟ قال: هما الشهران اللذان قال اللّه تبارك و تعالي شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّٰهِ قلت: فلا يفصل بينهما؟

قال: اذا افطر من الليل فهو فصل و انّما قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لا وصال في صيام يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير افطار، و قد يستحبّ للعبد أن لا يدع السحور «1».

و هذه الرواية ضعيفة.

و لاحظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره «2».

و هذه الرواية تامّة سندا فالعمل علي طبقها.

(1) قد وردت في المقام جملة من النصوص:

منها ما رواه الزهري، عن علي بن

الحسين عليهما السّلام، في حديث قال:

و أمّا صوم الاذن فانّ المرأة لا تصوم تطوعا الّا باذن زوجها و العبد لا يصوم تطوّعا الّا باذن سيّده، و الضيف لا يصوم تطوّعا الّا باذن صاحبه، و قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من نزل علي قوم فلا يصومنّ تطوّعا إلّا باذنهم «3».

______________________________

(1) الوسائل: الباب 29، من أبواب الصوم المندوب، الحديث 3.

(2) الوسائل: الباب 4، من أبواب الصوم المحرّم و المكروه، الحديث 7.

(3) الوسائل: الباب 10، من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 1.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 494

[الثامن: صوم المملوك مع المزاحمة لحقّ المولي]

الثامن: صوم المملوك مع المزاحمة لحقّ المولي و الأحوط تركه من دون اذنه، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه (1).

______________________________

و منها ما رواه هشام بن الحكم «1».

و منها ما رواه محمّد، عن الصادق، عن آبائه عليهم السّلام، في وصيّة النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام قال: يا علي لا تصوم المرأة تطوّعا الّا باذن زوجها و لا يصوم العبد تطوّعا الّا باذن مولاه و لا يصوم الضيف تطوّعا الّا باذن صاحبه «2».

و حديث هشام تامّ سندا، اذ الصدوق ينقل علي نحو الجزم الحديث من نشيط بن صالح، و من ناحية اخري يمكن أن ينقل عنه بواسط كابر عن كابر، فالحديث تامّ، لكن قد ورد حديث آخر، عن أبي الحسن عليه السّلام يدل علي جواز صوم المرأة بلا اذن زوجها، لاحظ ما رواه عليّ بن جعفر، في كتابه عن أخيه قال: سألته عن المرأة تصوم تطوعا بغير اذن زوجها؟ قال: لا بأس «3».

و الترجيح بالأحدثيّة مع حديث ابن جعفر، مضافا الي أنه قد مرّ الاشكال قريبا في التقريب المتقدّم

فلا موضوع للمعارضة.

(1) قد دلّت جملة من النصوص علي المدعي، منها ما رواه الزهري «4» و منها ما رواه هشام بن الحكم «5» و منها حديث محمد

______________________________

(1) قد تقدم في ص 485.

(2) الوسائل: الباب 10، من أبواب الصوم المحرّم و المكروه، الحديث 4.

(3) الوسائل: الباب 8، من أبواب الصوم المحرّم و المكروه، الحديث 5.

(4) قد تقدم في ص 493.

(5) قد تقدم في ص 485.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 495

[التاسع: صوم الولد مع كونه موجبا لتألّم الوالدين و اذيّتهما]

التاسع: صوم الولد مع كونه موجبا لتألّم الوالدين و اذيّتهما (1).

[العاشر: صوم المريض و من كان يضرّه الصوم]

العاشر: صوم المريض و من كان يضرّه الصوم (2).

[الحادي عشر: صوم المسافر الّا في الصور المستثناة]

الحادي عشر: صوم المسافر الّا في الصور المستثناة علي ما مرّ (3).

[الثاني عشر: صوم الدهر حتّي العيدين]

الثاني عشر: صوم الدهر حتّي العيدين علي ما في الخبر (4).

______________________________

المتقدّم آنفا و قد مرّ انّ النصوص المذكورة ضعيفة سندا.

(1) و قد مرّ الكلام حول المسألة.

(2) و هذا لعلّه من الواضحات، و تدلّ عليه جملة من النصوص:

منها ما رواه رفاعة «1» فانّه يستفاد من الحديث ان المريض محبوس من الصوم شرعا.

و لاحظ ما رواه عمر بن اذينة قال: كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر فيه صاحبه و المرض الّذي يدع صاحبه الصلاة من قيام؟ قال: بَلِ الْإِنْسٰانُ عَليٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، و قال: ذاك اليه هو أعلم بنفسه «2».

(3) و قد مرّ الكلام حوله.

(4) و تدلّ علي المدّعي جملة من النصوص:

______________________________

(1) قد تقدم في ص 448.

(2) الوسائل: الباب 20، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 5.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 496

و ان كان يمكن أن يكون من حيث اشتماله عليهما لا لكونه صوم الدهر من حيث هو (1).

______________________________

منها ما رواه زرارة، انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صوم الدهر؟

فقال: لم يزل مكروها «1».

و منها ما رواه الزهري، عن علي بن الحسين عليهما السّلام في حديث قال: و صوم الدهر حرام «2».

و منها ما رواه محمد، عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام في وصيّة النبي صلي اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام قال: و صوم الدهر حرام «3».

و منها ما رواه زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، عن صوم الدهر؟ فقال: لم نزل نكرهه «4».

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن صوم الدهر؟ فكرهه و

قال:

لا بأس أن يصوم يوما و يفطر يوما «5».

فانّ ما يدلّ علي كراهته يدلّ علي حرمته و عدم مشروعيته.

اذ لا تعقل الكراهة في العبادة لأولها الي اجتماع الضدّين.

(1) و الظاهر انّ بنائهم علي رجحان الصوم في جميع الأيام إلّا يومي العيدين و يظهر من حديث سماعة «6» انّ صوم الدهر مكروه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 7، من أبواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث 1.

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

(3) نفس المصدر، الحديث 3.

(4) نفس المصدر، الحديث 4.

(5) نفس المصدر، الحديث 5.

(6) قد تقدم آنفا.

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 497

[مسألة 3 يستحبّ الامساك تادّبا في شهر رمضان، و ان لم يكن صوما في مواضع]

(مسألة 3) يستحبّ الامساك تادّبا في شهر رمضان، و ان لم يكن صوما في مواضع:

احدها: المسافر اذا ورد أهله أو محلّ الاقامة بعد الزوال مطلقا أو قبله و قد أفطر، و أمّا اذا ورد قبله و لم يفطر فقد مرّ انّه يجب عليه الصوم.

الثاني: المريض اذا برئ في أثناء النهار و قد أفطر، و كذا لو لم يفطر اذا كان بعد الزوال بل قبله أيضا علي ما مرّ من عدم صحّة صومه، و ان كان الأحوط تجديد النيّة و الاتمام ثمّ القضاء

الثالث: الحائض و النفساء اذا طهرتا في أثناء النهار.

الرابع: الكافر اذا اسلم في أثناء النهار أتي بالمفطر أم لا.

الخامس: الصبي اذا بلغ في أثناء النهار.

السادس: المجنون و المغمي عليه اذا أفاقا في أثنائه (1).

______________________________

حيث جوّز روحي فداه يوما للصوم و يوما للإفطار، و اذا كان الممنوع صوم اليومين لكان المناسب استثنائهما و لكن حديث سماعة مخدوش من حيث الاضمار.

(1) قال في الحدائق: المسألة الثامنة قد صرّح الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) بأنّه يستحبّ الامساك تاديبا و ان لم يكن ذلك صياما في مواطن:

المسافر اذا قدم أهله أو بلدا يعزم الاقامة فيها بعد الزوال أو قبله و قد أفطر، و المريض اذا برئ بعد الزوال و الحائض و النفساء اذا طهرتا في أثناء النهار، و كذا الكافر اذا أسلم و الصبي اذا بلغ و المجنون

الغاية القصوي في التعليق علي العروة الوثقي - كتاب الصوم، ص: 498

______________________________

و المغمي عليه اذا أفاقا، و يدل علي بعض ذلك ما تقدم في حديثي الزهري «1» و كتاب الفقه المذكور في صدر الكتاب حيث قالا عليهما السّلام:

و أمّا صوم التأديب فانّه يؤمر الصبي اذا بلغ سبع سنين بالصوم تاديبا و ليس بفرض، و كذلك من أفطر لعلّة اول النهار ثم قوي بقية يومه امر بالامساك بقية يومه تأديبا و ليس بفرض، و كذلك المسافر اذا أكل من أوّل النهار ثمّ قدم أهله بقيّة يومه أمر بالامساك تأديبا و ليس بفرض، و كذلك الحائض اذا طهرت أمسكت بقيّة يومها.

و في موثقة سماعة قال: سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس و قد أكل؟ قال: لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا و لا يواقع في شهر رمضان ان كان له أهل.

و في رواية محمد بن عيسي، عن يونس قال: قال في المسافر الّذي يدخل أهله في شهر رمضان و قد أكل قبل دخوله؟ قال: يكفّ عن الأكل بقيّة يومه و عليه القضاء، الي غير ذلك من الأخبار الواردة في المقام «2».

قد حصل الفراغ من كتابة التعليق علي مباحث الصوم من كتاب العروة الوثقي في اليوم الاربعاء العشرين من شهر ذي الحجة، بيد أقلّ العباد تقي بن الحسين الطباطبائي القمي عفي عنهما في السنة 1416 بعد الهجرة علي مهاجرها و آله آلاف التحيّة

و الثناء، و الحمد للّه و له الشكر و عليه التكلان.

______________________________

(1) الوسائل: الباب 7، من أبواب من يصح منه الصوم، الحديث 3.

(2) الحدائق: ج 13 ص 416.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.